عيّنها ثم تظاهر ضدها.. لماذا تغير موقف الصدر من حكومة عبدالمهدي؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع انطلاق موجة التظاهرات الأولى في العراق مطلع أكتوبر/تشرين الأول المنصرم رفض التيار الصدري المشاركة فيها، لكنه فجأة ودون مقدمات دخل على خط الاحتجاجات، مطالبا حكومة عادل عبدالمهدي بالاستقالة ومدافعا عن المتظاهرين.

الصدر وجه كتلته البرلمانية "سائرون" للتحول إلى جبهة المعارضة والعمل مع الجهات السياسية الأخرى لإقالة الحكومة، وذلك بعد عام من اتفاقه مع حليفه هادي العامري رئيس تحالف "الفتح" على تسمية عادل عبدالمهدي رئيسا للحكومة.

تغير مواقف التيار الصدري من الاحتجاجات، دفعت الكثيرين للتشكيك فيها واتهامه بركوب الموجة لتحقيق مكاسب، بخلاف ما أثارته من جدل واسع.

ركوب الموجة

على ما يبدو فإن تأخر انضمام الصدر الذي يعرف بتياره الشعبي الواسع، إلى الاحتجاجات وضعه أمام اتهامات المتظاهرين أنفسهم بأنه يريد "ركوب الموجة"، لأن المستهدف من هذه المظاهرات هي الحكومة بجميع أحزابها، وتحالف "سائرون" الذي يقوده الصدر شريك أساسي في هذه الحكومة.

وفي بيان شديد اللهجة قالت "اللجنة المركزية العليا لتنسيقيات احتجاجات العراق": "طالبنا في وقت سابق عدم ركوب الأحزاب الحاكمة لموجة التظاهرات، كون المستهدف من هذه الاحتجاجات هي الحكومة وأحزابها".

وأردفت: "لكن للأسف الشديد لم نلق آذانا صاغية بل استمر مسلسل الاستفزازات لدرجة نزول المليشيات في الشارع لقمع المتظاهرين السلميين في حالة رفع شعارات خلاف ما تريده تلك الجهات".

وفي حديث موجه بشكل مباشر للصدريين، قالت التنسيقيات: "الكلام هنا موجه للتيار الصدري على وجه الخصوص فهو حامي وصانع وراعي هذه الحكومة القمعية الفاسدة".

واعتبرت نزول الصدريين في "الشارع الثائر": ما هو إلا من أجل "خلط الأوراق، و(تحزيب) الاحتجاجات، وبالتالي سهولة قمعها كما فعل سابقا بسرقة جهود المحتجين في السنوات السابقة".

وأشارت إلى: أن "المكان المناسب للتيار الصدري الذي يملك أكبر كتلة برلمانية هو البرلمان وما يملكه من نفوذ داخل الدولة كاف للقيام بهذه الإصلاحات من موقع المسؤولية وليس بالتظاهر ضد نفسه، ولهذا نحن نعتبر خطوة التيار هذه خطوة عدائية واضحة لحماية الحكومة والأحزاب الفاسدة".

أكبر المتضررين

لكن التيار الصدري وعلى لسان نائبه في البرلمان رامي السكيني، قال في مقابلة تلفزيونية: "الذي يركب الموجة هو من لا يملك الشارع من القوى السياسية التي صادرت حقوق الشعب لسنوات".

وأضاف: "أما تحالف سائرون وبعض النواب، فلديهم الحس الوطني ولم يطالبوا بإقالة عبد المهدي فقط، وإنما بفتح تحقيق لمعرفة المتسبب بإراقة دم المتظاهرين، وأن يسند الموضوع للقضاء العراقي، وليس عبر تقرير غير مرض كالذي أظهره رئيس الوزراء مؤخرا".

وأشار السكيني إلى: أن "العراق يشهد ثورة عارمة تريد إسقاط النظام السياسي الحالي الذي ثبت أنه مفرخ للفساد، الذين نهبوا ثرواته وجعلوا البلد يقاد من خارج الحدود"، مشددا على: أن "وجود وجوه سياسية كالحة يجب أن تسقط".

وأردف: "العيب في النظام السياسي الحاكم من 2003 وحتى 2019، الذي بني على أساس طائفي، وخروج الشعب العراقي بمظاهرات يؤكد نقمة الجماهير على النظام الحالي".

أما النائب في البرلمان عن كتلة "سائرون" رعد المكصوصي فدافع بشدة عن انضمام الصدريين للمظاهرات، بالقول: "جل من قتلوا خلال المظاهرات الحالية هم من أبناء التيار الصدري".

وأضاف: "دخول الصدريين مع المتظاهرين لا يعني أنهم ركبوا الموجة، وإنما هم القاعدة الأكبر وأكثر المتضررين لأن أغلبهم من الفقراء والمناطق المسحوقة، وبالتالي فهم الأولى بالمطالبة بإقالة الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة"، لافتا إلى: أن "الصدر يمثل اللسان الناطق باسم الشعب".

ماذا يريد؟

مراقبون للشأن العراقي، رأوا: أن الصدر يسعى بدعوة أنصاره للانضمام للمظاهرات، إلى تبرئة ساحته من النقمة الشعبية التي تريد إبعاد جميع الأحزاب الدينية الشيعية المتصدرة بالمشهد السياسي منذ 16 عاما.

وحسب قولهم: فإن انضمام الصدر إلى المعارضة مؤخرا وإلحاحه على إقالة عبدالمهدي، بعدما كان جزءا وشريكا أساسيا في الحكومة الحالية، يؤكد بما لا يقبل الشك ركوبه لموجة المظاهرات مع حليفه الحالي الحزب الشيوعي، المنضوي في تحالف "سائرون".

وأشاروا إلى: أن الصدر يسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية جديد، بعدما أيقن أن غضب الشارع يتسع، وأنه قد يخرج من المعادلة مثل بقية الأحزاب الدينية الشيعية التي يسعى المتظاهرون لإنهاء حكمهم بالعراق.

دلائل عديدة يسوقها المراقبون على ذلك منها، دعوة الصدر الأخيرة لعبدالمهدي بالاستقالة من الحكومة، والذهاب إلى انتخابات مبكرة بإشراف أممي، لا تشترك فيها الأحزاب العراقية الحالية، إلا من "ارتضاه الشعب"، في إشارة اعتبرها محللون إلى تيار الصدر ذاته، كونه نزل مع المتظاهرين ويسعى لتمثيلهم في المرحلة المقبلة، بتسلم رئاسة الحكومة الجديدة.

وحول ذلك، يقول النائب المكصوصي: "التيار الصدري جزء من المشهد السياسي في العراق ولا يوجد ما يمنع أن يقود الحكومة، وفي حال تسلمنا قيادة الحكومة فإن من أولويات برنامجنا الحكومي فتح ملف الفساد ومحاسبة الفاسدين وإحالتهم إلى المحاكم".

وتابع: "حتى إذا لم نتسلم رئاسة الحكومة، فنحن نريد انتخابات مبكرة حرة نزيهة بإشراف أممي، لكي يعود العراق إلى سابق عهده بين الدول، صاحب سيادة ويمتلك قراره، ولا يقاد من خارج الحدود".

وكان الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، قد دعا في 19 أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم: أنصاره إلى تلبية دعوات استئناف التظاهرات المطلبية المناهضة للحكومة في 25 من الشهر ذاته، بعد توقفها لأسابيع لمناسبة "أربعينية الحسين" التي سبقتها مظاهرات دامية خلّفت نحو 150 قتيلا وما يزيد عن 6 آلاف جريح.

الصدر الذي أعلن مبكرا أنه ليس طرفا في المظاهرات التي انطلقت مطلع أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، عاد بعد ذلك وأكد دعمه لمطالب المحتجين، بل طالب بإقالة الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة، "حقنا لدماء العراقيين".

وخرجت المظاهرات في العاصمة العراقية بغداد للمطالبة بتحسين الخدمات العامة وتوفير فرص العمل ومحاربة الفساد، قبل أن تمتد إلى محافظات في الوسط والجنوب ذات الأكثرية الشيعية، ويتطور شعارها إلى المناداة بإسقاط الحكومة.

راعي الإصلاح

يشار إلى أن الصدر الذي يطلق عليه أتباعه "راعي الإصلاح" توقف عن الخروج بمظاهرات شعبية كان عام 2016 عقب آخر مظاهرة خرجت في عهد رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي، بعد اقتحام المنطقة الخضراء على يد التيار الصدري، ومن ثم اعتصام الصدر بنفسه داخل المنطقة الخضراء.

وأسفر ذلك عن تعديلات وزارية أجراها العبادي، وقلص فيها كابينته الحكومية إلى 22 وزارة بعدما كان عددها 33، وألغى منصب نائب رئيس الوزراء بعدما كان لديه 3 نواب كردي وآخر شيعي وثالث سني.

ويُعد مقتدى الصدر أول الداعين للخروج في تظاهرات "مليونية" للمطالبة بمحاربة الفساد وتحسين أوضاع البلاد، إلا أن مظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، فاجأت جميع القوى السياسية والدينية في العراق بقوتها وأعدادها الهائلة.

ويتهم المتظاهرون الصدر بأنه طرف أساسي في الحكومة الحالية، بعدما تشكلت بتحالف بين تحالفي "سائرون" التي يدعمها مقتدى الصدر، و"الفتح" بزعامة القيادي في الحشد الشعبي هادي العامري، واتفاقهما على تسمية السياسي المستقل عادل عبدالمهدي رئيسا للحكومة في أكتوبر/ تشرين الأول 2018.

العامري الصدر أعلنا أنهما سيتعاونان لسحب الثقة عن حكومة عبدالمهدي

لكن الصدر والعامري أعلنا في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أنهما سيتعاونان لـ"سحب الثقة" من عبدالمهدي الذي يطالب الشارع المتظاهر بإسقاطه.

ولم يول عبدالمهدي أهمية لدعوته إلى البرلمان على الفور، لكنه خصص رسالة مطولة للرد على الصدر، الذي دعا في تغريدة على تويتر إلى انتخابات نيابية مبكرة.

وقال عبد المهدي في رسالته: "إذا كان هدف الانتخابات تغيير الحكومة، فهناك طريق أكثر اختصارا، وهو أن تتفق مع (هادي) العامري لتشكيل حكومة جديدة".

واشترط رئيس الحكومة للحضور إلى البرلمان، أن تبث الجلسة على الهواء مباشرة إلى المتظاهرين بعد نصب شاشات كبيرة وسط "ساحة التحرير" المقر الرئيس للمحتجين وسط العاصمة بغداد.

ورد الصدر على الفور عبر تويتر أيضا قائلا: "كنت أظن أن مطالبتك بالانتخابات المبكرة فيها حفظ لكرامتك"، داعيا العامري: "للتعاون من أجل سحب الثقة". وأضاف: أنه "في حال عدم تصويت البرلمان فعلى الشعب أن يقول قولته"، مذيلا تعليقه بوسم "#ارحل".

وقبل ذلك، انضم مقتدى الصدر بنفسه إلى آلاف المتظاهرين المناهضين للحكومة قرب مقر إقامته في مدينة النجف جنوب بغداد، بعد قدومه باليوم نفسه من إيران.