أزمة سد النهضة.. موقع كندي يتوقع مستقبل الصراع على مياه النيل

12

طباعة

مشاركة

يعد نهر النيل، الذي يُعرف بأنه أطول نهر في القارة الإفريقية، مصدرا رئيسيا للمياه لجميع البلدان التي تعيش في حوضه، حيث تمثل مصر وإثيوبيا والسودان الدول الثلاثة الأكثر اعتمادا عليه كمصدر للمياه.

كان هذا المورد الطبيعي نقطة نزاع لأكثر من قرن من الزمان، وغالبا ما كان السبب الرئيسي للحروب بين الدول وداخلها، حيث يتقاتل الزعماء السياسيون والمواطنون من أجل ما يعتقدون أنه ملكهم بطبيعته. 

ودفع هذا الاعتقاد مصر في عام 1821 إلى غزو السودان بهدف فرض أقصى قدر من السيطرة على النيل، وإلى احتلال مصر لإثيوبيا في عام 1875، حيث شهد الحوض توترات اجتماعية وسياسية منذ ذلك الحين.     

وفي تقرير له رصد موقع "جيوبوليتكال مونيتور" الكندي، الوضع الجيوسياسي لقضية الصراع على المياه بين دول حوض النيل الثلاثة البارزة، مشيرا إلى: أن "تاريخها ممتلئ بتطوير العديد من المعاهدات بين أصحاب السلطة الاستعمارية، بما في ذلك بناء السدود والحقوق في كميات المياه".

صراع عقود

ومع أن معظم هذه المعاهدات أعطت الأفضلية لمصر، كما تجسدها اتفاقيات مياه النيل عامي 1929 و1959، إلا أن الصراع على مياه النيل كان أحد أهم أسباب الحروب بالوكالة في الستينيات وحتى عام 2000 في كل من مصر وإثيوبيا والسودان.

واستعرض التقرير عاملا آخر يساهم في عدم قدرة هذه البلدان على التعاون والتفاوض حول شروط منصفة: وهو الاعتقاد بأن لكل منها الحق في غالبية حصص المياه. 

ولفت إلى: أن مصر، التي لديها أقدم عدد من السكان في الدول الثلاثة -وبالتالي أطول سجل للاستخدام- تعتقد أن لها حقوقا تاريخية في المياه، في حين تطالب إثيوبيا بالحقوق الجغرافية، إذ أن 95 ٪ من مياه النيل تمر بشكل طبيعي عبر الأراضي الرطبة الإثيوبية. 

ومن ناحية أخرى، يدعي السودان: أنه يحق له الحصول على المياه بالنظر إلى موقعه الجغرافي بين إثيوبيا ومصر، معتبرا أن: هناك تعاون بين هذين البلدين، وبالتالي السلام في الحوض غير ممكن بدون مشاركته". 

ونتيجة لذلك، بحسب المصدر ذاته: لم تتمكن هذه البلدان من التفاوض حول شروط عادلة ومنصفة بشأن كيفية توزيع المياه، وبالتالي لم تتمكن من تخفيف التوترات في الحوض.

وعلى الرغم من الطبيعة الهادئة لهذا الصراع في السنوات الأخيرة، إلا أن المحاولات المستمرة للتفاوض، وتطوير المعاهدات التي فشلت في توزيع مياه النيل على قدم المساواة، خلقت توترات دائمة بين هذه البلدان الثلاثة واستمرت في زعزعة استقرار الحوض، ولعل أحدثها هو خطط إثيوبيا لبناء سد بمليارات الدولارات، سد النهضة الإثيوبي الكبير. 

أفاد التقرير: أنه أعلن عن هذا السد أثناء الربيع العربي في أوائل عام 2010، والهدف منه هو تأمين المياه التي تتدفق بشكل طبيعي عبر البلاد.

رأت كل من مصر والسودان إلى القرار باعتباره تهديدا لإمدادات المياه، ما أدى إلى تصعيد النزاع إلى مستويات شبه عنيفة، حيث صرح ممثلون مصريون علنا: أنه إذا اتخذت إثيوبيا أي إجراء لمنع مياه النيل، فلن يكون هناك بديل سوى استخدام القوة

آثار تغير المناخ

وأشار التقرير إلى: أن سد النهضة الكبير اكتمل الآن بنسبة 70% في 8 أعوام، إذ استمر البناء ببطء ولكن بثبات على الرغم من معارضة مصر والسودان.

وعلى غرار المناطق المحيطة الأخرى أو المناطق الفقيرة، فإن حوض النيل ليس بمنأى عن الآثار الكارثية لتغير المناخ. مع ازدياد إزالة الغابات في إثيوبيا والسودان، تنخفض معدلات هطول الأمطار، وبالتالي تزيد احتمالات حدوث الجفاف.

كما تسبب المستويات العالية لإزالة الغابات المزيد من التآكل، مما يؤدي إلى ترسيب مجرى النهر مما يقلل من عمر الخزان، ويقلل من كفاءة إنتاج الطاقة الكهرومائية والري، ويؤدي إلى تآكل ظهور مجاري المياه، ويضر بالبيئات الطبيعية. 

ونتيجة لذلك، فإن إثيوبيا، وهي بلد معرض بالفعل لخطر كبير من المجاعة والسودان، وهو بلد يعاني باستمرار من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى بسبب أزمة إنسانية مع شح المياه. 

تشهد البلدان الثلاثة نموا هائلا في عدد سكانها وتحتاج إلى مزيد من التصنيع والتنمية لاستيعاب تدفق الناس، مما يؤدي إلى زيادة في حاجتها إلى المياه لأن المستويات الحالية غير كافية.

وباعتبارها أكثر الدول الثلاثة تطورا، بدأت مصر تشعر فقط بالآثار الوخيمة لهذه العوامل. ومع ذلك، فإن الفقر السائد في إثيوبيا والسودان يتفاقم بسبب عجزهما عن توسيع نطاق النشاط الاقتصادي وتعزيز النمو والتنمية في اقتصاداتهم الزراعية القائمة على الريف. 

مركزية الدولة

وأوضح الموقع: أنه بالنسبة لإثيوبيا وجنوب السودان، يعتمد الكفاح من أجل المياه على قضايا إمكانية الوصول، حيث يجعل نقص البنية التحتية من الصعب على هذه البلدان الوصول إلى المياه التي تمر عبر مناطقها بشكل طبيعي، لكن بالنسبة لمصر وشمال السودان، فإن المشكلة تتعلق بتوفر المياه، حيث يؤدي ارتفاع مجرى النهر إلى ارتفاع منسوب مياه الأمطار بشكل طبيعي. 

وبحسب التقرير: يؤدي الضعف الشديد المقترن بقدرة منخفضة على التكيف إلى أن يصبح انعدام الأمن البشري مشكلة منتشرة في الحوض، وقد أصبحت جميع الأطراف موضع شك في استدامة خطة العمل الحالية (أو عدم وجودها).

ومنذ بداية هذا الصراع، تميز حوض النيل بتطوير أحادي الجانب للبنية التحتية المتعلقة بالمياه والمصالح الشخصية، مما أدى إلى تفاقم المنافسة على الموارد المائية الشحيحة. 

وأضاف: "بدلا من النظر إلى قضية إتاحة المياه كقضية على مستوى الحوض تتطلب التعاون، تتعامل مصر وإثيوبيا والسودان مع نزاع مياه النيل من خلال إستراتيجيات محورها الدولة، مدفوعة حصريا بالاحتياجات المحددة لبلدهم، مع إيلاء اعتبار بسيط تجاه احتياجات الدول المتضررة الأخرى". 

وأردف: "بالنظر إلى التاريخ الهائل للحرب الأهلية والاضطرابات السياسية لكل بلد، فإن هذا النهج المتمركز حول الدولة أمر منطقي، ولكن كما أثبت التاريخ، فإنه غير فعال في تخفيف أي من التوترات في الحوض أو توفير الموارد المائية الكافية لكل دولة محتاجة". 

ومضى يقول: "في حين أن مصر كانت مفضلة تاريخيا، كما تجسدها معاهدتا 1929 و1959، والسد العالي في أسوان، إلا أنها تخشى الآن من أن الأعمال العدائية من إثيوبيا والسودان قد نمت إلى درجة أنها لن تحصل على نصيب عادل من المياه ، إذا كان لهم أن يتفاوضوا". 

وتابع: "من ناحية أخرى، إثيوبيا والسودان، بعد أن تم استبعادهما من طاولات المفاوضات السابقة، تخشيان تكرار هذا النمط، وتحرصان على التفاوض من أجل الحصول على الموارد المائية التي تحتاجان إليها".

إمكانيية الحرب

في بعض النقاط، بدا الأمر وكأن القضية قد تتصاعد إلى صراع عنيف، كما أوضح رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد؛ ومع ذلك في هذا المنعطف الحالي، من غير المرجح أن يتصاعد الصراع العنيف، بحسب الموقع. 

ومن أجل وقف تأثير السد، يتعين على مصر قصفه قبل اكتماله. من أجل إنجاز هذه المهمة، ستحتاج مصر إلى استخدام القواعد الجوية السودانية للتزود بالوقود، وهو أمر غير مرجح أن تسمح به الخرطوم.  وعلى الرغم من الخطاب الذي يشير إلى الصراع العنيف، فإن الانقسامات الداخلية في مصر وعدم الاستقرار تجعل الحرب غير ممكنة من الناحية المالية. 

أخيرا، في وقت سابق من هذا الشهر، فاز رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بجائزة نوبل للسلام، وبالتالي فهو أقل احتمالا لبدء أو الدخول في صراع عنيف، من أجل الحفاظ على سمعته الدولية كزعيم سلام".

في عام 1999، أنشأت دول حوض النيل العشرة مبادرة حوض النيل، بهدف الحفاظ على التعاون بين الطرفين والالتزام بالعمل من أجل مبادرة مشتركة حول الاستخدام العادل لموارد مياه نهر النيل. ومع ذلك، فقد فشلت هذه المبادرة في النهاية لأنها لم تحدد أهدافا أو تواريخ محددة لتحقيق أهدافها، ولم تنجح في تغيير المواقف من مركز الدولة إلى مركز الحوض. 

وفي عام 2018، توصلت البلدان الثلاثة إلى اتفاق مؤقت بشأن كيفية تأثير الملء الأول للسد على إمدادات المياه في كل منطقة؛ ومع ذلك، يظل من غير الواضح ما الذي سيحدث بعد اكتمال ملء السد الأولي، ومقدار حصة المياه التي يتعين على كل دولة التضحية بها بشكل دائم من أجل تشغيل السد".

وأضاف: "حدث التطور الأخير في هذا الصراع الشهر الماضي خلال قمة سوتشي، حيث وافق السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على استئناف المناقشات المتعلقة بسد النهضة الكبرى. قدمت الولايات المتحدة أيضا عرضا للوساطة للمساعدة في هذه المناقشات". 

ونوه التقرير: بأنه أيا كان شكل الوساطة، فإنه يجب تشجيع هؤلاء القادة على العمل من أجل تطوير البرامج التي تعالج الأسباب الجذرية للصراع ، وكذلك قضايا تخفيف وطأة الفقر وتعزيز التنمية الاقتصادية على المدى الطويل. 

واختتم التقرير مشددا على: أن "هناك حاجة إلى برامج مشتركة وإستراتيجيات تتمحور حول الأحواض بين البلدان الثلاثة، بدلا من اتباع نهج يركز على الدولة من أجل إنشاء جهود وفوائد منسقة لجميع السكان، وتجنب بذر بذور النزاع الطويل".