القضاة والسلطة بالجزائر.. إلى أين يمكن أن يصل الصراع؟

زياد المزغني | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي يواصل فيه الجزائريون حراكهم الشعبي، والذي انطلق يوم 22 فبراير/شباط 2019، للإطاحة بالنظام وجميع رموزه، والاحتجاج على توجه السلطة لإجراء انتخابات رئاسية في 12 ديسمبر/ كانون الأول من العام الجاري، أعلن القضاة الجزائريون الدخول في إضراب عام  مفتوح ومقاطعة الأعمال القضائية على مستوى البلاد احتجاجا على حركة تغيرات واسعة مست سلك القضاء مؤخرا، وشملت "تعدي" وزارة العدل على صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء.

ويعتبر هذا التحرك، الأول من نوعه منذ استقلال الجزائر، والذي لقي استجابة واسعة من قبل القضاة في مختلف مدن البلاد، حيث أكدت نقابة القضاة أنّ الإضراب حقق معدل استجابة وصلت 98% منذ انطلاقه يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول المنقضي .

ويأتي هذا الاحتجاج في ظرف سياسي دقيق تعيشه البلاد، وسعي حثيث من السلطة لإنجاح الانتخابات القادمة على الرغم من المعارضة الواسعة لها، وهو ما ترجم بغضب الحكومة من هذا الحراك، والذي وصفته بغير القانوني، واعتبرت في بيان لها أن القانون الأساسي يمنع القاضي من القيام بأي عمل من شأنه وقف أو عرقلة العمل القضائي.

ويربط الكثير من المراقبين فصول المواجهة بين القضاة والوزارة بالوضع السياسي القائم في البلاد والسياق الانتخابي، مما يثير المخاوف لدى البعض من الزجّ بالعدالة في أتون الصراع السياسي على السلطة، فيما يعتبر آخرون أن ما يقع هو تاريخ فاصل في مسار السلطة القضائية، ونقطة تحول نحو استقلالية القضاء، والفصل بين سلطته والسلطة التنفيذية.

الأسباب المباشرة

اجتمع المجلس الوطني للنقابة الوطنية للقضاة يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 2019، في دورة طارئة من أجل تدارس التطورات الأخيرة التي مست القضاة، والتي اعتبرتها النقابة نية مبيتة للسلطة التنفيذية في عدم تكريس مقومات استقلالية القضاء، وضربها عرض الحائط لهذا المطلب المعبر عنه من طرف الشعب والقضاة معا.

وقالت النقابة في بيان لها: " إن ما حدث يوم 24 من شهر أكتوبر الجاري، يعد يوم أسود في تاريخ القضاء الجزائري، هدفه ضرب و كسر هياكل النقابة الوطنية للقضاة بنقل أكثر من ثلثي أعضاء مجلسها الوطني ومكتبها التنفيذي الذين يتمتعون بشرعية انتخابية كاملة غير منقوصة".

وتابع البيان: أن "تعدي وزارة العدل على صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء الذي يمثل هرم استقلالية السلطة القضائية والتفرد بإعداد الحركة السنوية للقضاة في غرف مغلقة، مستغلة الدور الشكلي الذي يقوم به المجلس منذ سنوات، والذي صادق على حركة بهذا الحجم مست حوالي 3000 قاض في وقت قياسي لا يتعدى الساعة من الزمن، يكرس هيمنة الجهاز التنفيذي على دواليب السلطة في الجزائر".

ومما ضاعف من غضب القضاة، التسويق إعلاميا للحركة القضائية على أنها تدخل في إطار حملة مكافحة الفساد.

وكان وزير العدل الجزائري بلقاسم زغماتي أعلن عن تغييرات غير مسبوقة في تاريخ القضاء بالبلاد، شملت قرابة 3 آلاف قاض، لتصحيح "مظاهر مشينة" في القطاع، حسب قوله.

خرق الدستور

ويوم 17 مارس/ آذار الماضي، وفي الوقت الذي كان الجزائريون يخوضون نضالاتهم في الشارع رفضا لترشح الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة لمرة خامسة للانتخابات الرئاسية، عبّر القضاة الذين التحقوا بالوقفة الاحتجاجية في مدينة تيبازة قادمين من مختلف الولايات، عن دعمهم الكامل واللا مشروط للحراك الشعبي ضد النظام القائم، منددين بخرق الدستور وعدم استقلالية السلطة القضائية وبقائها جهازا من أجهزة السلطة التنفيذية.

إلا أن أصابع الاتهام توجّه من قبل الشارع المنتفض في الجزائر للقضاة بتلقيهم تعليمات فوقية لإيداع المعتقلين خلال المظاهرات في الحبس المؤقت، كما تتهم منظمات حقوقية وأحزاب معارضة في الجزائر القضاء بتنفيذ تعليمات للسلطات بسجن من يرفعون الراية الأمازيغية، وهو ما نفاه نقيب القضاة.

وصرح النقيب لوسائل إعلام محلية خلال وقفة احتجاجية للقضاة: "أصارحكم أنني بحثت عن قاض واحد يؤكد لي وجود تعليمات، وطلبت منهم مصارحتي ولم أجد قاض واحد قال لي أنه تلقى تعليمات بشأن معتقلي الرأي".

ولم تشهد السلطة القضائية في الجزائر أي تحرك سابقا، مما جعل النظام الحالي في الجزائر يتساءل عن توقيته الذي ربما سيكون له نتائج سلبية على الانتخابات المقبلة والمزمع إقامتها يوم 12 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.

هذه الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة في تاريخ البلاد، تتزامن مع إضراب وطني شامل آخر دعت إليه كونفيدرالية النقابات المستقلة تضامنا مع الحراك الشعبي وتأكيدا على شرعية مطالبه السياسية، فضلا عن دعوات لمسيرات شعبية ضخمة مطلع نوفمبر/تشرين الثاني، إحياء لذكرى اندلاع ثورة التحرير في 1954، وهو ما يعتبر تصعيدا لافتا ضد السلطة التي تتمسك بإجراء الانتخابات المرفوضة من قبل الحراك.

صراع السلطة

هذه التطورات المتتالية في محاكم الجزائر تؤشر إلى دخول الصراع بين القضاة والسلطة التنفيذية في البلاد إلى نفق مسدود، حيث يصر الطرفان على تمرير تصورهما لعمل القضاء في الجزائر في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها الجزائر.

وفي ظل هذا الإضراب المفتوح، تتجه خريطة الطريق التي فرضتها السلطات الحاكمة في الجزائر على رأسها الجيش وقائد الفريق أحمد قائد صالح، إلى طريق مسدود في حال تواصل إضراب القضاة.

تتسم العلاقة بين الطرفين في هذه الفترة بتوتر كبير، فعلى مدار الأشهر السبع الماضية، ظل القضاة يطالبون باستقلالية القضاء، وحتمية تجسيد مبدأ "الفصل بين السلطات"، كما ركزوا على أنهم "لن يتلقوا أوامر بعد اليوم من نظام أكل خيرات البلاد".

بالإضافة إلى مطالب نقابة القضاة، طالب نادي القضاة بتنحي وزير العدل الحالي، بلقاسم زغماتي من منصبه، بسبب ما يصفه القضاة بالضغوطات الكبيرة التي يتعرضون لها من قبله.

ونادي القضاة، هو من أوائل المشاركين في الحراك الشعبي، حيث أعلن انخراطه فيه منذ بدايته في 22 فبراير/شباط 2019، للمطالبة باستقلالية القضاء وإرساء دولة الحق والقانون، كما أنه كان أول هيئة قضائية ترفض ترشح بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة.

وشكل النادي النواة الأولى للاحتجاج في السلطة القضائية، ونظم أول حركة احتجاجية منتصف أبريل/نيسان لمقاطعة الانتخابات بعد استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

وأعلن النادي في سابقة تاريخية مقاطعته الإشراف على تنظيم الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر تنظيمها في 14 يوليو/تموز الماضي، لتؤجل فيما بعد إلى موعدها المقرر الآن في شهر ديسمبر/كانون الأول 2019.

إجراء الانتخابات

وقال القاضي سعدالدين مرزوق، الناطق باسم نادي القضاة، في تصريح لـ”TSA عربي” يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول: إن "المصلحة العامة لجهاز العدالة واستقلالية السلطة القضائية تقتضي رحيل الوزير الحالي وعدم تدخل الأمين العام والمفتش العام للوزارة في حركة القضاة مستقبلا".

واعتبرت الناشطة منار المنصري أن كل طرف يغادر مركب النظام هو مكسب للحراك: "ومن الممكن أن يحقق الأهداف التي يسعى الشارع لتحقيقها وفي مقدمتها أن إجراء الانتخابات المقررة في شهر ديسمبر تحت إشراف النظام الحالي المرفوض شعبيا".

وأضافت المنصري في حديث لـ"الاستقلال": أنّه "من الممكن أن يكون تحركات القضاة مجرد ابتزاز للسلطة والضغط عليها الآن لتحقيق مطالب فئوية، خاصة في ظل هذا الوضع الدقيق الذي تعيشه البلاد مع تواصل الحراك الشعبي الذي شهد مشاركة واسعة يوم الجمعة 1 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري".

لكن في المقابل يرى رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح: أن "الاستحقاقات الرئاسية المقررة ليوم 12 ديسمبر المقبل ستجري في وقتها المحدد".

وفي خطاب جديد ألقاه يوم 30 أكتوبر/تشرين الثاني، أكد قايد صالح: أن "الجيش الوطني الشعبي يتبع إستراتيجية حكيمة ومدروسة، عملت وتعمل على توفير كافة الظروف الملائمة التي تسمح بإجراء هذه الانتخابات، بكافة مراحلها، في ظروف جيدة”.

وشدد على: أن "الجزائر سائرة بخطى واثقة وثابتة نحو إنجاح الاستحقاق الرئاسي المقبل، وستخرج من هذه المرحلة الحساسة، في ظل المرافقة الصادقة للجيش الوطني الشعبي".

كما اعتبر: أن "كافة الضمانات المتعلقة بالانتخابات قد تم توفيرها، "محذرا " لا مجال لأن يدعي أيا كان بأن الظروف غير مواتية".