لبنان والعراق.. هل يتقلص نفوذ إيران نتيجة للرفض الشعبي؟

شدوى الصلاح | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

شكلت المظاهرات التي خرجت في عدة دول عربية، مؤخرا، موقفا صارما، تجاه تدخلات إيران في المنطقة، حيث أعلنت الشعوب إفشال مخططات طهران، وردع طموحاتها المشبوهة في المنطقة.

ومن المتوقع أن تسهم المظاهرات الأخيرة في العراق ولبنان بدرجة كبيرة في بدء رفع يد إيران ولو بشكل جزئي عن دول المنطقة، إذ يمثل الحراك الشعبي تحديا لطهران التي تدعم عن كثب حكومة البلدين والجماعات المسلحة القوية فيهما.

هتافات المتظاهرين في لبنان "كلن يعني كلن، نصر الله واحد منن" وفي العراق، "إيران برا برا، بغداد تبقى حرة" كشفت عن وعي الشعبين بمخططات إيران ومساعيها لفرض هيمنتها عليهم عبر أذرعها ومليشياتها العسكرية والأحزاب الموالية لها.

المتظاهرون في لبنان يناهضون المؤسسة السياسية التي يهيمن عليها حزب الله، فيما جاب العراقيون الشوارع احتجاجا على تدهور الظروف المعيشية وارتفاع معدلات البطالة والفساد في الهياكل الحكومية، مقتحمين بذلك المباني الإدارية المحلية ومكاتب القوى السياسية المختلفة، فضلا عن مرافق الحشد الشعبي الشيعي.

وفي العراق، اندلعت احتجاجات واسعة مطلع أكتوبر/تشرين أول الماضي، في مختلف المحافظات والمدن العراقية احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية للبلد، وانتشار الفساد الإداري والبطالة، مطالبين بالإصلاح وخروج إيران ومليشياتها من البلاد.

وفي محاولة لاحتواء الموقف، وعد رئيس البرلمان العراقي المتظاهرين بإصلاحات اقتصادية عاجلة، بينما تقدم رئيس وزراء لبنان سعد الحريري باستقالته.

أذرع إيران 

كانت طهران تأمل في تحقيق الهيمنة الإقليمية على المدى الطويل، ووفقا لمقال رأي في صحيفة "فورين آفيرز" تحدث عن طموحات إيران في بلاد الشام، فإن خطة طهران كانت تركز على تحقيق الهيمنة في العراق ولبنان وسوريا. 

وأشار المقال إلى: أن المستنقع الدموي الذي يضم تلك الدول الثلاث يوفر المزيد من الفرص لإيران لتعزيز سلطتها، حيث أن المواجهة هناك ستكون بالتأكيد أقل خطورة من نظيرتها في دول الخليج.

وتستخدم إيران مليشيات الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان وغيرهم لتحقيق أهدافها، بعدما منحتهم السلطة والتمويل والسلاح، وساعدتهم في  التسلل إلى مؤسسات الدولة.

"حزب الله" يعد أحد اللاعبين الفاعلين في الحياة السياسية والعسكرية داخل المنطقة، ما جعله الذراع الأهم لمليشيات نظام الملالي في الشرق الأوسط.

وتمكنت إيران عبر مليشيات الحزب من امتلاك جيش يتبع لها في لبنان تستخدمه في نشر الفوضى بالمنطقة، وتصدير الإرهاب وتأجيج الصراعات وتنفيذ عمليات دموية.

وبحسب كتاب "حزب الله في بيروت 1985-2005.. من الضاحية إلى المدينة"، الذي يفضح مخططات إيران في المنطقة، فإن الحزب استطاع على الجبهة الداخلية، أن يُقصِي حركة «أمل» الشيعية، المنافس الأول له طائفيا، كما استطاع أن يُقصِي تيار المستقبل، المنافس الأول له سياسيا.

ونجح الحزب خارجيا في أن يكون أهم مليشيا إيرانية في الدول العربية، وأكثرها تسليحا؛ ولذا تستخدمه طهران بصورة متزايدة في مواجهة فرقائها الدوليين والإقليميين.

أما مليشيات "الحشد الشعبي" في العراق فتأسست بهدف الدفاع عن العاصمة بغداد، والتصدي للجهاديين السُنة المنتمين لتنظيم الدولة، إلا أن قوتها تنامت بفضل امتلاكها الأسلحة الأمريكية وحصولها على الدعم الإيراني، بحسب "يارون فريدمان" المحلل الإسرائيلي في صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية.

وتأسست المليشيا بعد الفتوى الشرعية التي أصدرها المرجع الشيعي العراقي الأعلى، علي السيستاني، الذي دعا لقتال تنظيم الدولة، معتبرا إياه أخطر تهديد على مستقبل الطائفة الشيعية، التي تمثل 60% من سكان العراق.

ولبَّى عشرات الآلاف من أبناء الشيعة دعوة "السيستاني"، وانضموا إلى صفوف "الحشد الشعبي"، بعدما صادق رئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي في يونيو/حزيران 2014 على تأسيسه. وفي العام التالي أقرت له ميزانية سنوية بقيمة ستين مليون دولار تقريبا، وأخذت تلك الميزانية تزداد عاما بعد عام.

 

فضح النوايا

الشعب العراقي اكتشف حقيقة كل ذيول إيران في العراق، فقد أكدت صحيفة "لوموند" الفرنسية: أن الاحتجاجات الشعبية التي يشهدها العراق "انتفاضة" ضد سياسات حكومة بغداد التي تضحي بمصالح هذا البلد خدمة لإيران، وتعبر عن غضب العراقيين من النفوذ الإيراني المهيمن على سياسة بلدهم.

وجزمت الصحيفة: بأن الاحتجاجات في العراق لا تحمل أي أجندات أيديولوجية أو سياسية، لكنها تأتي رفضا لتدخل إيران في هذا البلد، إذ يعتبرها العراقيون "عرابة" المليشيات لإشاعة الفوضى. 

الصحيفة الفرنسية قالت أيضا: إن العراقيين سئموا من السلطات السياسية والدينية التي تولت حكم البلاد منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، مشيرة إلى تطلعهم لتحسين الخدمات العامة في مواجهة النقص المزمن في الكهرباء والمياه وخلق فرص العمل، خاصة مع تخطي بطالة الشباب حاجز الـ25%.

 

كانت أبرز مظاهر الرفض الشعبي العراقي لتدخلات إيران في بلادهم، إلى جانب ترديد الهتافات المطالبة بطرد "أذناب إيران من العراق"، غناء المتظاهرين ورقصهم بالأحذية على صور علي خامنئي المرشد الأعلى لإيران.

ولم تكن الهتافات وحدها هي الدليل الأبرز على الرفض الشعبي لإيران، فقد عمل المتظاهرون على تطوير وسائل احتجاجية تنتقل إلى المواجهة المباشرة مع طهران، خاصة عقب تصريحات المرشد الإيراني العدائية تجاه المتظاهرين التي تحدث خلالها عن وجود "مخططات من الأعداء لإثارة الفوضى وتقويض الأمن في بعض دول المنطقة".

فالمتظاهرون العراقيون الصامدون في الشوارع أطلقوا دعوة لمقاطعة البضائع الإيرانية، واسخدموها كورقة ضغط جديدة لإجبار إيران على وقف تدخلاتها وكف أيديها عن الشأن الداخلي العراقي، مشيرين إلى اعتماد طهران بشكل كامل على بلادهم في تصدير منتجاتها ومواردها الصناعية.

كما يرى المتظاهرون أن ضرب اقتصاد طهران كفيل بتحريك شعبها بالكامل ونقل المعارك إلى الداخل الإيراني، فيما يؤكد محللون أن العراقيين باتوا أكثر وعيا بمشاريع إيران الاستعمارية في بلادهم والمنطقة بأسرها. 

 

وتدفع ثورتا لبنان والعراق إلى تحطيم أسطورة ما يسمى بالنفوذ الإيراني، وتكشف أن الشعوب ضاقت ذرعا بطهران وبوكلائها الذين يحكمون قبضتهم على تلك الشعوب بقوة السلاح الإيراني.

مخاوف إيران

وفقا لتحليل نشرته صحيفة "واشنطن بوست": فإن الاحتجاجات في العراق ولبنان تغذي مظالم محلية موجهة أساسا إلى النخب السياسية، لكنها تشكل تحديا أيضا لإيران، التي تدعم عن قرب كلتا الحكومتين، وكذلك الجماعات المسلحة القوية في كلا البلدين. 

وأشار التحليل إلى: أن حملة القمع العنيفة المتزايدة في العراق وهجوم أنصار «حزب الله» على مخيم الاحتجاج الرئيس في بيروت أثارت مخاوف من رد فعل عكسي من جانب إيران وحلفائها.

كما أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها: أن التظاهرات الحاشدة في هذين البلدين تميزت في شكل من أشكال العداء للجمهورية الإسلامية، ما عرض مصالحها فيهما للخطر، بالإضافة إلى أنها زادت من احتمال ظهور تظاهرات مشابهة في إيران نفسها.  

ورأت الصحيفة: أن نجاح التظاهرات، يعني أن إيران ستخسر عقودا ضخمة من الاستثمارات السياسية والمالية والعسكرية، التي جعلتها من القوى المهيمنة على الشرق الأوسط. 

وبينت: أن تنديد "خامنئي" بالمتظاهرين يكشف مخاوفه من المخاطر التي تحملها، مشيرة إلى: أن إيران أعلنت عن إغلاق عدد من المعابر الحدودية مع العراق أمام المسافرين والبضائع. 

وتحدثت الصحيفة: عن قلق المسؤولين الإيرانيين من إمكانية انتقال المظاهرات للداخل الإيراني، خاصة أن هناك اشتراكا في المظالم بين العراقيين واللبنانيين والإيرانيين ضد المؤسسات الحاكمة في بلادهم

فاروق الظفيري، الناطق الرسمي باسم الحراك السني في العراق، قال: إن الذي جرى في العراق اليوم لم تكن تحسب له إيران حساب ولم تكن تتوقعه يوما ما، حيث أن "الذي خرج عليها وعلى أذنابها في العراق اليوم هم حاضنتها الشيعية التي كانت تتكأ عليها في تمرير مشروعها التوسعي في العراق والمنطقة".

وأشار في حديثه لـ"الاستقلال" إلى: أن "الشارع الشيعي خرج عن بكرة أبيه ليرجع كرامته التي سلبها منه المشروع الإيراني وأدواته الحاكمة في بغداد، بعد أن استفاقوا  من غفلتهم وعرفوا حجم الخداع الذي كانت تخدعهم فيه إيران".

ولفت "الظفيري" إلى: أن شيعة العراق اكتشفوا بعد ١٦ عاما من احتلال العراق أن إيران استخدمتهم وقودا لمشروعها التوسعي ولم تخدمهم بشيء واحتمت بهم ولم تحميهم، مؤكدا: أنهم استيقضوا على هول الدمار الذي سببته لهم إيران بأن سلختهم من وطنيتهم وجعلتهم أعداء لمحيطهم العراقي والعربي عموما.

وأضاف: "خرج الشيعة ليستعيدوا كرامتهم ووطنيتهم فرفعوا شعار (إيران برا برا بغداد تبقى حرة) وحرقوا صور خامنئي والعلم الإيراني"، معتبرا: أن هذه أبلغ رسالة وجهها المتظاهرون لإيران بأن "لا مكان لكم في العراق بعد اليوم".

وعي كبير

وذكر الناطق الرسمي للحراك السني في العراق: أن "الملفت أن الغالب الأعظم من هؤلاء المتظاهرين هم أصلا ولدوا بعد الاحتلال ولم يروا لا صدام حسين ولا (حزب) البعث، قائلا: "نحن أمام عهد وجيل عراقي جديد يختلف عن سابقه وقد آن أوان أفول نجم الهلال الإيراني التوسعي كما بزغ من العراق".

وأكد: أن هذه المظاهرات العارمة من الحاضنة الشيعية أقضت مضاجع مشروع ولاية الفقيه في إيران وأدواته في العراق، "لذلك، جوبهت المظاهرات بقمع وحشي بربري من الحكومة ومليشياتها وبمشاركة مباشرة من الحرس الثوري الإيراني وبغياب عربي كامل عن المشهد كعادتهم".

وأشار "الظفيري" إلى: أن الانتفاضة استطاعت رغم الإرهاب الحكومي الصمود والتوسع خلال أسبوع من المظاهرات بشيء لم يشهد له العراق مثيلاً إلا ما خرجت به المحافظات السنية التي انتفضت على الحكومة عام ٢٠١٢-٢٠١٣ والتي جوبهت أيضا من الحكومة بكل وحشية.

محمود شعبان الباحث في العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول آيدن التركية، قال: إن دعم إيران حزب الله وحماس وحركات التحرر الفلسطينية ورفعها شعار مناهضة الاحتلال الصهيوني عبر وكلاء لها في المنطقة أو عبر دعم أذرع مسلحة في المنطقة كان له رواج عاطفي فيما قبل الثورات العربية.

وأوضح في حديثه لـ"الاستقلال": أنه "بعد الثورات العربية تغير موقف إيران مع تغير مواقف الحركات المسحلة من ثورات الشعوب مثل انحياز حركة حماس للثورات العربية وخروجها من سوريا بسبب موقفها من بشار الأسد، ما فتح باب الخلاف وأزاح الستار عن مثالية النظرة إلى موقف إيران من الأحداث في المنطقة".

وأضاف "شعبان": أن "إيران ارتضت دعم مليشيات مسلحة في العراق كالحشد الشعبي الذي يقوم بعمليات خارج القانون ضد السنة وضد التظاهرات ودعم نظام بشار الأسد الذي قتل مئات الآلاف وهجر الملايين، ودعمت حزب الله في لبنان الذي أرسل جنوده إلى سوريا لقتال الشعب السوري". 

وتابع: "أصبحنا الآن أمام حالة صراع بدون مباديء في المنطقة، فإيران ظهرت كقوة سياسية تبحث عن مكان في المنطقة بمشروع سياسي لا يأخذ في الاعتبار تطلعات الشعوب في ظل غياب مشروعات سنية في المنطقة كمصر والسعودية".

واستطرد شعبان: "بالتالي تحركت إيران في المنطقة من خلال سلوك يرمي خلف ظهره المسؤولية الأخلاقية تجاه حاجيات الشعوب ومواقفهم، وكل ما يهم إيران في هذه المرحلة هو دعم كل الأنظمة أو الحركات التي تضمن تمددها بالمنطقة".