بيرني ساندرز.. يهودي يراهن على المسلمين لخلافة ترامب

مهدي محمد | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ربما كان آخر ما يتوقعه ابن اثنين من اليهود المهاجرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أن يراهن على العرب والمسلمين كجزء كبير من قوته الدافعة للجلوس في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، إذ أن البعض يعده المرشح الرئاسي القادر على هزيمة ترامب.

السيناتور "بيرني ساندرز" الذي يصف نفسه بالإشتراكي الديمقراطي، لم ييأس من تجربة انتخابات 2016 عندما ظفرت منافسته هيلاري كلينتون بترشيح الحزب الديمقراطي، ويسعى جاهدا لمعركة جديدة تُحسم العام المقبل لمنافسة الرئيس دونالد ترامب.

يرى كثيرون أن فرص فوزه تتساوى مع مرشحين آخرين، إلا أن آراء ساندرز وتوجهاته السياسية والفكرية غير المعهودة، جعلت الأضواء تتسلط عليه، وتجاوز البعض ذلك بتسميته مرشحا رئاسيا والبحث في قدرته على إلحاق الهزيمة بترامب في انتخابات 2020.

من هو؟

في مارس/آذار الماضي، أعلن عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، إطلاق حملته للترشح للانتخابات الرئاسية، مهاجما جشع الشركات العملاقة، ومتعهدا بـ"بثورة سياسية" في الولايات المتحدة.

ساندرز، البالغ من العمر 77 عاما، والنائب المستقل عن ولاية فيرمونت، يواجه أكثر من 10 أشخاص يسعون لنيل ترشيح الحزب الديمقراطي، وبالرغم من هذا، فهو يحظى بقاعدة شعبية واسعة.

اليهودي "بيرني ساندرز" هو أطول من شغل مقعدا مستقلا بمجلس الشيوخ في تاريخ الولايات المتحدة، ولكنه يتنافس من أجل الترشح باسم الحزب الديمقراطي، لأنه يرى أن خوض السباق كطرف ثالث يقلل من حظوظه في الفوز بالرئاسة.

اليهودي بيرني ساندرز عضو مجلس الشيوخ الأمريكي

درس ساندرز في جامعة شيكاغو، وشارك في الستينات والسبعينات في الحملات المناوئة للحرب وفي حملات الحقوق المدنية، مثل مسيرة واشنطن الشهيرة في عام 1963.

في عام 1981، انتخب عمدة برلنغتون Burlington، فيرمونت، حيث نفذ إصلاحات رئيسية في الضرائب التدريجية وحماية البيئة ورعاية الطفل وحقوق المرأة وبرامج الشباب والفنون، وبصفته عمدة، فقد ثبت أن له شعبية كبيرة وأعيد انتخابه 3 مرات، هازما كل من المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين.

وفي عام 1990، أصبح أول مستقل ينتخب في مجلس النواب منذ 40 عاما. وحافظ على مقعده حتى انتخب في عام 2007 عضوا في مجلس الشيوخ.

شارك ساندرز في الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي في عام 2016، وصعد نجمه خلال المناظرات والحوارات التلفزيونية، ويصف ساندرز نفسه بأنه ديمقراطي إشتراكي، ويعني ذلك بالنسبة له "إرساء اقتصاد لصالح الجميع، وليس في صالح الأثرياء فحسب".

قضايا حساسة

وعلى الرغم من أن مواقف ساندرز المعلنة تجاه مختلف القضايا تسبق إعلان منافسته لترامب، إلا أنه ينطلق بشكل كبير من مخالفة سياسات وقرارات الأخير، وهو ما يفسر هجومه الحاد ضده.

موقع "بيزنس إنسايدر" رصد أبرز مواقف ساندرز وسياساته المستقبلية، فهو يرفع شعارات عديدة أبرزها: الرعاية الصحية للجميع، ومجانية التعليم.

ساندرز صوت ضد حرب العراق عام 2003 ، والتي يشير إليها في كثير من الأحيان بأنها لحظة حاسمة في حياته المهنية، إنه عموما ضد التدخل الأمريكي، وهو يدعم الحرب كملاذ أخير فقط.

ويؤيد اليهودي السبعيني بقوة السياسة الخارجية التي تنطوي على العمل مع المجتمع الدولي لحل الأزمات العالمية، كما يريد خفض الإنفاق الدفاعي الأمريكي بشكل كبير، وكان واحدا من 10 أعضاء في مجلس الشيوخ صوتوا ضد ميزانية الدفاع البالغة 716 مليار دولار لعام 2019.

وقال ساندرز لموقع "فوكس" الأمريكي" في مايو/أيار الماضي: "أعتقد أن علينا أن نحدد أولوياتنا بشكل صحيح، وينبغي أن تشمل أولوياتنا عدم الإنفاق أكثر من أكبر 10 دول مجتمعة.. كرئيس، سأنظر بالتأكيد في ميزانية عسكرية مختلفة للغاية".

عارض ساندرز قرار ترامب بالانسحاب من الصفقة النووية الإيرانية، وقاد في مجلس الشيوخ الحملة الداعية لإنهاء دعم السعودية في صراعها باليمن، وعموما فهو يعارض الحروب "التي لا نهاية لها" ويريد أن يرى صراعات مثل حرب أفغانستان تنتهي.

وخلال المناظرة الديمقراطية الرئيسية في يوليو/تموز، هاجم ساندرز الحرب المكلفة على الإرهاب وقال: إن على الولايات المتحدة مضاعفة الدبلوماسية بدلا من شن الحرب. وأضاف: "ما نحتاج إليه هو سياسة خارجية تركز على الدبلوماسية وإنهاء النزاعات من قبل أشخاص يجلسون على طاولة".

واجه ساندرز انتقادات لإشادته بالأنظمة الإشتراكية الدكتاتورية في كوبا ونيكاراجوا والاتحاد السوفيتي في الثمانينيات، كما لم يكن أكثر قوة في إدانة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.

يهودي ضد الاحتلال؟

رغم أنه يتحدث دوما عن حقوق الفلسطينيين، إلا أنه لا يستطيع القفز فوق مسألة الدعم الأمريكي اللامحدود للاحتلال الإسرائيلي كسياسة أمريكية ثابتة مهما كان ساكن البيت الأبيض.

ولوحظ تهربه من الإجابة الواضحة على تساؤل وجهته "نيويورك تايمز"، جاء كالتالي: هل تعتقد أن إسرائيل تفي بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان؟، وكانت إجابة ساندرز: "دور الولايات المتحدة هو العمل مع جميع الكيانات في المنطقة، بما في ذلك الفلسطينيين".

وقال موقع "بيزنس إنسايدر": إنه "إن كان ساندرز ينتقد معاملة إسرائيل للفلسطينيين، لكنه لا يزال يدعم الشراكة التاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل".

ساندرز يقول إنه يهودي لا يعادي إسرائيل لكنه ضد الاستيطان

مجلة "واشنطن إكزامينر" نقلت عنه إن أمريكا لن تتمكن من إعطاء الأولوية لاحتياجات إسرائيل، إذا كانت تريد المساعدة في إحلال السلام بالشرق الأوسط، وقال: "لست ضد إسرائيل، ومن حق الإسرائيليين في العيش بسلام واستقلال، ولكن حكومة نتنياهو لديها العديد من الميول العنصرية المتطرفة".

وأضاف: أن قيام الرئيس، دونالد ترامب، بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، يعرقل مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، معلنا أنه سيدرس بشكل مطلق استخدام مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية التي ترسلها واشنطن إلى إسرائيل، كوسيلة ضغط لإجبار الحكومة الإسرائيلية على التصرف بشكل مختلف.

وقال المرشح المحتمل الذي مضى أجزاء من عمره داخل كيبوتس (تجمعات سكنية زراعية وعسكرية) في الأراضي المحتلة: "لدي أقرباء في إسرائيل. أنا يهودي. أنا لست معاديا لإسرائيل"، لكنه ينتقد بشدة الاستيطان الإسرائيلي والوجود في الضفة الغربية.

لماذا يدعمه المسلمون؟

وفق تقرير نشرته "لوس أنجليس تايمز"، فإن ساندرز، الذي يحاول جذب الكتل الانتخابية الرئيسية مثل الأمريكيين من أصول إفريقية واللاتينيين، وجد نجاحا بين مجموعة أصغر نادرا ما تأتي على رادار المتفائلين بالبيت الأبيض: المسلمون.

وزار مرشحون ديمقراطيون آخرون للرئاسة مساجد في الحملة الانتخابية هذا العام أو تحدثوا إلى جماعات إسلامية، إلا أنه وبحسب طيوسف شهود أستاذ العلوم السياسية بجامعة كريستوفر نيوبورت: فإن ساندرز فعل ذلك أولا وعمله بشكل أكبر، بناء على العلاقات مع المجتمعات الإسلامية التي انطلقت خلال حملته الرئاسية السابقة.

تقرير الصحيفة الذي حاول تفسير دعم المسلمين لساندرز، قال: إنه منذ فبراير/شباط الماضي عيّن ساندرز مسلما مديرا لحملته الانتخابية، ليكون فايز شاكر أول مسلم من أصل باكستاني يدير حملة لمرشح أمريكى للانتخابات الرئاسية، كما اختار ناشطا فلسطينيا أمريكيا بارزا كمساعد، وزار مسجدا في لوس أنجليس لإحياء ذكرى ضحايا مذبحة نيوزيلندا.

وفي أغسطس/آب الماضي، ترأس مؤتمر الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية في هيوستن، حيث حظي بحفاوة بالغة لوعده بإلغاء قرار ترامب حظر سفر معظم الزائرين من 5 دول إسلامية، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يخاطب فيها مرشح للرئاسة أكبر وأبرز تجمع إسلامي في البلاد، واحتشد له أكثر من 7 آلاف شخص.

ممثلو حملة ساندرز قالوا للصحيفة: إنهم يأملون في أن يساعده المسلمون لتكرار فوزه الأساسي في ميشيجان عام 2016 والحصول على أصوات ولايات أخرى، مشيرين إلى: أن الفضل في ذلك تواصل الحملة مع مجتمعات ميشيجان العربية الكبيرة.

وأبرز التقرير الحملات التي دشنها مسلمون عبر وسائل التواصل الاجتماعي لدعم ساندرز، عبر هاشتاجات فعّالة أبرزها #Muslims4Bernie  و #InshallahBernie..

يبلغ عدد السكان المسلمين في الولايات المتحدة 3.45 مليون نسمة، ويتركزون في المناطق الحضرية والولايات بما في ذلك ميشيجان وبنسلفانيا وتكساس ونيوجيرسي ونيويورك وإلينوي وفلوريدا وكاليفورنيا.

وكشف تقرير لمركز "بيو" للأبحاث عام 2017 أن ثلثي الناخبين المسلمين كانوا ديمقراطيين و13 بالمئة فقط جمهوريين، وقال التقرير: إن 70 بالمئة من المسلمين في الولايات المتحدة هم مواطنون، وما يزيد قليلا عن نصفهم صوتوا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

كما أصدرت "إيمجيد" وهو تجمع انتخابي يركزن على المسلمين، تقريرا أظهر أن إقبال الناخبين المسلمين في فلوريدا وميشيجان وأوهايو وفرجينيا زاد بنسبة 25 بالمئة منتصف عام 2018، مقارنة بأربع سنوات سابقة.

مرشح الأقليات

ويبدو أن انطلاق ساندرز من نقاط ضعف خصمه المحتمل دونالد ترامب، لم تتوقف عند حدود القضية الفلسطينية ومسائل الحرب وخلافه، بل تتضمن أيضا التركيز على الأقليات التي يتعرض لها ترامب دوما بسهام النقد والهجوم المتكرر.

قبل أيام أعلنت عضو مجلس النواب الأمريكي المثيرة للجدل ألكسندريا أوكاسيو-كورتيز دعمها لساندرز، خلال مهرجان ضخم في نيويورك، وقالت النائبة البالغة 30 عاما: "أنا أدعوه تيو بيرني".

و"تيو" تعني "العم" باللغة الإسبانية في بورتو ريكو مسقط رأس أوكاسيو-كورتيز التي تعد أصغر عضو في مجلس النواب، وهي تقدم نفسها بأنها "إشتراكية ديمقراطية" كما يفعل ساندرز.

أوكاسيو-كورتيز وزميلتها إلهان عمر العضوتان في الكونجرس تؤيدان ساندرز

وبذلك تنضم أوكاسيو-كورتيز الى زميلتها من الحرس الديمقراطي الجديد في الكونجرس "إلهان عمر" في تأييد ساندرز، والنائبتان الشابتان تنتميان الى ما يسمى بـ"الفرقة"، وهي مجموعة من أربع نائبات شابات متنوعات عرقيا، وكان ترامب قد طلب منهن في وقت سابق أن يعدن الى أوطانهن الأصلية، رغم أن جميعهن أمريكيات.

ويسعى ساندرز لجذب الناخبين الأصغر سنا والأكثر تنوعا عرقيا، وهو حصل مؤخرا على دعم مغني الراب الشاب "كاردي بي" من البرونكس، ووصفت إلهان عمر أول امرأة مسلمة سوداء تُنتخب في الكونجرس تأييدها لساندرز اليهودي بالقول: "بيرني يقود حركة من الطبقة العاملة لهزيمة دونالد ترامب تتجاوز الجيل والعرق والجغرافيا".

فرص ساندرز

وعلى الرغم من الشعبية التي يحرزها ساندرز يوما تلو الآخر، مرتكزا على رفضه أي دعم من الشركات والمؤسسات، إلا أن طريقه إلى منافسة ترامب ليس مفروشا بالورود، حيث يتنافس لنيل الترشيح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية 19 مرشحا، ويحتل ساندرز المركز الثالث في استطلاعات الرأي خلف جو بايدن وإليزابيث وارين.

وبحسب تقرير "فوكس": فإن الشكوك تحيط بخيارات قاعدته الأساسية للناخبين والمتمثلة في الشباب البيض والناخبين اليساريين أيديولوجيا، في ظل توافر بدائل أخرى بين المرشحين وأبرزهم وارين.

وأفاد الموقع الأمريكي: بأن أكبر العقبات في وجه محاولات ساندرز لتوسيع هذه القاعدة ما تزال مستمرة منذ عام 2016: الديمقراطيون المسنون وغير البيض، إذ تقترح بيانات مركز "جالوب" أنهم أكثر تحفظا من الديمقراطي العادي.

وترى بيانات "جالوب" أن نتائج انتخابات عام 2016 لم تأت بالكامل نتيجة تأييد الناخبين للمرشحين، بل إن جزءا منها يعود إلى الاختلافات الأيديولوجية المتأصلة داخل الحزب.

وأشار التقرير إلى: أن العمر هو أكبر العوامل التي قسمت الأصوات بين ساندرز وهيلاري عام 2016، إذ هيمن ساندرز على أصوات الناخبين الشباب، وخاصة الفئة العمرية من 18 إلى 29 عاما، لكنه مني بخسارة كبيرة في أوساط الناخبين الذين تخطت أعمارهم 45 عاما.

وأفاد الموقع: بأن الناخبين غير البيض يمثلون قرابة نصف أصوات الحزب الديمقراطي، ويميل الناخبون الأكبر سنا للتصويت في الانتخابات التمهيدية، بعكس الناخبين الشباب، وحصلت هيلاري على أفضلية بفضل هذه التقسيمات، إذ فازت بـ99 بالمئة من المقاطعات الجنوبية التي تضم أعدادا كبيرة من ذوي البشرة السمراء.

ويرى الموقع الأمريكي أن الطريق مفتوح أمام ساندرز للفوز بالانتخابات وسط الحزب الديمقراطي الأكثر تحررا حاليا، في حال اكتشف طريقة لكسب ثقة هذه المجموعات أو قضى على محاولات إليزابيث وغيرها من المرشحين الذين يحاولون الاستفادة من قاعدة ناخبيه التي كسبها عام 2016.

ثمة تحد آخر على ساندرز أن يخوضه، فالعجوز الذي أفاق مؤخرا من وعكة صحية ألمّت به، مجبر على إزالة مخاوف طبيعية لدى ناخبيه المحتملين، بشأن حالته الصحية ولياقته التي تمكنه من مواصلة العمل على الأقل لخمس سنوات قادمة سيكون عمره عندها تجاوز الثمانين بثلاثة أعوام.