بعد مقتل أبو بكر البغدادي.. ما مصير تنظيم "ولاية سيناء"؟

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

غموض وترقب وخطوة استباقية، هو الوصف الأنسب للحالة المصرية، بعد مقتل زعيم تنظيم الدولة، أبو بكر البغدادي، خاصة وأن مصر تعد إحدى البؤر التي ينشط فيها التنظيم على مستوى العالم، متمثلة في ولاية سيناء.

أما الغموض فهو مرتبط بمصير التنظيم ككل، وليس ولاية سيناء فقط، رغم أهميتها، وهل يكون مقتل البغدادي إعلانا لوفاة التنظيم، وتفكك الجماعات التي انضمت إليه، لتعود لسابق عهدها مرة أخرى؟!

وأما الترقب، فهو مرتبط بردود الأفعال التي يمكن أن تلجأ لها أفرع التنظيم النشطة في مختلف أرجاء العالم، والتي عملت خلال السنوات الماضية وفقا لسياسة "الذئاب المنفردة"، للرد على مقتل زعيمها، ومن هنا جاءت الخطوة الاستباقية بإعلان النظام المصري في اليوم التالي لمقتل البغدادي، مقتل 13 مسلحا في سيناء، قالت السلطات إنهم ينتمون لـ"ولاية سيناء".

تهديد تقليدي

رغم أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اعتبر أن مقتل البغدادي الإنجاز الأكبر لإدارته خلال السنوات الماضية وردد بقوله: "العالم الآن في أمان"، إلا أن التحليلات التي تحدثت عن مقتله لم تر أرضا يمكن أن تقف عليها هذه الجملة، بمن فيهم المحللين الإسرائيليين الذين شاركوا الولايات المتحدة مخاوفها من البغدادي وتنظيمه.

وحسب تصريحات لرئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية، سمير غطاس: فإن تنظيم الدولة تمكن خلال الفترة الأخيرة من الانتشار في قرابة 10 دول إفريقية و5 دول في جنوب شرق آسيا إلى جانب ولاية سيناء، وهذا الانتشار الكبير مكنه من تحقيق أهدافه على الرغم من عدم وجود البغدادي على رأس هذه العمليات.

وعلى النقيض من الرأي السابق، أكد تحليل موسع لموقع "بلومبرج" الأمريكي، الذي نشر مقالا مشتركا للكاتبين سامر الأطروش وغلين كاري: أن مقتل البغدادي سيحول التنظيم الأكثر رعبا في العالم، إلى تهديد تقليدي، أو بمعنى أدق، إلى حركة أيديولوجية متطرفة، أكثر من كونه كيانا يشبه الدولة.

ويضيف الكاتبان: بأن تنظيم الدولة أصبح قبل مقتل زعيمه أبو بكر البغدادي أكثر تناثرا، بعد أن فقد معظم الأراضي التي كان يسيطر عليها في كل من العراق وسوريا نتيجة العملية العسكرية الدولية بقيادة الولايات المتحدة.

واستند الكاتبان لتقارير قدمتها أجهزة المخابرات الغربية: بأن تنظيم الدولة، منذ أواخر 2017 نقل بالفعل مزيدا من المسؤولية التي كانت تدار بشكل مركزي سابقا إلى الخارج، وقد جرى تمكين الجماعات التابعة لها خارج الشرق الأوسط، وخاصة في الدول الضعيفة في شمال ووسط إفريقيا، فضلا عن المهاجرين "الفرديين" الذين تعهدوا بالولاء للتنظيم وهم ينفذون هجمات في أماكن أخرى، بما في ذلك في أوروبا وآسيا وأمريكا.

ويدعم هذا الرأي، تقرير مطول لوكالة الأخبار الصينية "شينخوا"، أكدت فيه: أن سيطرة تنظيم الدولة على فروعه في جميع أنحاء العالم ستشهد ضعفا بعد رحيل البغدادي، وأن الفروع ستكون أكثر استقلالية ومحلية في اتخاذ قراراتها.

انقسام سيناء

وجهة نظر ثالثة زادت من الغموض الذي يحيط بمستقبل التنظيم وفروعه المختلفة، ومن بينها تنظيم ولاية سيناء، أشار إليها الباحث في سياسات الأمن القومي بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية والسياسية محمد حسن، والذي أكد: أن التنظيم ما زال موجودا على الأرض، ولذلك فإن الحرب ضده يجب أن تستمر، خاصة وأن من يخلف البغدادي اختير أصلا في السابق، وهو عبد الله قرداش، ويُعد من أخطر القيادات بالتنظيم.

وتوقع حسن، في رأي قدمه لمؤسسة "مينا مونيتور" البحثية: حدوث انقسامات في بعض أفرع التنظيم، بما يسمح بوجود تنظيمات أخرى مستقلة، ومن بينها ولاية سيناء التي هي في الأصل تنظيم بيت المقدس، خاصة وأن البغدادي كان يمثل قيمة روحية ومعنوية هامة لأتباعه بولاية سيناء، وبرحيله يستوي جميع القيادات الأخرى.

وفي رأي قريب من ذلك، صرح القيادي السابق في الجماعة الإسلامية بمصر، منتصر عمران، لعدد من وسائل الإعلام المحلية: أن تنظيم الدولة لن يستمر بنفس قوته بعد مقتل مؤسسه، وأنه سيصاب بحالة من الضعف والانشقاقات في الأفرع التي كان لها قوة ووجود على الأرض قبل مبايعة البغدادي ومن بينها ولاية سيناء.

فريق آخر من المحللين تعامل مع مستقبل أفرع التنظيم على مستوى العالم، بشكل مختلف، إذ رأى أن تنظيم الدولة استعد لهذا اليوم جيدا، عندما غيّر من إستراتيجية تأسيس الدولة والتمركز حولها، لما أطلقوا عليه حرب المدن، أو سياسة الذئاب المنفردة، وهي تتمثل في توجه كل فرع من أفرع التنظيم على مستوى العالم، لتنفيذ عملياته في بقاع مختلفة، تعبر عن قوة التنظيم واستمرار الحيوية في حركته، ومن بينها ولاية سيناء التي أزعجت الجيش المصري بعملياتها النوعية الخطيرة من فترة لأخرى.

ورغم أن أنصار هذا الرأي كثيرين، إلا أن أبرزهم كان للكاتب السياسي الإسرائيلي عاموس هارئيل، في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، الذي أكد: أن مقتل البغدادي هو إنجاز رمزي يصب في مصلحة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لكنه لن يقوض خطط هجمات التنظيم في المستقبل.

وفي الصحيفة نفسها، توقع الباحث الإسرائيلي في معهد دراسات الأمن القومي "يورام شويتزر": أن يؤدي مقتل البغدادي لتفعيل حرب العصابات أو الذئاب المنفردة، حيث يرى أن التنظيم استعد منذ فترة لخلافة البغدادي، خاصة بعد استمرار الأمريكيين في مطاردته، وتراجع أهمية الرجل باعتباره رمزا قديما للتنظيم.

وحسب الباحث الإسرائيلي المختص بشؤون الإرهاب: فإن تنظيم الدولة سيستمر في أعماله تحت قيادة جديدة ووفق المنهجية التي تبناها على مدار العامين الماضيين، بفضل خلايا صغيرة مقسمة إلى شرائح وفئات، دون السيطرة على مناطق واسعة من الأراضي، مؤكدا: أن فرع التنظيم في سيناء يشن حرب استنزاف ضد الجيش المصري منذ سنوات ونجح فيها إلى حد كبير.

ووفق تحليل لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (csis) بالولايات المتحدة: فإن خريطة نشاط التنظيم وانتشاره تتوسع في مناطق وبلدان عديدة، إذ يتمتع بحضور كبير في أفغانستان، ولا يزال يشن هجمات موجعة في شبه جزيرة سيناء، ويحافظ على قدرته التشغيلية في اليمن وجنوب شرق آسيا ووسط آسيا.

ويرى التحليل: أن القارة الإفريقية ستكون ساحة بديلة لتنظيم الدولة في سوريا والعراق، في ظل إصراره على تعدد الجبهات والملاذات، وخصوصا منطقة الساحل والصحراء الإفريقية وغرب إفريقيا وشرقها. ولا تزال شبكات التنظيم ومجاميعه المنسقة وخلاياه الفردية النائمة و"ذئابه المنفردة" تشكل خطرا على أميركا وأوروبا.

وينتهي التحليل إلى: أن تنظيم الدولة ما بعد البغدادي، لن يجد صعوبة في تعيين قائد جديد، وأن التنظيم سيلتف حوله ويسانده، خاصة وأن التجربة تؤكد أنه بعد فترة وجيزة من طرده بمناطق سيطرته، استطاع إعادة هيكلة نفسه والعمل كمنظمة غير مركزية، ولا تزال جاذبيته الإيديولوجية مرتفعة، وقدراته المالية جيدة، وقدرته على استقطاب المقاتلين على الصعيد المحلي متنامية.

خصوصية سيناء

وحسب دراسة لوحدة الدراسات بمرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن سيناء تمثل خصوصية بالنسبة لتنظيم الدولة، نظرا لموقعها الهام بالقرب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما يمكن أن يساعد التنظيم في تحويل هذه المنطقة لبؤرة ساخنة إذا ما حول بوصلته من الاشتباك مع قوات الجيش المصري، لتنفيذ عمليات على الجانب الإسرائيلي.

وحسب الدراسة فإن فكر السلفية الجهادية الذي يسيطر على الجماعات العاملة في سيناء، مثل أنصار بيت المقدس أو أجناد مصر، وغيرها من التنظيمات الصغيرة التي أعلنت بيعتها لتنظيم الدولة، تتوافق فكريا وأيديولوجيا مع فكر التنظيم، وهو ما جعلهم يتناغمون معه، في الوقت الذي لم يتحدوا فيه أو حتى ينسقوا الجهود مع تنظيم القاعدة الذي أسسه أسامة بن لادن منذ عشرات السنوات.

وتشير الدراسة إلى: أنه على الرغم من أن عدد مقاتلي ولاية سيناء التي كانت في السابق تنظيم أنصار بيت المقدس يترواح بين 700 إلى 1500 مقاتل، إلا أنهم استطاعوا استهداف مناطق حساسة في سيناء، مثل خطوط نقل النفط ونقاط عسكرية للجيش والشرطة في منطقة العريش وغيرها؛ رغم أنهم يواجهون ثلاثة أطراف قوية وهم النظام المصري والجيش الإسرائيلي، وكذلك حركة حماس في قطاع غزة.

ووفق الدراسة: فإن تنظيم ولاية سيناء استطاع الصمود أمام العملية العسكرية الواسعة التي يشنها الجيش المصري منذ فبراير/ شباط 2018، وما قبلها من عمليات أقل في التجهيز والأعداد المشاركة، والأسلحة المستخدمة في المواجهة، وهو ما يرجع في الأساس إلى أن التنظيم استطاع بناء شبكة علاقات خارج حدود سيناء مع نظرائه في ليبيا والقارة الإفريقية أيضا.

وتشير آراء أخرى إلى: أن ارتباط تنظيم أنصار بيت المقدس بتنظيم الدولة، مكنه من تكوين خلايا أخرى أصبحت هي القوام الأساسي لولاية سيناء، ومن خلال الدعم المالي واللوجستي الذي وفره التنظيم الأم، حققت ولاية سيناء نجاحات عديدة خلال الفترة من 2014 وحتى 2019، وفي حال غاب التمويل المالي والدعم اللوجستي فإن بقاء ولاية سيناء ضمن تنظيم الدولة يمكن أن يكون محل نظر.

وما يزيد من أهمية سيناء لدى تنظيم الدولة، أن قيادة التنظيم وافقوا على أن تكون سيناء ولاية بمفردها، رغم أن المساحة التي تعمل بها عبارة عن أراض صحراوية، ولكنها في الوقت نفسه تتمتع بموقع لا تحظى به ولايات التنظيم الأخرى المنتشرة حول العالم، حيث تطل سيناء على بحرين وهما الأحمر والمتوسط، بالإضافة إلى أحد أهم الممرات المائية على مستوى العالم والمتمثل في قناة السويس.


المصادر