صحيفة فرنسية: هذه أسباب اهتزاز القبضة الإيرانية في الشرق الأوسط

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة فرنسية، الضوء على القبضة الإيرانية التي "تهتز" يوما بعد آخر في العراق ولبنان، وسط استمرار المظاهرات في كلا البلدين اللذين تحظى طهران فيهما بنفوذ كبير.

وقالت صحيفة "ليبراسيون": إنه "إلى جانب إدانة الأنظمة الفاسدة وتردي الوضع الاقتصادي، تستهدف المظاهرات تدخلات طهران. وفي مواجهة حجم هذا التحدي، كان على المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية أن يخرج عن صمته الأسبوع الماضي".

وأضافت: "الثورة مستمرة في النمو بالعراق، فمنذ أوائل أكتوبر/تشرين الأول، على الرغم من القمع الدموي، وتنديد الشباب بالفساد، تتجه المظاهرات أكثر فأكثر نحو تحد عميق للنظام السياسي والمجتمعي في البلاد بالإضافة إلى تدخل إيران".

مرحلة جديدة

وأشارت إلى: أنه من خلال الدعوة إلى إضراب عام، وإغلاق جميع المنافذ المؤدية إلى وسط بغداد، دخلت حركة الاحتجاج مرحلة جديدة من التصعيد منذ يوم الأحد (3 نوفمبر الجاري)، وهو أول أيام الأسبوع في العراق. 

وتابعت: "يحتل عدد متزايد من المتظاهرين ميدان التحرير الرئيسي في العاصمة، بينما تنتشر الاحتجاجات في عدة مدن جنوب البلاد، بما في ذلك أثناء الليل على الرغم من حظر التجول الذي تفرضه السلطات". 

في الوقت نفسه، يعتصم طلاب المدارس المتوسطة والثانوية في مدارسهم، ويواصل الاتحاد الوطني للمعلمين حركة الإضراب التي بدأت الأسبوع الماضي، وفي المقابل، أعلنت نقابات المهندسين والأطباء والمحامين أن الإضراب أدى إلى توقف العمل. 

وبينت الصحيفة الفرنسية: أن الجميع انضم إلى الاحتجاج الداعي إلى العصيان المدني للمطالبة بـ "تغيير النظام" بشكل كامل في البلاد التي يقوضها الفساد وسط فشل الخدمات العامة. وبعيدا عن ردع المتظاهرين، فإن قمع قوات الأمن العنيف أجج الغضب.

ولفتت إلى: مقتل العشرات وإصابة المئات في المواجهات بين الشرطة والمتظاهرين منذ اندلاع الانتفاضة في أكتوبر/تشرين الأول، حيث تستخدم القوات عبوات غاز مسيل للدموع، أثقل عشر مرات من تلك المستخدمة في أماكن أخرى من العالم، إذ يمكنها اختراق الجماجم وكسر العظام، وفقا لمنظمة العفو الدولية. 

ورأت: أن رد الحكومة "غير المتكافئ"، ساهم أيضا في زيادة التعبئة. ورغم الإعلان عن سلسلة من التدابير الاجتماعية والانتخابات المبكرة في أعقاب الاحتجاجات، والحديث عن بعض الإصلاحات المخطط لها، بما في ذلك نظام التوظيف في الخدمة المدنية والمعاشات التقاعدية، كان كل ذلك بعيدا كل البعد عن تلبية مطالب العراقيين الذين رفعوا شعارات "حكومة اللصوص". 

نقاط مشتركة

وتقول "ليبراسيون": "من بغداد إلى بيروت، تتشابه حشود المحتجين، الشباب، المسالمين، والمهرجين أحيانا، وغالبا ما يكونون مبدعين في غضبهم، وليس في المظهر فقط".

وتتابع: "تعبئة اللبنانيين والعراقيين كانت ناجمة عن عوامل اجتماعية اقتصادية، وفي كلتا الحالتين، تطورت الحركة بسرعة إلى تحد أساسي للأنظمة الحكومية القائمة لأن البلدين يشتركان في سوء الإدارة، على الرغم من الاختلافات الكبيرة بين العراق البالغ عدد سكانه 40 مليون نسمة و440 ألف كيلومتر مربع، ولبنان البالغ عدد سكانه 5 ملايين نسمة و10 آلاف كيلومتر مربع، ولكن أيضا من جهة التاريخ ومستوى الثروة".

وأضافت: أن فساد القادة الذي نجم عنه إخفاقات هيكلية للدولة وعدم القدرة على توفير الخدمات العامة الأساسية، مثل المياه أو الكهرباء أو حتى جمع القمامة، كانت عوامل حاسمة في حجم التعبئة الشعبية، إذ ركزت الثورة على الحكام غير الأكفاء.

وأوضحت: أنه "في لبنان منذ استقلال البلاد عام 1943، يتم توزيع المقاعد البرلمانية والحكومية على أساس طائفي وهو نفس الأمر في العراق منذ الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، فالثورة التي يدعو من خلالها الشباب اللبناني إلى نظام مجتمعي، تطال العراقيين أيضا". 

وأشارت الصحيفة: إلى لافتة حملها محتج في بغداد كتب عليها "لا يهم ما إذا كان الحاكم مسلما أم كافرا، فدور الدولة هو ضمان حياة كريمة وليس فتح أبواب الجنة".

كما أكدت: أن النقطة المشتركة الأخرى بين الاحتجاجات في العراق ولبنان تتعلق بالتشكيك في نفوذ إيران، حيث تعتمد طهران في كلا البلدين على مجتمعات الأغلبية الشيعية المحمية بواسطة مجموعات مسلحة وسياسية محلية قوية، مثل حزب الله اللبناني أو الأحزاب والمليشيات التي تدعمها طهران في العراق.

لماذا إيران؟

تقول صابرينا ميرفان الباحثة والمتخصصة في المذهب الشيعي بـ"المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي": إن المتظاهرين يستهدفون إيران بسبب عودة القومية العراقية، "فالنظام الذي تم تطبيقه بعد غزو عام 2003، في ظل النزاع بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية من جانب، وإيران من ناحية أخرى، جاء على ظهور العراقيين".

ووفقا لـ"لورنس لوير"، من مركز الدراسات والبحث في الإعلام: رسخت إيران نفسها في جميع طبقات المجتمع، ففي الطبقة السياسية، كان القادة الإسلاميون الشيعة في المنفى بإيران في عهد صدام حسين، ولدى رجال الدين الشيعة العراقيين علاقة معقدة مع الثيوقراطية الإيرانية، فأعلى شخصية في العراق، آية الله علي السيستاني، يعد: "قوة منافسة للزعيم الإيراني الأعلى، علي خامنئي".

وتلاحظ صابرينا ميرفان: أن لدى الشيعة العراقيين شعور بالفخر في رجال الدين، لكنهم مستاؤون من التدخل الإيراني، فطلاب العلوم الدينية في المدن المقدسة يتظاهرون، مثل طلاب الجامعات، مما يعكس سخط المجتمع الديني تجاه ما يتعرض له العراق من قبل إيران. 

ويشير كليمنت تيرمي، الباحث المتخصص في إيران بالمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية: إلى أنه "خلف المجال الديني، الذي سمح لإيران بفرض نفوذها في العراق، هناك أيضا معارضتها للولايات المتحدة، مستغلة الفراغ والمشاعر المعادية لواشنطن بهذا البلد، في المقابل، يمر العراق بمرحلة إعادة إعمار، والسكان لديهم متطلبات جديدة فيما يتعلق بمكافحة الفساد، وطهران لا تعد نموذجا". 

وأكد: أنه "على العكس، الشركات الإيرانية، وبعضها مرتبط بالحرس الثوري القوي، أصبحت جزءا من النسيج الاقتصادي العراقي، مما يجعل اتهامات الفساد ضدهم تزدهر، خاصة أن التجارة نمت باطراد بين الدولتين اللتين تشتركان في حدود مشتركة تبلغ 1400 كيلومترا، وقد بلغت عام 2018، 12 مليار دولار، وخلال نفس الفترة، كان العراق أكبر سوق لصادرات إيران غير النفطية".

قلق إيراني

تحدث المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، أعلى شخصية في النظام، في خطاب نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن الأزمة اللبنانية والعراقية قائلا: إن الناس في العراق ولبنان لديهم "مطالب مشروعة"، ولكن "لا يمكن تلبيتها إلا في إطار الآليات القانونية" وهو خطاب يعكس قلقا معينا، ويوضح: "تناقض السياسة الإقليمية" لطهران، وفقا لكليمنت تيرمي.

وبالنسبة للباحث: فإن الجمهورية الإسلامية عالقة بنفس القدر في الربيع العربي، حيث كانت إيران مع جميع الثورات، باستثناء سوريا، وهذا شكل من أشكال "السياسة الواقعية الإسلامية"، وفي الوقت الذي تخنق فيه العقوبات الأمريكية الاقتصاد الإيراني، يمثل العراق قضية مباشرة، إذ تحتاج طهران إلى التجارة مع بغداد.

ومما يثير القلق بنفس القدر، في نظر النظام الإيراني، الاحتجاجات ضد حزب الله من قبل المتظاهرين اللبنانيين، ويقول لورانس لوير: "إيران بحاجة إلى حزب الله القوي على الساحة السياسية اللبنانية، فلبنان هو البطاقة الزرقاء ومصدر الشرعية في إيران بالنسبة للشرق الأوسط بسبب الصراع ضد إسرائيل". 

وتقول الصحيفة: إن إيران تريد أن تبقى آخر مُدافع عن رفض التطبيع مع إسرائيل، مما يسمح لها بالحفاظ على نفوذها في العالم العربي، لكن هذا الدعم مكلف، خاصة في ظل الحظر الصارم الذي تفرضه الولايات المتحدة، والذي يراه الشعب الإيراني تبذيرا للثروة الوطنية. 

وفي مواجهة هذه الاحتجاجات، ردت طهران باستخدام نفوذها بحكمة لإنقاذ رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، فأرسلت قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري إلى بغداد، ليصرح: بأن هذه المؤامرة "دبرتها إسرائيل والولايات المتحدة ودول الخليج".