القائمة السوداء لغسل الأموال.. كيف دخلتها تونس ولماذا خرجت؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على صفحته الرسمية بفيسبوك، أعلن رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد يوم 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 إخراج تونس من القائمة السوداء لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب (GAFI).

في 7 فبراير/شباط  2018، تم إدراج تونس من قبل البرلمان الأوروبي ضمن القائمة السوداء لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وتشكل هذه القائمة إحدى أدوات عمل الاتحاد الأوروبي للوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وكانت القائمة محل خلاف بين البرلمان الأوروبي واللجنة التي سهرت على إعدادها.

وتعرضت الحكومة لانتقادات واسعة على خلفية إدراج تونس في القائمة نظرا للأضرار الاقتصادية التي تعرضت لها البلاد خاصة في مجال الاستثمار.

كما أثار قرار البرلمان الأوروبي غضبا عارما في تونس وأشعل فيها سجالا حادا لا سيما أنه أتى في الوقت الذي كانت تستعد فيه البلاد للاقتراض من الأسواق الدولية لإنجاز موازنتها، كما أنه أتى بعيد خروجها من القائمة الأوروبية السوداء للملاذات الضريبية والتي أدرجت فيها البلاد نهاية 2017.

ساعتها طلب الشاهد إقالة محافظ المصرف المركزي الشاذلي العياري من منصبه وحمله مسؤولية القرار الأوروبي لأن تقرير مجموعة العمل المالي "غافي" المتعلق بتونس أعدّته لجنة تابعة للمصرف المركزي التونسي.

الإدراج بالقائمة

في أبريل/ نيسان عام 2017، أصدرت اللجنة الوطنية للتحاليل المالية تقريرا خاصا حول التقييم الوطني لمخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، والذي الذي أنجز بتكليف من رئاسة الحكومة بالتعاون مع وزارتي الداخلية والعدل وبإشراف من البنك المركزي التونسي.

التقرير كشف أن النقد بالدينار والعملة الصعبة والجمعيات وشركات التجارة الدولية غير المقيمة والقطاع العقاري وقطاع الذهب، تعتبر من الأدوات والقطاعات ذات المخاطر العليا لاستعمالها في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، الذي يبدو أنها كانت من الأسباب الرئيسية لإدراج تونس في القائمة السوداء.

وأشار التقرير إلى تحليل ثلة من الخبراء التونسيين في مجال مكافحة الجرائم المالية تحليلا إستراتيجيا لأكثر من 460 ملفا من ملفات غسل الأموال وتمويل الإرهاب المحالة إلى القضاء و2000 حساب بنكي والآلاف من العمليات البنكية من إيداع وسحب وتحويل فاقت ما يعادل 10 مليارات دينار وتوزيع أكثر من 160 استبيانا وجمع الاف البيانات والإحصائيات المالية والأمنية والقضائية والاستعلامية. 

المستشار السابق لدى رئيس الحكومة والخبير الاقتصادي فيصل دربال، أكد: أن الاتحاد الأوروبي يعتمد حصريا على التصنيف الذي تقوم به مجموعة العمل المالي (FATF).

وبالتالي فإن هذه المجموعة هي التي قامت بالتصنيف بناء على التقييم الذي أنجز في إطار تنفيذ برنامج تقييم القطاع المالي من قبل البنك الدولي سنة 2011 (Financial Sector Assessment  Program FASP) والذي تتطلب إجراءاته تقييم منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

ويمكن القول: أن هذا تقييم اندرج خارج الجدول الزمني لتقييم دول مجموعة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

تقييم المنظومة

وأضاف دربال في حديثه لـ"الاستقلال": "عملية تقييم المنظومة المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تمت من قبل مقيمي مجموعة العمل المالي خلال الثلاثي الأخير لسنة 2014 وحسب منهجية جديدة ومختلفة تماما عن المنهجية المعتمدة سابقا".

وأفضى هذا التقييم إلى إبراز العديد من النقائص التي أدت إلى تصنيف تونس في قائمة البلدان التي تشكو تشريعاتها نقائص في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب أو ما يعرف بالقائمة السوداء لـ GAFI. وتم الإعلان رسميا عن قرار التصنيف في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.

 وبالاعتماد على هذا التصنيف وضع الاتحاد الأوروبي تونس على قائمة البلدان التي تشكو نقائص في منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وحسب الخبير الاقتصادي فيصل دربال: "منذ الإعلان عن تصنيف مجموعة العمل المالي بادرت الحكومة في أقل من شهرين بإعداد خطة عمل متكاملة لإخراج تونس من هذه القائمة كما أعلنت التزاما سياسيا رفيع المستوى يقضي بالعمل على تلافي أوجه القصور في منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب".

تجميد حسابات

برز ذلك في تجميد اللجنة التونسية للتحاليل المالية أموالا بقيمة 350 مليون دينار في علاقة بعمليات مثيرة للريبة في غسل الأموال وتمويل الإرهاب وذلك إثر إصدارها لـ 22 قرارا في تجميد حسابات منذ مطلع 2019.

وكشف محافظ البنك المركزي التونسي، مروان العباسي، خلال ندوة صحفية خصصت لاستعراض قرار مجموعة العمل المالي (غافي) لإخراج تونس من القائمة السوداء: أن هذه الأموال المجمدة تتراوح بين 5.3 مليون يورو و2 مليون فرنك سويسري و104 مليون دولار أمريكي و58 ألف دينار تونسي.

كما أصدرت اللجنة في سنة 2018، 47 قرارا بتجميد حسابات مثيرة للريبة في غسل الأموال وتمويل الإرهاب وبلغت قيمة الأموال المجمدة ما يعادل 75 مليون دينار موزعة بعملات الحسابات المجمدة على 51 مليون دينار تونسي و6 مليون  يورو ومليون دولار أمريكي، وفق المحافظ الذي يرأس أيضا اللجنة التونسية للتحاليل المالية.

كما سبق وأكد كاتب عام اللجنة التونسية للتحاليل المالية لطفي حشيشة يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2018: أن تجميد اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب للأموال والموارد الاقتصادية التابعة لــ 23 شخصا لارتباطهم بالارهاب، يعد خطوة هامة ضمن إنجاز قامت به تونس سنة 2018 وتعمل على استكماله، بهدف سحبها من القائمة الرمادية للدول الأكثر عرضة لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب. 

وفي 22 يناير/كانون الأول 2018 تمت المصادقة على خطة العمل خلال مجلس وزاري مضيّق، لسن قانون يتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، وإصدار قرارات تتعلق بإجراءات تجميد أموال الإرهابيين، ليشمل أيضا إجراءات تجميد أموال الأشخاص المنصوص عليهم في قرارات مجلس الأمن المتعلقة بمكافحة انتشار التسلح.

فيصل دربال أضاف لـ"الاستقلال": "كان لإصدار خطة العمل والالتزام السياسي رفيع المستوى الأثر الإيجابي على علاقة تونس بالمؤسسات الدولية (البنك الدولي - صندوق النقد الدولي) والدول المانحة وخاصة منها الممثلة بـ "الفاتف" كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة وبالتالي لم يكن للتصنيف أثر سلبي على الوضع الإقتصادي والمالي الناتج عن علاقة تونس بهذه المؤسسات والبلدان.

ومجموعة العمل المالي "الفاتف" منظمة حكومية دولية مقرها باريس، تأسست سنة 1989، وتهدف لمحاربة تزوير العملات وتمويل الإرهاب، ولديها 37 عضوا في المنظمة.

واستدرك: "ما تمت ملاحظته هو تعطيل بسيط في التحويلات المالية لفائدة مؤسسات تونسية والذي لم يكن له أثر سلبي على سيولة هذه المؤسسات أو على النجاعة الاقتصادية عامة".

كيف غادرت؟

أكد النائب البرلماني فيصل دربال: أنه "تم تكوين فريق عمل صلب من قبل رئاسة الحكومة ضم كل الأطراف من القطاعين العام والخاص وممثلي المهن الغير المهنية والمكلفة كل فيما يخصه بتنفيذ خطة العمل".

دربال قال: "كان لي شرف الإشراف على هذا الفريق الذي عقد مدة إنجاز هذه الخطة أكثر من 20 اجتماعا. وكان لمحافظ البنك المركزي والكاتب العام للجنة التونسية للتحاليل المالية دورا هاما في تنفيذ خطة العمل وخاصة التنسيق بين المتدخلين في المنظومة وكذلك الاتصالات الضرورية مع مسؤولي مجموعة العمل المالي".

 وأضاف: "قامت الهياكل المختصة لمجموعة العمل المالي بدراسة وتقييم كل النصوص والتدابير التي اتخذتها الحكومة، ونتيجة لذلك أفضى الاجتماع العام لمجموعة العمل المالي المنعقد في 20 يوليو/ تموز 2019 إلى الإقرار بأن تونس قد استكملت تنفيذ خطة العمل ويمكن بالتالي القيام بالزيارة الميدانية التي حدد موعدها يومي 16 و17 أيلول /سبتمبر 2019".

 وتمت هذه الزيارة في موعدها المحدد، وتضمن فريق التقييم 11 عضوا الذين قاموا خلال هذين اليومين بالاستماع إلى كل المتدخلين في المنظومة والاستفسار حول طبيعة أعمالهم وخاصة المهام المهنية الموكلة إليهم في إطار مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وفي نهاية الزيارة تم لقاء بين أعضاء فريق التقييم و وزراء العدل والمالية ومحافظ البنك المركزي والكاتب العام للجنة التونسية للتحاليل المالية ومستشار رئيس الحكومة المكلف بالإصلاحات الضريبية، واستعرضت رئيسة فريق التقييم أهم ملامح تقرير التقييم الذي كان إيجابيا.

وفي الجلسة العامة لمجموعة العمل المالي المنعقدة يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وعلى ضوء التقرير الذي قدمه فريق التقييم تم اتخاذ قرار إخراج تونس من قائمة البلدان التي تشكو تشريعاتها نقائص في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب أو ما يعرف بالقائمة السوداء لـ GAFI.