نبع السلام.. هكذا يراها رئيس سابق للاستخبارات العسكرية التركية (حوار)

تولين حمران | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 9 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أطلق الجيش التركي بمشاركة الجيش الوطني السوري، عملية "نبع السلام" في منطقة شرق نهر الفرات شمالي سوريا، لتطهيرها من عناصر تنظيمي "ي ب ك/بي كا كا" و"الدولة"، وإنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.

وفي 17 من الشهر نفسه، علق الجيش التركي العملية بعد توصل أنقرة وواشنطن إلى اتفاق يقضي بانسحاب عناصر التنظيم الكردي من المنطقة، وأعقبه تفاهم مماثل مع موسكو.

ما هي أهداف تركيا الأساسية من عملية نبع السلام؟ وهل حققت أنقرة هذه الأهداف كاملة أم جزءا منها؟ وهل الاتفاقات التي أجرتها تركيا مع الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، ومع روسيا من جهة أخرى كانت مفيدة لعملية "نبع السلام" أم معرقلة لها؟. 

قضية "نبع السلام"، وغيرها من القضايا مثل علاقة تركيا بالناتو، وإستراتيجية أنقرة خارج الحدود وهل هي توسعية أم دفاعية؟ كانت محل حوار "الاستقلال" مع رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية التركية السابق الفريق المتقاعد إسماعيل حقي بكين.

  • ما تقييمكم لعملية "نبع السلام" وما أسفرت عنه، خصوصا بعد الاتفاقات التي عقدتها تركيا مع واشنطن وموسكو؟

بعد بدء عملية عملية السلام ودخول تركيا غرب الفرات، تمكنت تركيا من الاتفاق حول المنطقة الآمنة التي كانت تريدها، باتفاقين منفصلين، مع أمريكا وروسيا، وبذلك استطاعت أنقرة الحصول على مشروعية المنطقة الآمنة التي كانت تريد تأسيسها.

هدف هذه العملية هو إخراج ودفع وحدات حماية الشعب الكردية لناحية الجنوب لمسافة 444 كم بعيدا عن الحدود والتي يبلغ طولها 30-32 كم، بالإضافة إلى خلق منطقة آمنة في هذه المنطقة، والقضاء على الإرهاب فيها، وإعادة جزء من اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا وذلك لتخفيف العبء الملقى على عاهل تركيا ولإعادة السوريين إلى أراضيهم مرة أخرى.

حين ننظر اليوم نرى أن الاتفاقيات المعقودة تحقق هذه الأهداف، وحين ننظر إلى الميدان، فإن المساحة التي تم إجراء العملية عليها والواقعة على امتداد 120 كم بين تل أبيض ورأس العين، وبعمق 35 كم، هي الآن تحت سيطرة تركيا.

هذا الأمر تم الاتفاق عليه مع الأمريكان، والمناطق الأخرى الممتدة بطول 344 كم شرق وغرب هذه المنطقة، ستكون تحت سيطرة روسيا وتركيا، وسيتم إجراء دوريات عسكرية تركية روسية على عمق 10 كم في هذه المنطقة، كما سينسحب الإرهابيون من طول هذه المنطقة أيضا، وبذلك تكون تركيا قد حققت هدفها الأساسي في القسم الأول من العملية. 

  • العلاقات بين تركيا وحلف الناتو تمر بمرحلة حرجة خاصة مع وقوف بعض دول الناتو ضد تركيا في عملية "نبع السلام"، ما تقييمكم لمستقبل العلاقة في ظل هذه التطورات؟

تركيا دولة مهمة في حلف الناتو منذ عام 1952، وهي تقوم بكل ما يترتب عليها من واجبات في الحلف على أكمل وجه، وعدم وقوف بعض دول الناتو (وربما أغلبها) مع تركيا في عملية نبع السلام هو بسبب عدم تفهمهم للمخاوف التركية الأمنية من تشكل ممر إرهابي شمال سوريا، هذا الموقف مخز ومخجل لحلف الناتو، مخجل من الناحية العسكرية والسياسية على حد سواء.

لكن رغم هذا ستبقى تركيا عضوا فعالا في حلف الناتو، لا يمكن الحديث عن فكرة انفصال تركيا من الحلف أو تعليق عضويتها مثلا، لأن هذا أمر غير مقبول أبدا. 

خطوات إستراتيجية

  • تركيا أصبح لديها قواعد عسكرية في قطر والصومال، إضافة إلى إعمارها لجزيرة سواكن السودانية، برأيكم هذا ينم عن إستراتيجية توسعية لتركيا خارج حدودها وهل لهذا الإستراتيجية أهداف عسكرية؟

تتعرض تركيا لمخاوف وتهديدات على جميع الأصعدة، إذ لا يمكن أن نقول إن أراضي تركيا والمناطق المحيطة بها في خطر فحسب، بل هناك استهداف لكل وجود تركي في العالم، لذا تعمل تركيا على حماية نفسها من خارج الحدود، وعلى تركيا حماية مصالحها في مناطق العالم المختلفة.

كذلك على تركيا حماية تجارتها وخطوطها البحرية، وأسواقها التي تصدر لها المنتجات التركية، وكذلك عليها حماية الطرق التي توصل الطاقة والبترول إليها، بالإضافة إلى الشركات الخاصة التركية التي تعمل في مختلف أنحاء العالم واستثماراتها المختلفة، وكذلك تعمل تركيا من خلال وجودها الواسع على كسب حلفاء في المناطق المهمة حول العالم، التي تمس الأمن القومي التركي والمصالح التركية. 

ليس القصد من هذه الخطوات الإستراتيجية التركية هو التوسع، بل هو الإحاطة بالعمق الإستراتيجي والتهديدات المحتملة في المناطق التي يمكن أن تؤثر على تركيا، أو تحمل مستقبلا مشتركا، كما أن تركيا تسعى لأن تكون قوية بما فيه الكفاية في هذه المناطق ليكون لها أثر واضح في التعاون من أجل تطوير تلك المناطق، كما أن هذا الأمر مهم من أجل دعم حلفائها في تلك المناطق أيضا. 

تركيا تحت مسمى حلف الناتو ذات قوة ونفوذ بدءا من أفغانستان إلى الصومال ومن دول البلقان إلى الشرق الأقصى. فتركيا لا تكتفي بنشر قوتها تحت مسمى الناتو وإنما تعدته إلى اتفاقيات مع الدول الأخرى في مجالات التعليم والاستشارات وغيرها من الخدمات، وعملت على إبقاء هذه الاتفاقيات مستمرة. وهذه الإستراتيجية ليست إستراتيجية توسع وإنما هي إستراتيجية الدفاع عن المصالح الوطنية.

شرق المتوسط

  • بالطبع أنتم شاركتم في "عملية السلام" بقبرص عام 1974، ما أهمية  العملية التركية في ذلك الوقت وما مدى تأثيرها على الوضع الحالي في شرق المتوسط الذي يشهد نوعا من التوتر؟

بعد ظهور الغاز الطبيعي والثروات الأخرى في منطقة شرق المتوسط، بدأ لعاب إسرائيل يسيل محاولة مع دول أخرى استغلال هذه الموارد عبر إرسال سفن التنقيب التابعة للشركات العالمية.

تعمل إسرائيل على سلب حقوق تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية شرق البحر الأبيض المتوسط، وحصر تركيا ووجودها شرق البحر الأبيض المتوسط بخليج أنطاليا فقط.

استطاعت إسرائيل إبرام اتفاقيات في هذا الشأن مع مصر واليونان وجمهورية قبرص اليونانية، كما تعمل على كسب دعم الاتحاد الأوروبي لها، بالإضافة إلى الاعتماد على قوتها والقوى العالمية الأخرى. هم يحاولون فصل تركيا عن جمهورية شمال قبرص التركية، كما يعملون أيضا على تهميش الأتراك في قبرص وهو ما لن تسمح به تركيا على الإطلاق.

عملية السلام

"عملية السلام" في قبرص كانت للحيلولة دون هذا الأمر، وما تحاول تركيا عمله الآن هو حماية حقها وحق قبرص في التنقيب عن النفط شرق البحر الأبيض المتوسط، لإنه لو لم تقم بهذا الأمر، فإن عدم الإستقرار سيفتح المجال لصراعات أكثر في المستقبل.

وفي 20 يوليو/ تموز من عام 1974، أطلقت تركيا عملية السلام العسكرية في جزيرة قبرص، بعد أن شهدت الجزيرة انقلابا عسكريا قاده نيكوس سامبسون، ضد الرئيس القبرصي مكاريوس الثالث، في 15 يوليو/ تموز من العام نفسه.

وجرى الانقلاب بدعم من المجلس العسكري الحاكم في اليونان، فيما استهدفت المجموعات المسلحة الرومية سكان الجزيرة من الأتراك.

وبدأ الجيش التركي عملية عسكرية ثانية في 14 أغسطس / آب 1974، ونجحت العمليتان بتحقيق أهدافهما، حيث أبرمت اتفاقية تبادل للأسرى بين الجانبين في 16 سبتمبر / أيلول 1974.

وفي 13 فبراير/ شباط 1975، تم تأسيس "دولة قبرص التركية الاتحادية" في الشطر الشمالي من الجزيرة، وتم انتخاب رؤوف دنكطاش رئيسا للجمهورية التي باتت تعرف منذ 15 نوفمبر / تشرين الثاني 1983 باسم "جمهورية شمال قبرص التركية".