فيسك: ثورات الشرق الأوسط تتشارك بخطأ قاتل رغم عدم تشابهها

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، مقالا للكاتب البريطاني الشهير، روبرت فيسك سلط فيه الضوء على الثورات الجديدة المشتعلة في منطقة الشرق الأوسط، والتي قال: إنها ليست واحدة أو متشابهة، إلا أنها في نفس الوقت تتشارك في الخطأ المميت ذاته.

وأوضح الكاتب البريطاني الأشهر: أن "تلك الثورات لا يوجد لها قيادة ملهمة، تتسم بالنزاهة تقود حراكها، ولايزالون يبحثون عنها".

صدمة كهربائية

وأشار إلى: أن الثورات الكهرباء، تشبه صدمة كهربائية من النوع الأقوى وغير المتوقع، فيعتقد الضحايا أن هذه الصعقة عبارة عن صعقة دبور قوية، إلا أنهم يكتشفوا في النهاية أن البيت الذي يجمعهم تحت سقفه ويعيشون فيه قد تعرض للصعق بالكهرباء.

وأضاف الكاتب: أن "الجماهير تتفاعل مع صرخات الألم، حلم العودة للبيت الوطن، أو تجديد البيت بالكامل لحماية قاطنيه، إلا أنه بمجرد إدراكهم أنهم يمكنهم ترويض الكهرباء، بغض النظر عن الألم والقسوة يجدوا أنفسهم بدون عنصر التحكم في الكهرباء والألم، فيبدأون بالاسترخاء، ويكتشفون أن كل شيء كان بسبب اتصال معيب، ويدركون أنه يمكن فقط لعدد محدود من الكهربائيين المدربين جيدا أن يتعامل مع الزيادة الرهيبة في القوة".

وتابع: "هذا ما يحدث في العراق ولبنان والجزائر وفي بغداد وكربلاء، وفي بيروت وفي مدينة الجزائر - ومرة أخرى، في بشكل محدود في القاهرة، يطالب الشباب والمتعلمون بوضع حد ليس للفساد فحسب، بل على الطائفية والطائفية وحكومات المافيا الدينية ذات الثراء الهائل والغرور والسلطة".

وأشار الكاتب إلى: أنهم "جميعا ارتكبوا الخطأ نفسه الذي ارتكبه ملايين المصريين في عام 2011: ليس لديهم قيادة، ولا وجوه نزيهة معروفة، و - أكبر مأساة على الإطلاق - لا يبدو أنهم مهتمون بالعثور على أي منها".

وبين: أن "صرختهم الوحيدة الشعب يريد إسقاط النظام، إسقاط الحكومة، ملوك الخداع، مراكز القوة السرطانية: هذه هي صرختهم الوحيدة، يطالب مئات الآلاف من المتظاهرين اللبنانيين بوضع دستور جديد، ووضع حد للنظام الطائفي للحكومة - والفقر المدقع. هم على حق تماما، ولكن بعد ذلك توقفوا، المخادعون يجب أن يرحلوا الى الأبد، سواء أكان هؤلاء الرجال  محابون أو يسرقون أو يعتمدون على القوة المسلحة، فإن رحيلهم يكفي لأولئك الذين يجب أن يرثوا مستقبل لبنان".

وبحسب الكاتب: فإن "الأمر يبدو كما لو أن ثوار بيروت وبغداد والجزائر خالصون للغاية في أن يغمسوا أصابعهم في غراء السلطة السياسية، وصلاحيتهم السماوية تحميهم من أن يتلوثون بأوساخ السياسة، ومطالبهم روحانية أكثر من أن يتأثر بها العمل الشاق اليومي للحكم في المستقبل إنهم يعتقدون شجاعتهم وحدها ستضمن النصر. هذا غير منطقي، لأنه ببساطه، بدون قيادة  سيغرقون".

ونوه إلى: أن "لدى النخب والملوك الذين يحكمون العالم العربي مخالب حادة، سيقدمون تنازلات ساخرة: وضع حد للفساد، وإلغاء الضرائب المفروضة حديثا، واستقالة عدد محدود من الوزراء، سوف يمتدحون الثوار أيضا، سيصفونهم على أنهم "الصوت الحقيقي للشعب" و"الوطنيين الحقيقيين" - على الرغم من ثورة الثوريين، فسيُطلق عليهم "غير وطنيين" والخونة الذين يقومون بعمل "القوى الأجنبية".

وتابع: "حتى أن الحكومة المستقيلة ستتقدم في انتخابات جديدة - مع وجود الوجوه القديمة والسيئة السمعة، بالطبع، وهي تغادر وتعود إلى ميدان الطوائف الدينية عند إجراء الاقتراع".

وبحسب فيسبك: فإنه ليست كل هذه الثورات الجديدة هي نفسها، ففي الجزائر، أصبحت الطبقة المتعلمة حديثا (والعاطلين عن العمل) تشعر بالضجر واليأس تحت الديمقراطية الزائفة للجيش، لقد تخلصوا من غيبوبة عبد العزيز بوتفليقة، ليواجهوا قائد جديد للجيش ووعد مشهور بالانتخابات في ديسمبر/كانون الأول- عرض غير مجد،  لأن الرئيس المنتخب حديثا سيستمر في احتضان الجنرالات الفاسدين الذين تعمل حساباتهم المصرفية حاليا في فرنسا وسويسرا.

فقدان القيادة

ورأى الكاتب: أن "الجزائر مملوكة للجيش، هذا ما أسميه أحيانا (economyil) اقتصاد مدمج فعليا داخل الثكنات، وهو مجمع اقتصادي عسكري، مما يعني أن القيادة تعتبر الوطنية والثروة الشخصية غير قابلة للتجزئة، خصومهم فقراء، إنهم لا يجدون الطعام في بلدهم المليء بالنفط المربح، لكن الجنرالات لا يرون الأمور بنفس الزاوية، فعندما يطلب الناس التغيير، فإنهم يحاولون سحب أموال الجيش".

وأردف: يشبه هذا النظام "جيش السيسي" في مصر،  "econmyil" آخر، مع سيطرته على العقارات ومراكز التسوق والبنوك، تدفع الولايات المتحدة أكثر من 50 في المائة من ميزانية الدفاع المصرية، لكن الدبابات والطائرات المقاتلة في البلاد لا يُقصد استخدامها ضد أعداء مصر التقليديين، واجبهم هو حماية إسرائيل، وسحق الإسلاميين، والحفاظ على "الاستقرار" لحلفاء أمريكا واستثماراتها.

وأوضح فيسبك: عاود صحفيو التليفزيون المصري الذين ظهروا في يوم انقلاب السيسي، وقدموا عروضهم بالزي العسكري، وأصبحت المعارضة "إرهابيين" - وهو ما بدأ السياسيون العراقيون واللبنانيون يسمونه الآن خصومهم السياسيين الشبان - وسرعان ما تم إلقاء الثوريين القلائل الذين تم تسميتهم حديثا والذين ربما يكونون قد خلقوا مصر جديدة في ظلام مجمع سجن طرة.

وأشار إلى: أنه عندما تجرأ المئات من الرجال والنساء المصريين الشجعان بلا حدود على إعادة تنظيم احتجاجاتهم في القاهرة هذا الشهر، تم خطفهم من الشوارع.

وتساءل الكاتب: من هم القادة الجدد في العراق؟ لا يوجد شيء نعرفه، وهكذا فإن الجماهير المتعبة والفقيرة والمتجمعة التي ترغب في امتلاك بلدها وأخذه بعيدا عن الوزراء الأثرياء الذين أساءوا إدارة ثروتهم يعاملون الآن على أنهم يشكلون خطرا أمنيا، وغوغاء، ورعاع فوضوي بالتأكيد، بدفع "العملاء الأجانب" المعتادون والذين يجب الآن إسقاط مطالبهم بنيران حية.

لقد أعطى العراق المزيد من الشهداء في ثورته الحالية - 200 والعدد في تزايد مستمر - أكثر من الدول العربية الأخرى، والآن تقمعهم المليشيات المسلحة، 18 من المتظاهرين الشيعة الذين قتلوا في كربلاء كانوا ضحية لمليشيا شيعية – الإيرانية المنشأ، الذي لا يزال غير معروف على نطاق واسع في الغرب، يبرهن على أن أولئك الذين كانوا على استعداد للقتال والموت ضد الاحتلال الأمريكي العراقي ما زالوا مستعدين لإطلاق النار رجال الدين من أجل سحق ثورة عراقية.

أما في لبنان، يقول الكاتب:  هذه الظاهرة أقل دموية ولكن من المحتمل أن تكون مخزية أكثر. عندما يتعرض مئات الآلاف من المتظاهرين في وسط بيروت للاعتداء من قبل عصابات من أعضاء حزب الله الذين ينتمون إلى حسن نصر الله، فقد يكون هذا بمثابة أول عمل مخز حقا يرتكبه هؤلاء الرجال- المقاتلون الذين طردوا بالفعل الجيش الإسرائيلي من لبنان، في عام 2000".

وبحسب قوله: فقد كان "أبطال" الجنوب على استعداد لمهاجمة إخوانهم اللبنانيين من أجل الحفاظ على سلطتهم السياسية إلى جانب رجال بيروت الفاسدين والأثرياء، كان على نصر الله أن ينضم إلى هؤلاء الشباب اللبناني والفلسطينيين الذين انضموا إليهم، وقف بحزم إلى جانب "الشعب" ، كان ذلك بمثابة عمل سياسي عميق وتاريخي.

ولفت إلى: أنه بدلا من ذلك، حذر نصر الله من "الحرب الأهلية" - البديل المروع الذي استخدمه السادات ومبارك والديكتاتوريون الآخرون لإبقاء شعبهم الفقير في خوف، كانت القوة والامتياز - قوتها وامتيازها - أكثر أهمية، في النهاية، لأولئك الذين قاتل إخوتهم وماتوا من أجل الحرية ضد قوة الاحتلال الإسرائيلية.

واستطرد فيسك: "السؤال المطروح الآن، وإن كان غير عادل، هو ما إذا كان وجود حزب الله طوال الوقت يتعلق بالحفاظ على الذات سياسيا أكثر من التحرير؟. لا أعتقد ذلك، حزب الله هو أحد المليشيات القليلة التي تتمتع ببعض النزاهة في لبنان، لكن ما لم يخبر نصر الله شعبه بالوقوف إلى جانب اللبنانيين من جميع الطوائف بدلا من مهاجمتهم، فإن الحزب سيجد صعوبة في محو عار الأيام القليلة الماضية".

وبحسب قوله: إنه "يُقصد بالثوريين، لا سيما المسلحون منهم، الدفاع عن جميع أفراد شعبهم، وعدم تلبية نداء الفاسدين، الذراع العسكري لحكومة من الطبقة الوسطى المتدهورة، والتي يدين بعض أعضائها بالولاء للقوى الأجنبية، هل حزب الله - وحليفه أمل - الخاضع لسيطرة (بالطبع) رئيس البرلمان نبيه بري - يعمل لصالح الشيعة في جنوب لبنان، بعضهم يعارضون الآن تكتيكاته؟ أم لسوريا؟ أم لإيران؟ ماذا حدث لـ"المقاومة"، حركة المقاومة الأسطورية العادلة لعدوان إسرائيل؟

ومضى الكاتب يقول: الآن، أنا أعلم أن المحتجين في بيروت يناقشون من هم قادتهم، إنها المشكلة القديمة، من هم خارج البلاد ليسوا جزءا من الصراع، أولئك الذين ربما كانوا - في أوروبا، ربما في أوروبا الشرقية القديمة - هم العمود الفقري للثورة السياسية الحقيقية في لبنان، تمسهم طائفية الحكومة عن كثب.

الطائفية سرطان البلدان

ونوه إلى: أنه في عالم وعصر مختلفين، قد يكون هناك رجل واحد قد أصبح الزعيم الأكثر جاذبية للبنانيين "الجدد": وليد جنبلاط ، الزعيم الدرزي ، إنه شجاع وجذاب بالمعنى الحرفي للكلمة، وهو مثقف حقيقي، إشتراكي بطبيعته (رغم أنه يعيش جزءا من وقته في قلعة رائعة في مختارة في جبال الشوف)، لقد وصفته ذات مرة بأنه أعظم عدمي في العالم.

واستدرك الكاتب: لكن كزعيم درزي، فهو يمثل 6 بالمئة فقط من الشعب اللبناني - انظر كيف يحدد النظام الطائفي طموحاتك بالنسب المئوية؟ - وكزعيم ثوري في لبنان جديد، سيتهم حتما بمحاولة الاحتفاظ بالسلطة السياسية لطائفته بدلا من شعبه.

ووصف ذلك: بأنه "هذا هو السرطان الحقيقي للطائفية، لا يمكنك علاج مرض الطائفية، هذه مأساة لبنان، لكن يجب أن تكون هناك قيادة إذا ما أراد المتظاهرون في لبنان النجاة من كفاحهم، وإلا سيتم تقسيمهم ، وسوف تفشل".

ورأى الكاتب: أن هذا ما يحاول حزب الله وحركة أمل القيام به الآن، إذا تمكنوا من ضرب المتظاهرين، وطردوا النساء والأطفال، حوّلوا المتظاهرين إلى "الغوغاء" و "الرعاع" سيؤو السمعة، مما يخيف الشيعة من إخوانهم وأخواتهم في وسط بيروت، ثم السلطات - على الرغم من ضبط النفس المذهل للجيش هذا الشهر - سيكون عليه واجب سحق العنف، وستكون تلك هي نهاية شمعة أخرى ساطعة من الفرص لإنهاء لعنة التاريخ اللبناني.

وبحسب فيسك: فإنه "ربما يجب على المحتجين اللبنانيين قضاء بعض الوقت في استخدام هواتفهم المحمولة للتأمل قليلا في هوليود ، في النسخة السينمائية للدكتور زيفاجو، يصمت المحتفلون في ملهى ليلي موسكو الصامت وهم يسمعون قرع الطبول والغناء من المتظاهرين البلشفيين في الشوارع المغطاة بالثلوج في الخارج ، من بين الضيوف فيكتور كوماروفسكي اللاثوري واللامثقف".

وأردف: "ربما يكون كوماروفسكي الشخصية الأكثر إثارة للاهتمام وذات المصداقية في الفيلم، وهو رجل ساخر خطير وفساد سينتقل دون عناء من رجل أعمال برجوازي إلى وزير بلشفي بينما تسحق الثورة الجيوش القيصرية التي حكمت روسيا لأجيال، ولكن في ملهى ليلي - تدرك أن البلاشفة بلا قيادة وساذجين - كوماروفسكي يميل نحو النافذة ويقول بصوت عال: "لا شك أنهم سوف يغنون في تناغم بعد الثورة".

وينهي الكاتب البريطاني مقاله بقوله: "يضحك الجمهور في ملهى ليلي. ثم يتم قطع المتظاهرين بالسيوف من سلاح الفرسان في القيصر".