الشعوب العربية الثائرة.. هكذا أعادت قضية فلسطين إلى الواجهة

شدوى الصلاح | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"يا فلسطين نحنا معك حتى الموت"، شعار حمله اللبنانيون في حراكهم المستمر ضد الفساد والضرائب، رفضا لتطبيع الأنظمة العربية علاقاتها مع "إسرائيل" التي تحاول بدفع من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تنفيذ ما يسمى "صفقة القرن".

وأصبحت الأنظمة العربية تجاهر مؤخرا، بتطبيع علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي وتسعى لوأد القضية الفلسطينية وتضيق الخناق على الفلسطينيين، مستبدلة عدوها الأساسي بإيران، في ظل التحولات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة.

إلا أن الشعوب العربية، وكان آخرها لبنان، تأبى تضييع القضية الفلسطينية والتنصل منها، وترفض تغييب الاهتمام العربي بها، وتعمل على إحيائها ضمن الفعاليات الرافضة لقمع الأنظمة الحاكمة، والمنددة باستبدادها وتبعيتها للخارج وتناغمها مع الاحتلال الإسرائيلي.

ووصل قطار الربيع العربي إلى لبنان، وخرجت مسيرات شعبية من كافة الأطياف السياسية والدينية ضد النظام، بسبب حالة التردي والتراجع في حياة المواطنين نتيجة الضرائب الأخيرة على استخدام "واتساب" والفساد الذي يعانيه البلد منذ عدة سنوات.

وتشهد المظاهرات حرق علم الكيان الإسرائيلي، في حين برز حضور العلم الفلسطيني وسط تظاهرات اللبنانيين رغم حرصهم على رفع العلم اللبناني فقط بعيدا عن تشكيلات حزبية أو طائفية، في رسالة تضامن مؤكدة مع القضية الفلسطينية كالتي حاول الشعب المصري توصيلها إبان تظاهرات الربيع العربي الأولى، بالإضافة إلى رسائل شعبي تونس والجزائر.

وبعد سنوات من إفشال ثورات الربيع العربي التي انطلقت في 2011، أفادت تقديرات إسرائيلية بأن النخب الإسرائيلية خاصة المرتبطة بدوائر صنع القرار في تل أبيب مرتاحة إلى الأنظمة العربية الحاكمة، وتبدي حرصا على توثيق علاقاتها العلنية والسرية بها.

وحسب بعض المراقبين فإن خمسة عشر نظاما عربيا يقيمون علاقة بشكل ما مع إسرائيل، إذ أصبحت الأنظمة العربية ترى في القضية الفلسطينية عبئا يجب إنهاء ملفه بأي شكل كان.

المغرب العربي

لكن، في تونس كان الأمر مختلفا، حيث حضرت فلسطين في احتفالات الشعب التونسي بفوز قيس سعيّد برئاسة البلاد قبل أيام، والذي أعلن موقفه إبان مناظرته مع المرشح المنافس، من قضية التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، واعتبرها جريمة وخيانة عظمى.

وجدد تعهداته تجاه الفلسطينيين خلال المؤتمر الذي أعقب لحظة إعلان فوزه، مؤكدا أنه سيعمل على دعم القضايا العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

وقال الرئيس التونسي الذي كانت القضية الفلسطينية الحاضر الأبرز في خطابه واحتفالات أنصاره: "موقفنا مع فلسطين هو ضد الاحتلال والعنصرية.. وفلسطين ستبقى منقوشة في صدور التونسيين"، مؤكدا أن الحق الفلسطيني لن يسقط بالتقادم.

وردد المحتفلون بفوزه شعارات وهتافات لنصرة القضية الفلسطينية مثل "فلسطين حرة حرة، والصهيوني على برة"، و"الشعب يريد تحرير فلسطين".

شعب المغرب كان من بين الشعوب التي تعالت أصواتها رفضا للتطبيع، وتنديدا بخطة الإملاءات الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية، وظهر موقفهم بقوة إبان عقد مؤتمر المنامة الاقتصادي بالبحرين، لتمرير صفقة القرن في يونيو/حزيران الماضي.

وتظاهر آلاف المغاربة بالعاصمة الرباط استجابة لدعوة 8 منظمات مغربية، تحت شعار "من أجل فلسطين، ضد صفقة العار، ضد ورشة الخيانة في البحرين"، رافعين الأعلام الفلسطينية، مرددين هتافات تحمل شعارات داعمة  لصمود الشعب الفلسطيني.

وكانت ورشة البحرين مقدمة لـ"صفقة القرن" التي تقوم على إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لصالح إسرائيل في ملفات القدس واللاجئين وحدود عام 1967، مقابل تعويضات واستثمارات ومشاريع تنموية.

وعملية السلام بين تل أبيب والسلطة الفلسطينية، متوقفة منذ أبريل/ نيسان 2014؛ بسبب رفض إسرائيل وقف الاستيطان وعدم قبولها بحدود ما قبل حرب يونيو/حزيران 1967 أساسا لخيار "حل الدولتين".

وأحرق المتظاهرون في المغرب علم الكيان الإسرائيلي، مطالبين حكومة بلادهم بالوقوف ضد هذه الصفقة، خصوصا أنها تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، رافعين صور الأقصى للتعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني.

في الجزائر، كان الشعب على درجة كبيرة من الوعي بالقضية الفلسطينية التي كانت حاضرة في قلب حراكه الشعبي الذي اندلع في فبراير/شباط الماضي، للمطالبة في باديء الأمر بعدم ترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لفترة رئاسية خامسة، ثم تطور إلى "تنحاو قاع" (الكل يُخلع)، وما زال الحراك مستمر للمطالبة بتغيير طبيعة النظام السياسي وإرساء دولة الحق والقانون، رغم تنحي بوتفليقة.

الجزائريون أكدوا خلال حراكهم في مليونية منتصف مارس/آذار الماضي، على المكانة التي تحظى بها فلسطين في قلوبهم، رافعين الأعلام الفلسطينية إلى جانب الجزائرية في المظاهرات المليونية التي خرجت رافعة مطالبهم، مرددين شعار "فلسطين الشهداء".

ولفتت وسائل إعلام وجهات راصدة للحراك الجزائري رواجا في تجارة الرايات الجزائرية والفلسطينية على حد سواء، وابتكار في تصميم الأوشحة التي تحمل العلمين، في إثبات أن الحراك بمثابة "توقيع من الشعب الجزائري على أن فلسطين هي قضيته الدائمة".

كما حرص الجزائريون على إظهار دعمهم وتأييدهم للقضية الفلسطينية حتى أثناء مباراة كرة القدم، إذ رددت الجماهير الجزائرية أثناء مباراة بلادهم ضد نيجيريا في القاهرة في يوليو/حزيران الماضي، هتافات داعمة لفلسطين.

 

تقديم التطبيع

وكانت صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية قد كشفت قبل عامين، أن الأنظمة العربية وافقت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على تقديم التطبيع مع إسرائيل على حل قضية فلسطين.

وأشارت إلى: أن ترامب أبلغ محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، بشكل لا يقبل التأويل بأن الحديث عن دولة فلسطينية لن يتم بحثه "إلا بعد تحقيق التطبيع الكامل مع العالم العربي"، شارحا له أهمية تطبيع العلاقات بين إسرائيل و"الدول العربية السنية" على اعتبار أن مثل هذا التطور سيساعد على تقبل الرأي العام الإسرائيلي لتحقيق التسوية مع الفلسطينيين.

وأوضحت الصحيفة المقربة من ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية: أن ترامب أبلغ عباس بشكل واضح بأن كلا من “السعودية ومصر والأردن تدعم الوفاء بمتطلبات تحقيق التطبيع قبل الحديث عن دولة فلسطينية”.

الدكتور عزام التميمي -الناشط السياسي والأكاديمي الفلسطيني البريطاني، أكد: أن ما من حراك شهدته عاصمة أو مدينة عربية إلا رفرف في سماء تلك العاصمة أو المدينة علم فلسطين إلى جانب علم البلد العربي الذي يشهد الحراك. 

وأشار في حديثه مع "الاستقلال" إلى: أن الهتاف الوحيد الذي تردده جموع المحتجين إضافة إلى شعارات الهم المحلي هو شعار المطالبة بتحرير فلسطين. 

وأضاف "التميمي": أن في ضمير المواطن العربي المظلوم والمضطهد، ارتباط وثيق بين ضياع فلسطين من العرب والمسلمين وبين تسلط هذه الأنظمة الاستبدادية الفاسدة على صدور الناس، لافتا إلى: أن هذه الأنظمة تناضل من أجل استمرارها والكيان الصهيوني يريد ضمان بقائه مزروعا في قلب أمتنا.

وجزم بأن العرب يعلمون جميعا أنه: "لولا هذه الأنظمة المستبدة لما ظلت فلسطين محتلة طوال هذا الوقت"، مشيرا إلى: أن العلاقة بين الكيان الصهيوني وبعض الأنظمة العربية علاقة تكافل، يعتمد بعضهم على بعض.

الاستقواء بالعدو

محمود مرداوي -محلل سياسي فلسطيني، قال: إن الأنظمة العربية تمر بحالة انفصال عن ضمير وإحساس ومشاعر شعوبها، وتستقوى بعدوها المركزي المتمثل في الاحتلال الإسرائيلي معتقدين أنه سيوفر لهم سبل السلامة والاستقرار في الحكم مقابل الشعوب.

وأوضح في حديثه مع "الاستقلال": أن الشعوب العربية لا زالت بفطرتها تمسك في البوصلة وتحدد الاتجاه الصحيح، مؤكدا أن مسار الشعوب وأولوياتها يختلف مع الأنظمة الحاكمة وأولوياتها، ويقف في قلب هذا الاختلاف الموقف من الاحتلال وطريقة التعامل والتطبيع معه سياسيا وثقافيا وصناعيا وزراعيا وتكنولوجيا وعسكريا.

وأشار إلى: أن الشعوب  تعتمد شعار "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، بينما الأنظمة العربية الحاكمة تستلم للواقع وموازين القوى، مضيفا: أن "ما بين خير الشعوب وشر النظم فجوة شاسعة لا يسدها إلا أن تصبح النظم انعكاس لإرادة الشعوب واختيار لها".

وبين "مرداوي": أن جزءا من الأنظمة العربية يعترف بالاحتلال وجزء آخر يتواصل ويطبع معه من باب تبادل المصالح المبني على القراءة الخاطئة والتي تتنافى مع احترام الشعب الفلسطيني وحقوقه وعروبة فلسطين والقدس والأقصى وطعنا في ظهر المقاومة الفلسطينية.

وأكد عماد أبو الروس المحلل السياسي الفلسطيني: أن القوى الدولية ما بعد فترة الاستعمار تسعى بشكل دائم إلى تثبيت دعائم حكم في البلدان العربية موالية لها لا تخرج عن المقاليد المرسومة لها.

وأضاف في حديثه مع "الاستقلال": أن الكيان الإسرائيلي أنتجته الولايات المتحدة وبريطانيا كخنجر في المنطقة العربية؛ وجعلت كل اهتمام الولايات المتحدة في كيفية تثبيت دعائم إسرائيل. 

وأشار "أبو الروس" إلى: أن الشعوب العربية مغلوبة على أمرها وترى أن القضية الفلسطينية هي قضية عربية إسلامية لا تخص الفلسطينيين وحدهم بسبب البعد الديني لمدينة القدس المحتلة وتنامي فكرة القومية العربية في نفوسهم.

وتابع: "لذلك تفكير الشعوب يختلف تماما عن مصالح أنظمة الحكم في المنطقة العربية الذين يعلمون تماما أنهم إن حادوا عن الرؤية التي رسمتها لهم أمريكا والدول العظمى فلن تدوم".

ولفت "أبو الروس" إلى: أن هناك محاولات في الآونة الأخيرة من دول الخليج للعمل على تطبيع مجتمعي مع الاحتلال الإسرائيلي إلا أنها حتى اللحظة لم يكتب لها النجاح".