إثيوبيا الوجهة السياحية المفضلة لليمنيين المغتربين.. ما السر؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يعد القات المنتج الزراعي الأشهر الذي يأتي ثانيا بعد البن في إثيوبيا، وإلى جانب اعتماد الحكومة الإثيوبية عليه في رفد اقتصاد البلد وميزانية الدولة، وخلق آلاف فرص العمل، فإنها تعتمد عليه في جذب السياح من البلدان التي يتعاطى بعض مواطنيها القات مثل اليمن، على وجه الخصوص.

يتخذ المغتربون اليمنيون المنتشرون في أنحاء العالم من إثيوبيا وجهة سياحية لقضاء أيام في تعاطي القات وقضاء إجازات سنوية في المدن الإثيوبية، وزادت هذه الظاهرة السياحية مع اندلاع الحرب في اليمن، وعدم قدرة كثير من اليمنيين بالخارج على العودة إلى وطنهم.

بالإضافة إلى أن إثيوبيا كانت أحد الخيارات التي نزح إليها عدد من اليمنيين بسبب الحرب، وكان القات أحد الأسباب التي دفع اليمنيين لتفضيل خيار السفر لـ (بلاد النجاشي) كما يقولون، ليس لتعاطي القات فقط، بل للإتجار به واستهداف النازحين الجدد والسياح اليمنيين الذين يترددون بشكل مستمر على إثيوبيا.

وشجع تصريح وزيرة الدولة الإثيوبية للشؤون الخارجية، هيروت زيمني، في أغسطس/آب 2018 اليمنيين على اختيار إثيوبيا وجهتهم، حين قالت: إن أبواب بلادها مفتوحة لكل اليمنيين، مثل ما كانت اليمن بابا مفتوحا لكل الإثيوبيين.

يعد القات أحد أهم أسباب زيارة المغتربين اليمنيين لأثيوبيا

استعادة الذكريات

حسان الكبودي، مغترب يمني يعمل في محل عطور وأدوات تجميل في المنامة بالبحرين قال لـ"الاستقلال": "خلال حياتي باليمن اعتدت على تعاطي القات بشكل شبه يومي، وتعاطي القات بالنسبة لنا أمر طبيعي للغاية، أي أننا نخزن (نتعاطى) القات كأنما نشرب القهوة أو أي منبهات أخرى، وليس كما ينظر إليه الآخرون من غير اليمنيين".

وأضاف: "منذ سفري للعمل في المنامة في 2007 لم أتعاط القات سوى أثناء عودتي في زيارة لليمن استغرقت عدة أيام في 2012، وهي آخر زيارة لي لليمن، فلم أتمكن من زيارة اليمن، بسبب ظروف الحرب والحصار".

الكبودي استطرد: "القات وجلسات القات وطقوس القات تمثل بالنسبة لي ذكريات اعتبرها من الزمن الجميل، وإن كانت قريبة، لكن الحرب جعلتها بعيدة، لهذا سافرت إلى إثيوبيا في محاولة لاستعادة بعض تلك الذكريات، وتلك الجلسات".

وتابع: "الأجواء في إثيوبيا تشابه إلى حد كبير مع الأجواء في عدد من المناطق اليمنية، وساعد القات على تشابه كبير في الممارسات الاجتماعية بين اليمنيين والإثيوبيين، بالإضافة إلى أن هناك جالية يمنية لا بأس بها، تقيم في إثيوبيا، كل ذلك عوامل تساعد الشخص على استرجاع الذكريات".

أما عن تعاطي القات هناك، فيقول الكبودي: "حاولت أن أحاكي روتيني اليومي الذي كنت أقضيه في اليمن، ابتداء من القيام في الصباح، ثم تناول طعام الغداء في مطعم يقدم وجبات يمنية بنفس الجودة، ومن ثم الذهاب للسوق وشراء القات، ثم التخزين حتى المساء، وقضاء وقت مع بعض الأصدقاء اليمنيين وتبادل الأحاديث والقصص والحكايات".

وعن المبلغ الذي أنفقه في تعاطي القات يقول حسان: "كنت أنفق ما يعادل 30 دولارا، على شراء القات بشكل يومي، لكني أنفقت في 10 أيام حوالي 2500 دولار، مقابل مصاريف يومية وسكن ومطاعم وبعض الهدايا التي اشتريتها لأصدقائي، شاملة تذاكر السفر ذهابا وإيابا".

سألناه ما إذا كان الإدمان قد دفعه لإنفاق مثل هذا المبلغ في 10 أيام، فقال: "يجب أن نفرق أولا بين الإدمان والعادة، فالإدمان قوة قهرية تجبرك على التعاطي، أما بالنسبة للقات فهو عادة، يتعلق بالرغبة، ويمكن تجاهلها وتناسيها، بدليل أنني سافرت للمنامة، ومنذ اليوم الأول لسفري نسيت القات تماما، ولم تحصل لدي أي مشاكل نفسية أو صحية لعدم التعاطي".

الذهب الأخضر

اعتمدت إثيوبيا منذ نحو 10 سنوات خطة لرفع عائدات القات، من 15 % إلى 30 %، وشهد إنتاج القات وتصديره ارتفاعا ملحوظا بشكل سنوي منذ نحو 10 سنوات، وتبعا لذلك شهد استهلاكه ارتفاعا ملحوظا على المستوى المحلي.

حسب وزارة التجارة والصناعة الإثيوبية: فإنه على مدار السنوات العشر الماضية تضاعف الطلب الخارجي على القات من 22.4 مليون كيلو جرام إلى 48.8 مليون كيلو جرام، ما دفع كثيرين لوصف القات بأنه: "الذهب الأخضر".

وحسب تقرير لصحيفة لوموند الفرنسية في سبتمبر/ أيلول الماضي: فإن صادرات القات حققت ارتفاعا ملحوظا في العام 2019 وحققت في شهر واحد فقط أرباحا وصلت إلى 107 ملايين دولار، متجاوزة بذلك القهوة التي تعد منتج التصدير الرئيسي للبلاد.

وحصلت إثيوبيا العام الماضي 2018 على 2.1 مليار دولار من صادرات المنتجات المختلفة في 9 أشهر، وكان القات على رأس القائمة.

في حين كشفت وثيقة رسمية لوزارة التجارة الإثيوبية أن صادرات "القات" بلغت في عام 2016 نحو 840 مليون دولار سنويا،  بعد أن أقرت الحكومة خطة جديدة لرفع عائدات القات مرة أخرى إلى 1.5 مليار دولار سنويا عبر توسيع صادراته إلى دول جيبوتي، والصومال، وجنوب إفريقيا، وملاوي، وإسرائيل، والهند، والنرويج، والبرازيل،  في حين بلغت 331 مليون دولار في عام 2015، مقارنة بحوالي 297 مليون دولار في عام 2014.

على المستوى المحلي، ارتفعت المساحات الزراعية الخاصة بالقات بنسبة 160%، وزاد إنتاجه بنسبة 246 %، وارتفع تبعا لذلك، معدل استهلاك القات بين المواطنين الإثيوبيين خلال العشر السنوات الماضية.

وبات أكثر من 50 % من المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و49 عاما، يتعاطون القات، في بلد يزيد عدد سكانه على 100 مليون نسمة، وينفق مستهلكوه حوالى 4 دولارات يوميا في المتوسط، في حين يبلغ الدخل السنوي للفرد بإثيوبيا وفقا للبنك الدولي حوالى 783 دولار، وبلغ  إجمالي إنفاق المتعاطين على القات في إثيوبيا في المعدل السنوي نحو 800 مليون بر(36.4 مليون دولار).

أكثر من 50% من شباب اثيوبيا يتعاطون القات

حظر القات

في عام 1973 اعتبرت منظمة الصحة العالمية القات نباتا مخدرا متوسط القوة، وتوالت دراسات نصت على: أن الإدمان عليه يؤدي إلى حدوث اضطرابات نفسية وعقلية، ويتسبب بالهزال والخمول وضعف البدن وأمراض القلب والدم والأطراف والأعصاب والدماغ.

كما يتسبب القات حسب "الصحة العالمية": بالأنيميا والسل والعجز الجنسي، إلا أن عددا من الدول تعد تعاطيه أمرا قانونيا، من بينها إثيوبيا واليمن وجيبوتي والصومال وإسرائيل، في حين تحظره دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وسويسرا والسويد.

يقول متعاطو القات في إثيوبيا: إن القات "مضاد للأوجاع والاكتئاب ويسمح بتحمل الجوع ويهدئ من استياء الإنسان"، ويعتقد هؤلاء أن الشخص الذي يستخدم القات خلال عمله يصل إلى حالة تسمى "ميركانا" وهو تركيز مكثف مجبول بالسعادة يزيد من الإنتاج.

كان زعيم إثيوبيا السابق هيلا سيلاسي قد أصدر قرارا بمنعه، كما تمنعه اليوم حكومات بعض الولايات، لكن الحكومة الإثيوبية الاتحادية الحالية تتسامح مع زراعته وتعاطيه وتصديره.

منع القات حسب مؤيديه، يعني خسارة إثيوبيا ثالث أفقر دولة في العالم لقيمة صادراته التي تشكل مصدرا كبيرا لرفد اقتصاد البلد وتمدها بأهم مصدر للعملات الصعبة، ومصدرا سياحيا مهما.