العراق يخسر مقعده في مجلس حقوق الإنسان.. إليك الأسباب

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يشغل العراق مقعدا في مجلس حقوق الإنسان التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة من عام 2017 ولغاية نهاية 2019، إلا أنه أخفق في تجديد عضويته بالمجلس لعامين آخرين، بعدما أحجمت بعض الدول عن التصويت لصالحه.

خسارة العراق لمقعده الحقوقي الأممي أثار جدلا واسعا في الأوساط السياسية والشعبية، لاسيما أن الأمر جاء بعد قمع غير مسبوق لمظاهرات واحتجاجات شعبية في البلاد، أدت إلى مقتل نحو 230 شخصا وإصابة أكثر من 9 آلاف آخرين.

سياسيون أكدوا أن القمع ساهم بشكل كبير في خسارة المقعد الأممي، الأمر الذي نفاه مسؤولون وأشاروا إلى أن دول كبرى أبعدت العراق لأنه كان صوتا فعالا بقضايا حقوق الإنسان وجاؤوا بدول لا تأثير لها.

تبرير حكومي

حسب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية العراقية أحمد الصحاف، فإن: "العراق خلال العامين التي شغل فيها المقعد كان له دور إيجابي فعّال فيه، عملنا جاهدين على إبعاد قرارات المجلس، وإجراءاته عن التسييس".

وأضاف: "بقدر تعلّق الأمر بوزارة الخارجية بوصفها الجهة المعنية بحشد الدعم الدولي للتصويت لصالح تجديد عضوية العراق في المجلس لعامين آخرين، نود أن نؤكد للجميع أن الوزارة سعت حثيثا لاستحصال هذا الدعم، وبذلت جهودا كبيرة حتى الساعات الأخيرة".

وأشار الصحاف إلى أن الوزارة: "نجحت في الحصول على وعود من 130 دولة منها دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وحصد فعلا 121 صوتا، أي بفارق صوتين عن التأهيل".

الصحاف برر خسارة المعقد بالقول: "بعض من هذه الدول لم تلتزم بوعودها، وأحجمت عن التصويت لصالحنا، بسبب مواقف العراق المبدئية على الصعيدين الإقليمي والدولي، ونهجه الثابت إزاء بعض الأحداث السياسية والأمنية، والتي يبدو أنها ما كانت متوافقه مع توجهات سياسات بعض الدول، فلم تُصوت لصالحنا".

ولفت الصحاف إلى أن: "العراق سيشغل صفة مُراقب في مجلس حقوق الإنسان بداية العام المقبل، ويبقى العمل مستمرا بما يستحقه بلدنا، ويليق به، سنعمل على تجديد عضويتنا في مجلس حُقوق الإنسان مستقبلا".

تبريرات الخارجية العراقية يبدو أنها لم تقنع المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق (هيئة مرتبطة بالبرلمان)، حديث أكد عضو المفوضية علي البياتي، أن: "العراق يمر بمرحلة حرجة ويواجه الكثير من التحديات على مستوى ملف حقوق الإنسان".

وقال البياتي في بيان: "العراق لم ينجح في الحصول على مقعد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للدورة القادمة مع أنه رشح لذلك حيث شغل العراق المقعد لدورة واحدة  فقط ستنتهي في نهاية هذه السنة (حيث من حق كل دولة دورتين متتاليتين) حيث لم يفلح في جمع الأصوات اللازمة من الدول الأعضاء وهو تراجع دولي مؤسف للعراق".

وشدد على أن: "العراق في مرحلة حرجة ويواجه الكثير من التحديات على مستوى ملف حقوق الإنسان والالتزامات الدولية الموقعة من العراق، حيث أن هنالك حاجة ماسة للوجود في هذا المحفل الذي يعد مطبخ العالم ومنصة للدفاع عن العراق وتقديم أجوبة منطقية وقانونية ومواجهة كل ما يرفع حول العراق من تقارير واتهامات بالإضافة إلى إظهار الجانب الإيجابي داخل الدولة العراقية والعمل المؤسساتي والنظام الديمقراطي، حيث سيكون دوره مراقب فقط داخل المجلس من السنة القادمة".

وأوضح البياتي، أن: "الموضوع يحتاج الى وقفة من قبل لجنة حقوق الإنسان ولجنة الشؤون الخارجية في البرلمان لمعرفة أسباب هذا التراجع والخطوات المتخذة لتجاوز الموضوع في الانتخابات القادمة واستعادة وضع العراق الدولي بالإضافة إلى ضرورة فتح ملف الالتزامات والاتفاقيات الدولية التي وقعها العراق والتي تحتاج إلى تشريعات وخطوات عملية للتنفيذ".

ضربة قوية

خسارة العراق للمعقد الأممي، اعتبرها البعض ضربة قوية لها علاقة بعمليات القمع التي استخدمتها القوات الأمنية ضد المتظاهرين في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، و أدت إلى مقتل نحو 230 شخصا وإصابة أكثر من 9 آلاف آخرين.

وقال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، محمد الكربولي: إن استمرار العراق بالتضييق على حرية الرأي العام جعله يخسر عضويته في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.

وتساءل الكربولي في تغريدة على تويتر:  "لمصلحة من يخسر العراق عضويته بمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة؟. هل وضعت الحكومة باعتباراتها رأي المجتمع الدولي عندما ضيقت حرية الرأي وطاردت الإعلاميين واعتقلت الناشطين وقتلت كلمتهم الحرة؟".

وعلى نحو مماثل اعتبرت الخبيرة الاقتصادية العراقية سلام سميسم في تغريدة خسارة العراق لمقعده بأنه: "ضربة قوية"، مشيرة إلى أنه: "كان لسياسات القمع الأخيرة الأثر الكبير في هذه الخسارة".

أما الخبير القانوني علي التميمي، فقال إن: "من أخطر أنواع حقوق الإنسان هو قتل المتظاهرين أو الاعتقالات الإدارية دون أوامر قضائية، وهو ما يخالف المادة 14 من ميثاق العهد الدولي وهو ما يسمى الضحايا جراء سوء استخدام السلطة ويحق للجمعية العامة عند حصول هذه الانتهاكات أن تحول الأمر إلى مجلس الأمن لاتخاذ ما يلزم".

وأشار إلى: أن العراق خرج من الفصل السابع بالقرار 2390 لسنة 2017 وتم تحويله إلى الفصل السادس لحل الإشكاليات مع الكويت، ومع هذه الخروقات جراء التظاهر فإنها تعتبر انتهاكا لحقوق الإنسان وبالتالي قد يقرر مجلس الأمن العودة بالعراق إلى الفصل السابع الذي يعتبر الدول التي توضع تحته دول قاصرة وغير مؤهلة أن تقود نفسها إلا بالوصاية".

رسالة دولية

من جهتها، عبّرت "جبهة الإنقاذ والتنمية" (تجمع سني) في بيان: عن أسفها لخسارة العراق عضويته في مجلس حقوق الإنسان، وأنها لا تستبعد في الوقت ذاته أن تفقد الحكومة العراقية شرعيتها أمام المجتمع الدولي بسبب التعامل الذي يزداد سوءا مع ملف التظاهرات والمغيبين من المكون السني.

وأوضحت "الجبهة" أن: "بعثة العراق الدائمة لدى الأمم المتحدة قدمت 23 تعهدا والتزاما للحفاظ على العضوية في المجلس وإعادة ترشيحه، إلا أن المجلس لم يقتنع بهذه التعهدات والالتزامات بسبب حالة حقوق الإنسان في العراق، والإجراءات غير القانونية في الاعتقال والحجز.

فضلا عن: "العنف المفرط الذي واجهت به الحكومة المتظاهرين السلميين في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب وقتل وجرح أعداد كبيرة لا تتفق مع أي معيار إنساني في تعامل الحكومات مع شعوبها. إضافة إلى تراجع العراق إلى مراتب دنيا في مجال حرية الصحافة"، حسب البيان .

وأضاف البيان أن: "كل ذلك يرتبط بجريمة أقسى وأكثر فداحة هي جريمة الإخفاء القسري التي طالت الآلاف من مواطني المحافظات المحررة، هذه الجريمة التي تعاني من تأثيراتها آلاف العائلات العراقية التي لم تحصل لحد الآن على أية نتيجة من الحكومة برغم المطالبات المستمرة، وبرغم اللجان التي لا تقود إلى نتائج واضحة أو معلنة".

ورأت "الجبهة" أن: "فقدان العراق لمقعده هي رسالة واضحة من المجتمع الدولي للحكومة العراقية بأن ملفها في معالجة انتهاكات حقوق الإنسان يزداد سوءا مع اتجاهها لقمع حق التظاهر السلمي ومحاصرة الأصوات المنادية بالتغيير".

وأشار البيان إلى أن: "إعادة دور العراق الدولي في مجال حقوق الإنسان وبما يتناسب مع حجم الالتزامات الدولية والاتفاقيات التي وقعها العراق في مجال حقوق الإنسان لابد أن ينبع من التزامات الحكومة بتطبيق ما التزمت به دوليا على شعبها أولا قبل أن تكون تلك الالتزامات مجرد واجهة لتلميع صورة الحكومة على الصعيد الدولي".

وتابعت "الجبهة" بأن: "إصرار الحكومة على تجاهل ملف حقوق الإنسان والحريات العامة لن يفقدها الدعم الدولي، وإنما سيفقدها أبسط أركان الحكم الرشيد المتمثلة بالشرعية والمشروعية، إذ أن عدم التزامها بمواد حقوق الإنسان التي نص عليها الدستور سيفقدها الشرعية السياسية التي استمدت منها حكمها".

أهالي المغيبين من المكون السني في محافظة الأنبار يطالبون بكشف مصير أبنائهم

لكن الباحث العراقي مصطفى الناجي يرى غير ذلك تماما، إذ يقول: "لا أهمية للعضوية في مجلس حقوق الإنسان، إذ يمكن لأي فرد أو مجموعة من الأفراد أو المنظمات غير الحكومية التقدم بشكاوى لمجلس حقوق الإنسان، بشرط أساسي هو أن تُستنفذ سبل الانتصاف المحلية وعدم وجود اختصاص قضائي وطني يعالج تلك الشكاوى، أو يتبيّن أن هذه السبل غير فعالة أو تستغرق زمنا يتجاوز حدود المعقول".

وحسب قوله، فإن: "قرارات مجلس حقوق الإنسان التي يتم التصويت عليها بالأغلبية لا تحمل طابعا إلزاميا لأي طرف من أطراف القانون الدولي حسب نظام المجلس الداخلي".

وعلى هذا الأساس، يضيف الناجي: أن مجلس حقوق الإنسان يعد هيئة إرشادية غير فعالة، وقد استقالت الولايات المتحدة من عضويته في 19 يونيو/حزيران 2018. ذلك لأن نظام عضوية المجلس يكون لثلاث سنوات ولا يجوز إعادة انتخابهم مباشرة بعد شغل ولايتين متتاليتين، وبهذا الإجراء فقد العراق مقعده لأنه فاز بالعضوية في المجلس عام 2016.

وبيّن الناجي أن: دولا فقدت العضوية بشكل تقني وطبيعي إلى جانب الصين، كرواتيا، كوبا، مصر، هنغاريا، أيسلندا، العراق، اليابان، رواندا، السعودية، جنوب إفريقيا، تونس والمملكة المتحدة.

وحلت الدول الآتية محل الدول المستبدلة حتى العام 2022، وهي: (أرمينيا والبرازيل وألمانيا وإندونيسيا واليابان وليبيا وجزر مارشال وموريتانيا وناميبيا وهولندا وبولندا وجمهورية كوريا والسودان وفنزويلا).

هيئة استشارية

يعد مجلس حقوق الإنسان هيئة دولية داخل الأمم المتحدة حل محل لجنة الأمم المتحدة السابقة لحقوق الإنسان عام 2006. ويتألف المجلس من 47 دولة بموجب قرار الجمعية العمومية رقم (60/251) في حزيران/يونيو 2006.

المجلس يعتبر مسؤولا عن تدعيم تعزيز جميع حقوق الإنسان وحمايتها في أرجاء العالم كافة وعن تناول حالات انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم توصيات بشأنها.

ويعقد مجلس حقوق الإنسان ما لا يقل عن 3 دورات عادية في السنة الواحدة لسنة المجلس، لفترات مجموعها عشرة أسابيع على الأقل، وهي تُعقد في آذار/مارس وحزيران/يونيو وأيلول/سبتمبر.

وبحسب مختصين، فإن المجلس بمثابة هيئة (استشارية) له صلاحية مناقشة أوضاع حقوق الإنسان وتقديم التوصيات فقط.

لكن المجلس يعرّف نفسه بأنه هيئة حكومية دولية تابعة لمنظومة الأمم المتحدة، وأنه يمتلك صلاحية مناقشة كل المواضيع والحالات الموضوعية لحقوق الإنسان التي تتطلب اهتمامه على مدار العام. ويعقد اجتماعاته في مكتب الأمم المتحدة في جنيف.

ومرّ المجلس بـ 12 دورة منذ العام 2006، تسلمت رئاسته (مدة سنة واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة فقط) على التوالي 12 دولة "المكسيك، رومانيا، نيجيريا، بلجيكا، تايلند، أورجواي، بولندا، الغابون، ألمانيا، كوريا الجنوبية، سلفادور، سلوفينيا".