لماذا ترفض بغداد استقبال عناصر تنظيم الدولة الفرنسيين من سوريا؟

12

طباعة

مشاركة

لم تعد بغداد تخف نفاد صبرها من ترددات باريس تجاه مواطنيها الأجانب الذين كانوا يقاتلون في صفوف تنظيم الدولة قبل أن يتم اعتقالهم في سجون الأكراد بسوريا، واستقبال العراق لبعضهم من أجل تسليمهم لبلادهم.

الكاتب الفرنسي جورج مالبرونو، سلط الضوء في مقال له بصحيفة "لوفيجارو" على هذه الأزمة بين العراق وفرنسا، حيث كشف: أن بغداد منحت 200 تأشيرة لأفراد القوات الخاصة الفرنسية المتمركزة حتى الآن في شمال شرق سوريا.

وأكد مصدر دبلوماسي عراقي في بغداد للصحيفة: أن الانسحاب العسكري الأمريكي من هذه المنطقة أضعف وجود القوات الخاصة الفرنسية الموجودة إلى جانب الأكراد السوريين، حيث من المحتمل أن تنسحب هذه القوات إلى أقصى الشرق السوري على الجانب الآخر من الحدود العراقية، بينما ستبقى بعض الوحدات في شمال شرق سوريا، كما من المتوقع أيضا نقل وحدات أخرى إلى الأردن ولبنان.

وأوضحت الصحيفة: أنه في 13 نوفمبر/ تشرين ثاني الجاري من المقرر أن يزور وزير الدفاع العراقي، نجاح حسن الشمري، باريس.

الحوار الإستراتيجي

وبحسب المصدر العراقي: فإنه "يجب أن يضع موضع التنفيذ الاتفاقية الإستراتيجية الموقعة بين البلدين خلال زيارة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي إلى فرنسا في شهر مايو/أيار"، مضيفا: "الجانب العسكري والأمني ​​مهم للغاية".

ويشير مالبرونو إلى: أنه تم بالفعل تحديد عنصر أساسي في هذا الحوار الإستراتيجي خلال زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان إلى بغداد في 17 أكتوبر/ تشرين أول المنصرم، موضحا: أن لو دريان زار العراق على عجل لمعرفة ما إذا كان باستطاعة بغداد استقبال المقاتلين الفرنسيين الستين الذين ما زالوا في أيدي الأكراد السوريين، والذين يمكنهم الاستفادة من الفوضى التي ولدت بسبب الانسحاب الأمريكي. 

وبين أن محاوري وزير الخارجية الفرنسي أخبروه بأن العراق لن يكون مكب نفايات للمقاتلين الأجانب، وأن بغداد مستعدة فقط لاستعادة مواطنيها- أكثر من 30 ألف - الذين يعيشون في السجون أو المعسكرات شمال شرق سوريا. 

ووصف الكاتب الفرنسي عدم قبول العراق استضافة المقاتلين الفرنسيين: بأنه صفعة لباريس.

وبحسب الدبلوماسي العراقي: "هناك خيبة أمل عراقية تجاه الفرنسيين، ففي عام 2017، قدمنا ​​اقتراحا لمذكرة مشتركة مع وزارة العدل الفرنسية ويتضمن صميم محتواها مستقبل المقاتلين الأجانب، لكننا لم نتلق إجابة واضحة على الإطلاق، فقد قيل لنا إن هذه المذكرة قيد المراجعة".

ولفت إلى: أنه في وقت سابق من هذا العام، استعادت أجهزة المخابرات العراقية، إلى جانب عدد من المخابرات الفرنسية، على الحدود السورية العراقية ما لا يقل عن عشرة من المقاتلين الفرنسيين - ولكن ربما أكثر - تم نقلهم من السجون الكردية، وحكم عليهم القضاء العراقي بالإعدام بعد ذلك.

ويوضح الدبلوماسي العراقي: أنهم اتفقوا على استعادة مقاتلي تنظيم الدولة الأجانب مع فرنسا فقط، لأن الجنود الفرنسيين ساعدوا العراق في مواجهة تنظيم الدولة، مشيرا إلى: أن باريس قدمت لبغداد مدافع قيصر ومساعدات لوجستية، وقال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي للرئيس إيمانويل ماكرون في مايو/ آيار الماضي: إن "العراق مستعد لمساعدتك".

وأضاف: "كانت هناك صفقة، لكن بعد استعادة هؤلاء المقاتلين، بدأت الصحف والمنظمات غير الحكومية تنتقد العراق. لم نكن نعرف ماذا يريد الفرنسيون. هل يريدون استعادتهم كما قال دونالد ترامب. أم هل يريدون منا القيام بهذا العمل؟".

وتابع: "فعلنا ذلك، خاصة وأن العديد من محاورينا الفرنسيين قالوا إنهم لن يمانعوا في تصفيتهم، ماذا تريدون؟ محاربة الإرهاب أو إثارة الرأي العام بمقالات عن زوجات المقاتلين؟".

وتريد فرنسا، التي لا تعترف بعقوبة الإعدام، محاكمة أولئك العناصر المقاتلين الذين ارتكبوا جرائم، لافتا إلى: أن باريس مستعدة لاستعادة بعض الأطفال فقط، ولكن دون زوجات أو مقاتلي تنظيم الدولة. 

ويقول مالبرونو: إنه منذ الصيف، توقفت عمليات نقل المقاتلين الأجانب إلى العراق، "فبالنسبة لبغداد، فإن المشكلة أوروبية، لكن الدول الأخرى المعنية لم تتقدم بمشروع إنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة المقاتلين الأجانب أو بناء سجن، وهو ما تشجبه بغداد".

أما على الجانب الفرنسي، فيقول: إنه يتم التذرع ببعض الخلافات على الجانب العراقي، حتى المطالب المالية الناشئة عن أقطاب مختلفة من السلطة العراقية يصعب احترامها.

ويؤكد الدبلوماسي العراقي: أن الملف أصبح اليوم "مغلقا"، ويضيف: "نحن أيضا، لدينا رأي عام"، فيما يسأل حسين: وهو مهندس "لماذا يجب علينا استقبال الفرنسيين الذين أتوا لمحاربة (بشار) الأسد؟". 

ويقول الدبلوماسي العراقي: "على أي حال، مع الاحتجاجات غير المسبوقة التي تهز العراق ضد سلطة فاسدة وغير فعالة وأدت لمقتل أكثر من 250 شخصا، لدينا أشياء أخرى يجب أن نقلق بشأنها".

التعاون مع أربيل

وينوه الكاتب: بأن تصريحات جان إيف لو دريان عن الأكراد في أربيل، بعد يوم من زيارته لبغداد، غذت القلق في العاصمة العراقية، إذ أشار الوزير إلى تعاون "قضائي" و"سجني" مع العراق. 

ويقول دبلوماسي عراقي آخر في بغداد: "نخشى أن يوافق الأكراد على استقبال الفرنسيين"، ويضيف: "إنها ورقة قد يرغبون في استخدامها لتعزيز تعاونهم مع الفرنسيين والأوروبيين".

ففي باريس، ينكر ممثلو الأكراد العراقيين تلقي حكومة إقليم أربيل الكردية أي مساعدة من فرنسا. ويرى أحدهم أن هذه مسألة تتعلق بالتحالف الدولي المناهض لتنظيم الدولة، وأنهم لا يريدون الابتعاد عن بغداد.

لكن بحسب مالبرونو: "في مواجهة بغداد، قد تخاطر باريس بالعمل على استقبال الأكراد العراقيين، وهم دائما علاقتهم باردة مع الحكومة المركزية، بسبب تطلعهم إلى الاستقلال. خاصة وأن إيمانويل ماكرون لا يزال لديه خطط للذهاب إلى العراق". 

لكن "إذا أردنا إقامة علاقات إستراتيجية حقيقية"، كما تقول وزارة الخارجية في بغداد، فإنها تحتاج إلى أن تكون أكثر مباشرة وسلاسة. لا تختبئ وراء الرأي العام للتصرف أو عدم التصرف، يجب اتخاذ القرار على أعلى مستوى، ومن ثم تطبيقه، وهو ما سيجعل "الثقة تنمو بيننا".

ولفت الكاتب إلى: أنه من بين الملفات الخاصة بمكافحة الإرهاب والتي تقوّض العلاقات الفرنسية العراقية، قضية احتجاز أحمد الأسوادي في فرنسا، وهو عراقي يبلغ من العمر أربعة وثلاثين عاما، حصل في وقت سابق على وضع لاجئ في باريس قبل أن يتم اعتقاله العام الماضي بتهمة جريمة حرب، وارتباطه بمشروع إرهابي، فقد كان من كبار قيادي تنظيم الدولة.  

ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي عراقي قوله: "إن بغداد تطالب باريس منذ مدة باستلامه. لكن للأسف فرنسا تذكرنا بالإجراءات الخاصة الجارية في الوقت الراهن من أجل تسلميه ولا تريد إعادته إلينا".

وأكد الدبلوماسي: أنه "مجرم، نريد أن نحكم عليه، وكما تقولون يحاكم مثل هذا الشخص في المكان الذي ارتكب فيه جرائمه، وحدث ذلك في معسكر سبايكر بالقرب من تكريت، تم تسليم المعلومات الاستخبارية مباشرة إلى (لوران) نونيز (مدير عام الأمن الداخلي آنذاك) من قبل نائب الوزير العراقي المكلف بالتحقيقات الفيدرالية"، مضيفا: "أحترم الديمقراطية، لكن في بعض الحالات، هي عقبة أمام مكافحة الإرهاب".

وردت فرنسا: بأنه مثل أي طلب من بلد أجنبي، فقد تم ذلك في إطار قضائي محدد، ومن الواضح أنه سيستغرق وقتا طويلا جدا.