عمر البشير.. هل يسلمه السودان للجنائية الدولية أم يحاكمه داخليا؟

محمد سراج الدين | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع إعلان الولايات المتحدة قائمتها السنوية للدول الراعية للإرهاب، والتي كان السودان من بينها، عادت المطالب السياسية الداخلية في الخرطوم، لتسليم الرئيس السابق عمر حسن البشير للمحكمة الجنائية الدولية، لمحاكمته بتهم الإبادة الجماعية في دارفور قبل عدة سنوات.

ردود الأفعال حول دعوات تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية، تنوعت وفقا لمواقف القوى السياسية السودانية من تطورات الأحداث التي جرت في مياه السودان منذ توقيع اتفاق الوثيقة الدستورية الانتقالية، حيث رحبت قوى الحرية والتغيير بالخطوة، في حين اعتبرها مقربون من الفريق العسكري بالمجلس السيادي بأنها مثيرة للقلق، لأنها يمكن أن تفتح باب المحاسبة على غيره من القيادات العسكرية المتورطين في مجزرة القيادة العامة.

وعلى النقيض من الموقف الداخلي الذي يشهد تباينا، فإن الموقف الخارجي الضاغط على الحكومة السودانية من أجل تسليم البشير للمحكمة الجنائية، يطرح العديد من التساؤلات عن المقابل الذي ستحصل عليه الخرطوم، إذا استجابت لهذه الخطوة.

تخبط رسمي

رغم تصريح عثمان جامع، رئيس منظمة "إنهاء الإفلات من العقاب"، عن تلقيهم تأكيدات من وزير العدل بتسليم جميع المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان للمحكمة الجنائية الدولية، وأن المحكمة الدستورية تدرس إمكانية تسليم البشير وقياديين في حزبه للمحكمة في لاهاي، استجابة لطلب كانت قد تقدمت به المنظمة، إلا أن الحكومة عادت ونفت ما نسبته المنظمة لوزير العدل.

ووفق صحفيين سودانيين: فإنه بعد أقل من 24 ساعة على تصريح المنظمة، أرسلت وزارة العدل تعميما صحفيا قالت فيه: إن الوزير لم يتطرق لمسألة تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية وإن الحكومة لم تتبن سياسة أو تتخذ قرارا في هذا الشأن.

ورصد المتابعون خطوات أخرى أجرتها الحكومة لإثبات جديتها في محاكمة رموز وقيادات نظام البشير، بما لا يدفعها لتسليمهم للمحكمة الجنائية الدولية، من بينها فتح تحقيق مستقل حول انقلاب البشير عام 1989 والذي عرف وقتها بثورة الإنقاذ، وتوسيع دائرة المحاكمات لرموز نظام البشير من العسكريين والمدنيين، بتهم تقويض النظام الدستوري، الذي كان قائما على رأس حكومة ديمقراطية تم انتخابها برئاسة الصادق المهدي عام 1986.

وتوقع قانونيون سودانيون في حديث لصحيفة "إندبندنت" البريطانية: أن تصل العقوبات في هذه التهم للإعدام والمؤبد، ولكنهم ربطوها بأمر سياسي آخر، وهو وضع حد للانقلابات العسكرية التي شهدها السودان طوال العقود الأربعة الأخيرة، وما زال، بعد الإطاحة بالبشير.

لماذا الآن؟

حسب تصريحات إبراهيم الشيخ القيادي بقوى الحرية والتغيير، في المؤتمر الصحفي الذي عقده بشكل خاص بالعاصمة الخرطوم، حول هذا الموضوع: فإن القوى توافقت على تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية، ولا توجد أي مشكلة في ذلك، مضيفا: "إذا نجا البشير من المحاكمات بالداخل جراء الجرائم التي ارتكبها، سينال عقابه في المحكمة الجنائية بالخارج".

ويدعم موقف الحرية والتغيير، رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الذي أعاد تفجير القضية بزيارة أجراها لإقليم دارفور، الذي شهد عمليات إبادة جماعية على يد مليشيا الجنجويد خلال الفترة من 2003 وحتى 2005.

ووفق تحليل موسع لصحيفة إندبندنت البريطانية (النسخة العربية): فإن حمدوك أبدى استجابة واضحة لمطالب أهالي دارفور بتسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية، وهي المطالب التي تزامنت مع توقيع حمدوك على كافة المواثيق والمعاهدات الدولية التي كان يتحفظ عليها نظام البشير ومنها ميثاق الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية.

ويربط الموقع بين المرونة التي أبداها حمدوك مع أهالي دارفور، بالضغوط الدولية والمحلية التي تطالب بتسليم البشير للمحكمة، خاصة وأن وفد الاتحاد الأوروبي الذي زار الخرطوم مؤخرا، كان واضحا في مطالبه بسرعة تسليم البشير لمحكمة لاهاي، للتحقيق معه في تهم إبادة 300 ألف من أبناء دارفور.

وتؤكد مصادر سودانية تحدثت لـ "إندبندنت": أن الاتحاد الأوروبي وضع المجلس السيادي في مأزق، عندما طالبه صراحة بإعلان موقفه الرسمي من فكرة تسليم البشير، وفقا للمعاهدات الدولية التي تنظم عمل المحكمة الدولية.

إلا أن المعضلة وفقا للمصادر نفسها: أن الاتحاد الأوروبي طلب الحصول على إجابات من الجانب السوداني عن فض اعتصام المتظاهرين أمام القيادة العامة، وموقف النيابة السودانية تجاه الانتهاكات التي حدثت خلال 30 عاما، وكيفية وضع المعالجات لها.

أصوات رافضة

على النقيض من موقف قوى الحرية والتغيير، جاء موقف حزب المؤتمر الوطني السوداني برئاسة وزير الخارجية الأسبق إبراهيم الغندور، رافضا تسليم البشير بشكل نهائي.

ونقلت وسائل الإعلام السودانية عن الغندور، قوله: "إن محاكمة أي سوداني خارج حدود البلاد هو تدخل في السيادة الوطنية وتشكيك في نزاهة القضاء السوداني"، مضيفا: "من يطالب بتسليم سوداني مثله لمحكمة أجنبية ليُحاكَم في قضية تخص الوطن، عليه أن يُراجع وطنيته".

ويرى محللون غربيون: أن المجلس السيادي برئاسة الفريق عبد الفتاح برهان لن يسلم البشير للمحكمة الدولية، حتى لا يتم فتح الباب لغيره من القيادات العسكرية التي مازال بعضها في السلطة، أو الأخرى التي كانت قريبة من المجلس العسكري، ومن بينهم وزير الدفاع الفريق عوض أبو عوف، الذي عزل البشير، والذي مازال مدرجا على قوائم الإرهاب الأمريكية التي صدرت قبل أيام.

ودعم تحليل مطول لصحيفة “ميامي هيرالد” الأمريكية، الرأي السابق، حيث كشفت الصحيفة: أن قرار واشنطن بتمديد العقوبات ضد السودان وعدم حذفه من قوائم الدول الراعية للإرهاب، كان نكسة كبيرة للتقدم الذي أحرزته ثورة ديسمبر بالسودان وحكومته المُؤقتة الجديدة.

وحسب الصحيفة: فإن الإدارة الأمريكية تضغط بملف العقوبات على الحكومة السودانية من أجل تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية، وأنها تعول على الجانب المدني في المجلس السيادي لإنهاء هذا الملف الهام بالنسبة لواشنطن والعواصم الأوروبية الأخرى، خاصة وأن إدارة ترامب على قناعة بأن الأعضاء العسكريين في صفوف المجلس السيادي لن يوافقوا على تسليم البشير.

ووفق المحلل السياسي السوداني محمد نورين: فإن إحالة البشير للمحكمة الجنائية الدولية يقلق قادة النظام السابق، والقادة العسكريين الذين شاركوا في مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في الخرطوم، بشأن إمكانية تسليم ملفاتهم لقضاة لاهاي أيضا.

ورأى نورين في حديث مع صحيفة "العربي الجديد": أن تسليم البشير للمحكمة الدولية سيدعم تعاملات الخرطوم ولاهاي، وهو ما يمكن أن يفتح الباب على مصراعيه أمام تسليم قيادات عسكرية بارزة بتهمة التخطيط والمشاركة في مجزرة القيادة العامة، وهو ما ألمح له رئيس لجنة التحقيق المستقلة في واقعة فض الاعتصام عن إمكانية رفع الحصانة عن عضوية مجلس السيادة، في حال ثبوت تورطهم في واقعة المجرزة.

تمهيد إعلامي

وخلال رصد أجراه "الاستقلال" لعدد من الصحف الأجنبية، فإن هناك ما يشبه الحملات الصحفية الموجهة للرأي العام الغربي، للضغط على الحكومة السودانية من أجل تسليم البشير، وهو ما كان ظاهرا في سلسلة من التحقيقات التي نفذتها "واشنطن بوست"، و"فرانس 24" و"نيويورك تايمز" مع النازحين السودانيين من أبناء دارفور وغيرها من المدن السودانية، التي تعرضت لانتهاكات على يد القوات الحكومية خلال حكم البشير.

وفي هذا الإطار نشرت وكالة الأنباء الفرنسية، تقريرا مطولا عن الانتهاكات التي تعرض لها أهالي دارفور، وقدمت شهادات لذوي الضحايا الذين تعرضوا للاغتصاب أو القتل على يد القوات الحكومية، ونقلت الوكالة نداءات أهالي دارفور بضرورة تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته على هذه الجرائم.

وحسب الأهالي الذين تحدثوا للوكالة الفرنسية: فإن السلام في السودان لن يتحقق إلا بعد محاكمة البشير دوليا، ومعه قيادات قوات الجنجويد التي نفذت عمليات إبادة جماعية، واغتصاب النساء، وسرقة الممتلكات الخاصة، وإحراق القرى الداعمة للحركات الانفصالية.

ونقلت الوكالة صورا توضح معاناة لاجئي دارفور في مخيم "كلمة" للاجئين الذي تشرف عليه الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة دولية ومحلية، ومن بينها مشاهد لمئات النساء والأطفال وهم يقفون في طوابير يومية للحصول على حصتهم الشهرية من الغذاء.

بينما ركزت تغطيات "واشنطن بوست"، مؤخرا، على المظاهرات التي نظمها المئات في مدينة مدني بولاية الجزيرة، والتي طالبوا فيها بحل الحزب الحاكم الذي كان يترأسه البشير، ومحاكمة قياداته، وتسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية، بالإضافة لمحاكمة المسؤولين عن فض اعتصام القيادة العامة الذي راح نتيجته 128 شخصا.

ضغط دولي

وتزامن مع المجريات السابقة ضغط حقوقي دولي على الحكومة السودانية من أجل تسليم البشير، حيث أعادت منظمة العفو الدولية مطالبها بضرورة محاكمة البشير وفقا للقانون الدولي، بما في ذلك الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، التي يُدّعى أنه ارتكبها في دارفور عندما كان في السلطة.

وأصدرت جوان نيانيوكي مديرة مكتب شرق إفريقيا والقرن الإفريقي في منظمة العفو الدولية، تصريحا أكدت فيه: أنه رغم أن محاكمة البشير محليا خطوة إيجابية، إلا أنه لا يزال مطلوبا بسبب الجرائم البشعة المرتكبة ضد الشعب السوداني.

وفي نفس الإطار، أكدت "فاتو بنسودة" مدعية المحكمة الجنائية الدولية في تصريحات إذاعية نقلتها وسائل الإعلام المحلية والأجنبية: أن البشير يعد مجرما كبيرا وخطيرا وأن مكوثه داخل محبسه في سجون السودان حاليا يعد خطرا يحدق بالتحول السياسي هناك.

وأكدت المدعية: أن سرعة محاكمته ستنهي مسلسل القهر والظلم والقتل الذي ظل يعاني منه السودانيون خاصة في دارفور على يد النظام السابق.

وأعربت المدعية العام للمحكمة الجنائية الدولية: عن قلقها إزاء مكوث البشير في السجن دون محاكمة أو تتابع الجلسات والمرافعات منذ سقوط نظامه قد طال ولا بد من تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية في أقرب فرصة ممكنة حتى يتمكن السودان من الوفاء بجميع التزاماته الدولية.


المصادر