نصر الله يشيطن الحراك اللبناني.. إلى أي شيء يسعى؟

مهدي محمد | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم موقفه المبدئي الرافض لاستقالة الحكومة واستمرار المظاهرات الاحتجاجية، إلا أن كثيرين لم يتوقعوا أن يصل حسن نصر الله الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني إلى حد شيطنة الحراك الشعبي، والتحذير من الفوضى والحرب الأهلية.

فإلى أي مدى يتمسك نصر الله بموقفه مع استمرار الحراك، وما انعكاس ذلك على الشارع اللبناني وموقف الناس من الحزب، وهل يقود ذلك إلى الجزم بأنه المستفيد الوحيد من فشل الحراك في تحقيق مطالبه؟

ثلاث لاءات

أطلق نصر الله ثلاث لاءات في خطابه الذي تزامن، الجمعة، مع دخول الاحتجاجات الشعبية يومها التاسع، قائلا: "لا نقبل إسقاط العهد (النخبة الحاكمة)، ولا نؤيد استقالة الحكومة، ولا نقبل الآن بانتخابات نيابية مبكرة".

ليرفض بذلك مجددا كل مطالب المتظاهرين المنددين بكل الطبقة السياسية والمطالبين باستقالة الحكومة وتغيير البرلمان، ليس هذا فحسب، بل حذر هؤلاء من "الفراغ" الذي سيؤدي الى "الفوضى والانهيار والحرب الأهلية".

الكلمة التي بثها تلفزيون "المنار" الناطق باسم "حزب الله"، أعقبت اقتحام مجموعات من الأشخاص تردد شعارات تأييدا للحزب في بيروت واشتباكها لفترة قصيرة مع المحتجين ما دفع شرطة مكافحة الشغب إلى التدخل.

أنصار "حزب الله" الذين كانوا يرتدون قمصانا سوداء رددوا شعارات من بينها "لبيك، نصر الله" في إشارة إلى حسن نصر الله، فيما اندلعت مواجهات مماثلة، ليل الخميس، في نفس الموقع من وسط بيروت.

وتطور الأمر سريعا، حيث بدأ بعض الناس في إلقاء الحجارة والعصي ما هدد بتحويل الاحتجاجات السلمية حتى الآن إلى العنف، فيما ردد أنصار "حزب الله": "كلّن يعني كلّن، نصر الله أشرف منن" في إشارة إلى زعماء الحكومة الذين يتهمهم المحتجون بالفساد.

ولم يجد نصر الله عبر خطابه بدا من دعوة أنصاره للبقاء بعيدا عن أماكن الاحتجاجات، والإشادة بتجاوز بعضها للطائفية، وما عبرت عنه من نمو الوعي لدى اللبنانيين.

شيطنة الحراك

لم يتوقف نصر الله عند حدود رفض مطالب الحراك وتحديها، بل ذهب بعيدا إلى تشويه صورته، وإلقاء التهم الجزافية عليه، في محاولة لشيطنته وصرف أنظار اللبنانيين عن المشاركة فيه.

وقال: "الحراك الحالي بنشاطه اليومي، بشعاراته، بأهدافه وما يصدر عنه لم يعد حركة شعبية عفوية، هذا للشباب الذين يشاركون حتى يعرفوا.. صار حالة تقودها أحزاب معينة معروفة، وقوى سياسية وتجمعات ومؤسسات مختلفة معروفة بأسمائها وأشخاصها..".

واتهم أمين عام "حزب الله"، جهات لم يسمها، بتمويل المظاهرات التي يشهدها لبنان منذ أكثر من أسبوع، بمبالغ طائلة، مشددا على أن: "قوى سياسية تحاول القفز على الحراك من أجل تحقيق أهدافها".

وتساءل مستنكرا: "من هي الجهات التي تمول هذا الحراك لأن هناك مبالغ طائلة تنفق في بعض الساحات؟ لتقول لنا الجهات القيّمة على الحراك هل من يموّل يريد مصلحة الشعب اللبناني أم لا؟ هل هي من أموال فساد وثراء غير مشروع أو أنها أموال مشبوهة؟".

هذه التصريحات دفعت مغردين لنشر مقاطع فيديو لتصريحات سابقة لحسن نصر الله، اعترف فيها بتمويل إيران للحزب، حيث قال: "علنا وشفاف وصادق وبقول للعالم كلها، نحن يا اخي على راس السطح، موازنة حزب الله ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران، ما حد إله علاقة بهذا الموضوع..".

وتابع في مقطع الفيديو الذي تداوله مغردون: "طالما في فلوس بإيران، يعني احنا عنا فلوس، بدكم شفافية أكثر من هيك؟ ومالنا المقرر لنا يصل إلينا..".

الرد السريع من قبل المتظاهرين على اتهامات نصر الله، جاء أيضا عبر هاشتاج #أنا_ممول_الثورة الذي حفل بمشاركات واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

المثير أن كلمات نصر الله التي تشوه الحراك وتربطه بالفوضى والحرب الأهلية، يبدو أنه تقمص فيها دور بعض الأنظمة العربية البائدة والتي دأبت على ذلك إبان ثورات الربيع العربي، في تونس ومصر وليبيا واليمن.

وكما حركت تلك الأنظمة أنصارها لمواجهة الثوار، نفذ في الأيام الأخيرة مؤيدون لـ"حزب الله" و"التيار الوطني الحر" الذي يرأسه وزير الخارجية جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية ميشال عون مؤسس التيار، تظاهرات مضادة في مناطق مختلفة من البلاد، تسببت بمناوشات مع الصحفيين والمتظاهرين المناهضين للسلطة.

المئات من مناصري "حزب الله" وقفوا ملوحين بأعلام الحزب عبر التجمع في ضاحية بيروت الجنوبية ومدينتي النبطية وصور جنوبا بعد خطاب نصر الله، الجمعة، وكذلك في وسط بيروت، ونفذ مؤيدون لـ"التيار الوطني الحر" تظاهرة مضادة في إحدى ضواحي بيروت الشمالية.

المستفيد الوحيد

رغم أنه ليس رسميا من بين مكونات منظومة الحكم في لبنان، إلا أن نصر الله كان الأحرص على رفض كل مطالب الحراك المنادية بإسقاط تلك المنظومة وتشويه الحراك نفسه، على عكس المعنيين بمطالبه الذين اكتفوا إما باتخاذ خطوات إصلاحية لاسترضاء الشارع مثل رئيس الوزراء سعد الحريري، أو التأكيد على مسألة التغيير عبر الوسائل الدستورية كما ورد في موقف الرئيس ميشال عون.

النتيجة المنطقية الوحيدة وفقا لذلك، أن حزب الله هو المستفيد الأكبر، وربما الوحيد من فشل الحراك في تحقيق مطالبه، لذا يصر على الدفع باتجاه إنهائه، عبر التشويه والاتهام بالعمالة تارة، أو بتدخل أنصاره لصبغ الحراك بالعنف تارة أخرى.

ولعل السبب الرئيس في رفض نصر الله للحراك، أنه يسعى إلى إسقاط نظام الحكم القائم على الطائفية، وتلك النقطة تحديدا هي التي تضمن للحزب استمرار الهيمنة على مفاصل الحياة في البلاد.

سياسيا، ورغم أن حزب الله لم يحصل سوى على ثلاث وزارات فقط في الحكومة الحالية، إلا أن الجميع في لبنان اتفق على أن الحزب أدار عملية تشكيل الحكومة وسيطر عليها رغما عن رئيسها سعد الحريري، ليضمن وجوها لا تخالفه.

مراقبون رأوا، أن هيمنة حزب الله على الحكومة ليست عبر وزراء وحلفاء له في الحكومة فحسب، وإنما عملية تشكيل الحكومة نفسها، حيث وضع منذ البداية مطالبه "الغير قابلة للتفاوض" وحصل على الفور على موافقة الحريري.

ثم شرع الحزب في إدارة حصص الطوائف والأحزاب الأخرى، ليتضح كيف أن "حزب الله" يدير النظام السياسي بأكمله، حيث بات يسيطر الآن على تحالف الأغلبية من كل الطوائف اللبنانية.

سياسيا أيضا، وضع "اتفاق الطائف" الذي رعاه المجتمع الدولي والموقع في مدينة الطائف السعودية 1990 نهاية للحرب الأهلية اللبنانية وتم تعديل الدستور اللبناني بناء على هذا الاتفاق الذي كان من نتائجه تقليص سلطات رئيس الجمهورية.

واعتمد الاتفاق مبدأ المناصفة بين المكونين الرئيسيين للبنان مسلمين ومسيحيين، ورغم أن الدستور اللبناني ينص على أن لبنان بلد جمهوري ديمقراطي برلماني لكن البنية الطائفية للنظام السياسي في لبنان جعل من شبه المستحيل اتخاذ أي قرارات كبرى دون توافق جميع الفرقاء السياسيين الموزعين على أساس طائفي.

يقوم مجلس النواب اللبناني بانتخاب رئيس الجمهورية الذي يجب أن يكون من الطائفة المسيحية المارونية وبالتوافق بين القوى السياسية الممثلة بالبرلمان ولمدة ست سنوات قابلة للتجديد.

يتم توزيع مقاعد مجلس النواب البالغة 128 مقعدا مناصفة بين المسيحيين والمسلمين حسبما ينص عليه اتفاق الطائف، بينما يترأس المجلس أحد ابناء الطائفة الشيعية، ويتولاه حاليا ومنذ عدة سنوات زعيم "حركة أمل" نبيه بري.

أما منصب رئيس الوزراء فهو من نصيب المسلمين السنة، وجرى التوافق على ذلك بين الأطراف اللبنانية عام 1943 قبل استقلال لبنان عن فرنسا عام 1946 رغم أن الدستور اللبناني لا يتحدث عن دين أو طائفة رئيس الوزراء.

التقاسم الطائفي للمناصب في لبنان لا يقتصر على الرئاسات الثلاثـة بل يمتد ليشمل جميع المناصب الهامة، فقائد الجيش على سبيل المثال ماروني أما وزير الداخلية فهو سني ومدير قوى الأمن الداخلي سنى ومدير المخابرات العسكرية شيعي، وهناك أيضا حصص للطوائف والأقليات الأصغر مثل الدروز والمسيحيين الأرثوذكس والأرمن.

عسكريا، ظلت هيمنة سلاح "حزب الله" العسكرية على لبنان متخفية تحت عباءة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، حتى قامت الثورة السورية وتكشفت الحقائق منذ ذلك الحين، فهذا السلاح الإيراني بالأساس تحول إلى أداة لقتل السوريين وإجهاض ثورتهم، وفيما بعد ارتكاب المجازر الطائفية عبر مليشيات موالية.

لكن الحقيقة أنه قبل ذلك، لعب سلاح "حزب الله" دورا بالغا في فرض سيطرته العسكرية عبر عدة مواجهات داخل لبنان، خاصة مع بعض التنظيمات السنية التي تعادي الحزب، فيما وصل التعاون بين الجيش اللبناني والحزب إلى ابتلاع الثاني للأول.

وبحسب دراسة نشرها مركز "كارنيجي" للسلام الدولي، فإن الحرب في سوريا وضعت الحياد المفترض للجيش اللبناني في مأزق وعر، فنظرا إلى نفوذ "حزب الله" وتأثيره في لبنان، لم يتمكن الجيش من فعل الكثير بشأن ضلوع الحزب في الحرب السورية، وفي المقابل، يملك الجيش مطلق الحرية في التضييق على المسلحين السنة الراغبين في التوجه إلى سوريا لأنهم لا يحظون بالدعم من أي قوة سياسية لبنانية كبرى.

بين الشد والجذب

بين شد وجذب تمارسه أطراف اللعبة اللبنانية الآن، يبقى الغموض هو سيد الموقف، وربما لا يستطيع أحد أن يتوقع مآلات الحراك الحالي، بعد أن أعلن حزب الله المسيطر، كما أسلفنا، موقفه المتشدد.

وفي ظل ما يُعرف عن نصر الله بعدم تراجعه السهل عن مواقف مسبقة، خاصة ما يتعلق منها بالشأن الداخل اللبناني، وفي المقابل ما يتبين من إصرار المتظاهرين على مطالبهم، فإن السيناريوهات تبقى مفتوحة على ما ينتظر لبنان في المستقبل القريب.

توقع مآلات هذا الوضع المعقد، يرتبط ارتباطا وثيقا بمواقف أطرافه، واستعداد كل منها للتراجع خطوة إلى الوراء، أو الإصرار على تلك المواقف.

ولعل نصر الله يأمل في أن تنخفض حدة الاحتجاجات شيئا فشيئا حتى تتلاشى، إما بنفاد طاقة المتظاهرين أنفسهم، أو بتدخل الدولة، ولعل إرهاصات تلك الخطوة كانت في تدخل الجيش وقوى الأمن لفتح بعض الطرق الرئيسية التي أغلقها المحتجون.

ومن المرتقب أيضا بالتوازي مع تلك الخطوة، ارتفاع وتيرة التظاهرات المؤيدة لـ"حزب الله" وحليفه باسيل، وتعمد وقوع اشتباكات تُخرج الاحتجاجات الشعبية عن سلميتها، ربما تمهيدا لاستخدام القوة في فضها، وهو ما يربو إليه نصر الله.

المتظاهرون على الجهة المقابلة، رفضوا دعوة عون للقاء ممثلين عنهم، وقابلوا إصلاحات الحكومة بشيء من الاستخفاف، وكسروا محرمات عبر التظاهر في مناطق تعد معاقل رئيسية لـ"حزب الله" و"حركة أمل" الشيعيين.