الباقورة والغمر.. هل تقتل "السلام البارد" بين الأردن وإسرائيل؟

مهدي محمد | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم أن القرار كان معروفا مسبقا منذ نحو عام كامل، وأكده الأردن قبل شهر من الآن، فإن التعويل كان على مفاوضات يخوضها الاحتلال الإسرائيلي، لتأخير استعادة عمّان منطقتي الباقورة والغمر، اللتين احتلتهما تل أبيب ثم استأجرتهما بموجب اتفاق عام 1994.

لا شك أن قرار الملك الأردني، عبدالله الثاني، سيلقي بظلاله على علاقات متوترة بالأساس مع إسرائيل في الآونة الأخيرة، ليُفرغ اتفاقية السلام من مضمونها بعد ربع قرن، كان السلام "باردا" في آخر سنواته بوصف الملك نفسه.

ممنوع الدخول

بالفعل بدأت السلطات الأردنية، الأحد، منع الإسرائيليين من دخول الأراضي الأردنية في الباقورة والغمر (التي يطلق عليها الإسرائيليون اسم نهارييم) بعد انتهاء عقد يسمح للمزارعين الإسرائيليين بالعمل في تلك الأراضي، بعد 25 عاما من توقيع اتفاق سلام بين البلدين.

وحسب ملاحق اتفاقية السلام "وادي عربة" الموقعة في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1994: تم إعطاء حق التصرف لإسرائيل في هذه الأراضي لمدة 25 عاما، على أن يتجدد ذلك تلقائيا في حال لم تبلغ الحكومة الأردنية إسرائيل برغبتها في استعادة هذه الأراضي قبل عام من انتهاء المدة، وهو ما قامت به المملكة.

وقرر الملك عبدالله الثاني العام الماضي استعادة أراضي الباقورة الواقعة شرق نقطة التقاء نهري الأردن واليرموك في محافظة إربد (شمال)، والغمر في منطقة وادي عربة في محافظة العقبة (جنوب) من الوصاية الإسرائيلية، ثم أعلن القرار في خطابه الأحد تحت قبة البرلمان.

ورفع الجيش الأردني علم البلاد فوق المنطقة المستعادة، وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية: أنه تم إغلاق البوابة الصفراء المؤدية إلى جسر فوق النهر الذي يفصل بين البلدين، والذي يدخل منه المزارعون الإسرائيليون إلى الباقورة.

ورغم ذلك، ذهبت وسائل إعلام عبرية إلى اتجاه آخر، حيث نقلت صحيفة "هآرتس" عن جيش الاحتلال الإسرائيلي: أنه قد تم تمديد اتفاق الإيجار بين البلدين حتى نهاية العام القادم وفقا لشروط جديدة.

وقال الجيش، صباح الأحد: إنه سيسمح فقط للمزارعين بالوصول إلى المنطقة المستأجرة بعد التحقق من هوياتهم.

وقال مصدر رسمي في وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية: إنه لا تمديد ولا تجديد للملحقين الخاصين في اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية اللذين صدر بموجبهما نظامان خاصان نظما حق الانتفاع الذي منحته الاتفاقية لإسرائيل.

وأضاف المصدر: أن الأردن مارس حقه القانوني الذي جسدته الاتفاقية بعدم تجديد الملحقين، ويحترم التزامه القانوني أيضا باحترام أي حقوق تأتت من الاتفاقية، وهي محصورة في احترام الملكية الخاصة في الباقورة والسماح بحصاد ما كان زرع قبل انتهاء العمل بالملحقين في الغمر، وفق القانون الأردني.

أهمية إستراتيجية

تبلغ مساحة منطقة الباقورة ستة آلاف دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع) وتقع شرق نهر الأردن في الأغوار الشمالية التابعة لمحافظة إربد، وفي عام 1950 احتلت إسرائيل 1390 دونما منها، وفي مفاوضات اتفاقية السلام (وادي عربة عام 1994) زعمت أن 830 دونما منها تعد أملاكا شخصية لإسرائيليين.

"اتفاقية وادي عربة" نصت على استعادة الأردن 850 دونما من أراضي الباقورة، والباقي اعتبرتها أرضا مملوكة لإسرائيليين، لكنها تقع تحت السيادة الأردنية.

موقع الباقورة الخصب شمال الأردن

وكانت سلطات الانتداب البريطاني باعت منطقة الباقورة لمستثمر صهيوني اسمه "بنحاس روتنبرغ" بهدف توليد الطاقة الكهربائية في إطار مشروع لشركة كهرباء فلسطين عُرف باسم "مشروع روتنبرغ"، فاكتشف المستثمر أنه لم يكن بحاجة إلى كل هذه المساحة، وباع جزءا منها للوكالة اليهودية، التي ملّكتها بدورها لمزارعين إسرائيليين، وأصبحت بموجب ذلك ملكيات فردية.

وفي عام 1948 توقف مشروع روتنبرغ، وبعد ذلك بسنتين احتلت إسرائيل أراضي الباقورة، وظلت تتصرف فيها وتديرها إلى حين توقيع اتفاقية وادي عربة في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1994.

أما منطقة الغمر فتقع في صحراء وادي عربة بمحافظة العقبة (جنوبي الأردن)، وتبعد عن العاصمة عمان نحو 168 كيلومترا، وهي أرض مملوكة لخزينة المملكة الأردنية الهاشمية، وتبلغ مساحتها 4235 دونما (نحو أربعة كيلومترات مربعة)، وتمتد على طول خمسة كيلومترات باتجاه الحدود.

موقع منطقة الغمر

تضم المنطقة أراضي زراعية، واحتلتها إسرائيل عقب حرب 1967، وفي مفاوضات وادي عربة دفع الطرف الإسرائيلي بكونها مملوكة لمزارعين إسرائيليين مستوطنين، وطالبت بأن يطبق عليها نظام خاص مثل منطقة الباقورة.

نص الملحقان (1/ب و1/ج) التابعان لاتفاقية وادي عربة على: "إخضاع منطقتي الباقورة والغمر لنظام خاص على أساس مؤقت"، حيث وضعتا تحت السيادة الأردنية، لكنهما لا تخضعان لقوانين الجمارك الأردنية، إذ لا يمكن فرض ضرائب أو رسوم على الأراضي والأنشطة الزراعية التي تمارس فيها.

كما لا يمكن -حسب الملحقين المذكورين- تطبيق تشريعات جمركية أو تشريعات السفر على الإسرائيليين الذين يدخلون إليها أو ضيوفهم وعمالهم، ويعود للسلطات الإسرائيلية التحقيق في الجرائم والمخالفات القانونية التي يرتكبها هؤلاء الأشخاص أو ضيوفهم أو عمالهم وتطبق عليهم القوانين الإسرائيلية.

ويرى مراقبون: أن للمنطقتين أهمية إستراتيجية، حيث تمثل الباقورة نقطة التقاء نهر اليرموك مع نهر الأردن، ما يجعلها من أخصب المناطق الزراعية بالمنطقة، وكانت تدر أموالا طائلة على إسرائيل طوال الربع قرن الماضي، أما منطقة الغمر الصحراوية، فلها أهمية عسكرية وإستراتيجية، فهي منطقة حدودية مفتوحة.

قمة جبل الجليد

اللافت أن القرار الأردني يأتي في وقت تشهد فيه علاقات عمّان بالاحتلال توترا كبيرا عبر العديد من المحطات خلال الأعوام الماضية، وكانت القضية الفلسطينية في القلب من تلك التطورات المتلاحقة، والتي شكلت ما يعرف بصفقة القرن قمتها، هذا التوتر يعبر عنه العاهل الأردني بشكل صريح منذ عام 2009، بقوله: إن السلام مع إسرائيل أصبح "باردا ويزداد برودة".

كما طالت الانتهاكات الإسرائيلية الوصاية الأردنية الهاشمية على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية هناك، واعتداءات متكررة على موظفي المسجد الأقصى التابعين لوزارة الأوقاف الأردنية، ومحاولات سحب الوصاية الهاشمية على القدس بدعم أمريكي.

بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الذي ادعى في وقت سابق: أن مفاوضات ستجري بين الجانبين لتمديد الوضع الخاص بالباقورة والغمر، يبدو أنه تلقى لكمة قوية، فقد سبق القرار بشهرين تأكيداته بضم غور الأردن وشمال البحر الميت للأراضي المحتلة.

الغضب الأردني من ممارسات الاحتلال، تزامن مع حراك شعبي قوي يطالب باستعادة المنطقتين، ووقع 80 نائبا بالبرلمان الأردني على مذكرة ربطت استمرار منح الحكومة الأردنية الثقة بإلغاء عقدي التأجير.

الغضب الأردني من ممارسات الاحتلال تزامن مع حراك شعبي يطالب باستعادة المنطقتين

وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، استدعت وزارة الخارجية الأردنية، سفيرها لدى تل أبيب، غسان المجالي، عقب قرار استدعائه للتشاور، احتجاجا على اعتقال اثنين من المواطنين الأردنيين بالسجون الإسرائيلية، لتمثل الخطوة أكبر تصعيد دبلوماسي بين البلدين على مدار عقود، قبل أن تضطر إسرائيل لإعادتهما.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، افتتح نتنياهو مطار "رامون" في مدينة إيلات المتاخمة لمدينة العقبة، بحيث لا يفصل المطار الإسرائيلي الجديد سوى مئات الأمتار عن مطار الملك الحسين في العقبة، ورغم أن الأردن احتج مبكرا على إنشاء هذا المطار، واعتبره مخالفا لاتفاقية السلام، ويشكل تهديدا للملاحة الجوية، غير أن القيادة الإسرائيلية استمرت بتنفيذ المطار حتى أصبح أمرا واقعا.

وقبل ذلك، في صيف 2017، لقي أردنيان مصرعهما وجرح إسرائيلي في حادث إطلاق نار داخل السفارة الإسرائيلية في عمّان، وأكدت خارجية الاحتلال الحدث بالقول: إن حارسا أمنيا في سفارتها في عمّان قتل أردنيا بالرصاص، ووتر هذا الحادث الأجواء بين الطرفين عدة أسابيع.

وفي مارس/آذرا 2017، أفرج الأردن عن الجندي أحمد الدقامسة، الذي كان يعمل في حرس الحدود وأسقط العشرات من الإسرائيليين بين قتيل وجريح عام 1997 بمنطقة الباقورة، حيث أطلق النار على مجموعة من الفتيات الإسرائيليات بسبب استهزائهن به أثناء الصلاة.

وأحيا إطلاق سراحه مطالب شعبية متزايدة باسترجاع الباقورة والغمر، وإلغاء اتفاقية وادي عربة، وخرجت آنذاك مظاهرات طالبت بذلك.

وفي مارس/آذار 2014 قتل ضابط حدود إسرائيل القاضي الأردني رائد زعيتر بعد أن ادعى أن زعيتر حاول سحب سلاحه، وبينما لم يهدأ غضب الأردنيين احتجاجا على قتل زعيتر فوجئوا بقيام ضابط الأمن في السفارة الإسرائيلية بعمّان بقتل مواطنين أردنيين، والأسوأ من حادث الاغتيال كان استقبال نتنياهو لحارس الأمن استقبال الأبطال برفقة السفيرة الإسرائيلية التي اشترط الأردن عدم عودتها.

توابع الزلزال

يتفق الجميع أن هبوط منحنى العلاقات بين الأردن وإسرائيل قد بلغ مرحلة حرجة مع القرار بشأن الباقورة والغمر، الأمر الذي يؤشر إلى صورة قاتمة لمستقبل تلك العلاقات، وربما يكون التصعيد هو الخيار الوحيد للطرفين في التعامل مع الأزمة.

توجه الاحتلال نحو هذا التصعيد كشف عنه مبكرا وزير الزراعة في الحكومة الإسرائيلية، أوري أريئيل، والذي هدد بقطع المياه عن العاصمة الأردنية عمّان، ردا على إنهاء ملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية السلام، ونقلت وسائل إعلام عبرية عن الوزير قوله: إن حكومته ستقلص المياه التي تزود بها عمّان من 4 أيام إلى يومين في الأسبوع، إذا تم إلغاء الملحق.

ورغم ما يشكله التهديد من تصعيد غير مسبوق، إلا أنه غير مستبعد في ظل وجود رغبة إسرائيلية بتوجيه ضربة انتقامية للأردن عقابا على قراره، مدفوعة ربما بحالة غضب شعبي داخل الأراضي المحتلة، قد يغذيها المزارعون الذي كانوا يعتمدون على الوضع الخاص للمنطقتين.

ووفق التقرير الذي نشرته "الاستقلال" قبل أسبوع: فإن الأحلام الأردنية بوضع اقتصادي مزدهر عقب توقيع اتفاقية السلام، ذهبت أدراج الرياح على مدار العقود الماضية، ليأتي قرار الباقورة والغمر على البقية الباقية من تعاون تجاري آخذ في الانحسار.فإذا كان الأمر كذللك على المستويات السياسية والاقتصادية والشعبية، فإن التهديد الأكبر يمس التنسيق الأمني والعسكري بين الطرفين، والذي يشير مراقبون: إلى أنه الجانب الوحيد المتبقي من اتفاقية السلام.

وعليه، فإن القرار يمس بشكل مباشر اتفاقية وادي عربة، ومن يدري فربما يشهد الأردن خلال الفترة المقبلة فعاليات مطالبة بإلغائها، مشفوعة بحالة من النشوة تسيطر على الشارع الأردني، وبأنها باتت مجرد حبر على ورق.