قيس سعيد.. كيف كسر الصورة النمطية لرئيس الجمهورية في تونس؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

صبيحة انتخابه رئيسا للجمهورية التونسية، توجه أستاذ القانون الدستوري والرئيس الثالث المنتخب ديمقراطيا في تونس قيس سعيّد، إلى المقهى الذي يرتاده كعادته كل صباح.

المقهى يقع في الحي الشعبي الذي يقطنه سعيّد بمنطقة المنيهلة في ضواحي العاصمة تونس، يحتسي قهوته "السريعة وقوفا" كعادته، حسب ما قال نادل المقهى، وظهر في مقطع مصور انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقبل يوم واحد من تنصيبه رئيسا للبلاد، أطلق أحد جيران سعيّد بثا مباشرا على حسابه بفيسبوك، يظهر فيه سعيّد خارجا من عند حلاق الحي، متوقفا لتقبل التهاني من جيرانه والمارة وتبادل الحديث معهم.

ما سبق ذكره وغيره الكثير يؤكد أن رئيس تونس الجديد قيس سعيّد نجح في مدة قصيرة في كسر الصورة النمطية السائدة حول رئيس الجمهورية، باعتباره شخصية متعالية وبعيدة عن الشعب ويحيط بها عسس كبير ويقطن خلف أسوار عالية وأبواب موصدة تصد الناس عنه وتحجبه عنهم.

البعض اعتبر أن سلوكيات الرئيس قيس سعيّد تنم عن تواضع في شخصيته، بينما انتقدها آخرون واعتبروها محاولة من سعيّد لكسب "شعبوية"، قائلين: إن مثل هذه الممارسات لن تقدم شيئا للتونسيين، وإن الامتيازات التي يحظى بها رئيس الدولة هي في الأصل لتسهيل أداء مهامه الجسام ودعم مكانته وحفظ هيبة الدولة.

حي المنيهلة

في أول حوار صحفي له بعد مروره للدور الثاني في الانتخابات الرئاسية أعلن قيس سعيّد أنه في حال نجاحه لن يسكن في قصر قرطاج، مقر إدارة رئاسة الجمهورية وداخله مقرا لإقامة رئيس الدولة.

هذا التصريح أكّده شقيق الرئيس مباشرة بعد الإعلان عن فوزه بالانتخابات، وقال نوفل سعيّد في مداخلة تليفزيونية: أن "قيس لن يسكن قصر قرطاج وسيعود إلى منزله بعد نهاية اليوم وهو عند وعده في حدود ما يقتضيه العمل"، وفق تعبيره.

وهو ما حصل بالفعل، ففي يوم تنصيب الرئيس الجديد، وبعد أدائه لليمين الدستورية، واستكمال مراسم التسليم والتسلم بينه وبين القائم بأعمال رئيس الجمهورية المؤقت محمد الناصر، انتشرت على مواقع التواصل صورا من منزل الرئيس، تظهر لقاء جمعه برئيس حركة الشعب زهير المغزاوي والنائب في البرلمان سالم الأبيض.

اختيار الرئيس قيس سعيّد للعودة لمنزله، قوبل بترحيب من عدد من المتابعين لاعتباره إجراء يؤكد قرب الرئيس من الشعب الذي اختاره، والتزاما منه بوعوده الانتخابية، وهو كذلك تعفف عن الامتيازات الممنوحة لرئيس البلاد.

حركة شعبوية

في المقابل انتقد الإعلامي سمير الوافي قرار الرئيس الإقامة في منزله بجهة المنيهلة، وكتب على صفحته بفيسبوك: "إقامة الرئيس قيس سعيّد في بيته في المنيهلة ليست سوى حركة شعبوية تكاليفها أكثر من فوائدها، فلكي يتحرك الرئيس نحو القصر أو نحو منزله، لا بد من استنفار أمني كبير في الطريق وفي محيط المنزل يتكلف أعوانا وتجهيزات وقبل ذلك مخططات أمنية لحمايته".

مضيفا: "كما أن تحركاته تعطل حركة الناس وتنقلاتهم، لذلك اعترض الأمن الرئاسي على ذلك لكن الرئيس أصر، ونتمنى أن يتراجع لمصلحة الدولة والمواطن فحتى الفيلا المخصصة لإقامته داخل القصر زرتها في عهد المرزوقي وأعرف أنها ليست فخمة إلى درجة الأبها، بل هي لائقة فقط ".

ويبعد القصر الرئاسي عن منزل الرئيس في منطقة المنيهلة، قرابة 30 كيلو مترا، وأكد الكاتب العام لنقابة أعوان وإطارات أمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية هشام الغربي، في مداخلة تليفزيونية: أن "رئيس الجمهورية قيس سعيّد لم يحدد بعد مكان إقامته بصفة رسمية، من المرجح أن يتم الحسم في هذا الأمر خلال أسبوع".

قصر قرطاج الرئاسي هو مقر العمل الرسمي والإقامة لرئيس الجمهورية. يطل على شاطئ مدينة قرطاج الأثرية، في الضاحية الشمالية لتونس العاصمة، وكان القصر في عهد الاستعمار الفرنسي (1881-1956) مقرا لإقامة الكاتب العام للحكومة التونسية وهو الموظف السامي الفرنسي المكلف بمراقبة حكومة باي (ملك) تونس آنذاك.

وبعد الاستقلال (20 مارس/آذار 1956) وبقرار من الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة أصبح قصرا رئاسيا خلفا لقصر السعادة بالمرسى وكلف بورقيبة المعماري الفرنسي من أصل تونسي أوليفييه كليمون كاكوب بإجراء العديد من التغييرات والتوسعة.

صلاة الجمعة

في أول جمعة بعد تنصيبه رسميا رئيسا للبلاد، فوجئ رواد جامع الإمام مالك بن أنس بمنطقة قرطاج القريبة من القصر الرئاسي، بأداء رئيس الجمهورية الصلاة إلى جوارهم بشكل عادي ودون مراسم خاصة، اعتاد الأهالي مشاهدتها مرافقة لقدوم الرئيس إلى الجامع لحضور مواكب دينية. 

وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعا مصورا، أظهر تجمع عدد من المصلين لمصافحة الرئيس بعد انقضاء الصلاة، مرفوقا بعدد من التعليقات تمحور جلها حول الإشادة بوجود الرئيس بين المصلين ومخالفته للصورة النمطية للرؤساء السابقين، كما رأى بعضهم في الأمر امتثالا لإرث ثقافي وديني، مشيرين إلى: أن سعيّد اعتاد في السنوات الماضية على أداء صلاة الجمعة في المسجد القريب من منزله الواقع بأحد الأحياء الشعبية.

على الجانب الآخر، استنكر ناشطون وسياسيون الخطوة، ووصفوها بـ "الشعبوية". وانتقد القيادي بحركة "تحيا تونس" سمير عبدالله سلوك قيس سعيّد والتغطية الإعلامية للحدث، معتبرا: أن صلاة رئيس الجمهورية هي شأن خاص، ودعا في تدوينة بفيسبوك إلى احترام الدستور الذي ينص على مدنية الدولة.

عبدالله قال: "عندما يصلي رئيس الجمهورية هذا شأن خاص به ولا يجب تصوير أدائه للصلاة وتغطيته إعلاميا، الدولة في الدستور مدنية، والعبادات شأن خاص، وحرية الضمير مضمونة والرئيس هو الضامن للدستور، التغطية الإعلامية تقتصر على حضور الرئيس المناسبات الدينية فقط: الأعياد والمولد".

وأضاف: "تدوينة ستغضب حتما القطيع الذي يعبد ويقدس الأشخاص".

السيدة الأولى

يحمل التونسيون في ذاكرتهم انطباعا سيئا حول زوجات الرئيس، أو ما يطلق عليهم بـ "سيدة تونس الأولى"، فما أن رحلت وسيلة عمار زوجة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة والتي كان لها دور كبير في قرارات رئاسة الجمهورية والتعيينات، حتى حلت مكانها ليلى الطرابلسي، زوجة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، التي سرعان ما صعد اسمها سريعا وساهمت في تصعيد أقاربها من "الطرابلسية" ماليا وسياسيا.

قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أعلن قيس سعيّد أن زوجته لن تحمل لقب السيدة الأولى حال فوزه في الانتخابات، وقال: إن "كل نساء تونس أُوّل".

وزوجة سعيّد هي القاضية إشراف شبيل التي اكتشفها عموم التونسيين لأول مرة عندما ظهرت إلى جانب زوجها في مكتب الاقتراع خلال الدور الأول للانتخابات في 15 سبتمبر/أيلول الماضي  ولم تتحدث للصحافة، ولم تدل بتصريحات.

وراجت على عدد من المواقع الإخبارية خبر حصول زوجة قيس سعيّد على إجازة دون راتب لمدة 5 سنوات بطلب من زوجها بصفتها قاضية حتى لا يقع المس أو القدح في استقلالية القضاء، ولم تؤكد زوجة الرئيس أو أي جهة رسمية الخبر.