"إعادة الإنتاج".. هل تنجح دولة بوتفليقة بتعطيل رئاسيات الجزائر؟

مهدي محمد | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حراك مستمر في الجزائر يرفض الانتخابات الرئاسية المقررة في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، التي ترشحت لها شخصيات محسوبة على النظام السابق، مع جيش ممسك بزمام الأمور ومُصر على إجراء الانتخابات بموعدها، وسط اتهامات بمحاولته إعادة إنتاج عهد بوتفليقة.

تلك هي المعادلة التي تفرض نفسها على بلد المليون شهيد، مع بدء العد التنازلي للانتخابات التي تأتي بعد أشهر من الإطاحة بالرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وبينما يرى المحتجون أنها سوف تسفر عن وجه ينتمي للنظام القديم المسمى بالعصابة، يقول الجيش: إن تلك العصابة تسعى لعرقلة الاستحقاق.

وجوه بوتفليقة

ربما لم يكن الإعلان عن المرشحين الذين قُبلت أوراقهم مفاجئا، بقدر ما كان اقتصار القائمة المبدئية على تلك الأسماء، التي يرتبط معظمها بشكل أو بآخر بالنظام السابق، حيث أعلنت السلطة المستقلة للانتخابات قبول ملفات 5 مرشحين لسباق الرئاسة المقرر في 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

من بين هؤلاء المترشحين الأمين العام لحزب "طلائع الحريات" علي بن فليس الذي انضم في السنوات الماضية إلى المعارضة، وكان قبل ذلك رئيسا للوزراء في عهد بوتفليقة قبل أن ينافسه في انتخابات 2004 و2014.

كما يبرز من بينهم الأمين العام لـ"التجمع الوطني الديمقراطي" عز الدين ميهوبي الذي كان وزيرا للثقافة، وتولى ميهوبي قيادة شريك "جبهة التحرير الوطني" في التحالف الحاكم بعد سجن الأمين العام السابق للتجمع الوطني أحمد أويحيى في قضايا فساد.

وتضم قائمة المرشحين كلا من رئيس الوزراء السابق عبد المجيد تبون الذي تولى رئاسة الوزراء لمدة ثلاثة أشهر فقط عام 2017، قبل إقالته على خلفية ما وُصف بأنه صراع مراكز القوى المحيطة ببوتفليقة، ورئيس "حركة البناء الوطني" (الإسلامية) عبد القادر بن قرينة.

علي بن فليس تعهد بسن دستور جديد وضمان استقلالية القضاء ودعم الحقوق والحريات، مشيرا إلى: أن برنامجه الانتخابي يتضمن كذلك إعادة الشرعية للمؤسسات من القمة إلى القاعدة، كما تحدث عن ضرورة "أخلقة" العمل السياسي.

عبدالقادر بن قرينة رفض وصفه بمرشح الإسلاميين، وقال: إنه مرشح كل الجزائريين، مؤكدا: أنه يحمل برنامجا سياسيا طموحا يعيد بناء الدولة، ويؤسس للديمقراطية، ويمنح الجزائر دورها الإقليمي، وفي مقابلة تلفزيونية سابقة، قال: إنه "سيكتسح" الانتخابات.


أما رئيس الوزراء السابق عبدالمجيد تبون، فنفى: أن يكون مرشح السلطة، ووعد بتقديم برنامج اجتماعي اقتصادي أخلاقي يقوم على المصالحة بين الجزائريين، ويسمح بانطلاقة مالية اقتصادية جديدة لجمهورية جديدة، مؤكدا: رفضه فكرة الجمهورية الثانية.

عزالدين ميهوبي تحدث: عن قرارات مستعجلة في حال فوزه بالرئاسة، لمعالجة الوضع الاقتصادي ومكافحة الفساد، ودعا إلى: حوار بين مختلف القوى السياسية والمجتمعية لرأب الصدع بين الجزائريين، وتعهد من جهة أخرى بتعزيز وضع المؤسسة العسكرية في الدستور.

الحراك والعصابة

وحتى قبل أن تعلن سلطة الانتخابات عن أسماء المرشحين، فإن أصوات المحتجين تعالت خلال الأسابيع الأخيرة، للمطالبة بتأجيل الانتخابات، بدعوى أن الظروف غير مواتية لإجرائها قبل القضاء على الفساد وطرد جميع رموز النظام السابق من مواقع السلطة والنفوذ.

تجاوز مطلب الحراك الشعبي برحيل باقي رموز نظام بوتفليقة، تمت ترجمته عمليا بترشح شخصيات كانت محسوبة على نظام بوتفليقة، الأمر الذي انعكس على رفض واسع عبر عنه الجزائريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيما يتوقع أن يكون محل تركيز من الفعاليات التي يشهدها الشارع الجزائري.

وكان المشهد المعبر بشكل كبير عن الرفض الشعبي لترشح محسوبين على نظام بوتفليقة، المقطع الذي تداوله ناشطون على نطاق واسع، ويُظهر طرد محتجين لعلي بن فليس من أحد المطاعم بالعاصمة الجزائر قبل يومين.

على الجهة المقابلة، وجّه الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح خطابا للشعب دعاهم فيه للمساهمة في إنجاح انتخابات الرئاسة، محذرا من أن الدولة ستتصدى لما أسماها المناورات التي تقوم بها بعض الجهات لعرقلتها.

كما قال قائد أركان الجيش أحمد قايد صالح: إن "الانتخابات ستجرى في وقتها لإفشال مخططات العصابة وأذنابها الذين تعودوا على الابتزاز السياسي"، حسب تعبيره، في إشارة إلى كبار المسؤولين في نظام بوتفليقة.

إعادة الإنتاج

في مقال مطول قالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية: إن الجيش الجزائري الذي يحكم البلاد فعليا من وراء ستار الرئيس المؤقت، يسعى عبر الانتخابات الرئاسية التي يصر على إجراءها في موعدها، إلى محاولة إعادة إنتاج النظام السابق.

كاتب المقال أشار إلى: أنه "على الورق، تخضع الجزائر لنظام رئاسي. لكن منذ حصولها على الاستقلال عن فرنسا عام 1962، كانت البلاد تدار من تحت ظلال غامضة من قادة الجيش وضباط المخابرات السرية والسياسيين الأكبر سنا".

وقال: إن "الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح - الذي تولى الحكم بعد طرد الجيش عبدالعزيز بوتفليقة في أبريل/نيسان الماضي استجابة للاحتجاجات المتزايدة – كان جزءا من النظام الحاكم، وتم السماح له بالبقاء في منصبه المؤقت من الجيش، على الرغم من تجاوزه لولايته الدستورية".

وتابع المقال: "لقد حاول الجنرالات تصوير الأشهر الثمانية الماضية على أنها تحول سياسي فعلي، فبعدما تم دفع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إلى الاستقالة، جرى اعتقال رجال الأعمال المقربين منه والمغضوب عليهم من الشارع. هذه الرواية تخدم العسكر، لأن الجيش هو من اختار، أو وافق على كل رئيس حكم الجزائر منذ الاستقلال".

ورأت الصحيفة: أن الحراك الشعبي لم يضعف قوة الجيش ولم يستطع إبعاده من الساحة السياسية، إذ إن الشعب خرج لتغيير النظام بأكمله، في حين تعمل مؤسسة الجيش على إعادة إنتاجه مجددا بطريقة جديدة.

أما عن "الجانب الأكثر مأساوية" في مأزق الجزائر الحالي، وفق المجلة: فإنه إلى أي مدى قد يتخلى الجنرالات عن الحكم، مشيرة إلى: أن الأمر بالنسبة إليهم "مسألة بقاء"، وأن "توقُّع أن يقبل الجزائريون بإجراء انتخابات جديدة دون أي تغيير حقيقي في طريقة هيكلة السلطة هو نهج ساذج لحل الجمود".

ثورة مضادة؟

وعلى الرغم من حالة الإجماع التي تشهدها الجزائر حول الأغراض الحقيقية للمؤسسة العسكرية، فإن حالة أخرى من التباين تشوب تحليلات الجزائريين بشأن المرشحين للانتخابات الرئاسية، وضرورة إجرائها في الموعد المحدد من عدمه.

فبينما يرى كثيرون، وفي القلب منهم قطاع واسع من الحراك الشعبي: أن إجراء الانتخابات سيقود إلى إعادة إنتاج نظام بوتفليقة من جديد، يقول آخرون: إن المحسوبين على نظام بوتفليقة يسعون من خلال أدوات الثورة المضادة إلى تعطيل الانتخابات وبقاء الوضع كما هو عليه، أو اشتعاله لتعمد الإجهاز على منجزات الثورة.

مراقبون رأوا: أن قائمة المرشحين التي أعلنتها سلطة الانتخابات تؤكد استحالة التغيير دون تفكيك النظام، لأن الذين حاولوا خلق الانطباع بأن الانتخابات مفتوحة انتهى بهم الأمر إلى الانسحاب أو تقديم ملفات منقوصة، وهو نفس المصير الذي كان سيلقاه أي شخص يترشح من خارج النظام.

ورجح المراقبون: أن يقود الوضع الحالي إلى تأجيل الانتخابات للمرة الثانية منذ إسقاط بوتفليقة، بعد تأجيلها في يونيو/حزيران الماضي لاعتراض طيف واسع بعضه من داخل السلطة نفسها على إجرائها في هذا لتوقيت.

واعتبروا: أن إصرار الشارع على رفض الانتخابات بالمعطيات الحالية، مع توقع اتساع دائرة الرفض، سيمنع المرشحين من القيام بحملاتهم الانتخابية في ظروف مناسبة، ليجد رئيس الأركان نفسه مضطرا إلى تأجيلها لموعد لاحق.

أما في حال عدم التأجيل والإصرار على إجراء الانتخابات تحديا للرفض الشعبي الذي يمكن أن يأخذ أشكالا أخرى، فإن البلاد قد تكون مقبلة على صدام وشيك بين المحتجين وأجهزة الأمن والجيش وصولا إلى إعلان حالة الطوارئ.

السيناريو الآخر لمآلات الصدام، توقع البعض أن تضطر السلطة إلى الإطاحة برؤوس كبيرة في هرمها، رضوخا لإرادة المحتجين، ودفعا لثمن عجزها عن احتواء الشارع الثائر وتهدئته وإيجاد حلول توافقية للأزمة السياسية.

وتزامنا مع العد التنازلي للانتخابات، يتصاعد منحنى الاحتجاجات المهنية والاجتماعية بشكل متسارع في الجزائر، مما شكّل حالة غليان غير مسبوقة في قطاعات تمثل شريان الحياة العامة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

ودخل المعلمون في إضراب دوري أسبوعيا منذ مطلع العام الدراسي، لأجل تسوية مطالب عالقة منذ سنوات، قبل أن يلتحق بهم القضاة في توقف متواصل عن العمل احتجاجا على حركة تحويلات مسّت 3 آلاف قاض، متهمين الحكومة بالتعدي على سلطة العدالة.

كما أضرب عمال مؤسسة ميناء أرزيو بوهران، وهو أكبر ميناء نفطي في الجزائر، منددين بإغلاق الإدارة باب التفاوض مع ممثليهم بشأن المنح الاستثنائية، ودشن سائقو سيارات الأجرة بالعاصمة إضرابا مفتوحا عن العمل، مع تنظيم وقفات احتجاجية أمام مقر مديرية النقل حتى تحقيق المطالب المرفوعة إلى الجهات المعنية.

واتسعت دائرة الاحتجاج بإعلان نقابة البنوك العمومية الدخول في إضراب وطني يوم الأحد 10 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، رفضا لما وصفته بتهميش وإقصاء الشريك الاجتماعي.

تفسير هذا الوضع الملتبس كان بأوجه عدة: فالبعض ربطه بمحاولات المقاومة التي تقودها "الدولة الأمنية العميقة" وبقايا حكم عبدالعزيز بوتفليقة لإجهاض مخطط الجيش في الانتقال إلى العهد الجديد.هؤلاء يرون أن إذكاء موجة الاحتجاجات الفئوية في ذا التوقيت، جزء من مخططات الثورة المضادة التي يديرها محسوبون على نظام بوتفليقة، من أجل الالتفاف على منجزات الثورة وتفريغها من مضمونها من جهة، وربما دفع البلاد إلى حالة من الفوضى، ربما تحن معها قطاعات شعبية لحالة الاستقرار في عهد بوتفليقة.

في المقابل، شدد كثيرون على: أن ما يجري هو موجة جديدة من الحراك الشعبي، في مواجهة إحكام قبضة العسكر على السلطة، وتخطيط الجيش لانتخابات صورية يأتي بمقتضاه رئيس دون صلاحيات ومجرد ستار يحكم من وراءه الجيش.