رغم تقاربها مع روسيا.. هذه أسباب إبقاء "الناتو" على عضوية تركيا

آدم الصبّاح | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يُلقي التوتر الأمريكي التركي المستمر، مقابل تقارب أنقرة وموسكو، بظلاله على حلف الناتو، وتصاعد الحديث عن استبعاد بلاد الأناضول أو انسحابها من الحلف.

وبينما تدفع اتجاهات قوية داخل واشنطن في هذا الاتجاه، يؤكد كثيرون أن تلك المسألة مستبعدة حد الاستحالة، نظرا لتداعياتها الكارثية على منظومة الأمن الغربية ولأهمية تركيا القصوى في الحلف.

وكانت تركيا تتوقع خطوات تصعيدية أمريكية، ردا على شراء أنقرة منظومة "إس 400" الروسية، ورغم أن إدارة الرئيس دونالد ترامب التمست الأعذار بل وألغت عقب انتهاء عملية "نبع السلام" التركية في سوريا، عقوبات كانت فرضتها على أنقرة.

إلا أن الكونجرس أقر عقوبات بسبب العملية العسكرية التركية شرق الفرات، كما اعترف بما أسماها مجازر تركيا التاريخية ضد الأرمن.

بين سوخوي وإف 35

المفارقة التي شهدتها الساعات الماضية، تجلت في تزامن لافت بين خبرين، أولهما استدعاء الخارجية التركية السفير الأمريكي بأنقرة احتجاجا على تبني مجلس النواب الأمريكي مشروعي قرار، أحدهما يعترف بما تسمى مذبحة الأرمن، والثاني يفرض عقوبات على كبار المسؤولين ومؤسسات مالية تركية ومنع تصدير أسلحة قد تستخدم في عملية "نبع السلام" التركية.

الخبر الثاني، ما نقله موقع "ديفينس نيوز" عن مسؤولين أتراك من أن المباحثات بين أنقرة وموسكو بشأن شراء المقاتلة "سوخوي 35" دخلت مرحلة متقدمة، الأمر الذي يعني تعميق الخلاف بين أنقرة وحلف الناتو منذ حصول تركيا على نظام الدفاع الجوي الروسي بعيد المدى من طراز إس 400 في أغسطس/ آب الماضي.

وكانت الولايات المتحدة أوقفت مشاركة الطيارين الأتراك في التدريب، فضلا عن تعليق شراكة تركيا في برنامج صناعة المقاتلة إف 35، للضغط على أنقرة من أجل التخلي عن الصفقة الروسية، لكن تركيا لم تتراجع عن قرارها.

التوتر الحالي يأتي بعد أشهر من تخيير مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي، تركيا بين شراء إس-400، والبقاء في حلف الناتو. وقال بنس في تصريحات صحفية مؤخرا: "على تركيا أن تختار، هل تريد أن تظل شريكا مهما في أنجح تحالف عسكري بالتاريخ أم أنها تريد أن تهدد هذه الشراكة باتخاذ مثل هذه القرارات المتهورة التي تُقوِّض تحالفنا؟".

في المقابل تحدث مسؤولون أتراك عن متانة العلاقة بين بلادهم والولايات المتحدة من جانب وكون البلدين أعضاء في حلف الناتو من جانب آخر.

يبدو إذن أن تركيا تسعى إلى ترسيخ معادلة جديدة أقرب إلى مسألة الاستقلال عن التبعية الكاملة لأي طرف، تتقارب فيها مع روسيا إلى حد التحالف الإستراتيجي، وفي الوقت ذاته توثق علاقتها بالولايات المتحدة وتنخرط في عمليات الناتو.

وهذا يعني أن خيارات الغرب أصبحت محدودة بين التخلي عن تركيا لصالح الغريم الروسي، أو محاولة استعادتها مع ما يستلزم ذلك من تفهم واقعي للأسباب التي دفعت لهذه المعادلة الجديدة.

مخاوف الغرب

وقبل الخوض في واقع ومستقبل العلاقة بين تركيا وحلف الناتو، لا بد من تسليط الضوء على جوانب الخلاف بينهما، استعرضها تقرير نشره موقع "دويتشه فيله" الألماني.

بالنسبة إلى أنقرة، شكلت العملية العسكرية في شمال سوريا نجاحا كبيرا بحيث جرى للوهلة الأولى منع قيام دولة كردية، كما أن المليشيات الكردية، ووحدات حماية الشعب التي تعتبرها أنقرة إرهابية يتم حاليا إبعادها في تعاون مع الشرطة العسكرية الروسية عن الحدود السورية التركية.

إلا أن تحقيق أهداف أنقرة الأمنية والسياسية، شكل تضاربا في المصالح مع غالبية بلدان الناتو، حيث تقول دول أوروبية إن التدخل العسكري عزز من وجود تنظيم الدولة وسهل هرب مقاتلين تابعين له، كما أدت العملية العسكرية إلى تقوية المنافس الأكبر للناتو وهو روسيا، فعملية "نبع السلام" ساعدت موسكو على تقوية موقعها في سوريا.

صفقة الصواريخ الروسية لتركيا أثارت أيضا تحفظات أمنية للغرب، الذي يخشى من أن تسمح تلك التقنية بالوصول إلى معلومات سرية من الناتو.

وبحسب التحليل الذي نشره مركز كارنيجي للشرق الأوسط، فإن التساؤل عن حقيقة غضب الناتو من صفقة إس 400، يقود إلى تساؤلات أخرى ربما تفسر إلى حد كبير قلق الحلف.

وتساءل تقرير المركز: "كيف يمكن لتركيا التضامن مع حلف الناتو، في حال اندلاع أزمة في نهاية المطاف مع روسيا في شرق أوكرانيا أو البلطيق، في وقت تملك فيه صواريخ روسية في قاعدين جويتين؟ كيف يمكنها الإبقاء على نشر أصول مهمة أمريكية وخاصة بالناتو في ثلاث قواعد تركية رئيسة – وهي إنجرليك وقونية ومَلَطْية، من بين مرافق أخرى – في وقت تنشر فيه أصول روسية في قواعد أخرى؟".

وفي حال اندلاع أزمة حادة مع طهران، هل ستتمكن تركيا من الوفاء بالتزاماتها تجاه الناتو في وقت تملك فيه صواريخ إس-400 الروسية وتقيم فيه شراكة مع روسيا وإيران في سوريا؟، أما في حال تم جرها فجأة إلى الأزمة، هل ستطلب تركيا مساعدة الناتو أو تستخدم صواريخها الروسية الصنع؟.

وأوضح التقرير: أن إيران تمتلك إحدى أكبر مخزونات الصواريخ في الشرق الأوسط، وأن اثنان من صواريخها الأقوى، شهاب وسجيل، قادران على الوصول لليونان وإسرائيل وتركيا كافة، ومعظم أراضي بلغاريا ورومانيا، وجميع القواعد العسكرية الغربية في كريت (أكبر الجزر اليونانية) وقبرص وجيبوتي والخليج.

واختتم التقرير بتساؤل حول مستقبل العلاقة بين تركيا والناتو، قائلا: "هل سيبقي الناتو الجنود الأتراك في العمليات التي ينفذها للتصدي لأنشطة روسيا العسكرية في أرجاء أوروبا؟".

الناتو بين نارين

على الرغم من تلك المخاوف التي تبدو منطقية وتدفع باتجاه سعي الناتو إلى إنهاء عضوية تركيا بالحلف، إلا أن ثمة أهمية إستراتيجية كبيرة لبقاء أنقرة في الحلف، تجبر أمريكا والغرب على الاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع تركيا وتجنب الاصطدام المباشر بها.

تعد تركيا من أهم الأعضاء في حلف الناتو لأسباب كثيرة، أبرزها أنها تشارك بثاني أكبر عدد من القوات في الحلف بعد واشنطن، كما أنها من أكبر ممولي عمليات الحلف العسكرية، وتوجد بها قاعدة إنجرليك الجوية، التي شُيدت عام 1955 بمساعدة أمريكية، وتعتبر القاعدة الأكبر في أوروبا والشرق الأوسط للحلف ولأمريكا.

ووفق تقرير نشرته وكالة "سبوتنيك" فإن الموقع الجغرافي لتركيا أعطاها أهمية إستراتيجية كبرى للحلف، كما تستضيف القيادة البرية للناتو بأوروبا ومقرها في إزمير، وتوجد بها أنظمة الرادار الرئيسية للحلف في كورسيكا (جزيرة فرنسية في البحر المتوسط)، وتوفر أنقرة للحلف مساعدات بحرية دائمة في بحر إيجة والبحر الأسود، كما أنها تسيطر على المضايق الحيوية بين البلطيق والبحر المتوسط، سواء مضيق البوسفور أو الدردنيل.

عمليا، بدون أنقرة ستتقلص قدرة تحرك الناتو بالنظر إلى تحديات مثل مكافحة الإرهاب أو تجاوز موجات اللاجئين، ويرى الخبير العسكري الروسي "ميخائيل خودارينوك": أن محاولة إقصاء الناتو لتركيا سيكون لها عواقب كارثية من النواحي العسكرية والسياسية والإستراتيجية، إلى حد تلعب فيه أنقرة دور حجر الأساس في هيكل الناتو، وإذا تم سحب هذا الحجر فقد ينهار الحلف بأكمله.

في تحليل نشرته "واشنطن بوست"، فإن الحديث عن انفصال أنقرة وحلف الناتو بسبب صفقات تسليح تشبه إس 400 ليس جديدا، ففي 2013 وقعت تركيا اتفاقا مبدئيا مع الصين للحصول على نظام الدفاع الصاروخي FT-2000.

ورغم أن أنقرة علقت الصفقة بعدها بعامين، إلا أن مسؤولا تركيا حذر حلفاء الناتو، قائلا: "قرارات الشراء لدينا ليست خالية من المداولات بشأن السياسة الخارجية".

ونقلت الصحيفة عن أحد الخبراء تعليقه على التهديدات الأمريكية بإقصاء تركيا من عضوية الناتو، قائلا: "إنه بيان سياسي، الولايات المتحدة ليس لديها هيمنة وسيطرة على أعضاء الناتو وخاصة تركيا".

وحذرت من أن التصعيد الأمريكي ضد تركيا بشأن طائرات إف 35، من شأنه "التسبب بجروح لا يمكن إصلاحها في العلاقات الإستراتيجية" مع الناتو. وكانت القواعد الجوية في تركيا نقطة انطلاق مهمة لعمليات الناتو والولايات المتحدة في العراق وأفغانستان.

على الجهة المقابلة، فإن عضوية الناتو، بالنسبة لتركيا لم تعد حاليا، حيوية جدا كما كانت تبدو خلال الحرب الباردة، فحينها كانت تشكل بالفعل، خط الدفاع الأول لحلف الناتو على الجهة الجنوبية الشرقية أمام انتشار الشيوعية، ولكن روسيا المعاصرة، لم تعد تشكل أي تهديد لأنقرة، على العكس تتحالف معها.

وبعيدا عن أهمية تركيا للناتو فإن إقصاء دولة عضو بالحلف مستحيل عمليا، وفق اتفاقية إنشائه، التي قصرت ذلك في الفصل 13 بضرورة تقديم الدولة الراغبة في الانفصال عن الحلف طلبا للانسحاب.

أكبر حلف عسكري

الناتو هو الاسم المختصر لمنظمة حلف شمال الأطلسي، وهو حلف عسكري تأسس في أبريل/نيسان 1949، بعضوية 12 دولة، هي: بلجيكا وفرنسا والمملكة المتحدة والدنمارك والنرويج والبرتغال وهولندا وإيطاليا ولوكسمبورغ وآيسلندا؛ وكندا والولايات المتحدة الأمريكية.

إنشاء الحلف جاء تلبية لدعوة رئيس الحكومة البريطانية وينستون تشرشل في مارس/أذار 1946، تأسيس قوة عسكرية، بهدف حماية سلام القارة الأوروبية ضمن هيكل الأمم المتحدة، ما شكل إعلانا لبداية الحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالي الغربي بقيادة بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، والمعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفييتي.

كانت النية من وراء تأسيس الحلف هي العمل على استقرار القارة الأوروبية، ووضع ضمانات لعدم تكرار الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكان المتوقع وقتها من جانب واشنطن أن المعاهدة التي تأسس عليها الحلف ستحقق الغرض منها خلال عشر سنوات، ولكن مع استمرار الحرب الباردة استمر الحلف.

وفي هذا السياق، نص البند الخامس من ميثاق تأسيس حلف الناتو، على أن أي اعتداء عسكري على عضو في الحلف يمثل اعتداء على الأعضاء جميعا، وتهب الدول الموقعة على الميثاق لمساعدة الدولة التي تتعرض للاعتداء، بكل السبل، ولو تطلب الأمر التدخل عسكريا.

وفي سياق الحرب الباردة وتأسيس حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفييتي في مقابل حلف الناتو، توالى انضمام أعضاء آخرين إلى الناتو، وكانت أولهم تركيا واليونان عام 1952، ليصبح عدد الأعضاء 14، وانضمت ألمانيا الغربية إلى عضوية الحلف عام 1955، ثم انضمت إسبانيا في عام 1982.

ومع تحطيم سور برلين عام 1990 وإعادة توحيد ألمانيا، انضمت ألمانيا الشرقية إلى الحلف. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك حلف وارسو، بدأ الناتو بفتح مجالات التعاون مع جيرانه في أوروبا الشرقية، وشهد عام 1997 انضمام بولندا (مقر حلف وارسو) والمجر وجمهورية التشيك إلى الناتو.

وشهد عام 2004 انضمام 7 جمهوريات إشتراكية سابقة إلى حلف الناتو، وهي: بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا، وتبعتها كل من كرواتيا وألبانيا عام 2009، وآخر دولة انضمت إلى عضوية حلف الناتو كانت مونتنيغرو عام 2017.

وهكذا تحول الحلف الذي أُنشئ ليكون ضمانة للأمن في أوروبا ضد الحروب، إلى تحالف عسكري سياسي يضم 29 عضوا، ليقف في وجه أي اعتداء روسي حتى بعد تفكك الاتحاد السوفييتي.