صحيفة فرنسية: عفوية احتجاجات لبنان مكمن قوتها وضعفها.. كيف؟

12

طباعة

مشاركة

العفوية قد تكون أبرز ما يميز المظاهرات التي يشهدها لبنان للأسبوع الثاني على التوالي، احتجاجا على الفساد وتدهور الوضع الاقتصادي، لكن وفقا لصحيفة "ليبراسيون" الفرنسية فإن هذا العنصر الذي يمثل قوة لهذه الانتفاضة قد يصبح مكمن ضعفها.

وقالت مراسلة "ليبراسيون" فيليبين دو كليرمونتونير: "منذ أكثر من أسبوع، شهدت البلاد حركة احتجاج ذات حجم غير مسبوق، فالمتظاهرون، الذين يستهدفون الطبقة السياسية بأكملها، يدينون الفساد المستشري، وانخفاض الأجور وحالة البنية التحتية".

ويرفع اللبنانيون في هذه المظاهرات، التي تمثل استعراضا نادرا للوحدة الوطنية في بلد تمزقه الطائفية، شعاري "يسقط النظام" و"كلن يعني كلن" في إشارة إلى كل زعماء الطوائف المشاركين في السلطة بالبلاد.

وأضافت الصحيفة: "يوم الثلاثاء الماضي في الساعة الرابعة مساء، بدأت ساحة الشهداء، قلب الاحتجاجات في بيروت، تمتلئ، فيما يتجول مراهقون يحملون "الشيشة" بين المتظاهرين لبيعها على أمل جني بعض المال". 

وتابعت: "بينما يقف رجل يرتدي قناعا وامرأة تلبس بدلة رقص شرقي، على سيارة، يتمايلان على الأغاني العربية الشائعة، تنطلق شعارات من جميع الجوانب في مكبرات الصوت "الشعب يريد إسقاط النظام"، "الثورة! الثورة!"، وفجأة، يبث المتحدثون مقطع أغنية لفيروز، يتلقفه المتظاهرون بموجة من الحماس، فكل شخص يحمل هاتفه مضيئا، ويوجهه نحو السماء".

ساحة معركة

وأشارت إلى أن: الشارع اللبناني عبر عن غضبه يوم الخميس 19 أكتوبر/ تشرين أول الجاري، بعد إعلان الحكومة عن فرض ضريبة على مكالمات واتساب رغم سحب القرار على الفور.

ففي نفس الليلة، كانت البلاد كلها تتظاهر، وكانت لوحات الإعلانات محطمة وسط المدينة، والممتلكات العامة محروقة، الوضع كان أشبه بساحة معركة أكثر من مهرجان، لكن يبدو أن الرغبة في خوض معركة مع الشرطة تحول، مع تزايد عدد المشاركين، إلى كرنفال. 

ونقلت الصحيفة عن أحد المتظاهرين: "الاحتفال هو طريقتنا للتظاهر بسلام، نحن اللبنانيين، اعتدنا الحفاظ على الابتسامة، وهذا لا يعني أن المشاكل لم تعد موجودة".

ويعلق كريم المفتي، خبير سياسي لبناني: "لمدة أسبوع، نشهد تشديدا على الروابط الاجتماعية، فهي تسمح للناس بالهروب من البؤس اليومي".

وتؤكد ماريا، 20 عاما: "جيلنا يريد تغيير لبنان، لا أريد أن أغادر، أنا أحب بلدي وأريد أن أكون هنا من أجله"، أما جبيل وسام (38 عاما)،  فيوضح: "لقد ألقينا أعلام الأحزاب وراء ظهورنا، هناك علم واحد، إنه العلم اللبناني، لأول مرة أشعر بالحرية".

ولفتت "ليبراسيون" إلى أن: المظاهرات عطلت البلاد لمدة أسبوع، فالمدارس والبنوك وبعض المؤسسات وكذلك العديد من المتاجر ومراكز التسوق مغلقة منذ أيام، بينما يستهدف المحتجون الطبقة السياسية ككل، فقائمة المظالم طويلة، والمتظاهرون يشجبون الفساد وانخفاض الأجور والضرائب المرتفعة والبنية التحتية المتدهورة. 

ويقول علي، الذي يعمل خبازا ويعيش مع زوجته وطفليه: "لا يوجد ماء، ولا كهرباء، ويفرضون ضرائب، الناس ليس لديهم ما يكفي من الطعام، لقد زادت أسعار الطحين والغاز، وأصبح كل شيء أكثر تكلفة".

وأشارت "ليبراسيون" إلى أن: ورقة الإصلاح التي أعلن عنها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الاثنين الماضي، فشلت في تهدئة المتظاهرين، إذ يقول هشام (35 عاما): "لا يمكننا الوثوق بهم، لقد ظلوا يكذبون منذ ثلاثين عاما ويقدمون وعودا، لكن لا شيء يتغير، بل إن الوضع ازداد سوءا".

الثورة الأكبر

وأضافت الصحيفة: "للمرة الأولى، تجرأت المناطق الشيعية التي تهيمن عليها مليشيا أمل وحزب الله، وهو حزب مسلح تموله طهران، على التظاهر، ففي صور والنبطية، جنوب البلاد، حرق المتظاهرون وخربوا مكاتب النواب المنتمين لهذين الحزبين".

فالهتافات والشعارات التي يرددها المتظاهرون لا تستثني زعيما أو مسؤولا، لا سيما جبران باسيل، وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر، وهو صهر الرئيس الميشال عون.

كما يتعرض فريق الرئيس المتحالف مع حزب الله لانتقادات واسعة بالمحسوبية والصفقات المشبوهة على حساب الخزينة وعدم تنفيذ أي من الوعود لتأمين حاجات الناس الأساسية.

وأكدت ليبراسيون أن: الطبقات المتوسطة والفقيرة، تضررت بشدة من الأزمة الاقتصادية، يعيش واحد من كل ثلاثة أشخاص الآن تحت خط الفقر، فالفئات الأكثر ثراء، وعادة ما تكون أقل ميلا للتظاهر، نزلت هذه المرة إلى الشوارع، حيث أنه في الأسابيع الأخيرة، تسبب الضغط على الليرة اللبنانية بسبب نقص الدولارات بحالة من الذعر بين المدخرين الذين وضعوا أموالهم بالعملة المحلية".

ووفقا للصحيفة الفرنسية فإن الانتفاضة اللبنانية التي أطلق عليها البعض "ثورة أكتوبر"، هي الأكبر منذ ثورة الأرز في عام 2005، حيث خرج في ذلك الوقت، مليون شخص إلى الشوارع للمطالبة برحيل القوات السورية بعد عملية اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، والذي اتهمت دمشق بالوقوف وراءها.

لكن على عكس ما جرى عام 2005، عندما كان السكان الشيعة، المنتمين إلى حد كبير لحزب الله الموالي لسوريا، غائبين عن صفوف المتظاهرين، فإن الاحتجاجات هذه المرة تشمل جميع مكونات المجتمع.

وتقول الصحيفة: إن التحدي الذي يواجه المتظاهرون الآن هو تنظيم الحركة، فعلى عكس التحدي الذي وُلد في وقت أزمة النفايات عام 2015، يقودها عدد لا يحصى من المجموعات، فإن أحداث الأيام الأخيرة عفوية تماما. 

ونقلت "كليرمونتونير" عن أستاذ العلوم السياسية كريم المفتي أن: "العفوية التي شكلت عنصر قوة للاحتجاجات يمكن أن تصبح مكمن ضعفها"، ونبه أيضا إلى أن: "النظام سيسعى لكشف ثغرات التحرك مهما كلفه الأمر".