الديمقراطيون يلاحقونه.. هل ينجو ترامب من مقصلة العزل؟

آدم الصبّاح | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن مراحل محاكمة رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، تمهيدا لعزله، وصلت إلى منعطف خطير يفتح الباب أمام الرأي العام الأمريكي للتعرف على تفاصيل القضية، وحقيقة اتهامه بانتهاك الدستور في مكالمته الشهيرة مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

وعلى الرغم من قدرة أغلبية الحزب الجمهوري بمجلس الشيوخ على إحباط مساعي العزل، إلا أن الحرب التي يخوضها غريمه الديمقراطي تعول على علنية إجراءات التحقيق وسماع الشهود في إمكانية التأثير في نواب حزب الرئيس أو على أقل تقدير إحراجهم أمام قواعدهم ودفع بعضهم إلى إدانة ترامب.

تكسير عظام

"تكسير العظام" يبدو أنه عنوان المرحلة الجديدة التي أطلقها مجلس النواب الأمريكي للتحقيق في اتهامات بحق ترامب، حيث صوّت لأول مرة على المضي في إجراءات عزله، بأغلبية 232 صوتا مقابل 196 صوتا لإطلاق العملية رسميا.

الجديد في رحلة العزل، أن القرار المتخذ بمجلس النواب يحدد الخطوط العريضة لكيفية انتقال التحقيق من الشهادة في جلسات مغلقة إلى جلسات استماع علنية، كما ينظم القرار عملية استجواب الشهود، ويحدد حقوق الرئيس ومحاميه.

الأعضاء الديمقراطيون بمجلس النواب بدؤوا قبل أكثر من شهر تحقيقا رسميا بهدف عزل ترامب، بدعوى أنه شجع خلال مكالمة هاتفية، زعيم دولة أجنبية على إجراء تحقيق قد يضر منافسه المحتمل جو بايدن بانتخابات الرئاسة لعام 2020.

وكان البيت الأبيض كشف فحوى مكالمة هاتفية أجراها ترامب مع نظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في 25 يوليو/تموز الماضي، لتهنئته بفوزه بالانتخابات الرئاسية.

وفي تعليقه الأول على قرار مجلس النواب، غرد ترامب عبر "تويتر" بالقول: "هذه أكبر عملية مطاردة سياسية في التاريخ الأمريكي"، واعتبر البيت الأبيض أن هوس نانسي بيلوسي رئيسة المجلس والديمقراطيين بالمحاكمة البرلمانية غير المشروعة لا يضر الرئيس، بل الشعب الأمريكي.

القرار يمنح لجان الاستخبارات والشؤون الخارجية والخدمات المالية والقضائية والطرق والوسائل، الحق في استمرار تحقيقاتها في ما إذا كانت هناك أرضية كافية وأدلة قوية تجعل مجلس النواب يمارس سلطاته الدستورية لاتهام الرئيس.

وحدد القرار حق الأقلية الجمهورية داخل هذه اللجان في استدعاء الشهود، ولكن بعد موافقة رئيس اللجنة الديمقراطي، مع الحق في الاستئناف أمام كامل اللجنة في حال رفض رئيس اللجنة الموافقة على الطلب.

ويطلب القرار في النهاية من رئيس لجنة الاستخبارات، التشاور مع اللجان الأخرى وإعداد تقرير تُقدم فيه نتائج ما تم التوصل إليه إلى اللجنة القضائية التي ستقوم بدورها بكتابة وصياغة بنود الاتهام قبل طرحها للتصويت على مجلس النواب بكامل هيئته.

لا يحتاج مجلس النواب أكثر من أغلبية 50 %+1 (أغلبية بسيطة) ليعقد مجلس الشيوخ محاكمة يديرها رئيس المحكمة العليا ويستمع فيها أعضاء مجلس الشيوخ (المحلفين) إلى سير المحاكمة التي يقوم فيها مجلس النواب بدور الادعاء، حيث يصوت أعضاء المجلس في نهاية المحكمة على قرار الإدانة أو البراءة بأغلبية ثلثي الأعضاء.

ترامب ليس محروما

وبينما يشكو عدد من النواب الجمهوريين من أن القرار لا يمنحهم حقوقا متساوية، إلا أن جيم ماكغفرن، النائب الديمقراطي، أكد: أن المعايير المحددة في القرار هي نفسها التي اتبعت في قرارات اتهام الرئيسين ريتشارد نيكسون في سبعينيات القرن الماضي وبيل كلينتون في نهاية التسعينيات.

صحيفة "لوس أنجليس تايمز" قالت: إنه بينما "لا يزال الرئيس ترامب وأنصاره يشكون من أن مجلس النواب يحرمه من الإجراءات القانونية الواجبة، ولكن في الواقع ، كان كل جزء من التحقيق حتى الآن يتماشى مع الولايات الدستورية"، بل إن "إجراءات المساءلة التي اعتمدها مجلس النواب يوم الخميس تتجاوز بكثير ما يتطلبه الدستور".

وتابعت: "هذا هو؛ هذا كل ما يخبرنا به الدستور عن الإجراءات التي يجب اتباعها. طالما يتم اتباع هذه القواعد القليلة، لا يمكن القول أن الكونجرس ينتهك الدستور. قال بات سيبولوني، محامي البيت الأبيض: إن الدستور يتطلب قرارا من مجلس النواب للسماح بإجراء تحقيق في المساءلة، لكنهما مخطئان".

وأشارت الصحيفة إلى: أنه "حتى الآن بعد أن أصدر الكونجرس مثل هذا القرار، لا يزال ترامب يصر على أنه محروم من الإجراءات القانونية. ولكن لا يوجد أي أساس لهذا الادعاء أيضا. تطبق الإجراءات القانونية فقط إذا كان الشخص محروما من الحياة أو الحرية أو الممتلكات. لا تحرم جلسات المساءلة القضائية بالتأكيد الرئيس من أي من هذه المصالح".

وأوضحت: أن مكالمة ترامب تعلقت بالمساعدات العسكرية التي تقدمها بلاده لأوكرانيا بنحو 400 مليون دولار، وأنه قال لنظيرة الأوكراني: "أود منك أن تقدم لنا معروفا"، ورغم أن الرئيس الأمريكي حاول لاحقا التراجع عن بيانه، إلا أن كبير موظفي البيت الأبيض ميك مولفاني اعترف علنا ​​أن الصفقة تضمنت ربط المساعدة لأوكرانيا باستعدادها للتحقيق مع جو بايدن وابنه.

هل العزل ممكن؟

ورغم أن سيطرة الحزب الجمهوري على أغلبية مجلس الشيوخ تجعل من إدانة ترامب حلما بعيد المنال، إلا أن بعض ما تكشف من كواليس عملية التحقيق والاستماع للشهود، ربما يجعل من الصعب على الجمهوريين استمرار دعم ترامب.

صحيفة "نيويورك تايمز" كشفت ما جاء بشهادة أحد الشهود من أن محامي البيت الأبيض حذره لإبقاء تفاصيل مكالمة ترامب ونظيره الأوكراني سرية، ونقلت عن  اللفتنانت كولونيل ألكساندر س. فيندمان، الذي أدلى بشهادته هذا الأسبوع أنه أُمر بعدم مناقشة مكالمة ضغط فيها ترامب على الرئيس الأوكراني لإجراء التحقيقات.

ووفقا لأشخاص اطلعوا على الشهادة، فإن جون آيزنبرغ أحد أكبر محامي البيت الأبيض أمر فيندمان بعدم مناقشة محتويات المكالمة، بعد أيام قليلة من الإبلاغ عن مخاوفه بشأن ما قاله ترامب في تلك المكالمة.

وبحسب الصحيفة: فقد أضيفت تفاصيل هذه الشهادة إلى جهود حثيثة في البيت الأبيض لإغلاق سجل ما حدث في 25 يوليو الماضي، في إشارة إلى المكالمة الشهيرة.

كما شهد تيم ماريسون، وهو مسؤول في مجلس الأمن القومي، بأنه استشار آيزنبرغ معربا عن قلقه من أنه على الرغم من أنه لا يعتقد أن المكالمة تحتوي على أي شيء غير قانوني، فإن الكشف عنها قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، وفق الصحيفة.

وقالت "نيويورك تايمز": إن فيندمان قدّم شكواه بشأن المكالمة في البيت الأبيض، وبينما كان لا يزال في الغرفة قرر آيزنبرغ وضع الشكوى في أكثر أنظمة البيت الأبيض أمانا لتجنب التسريبات.

جهود البيت الأبيض لم تتوقف عند حدود التكتم على تفاصيل المكالمة، بل انسحبت على رفض علني للتعاون مع مجلس النواب في تحقيقات العزل، وقال محامي البيت الأبيض في الرسالة التي بعثها إلى نانسي بيلوسي: إن "تحقيقكم يفتقد إلى الأسس الشرعية الدستورية وأدنى مظاهر الحياد".

وردت بيلوسي في بيان: إن إعلان البيت الأبيض رفضه التعاون هو "ببساطة محاولة أخرى لإخفاء الحقائق حول الجهود المشينة لإدارة ترامب للضغط على قوى أجنبية من أجل التدخل في انتخابات 2020".

الجمهوريون في مأزق

وبقدر ما كشف قرار مجلس النواب من حالة استقطاب شديدة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بقدر ما أكد تضافر النواب الجمهوريين بجانب ترامب، حيث لم يصوت عضو واحد من بين 196 نائبا بالموافقة على القرار، واقتصر الأمر على أغلبية الديمقراطيين 232 بالإضافة إلى تصويت نائبين ديمقراطيين بجانب الجمهوريين لوجود تيار جمهوري قوي في مناطقهما.

وأبرز ما يعنيه التصويت من تماسك الجمهوريين ونجاح ترامب في توحيدهم خلفه، أنه يعتمد على هذا النجاح من أجل إنقاذه من مقصلة العزل، وهو ما عبر عنه الرئيس صراحة في أول تجمع أمام الآلاف من مناصريه بولاية ميسيسيبي.

ترامب قال: "اجراءات العزل التي أطلقتها الغالبية الديمقراطية في مجلس النواب هجوم على الديمقراطية نفسها.. لكني أقول لكم إن الجمهوريين أقوياء وسينالون غالبية غاضبة".ولا يزال ترامب يحظى بشعبية كبيرة لدى قاعدته لكن يبدو أن هذا الملف انعكس سلبا عليه في استطلاع نشر، الجمعة الماضية، ويدل على أنه يحظى بدعم نسبته 74 بالمئة لدى الجمهوريين "في أدنى مستوى"، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" وقناة "إيه بي سي".

انطلاقا من نتائج الاستطلاع، فإن الأزمة تضع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين في مأزق شديد، بين مناصرة الرئيس وإنقاذه من العزل، وبين الاستماع لما يقوله الشارع والتعاطي مع ما يستجد من حقائق قد تظهرها مراحل التحقيق المقبلة.

ولعل أبرز ما يراهن عليه الديمقراطيون في مساعيهم هو أن تغير جلسات استماع الشهود العلنية موقف الرأي العام الأمريكي لتصبح غالبيته مؤيدة لعزل الرئيس، وهو ما سيغير الدفة ويفض الجمهوريين من حول الرئيس.

وتبقى السيناريوهات المستقبلية، إذا ما استمر مجلس النواب في توجهه وإصدار لائحة اتهام بحق الرئيس، محدودة فأغلبية الجمهوريين في مجلس الشيوخ قد يتبعون الخط نفسه ويُفشلون عزل ترامب إذا ما انتهى مجلس النواب إلى إصدار قرار أو أكثر باتهامه بمخالفة الدستور والضغط على رئيس دولة أجنبية.

ولكن بما أن القرار الصادر من مجلس النواب سوف يسمح بعلانية جلسات استماع الشهود ومتابعة الشعب الأمريكي لمجرياتها ودقائقها واعترافاتها عبر شاشات التلفزيون بدءا من منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، يراهن الديمقراطيون على إمكان تغيير موقف الرأي العام الأمريكي في استطلاعات الرأي تأييدا لعزل ترامب، وهو ما قد يدفع عددا كبيرا من الجمهوريين إلى تغيير مواقفهم والتخلي عن دعم ترامب لإرضاء قواعدهم الشعبية التي تنتخبهم في نهاية المطاف.

ولأن عزل الرئيس يتطلب التصويت بعد محاكمته في مجلس الشيوخ على أغلبية الثلثين أي 67 صوتا، فإن تصويت 20 من الأعضاء الجمهوريين إلى جانب الديمقراطيين هو أقصى ما يتمناه الحزب الديمقراطي.