مصر وخطر الانزلاق إلى السلاح  

خالد أبو صلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يكتوِ أحدٌ بلظى السلاح كما اكتوى السوريون، وللأمانة والتاريخ، لم يكن السلاح خيارهم، وإنما فرض عليهم لعدة عوامل.

لعلّ أهمها، تعطّش النظام الحاكم لجر الانتفاضة نحو السلاح، باعتباره صاحب تاريخ طويل في التعامل مع الحركات المسلحة. فعمد على مواجهة المظاهرات السلمية بعنف وحشي، موظفاً الطائفية كأداة لاستفزاز الناس وشحنهم دينياً؛ للتقوقع خلف هوية ما قبل الدولة، ودفعهم إلى السلاح كوسيلة للحفاظ على وجودهم.

عاملٌ آخر، تجلى في نكوص المجتمع الدولي عن واجبه الأخلاقي بإيقاف القتل وحماية المدنيين، مكتفياً بعبارات مشجعة على استمرار الحراك، أوحت للناس في ظل المناخ العربي العام آنذاك، المتأثر بالثورة الليبية المسلحة والتي لاقت دعماً دولياً، مدّها بأسباب القوة للانتصار على نظام القذافي، أن السلاح ربّما هو الكفيل بإسقاط النظام الحاكم!

ومع استمرار العنف واستفزاز الناس، وخذلان المجتمع الدولي لهم، وجد السوريون أنفسهم وسط ثورة مسلحة، فكان السلاح بداية النفق الطويل الذي دخلت فيه الثورة السورية مرغمةً، وإلى الآن لم تستطع الخروج منه.

أكتب هذه السطور وقلبي على الشعب المصري وعلى شبابه الغاضب. وفي ظل الغليان الذي يشهده الشارع المصري بعد الإعدامات الأخيرة لشباب مصر التسعة، وتعالي بعض الأصوات المطالبة بحمل السلاح لمواجهة النظام الحاكم.

أجد نفسي مضطراً لأكتب لكم هذه السطور من شاب مثلكم عايش الحدث السوري بكل تقلباته، وخبِر السلاح وكارثيته، و مازال يؤمن بالثورة وطريقها رغم كل ماجرى، فالتاريخ لن يعود إلى الوراء.

عندما تتحول ثورة سلمية إلى العمل المسلح، دون وجود حامل سياسي وغطاء دولي، وقدرة على إنهاء النظام الحاكم بمعركة فاصلة وزمن محدد، ينتهي بها المطاف حيث تريد لها الطغم العسكرية الحاكمة. فالحرب ساحتها، والنصر ضمن موازين القوة سيكون للأنظمة،

سيما أنها ثورة شعبية، لا تملك تنظيماً بيروقراطياً هرمياً كأنظمة الحكم، قادراً على وضع الخطط وتغييرها بمقتضى الظروف والتغيرات. ولعلّ أكبر نقاط ضعفها غياب القيادة المركزية، فالمواجهة العسكرية، تتطلب قيادة وسيطرة، مفقودة في حالة ثورات الربيع العربي.  

النظام المصري ما فتئ يستفز الناس، ويدفعهم أكثر نحو اليأس من أي إصلاحات مهما كانت بسيطة، ويعزز قناعاتهم بعدم جدوى العمل السياسي والمدني. فهو يعيش أزمة حقيقية على مستوى الشرعية في الداخل المصري، وتهدده استحقاقات يومية يعجز عن تلبيتها.

وحتى من أيّد الانقلاب وجد نفسه ضحية طغيان جديد، لن يتوانَ عن التخلّص ممن يختلفون معه في أبسط الأمور، ولا يوجد شيء بإمكانه أن يعيد هذه الشرعية أو يتجاوزها كمثل مواجهة حرب أهلية أو تمرد مسلح.

وهذا مايدور في خلد النظام ويخطط له، فيسعى لدفع الشباب المتحمس الغاضب لحمل السلاح، وعندها فحسب يستطيع أن يوطّد أركان حكمه ويتخلّص من أزماته السياسية والاقتصادية المتلاحقة، ونموذج سيناء ما يزالُ شاخصاً أمامنا.

ففي معادلة السلاح ينتصر الأكثر تنظيماً وعتادا، وفي هذه المعادلة تتفوق الأنظمة الحاكمة على الشعوب بأشواط.

أمّا في المعادلة الحالية، رغم كل شيء مازالت الثورة المصرية متفوقة في البعد القيمي والأخلاقي، وتكسب قطاعات جماهيرية جديدة باتت أكثر قناعة أن الحل لن يكون إلّا بزوال حكم العسكر.

وتستطيع الثورة إذا ما تضافرت جهود أبنائها، وعمدت قواها السياسية على تجاوز خلافاتها وتوحيد رؤاها؛ أن تتفوق سياسياً على النظام الحاكم، فهو وإن استطاع الوصول للحكم عبر الدبابة، فأزمات مصر المتلاحقة تثبت أنه يفشل بحكمها وإدارة شؤون شعبها، ورصيده في انحدار حتى في صفوف مؤيديه.

فإياكم والولوج في نفق السلاح، فهو مربع النظام وطوق نجاته.