سباق الهيمنة.. لهذا بات التقارب الأمريكي الصيني بعيد المنال

قسم الترجمة - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة يني شفق التركية، الضوء على الصراع الذي دار منذ خمسينيات القرن الماضي بين الولايات المتحدة من جهة وكل من الاتحاد السوفييتي والصين من جهة أخرى.

وقالت الصحيفة في مقال للكاتب "سليمان سيفي أوغون": إنه "في الوقت الذي أعلنت فيه واشنطن راية النصر على المعسكرين الشيوعيين رافعة راية الرأسمالية، عادت بكين من جديد ليتأجج الصراع هذه المرة، يحمل راية التكنولوجيا ورأس المال والصناعة". 

ولفت الكاتب إلى: أن الحرب الباردة تسببت في تدمير العقل البشري بلا منازع حيث غطت العوالم الأيديولوجية الحقائق التاريخية ما أدى إلى اضطرابات في التصور، لا تزال آثارها مستمرة، "وكان عالم الاقتصاد ماركس على حق عندما أكد أن الأيديولوجيات أدت إلى أوهام، لكن هذه الأوهام شملت الماركسية".

انقسام العالم

أحد الأوهام هو أنه في عصر الحرب الباردة، تصور الناس أن العالم ينقسم إلى كتلة "رأسمالية" و"اشتراكية"، ومع ذلك، كان الاتحاد السوفياتي ومعسكره الاشتراكي هيكلا ظهر ضمن تقسيم العمل في دائرة التنمية الاقتصادية فيما كانت الهيمنة قادمة الولايات المتحدة وفقا للكاتب التي استقاها من المناهج التعليمية. 

ووصف الكاتب المخاوف الأمريكية من الصعود السوفييتي بالأوهام، فلم ينشغل الأمريكيون كثيرا بذلك الصعود ولا حتى أفوله، وعلى الرغم من أن الأدبيات الاقتصادية تحدثت مطولا عن ذلك، لكن أكثر ما يشغل بال الولايات المتحدة الأمريكية اليوم هو صعود النجم الصيني.

ويقول إنه: "بينما كان سامويلسون (عالم اقتصادي أمريكي) مهتما بالتطور والتنمية السوفياتية، حوّل كيسنجر (وزير خارجية أمريكي) التركيز على الصين".

ويتابع الكاتب: "كلا من سامويلسون وكيسنجر عملا شيئين، الأول: حاصرا الصين اقتصاديا؛ بالتعاون مع اليابان، وفي الحقيقة فإن اقتصاد هونغ كونغ في تلك الفترة كان محاصرا، بعدها استمروا بذلك من خلال بعض الدول مثل تايوان وماليزيا وسنغافورة، هذا الحصار والتضييق كان أساسه التكنولوجيا المتقدمة. 

كان من المتوقع قمع اقتصاد الصين بحق، لتعاني من وفرة العمالة في أكثر اقتصاد قائم على رأس المال والتكنولوجيا على عكس الولايات المتحدة التي ليس لديها ما تخسره؛ ففائض القيمة التي تنتجها قواعد التكنولوجيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية عادت في النهاية إلى واشنطن. 

هذا كله دفع كل من الاتحاد السوفييتي والصين إلى الافتراق شيئا فشيئا على الرغم من التقارب الشيوعي بين البلدين العملاقين، وحدث ذلك كله في الخمسينيات من القرن الماضي، وبهذا تكون الولايات المتحدة قد تفوقت على نفسها حين وصلت إلى هذه النتيجة. 

في التسعينات كان ربيع الاقتصاد العالمي قائم على الرأسمالية، وكان أساسه المياه، انهارت الجدر، وانهار معها المخيم السوفييتي، فظن البعض أنه نهاية المعركة، وأن الكلمة الفصل كانت لمعسكر الرأسمالية، لكن هذا لم يكن صحيحا، عاد الصراع الاقتصادي من جديد في العام 2008.

وتجسدت هذه الأزمة بذوبان الهيمنة الأمريكية القائمة على الرأسمالية شيئا فشيئا، فلا رأس مال بات يشكل خطرا ولا سيطرة ولا التكنولوجيا باتت تتفرد بها واشنطن، على العكس تماما بدأت تتقدم من الدولة التي فرض عليها الصراع، أي من الصين.

بعبع الصين

وعرج الكاتب على ما أعلن في بكين مؤخرا حيث أعلنت الصين عن تحول مهم، تمثل في قرار الانتقال من اقتصاد كثيف العمالة إلى اقتصاد كثيف التكنولوجيا والبنية التحتية: "بالطبع، هذا الانتقال ليس بالأمر السهل، سيؤدي إلى أزمات اجتماعية وسياسية كبيرة، لكنه في حالة مراقبة ومتابعة حثيثة".

القاسم المشترك في الولايات المتحدة اليوم، هو الخوف العميق من الصين؛ في وقت اعتمد الاتحاد الأوروبي، على التقارب مع بكين للتغلب على الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة عليها منذ عام 1945.

وتابع الكاتب مقاله بالقول: "كان لسياسات الديمقراطيين من خلال هيلاري كلينتون وباراك أوباما ثلاث توسعات رئيسية؛ الأول يركز على عموم أوروبا، أي من خلال عقد اتفاقية تجارية شاملة مع الاتحاد الأوروبي؛ والثاني كان على أساس التقارب مع الصين عن طريق سحق روسيا. ثالثا، كان هناك رؤية لإعادة توزيع منطقة الشرق الأوسط".

ويرى المحافظون الجدد من الجمهوريين في أمريكا: أن الوحدة الأوروبية تتعارض مع الديمقراطيين، لكنها تتفق معهم حول سحق روسيا وتدمير الشرق الأوسط.

وبوصول كل من أوباما وهيلاري كلينتون إلى نهايتهما باتت هذه الرؤية من الماضي، وبات التقارب الأمريكي الصيني شيئا بعيد المنال، وأصبحت الدولة العميقة في أمريكا هي صاحبة الكلمة الطولى والتي ترفع شعار التباعد لا التقارب مع الصين. 

لا يوجد حكم ديمقراطي في الأفق فيما يدرك الجمهوريون أنهم لا يستطيعون منع مشروع الطريق الأوحد/ One Way (طريق الحريري الصيني) بالأدوات الاقتصادية؛ لهذا السبب، يريدون في المقام الأول ارتداء الأدوات السياسية والعسكرية والسيطرة عليها من خلال تدفق الطاقة.

ولفت الكاتب إلى: أن الانقسام بين الجمهوريين يظهر أيضا هنا. المحافظون الجدد يستبعدون أوراسيا، في حين تريد الجهة التي يمثلها دونالد ترامب بناء كتلة أورو آسيوية تتركز في كل من الولايات المتحدة وروسيا وتركيا.

وبين الكاتب: أنه يمكن لهذه الكتلة أن ترى النور بانضمام ألمانيا، فيما الدول التي يعتقد أنها ستضاف إلى الكتلة الأوراسية لاحقا هي إسرائيل والعالم العربي وعلى وجه أخص تركيا ومصر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك شقوق عميقة بين أنقرة وتل أبيب على عكس مصر التي تحظى بتقارب مع إسرائيل. 

بخصوص تركيا، لم يعد لديها ذلك الهم بأنها يجب أن تكون منضوية لأحد القطبين إما الولايات المتحدة الأمريكية أو روسيا، هذا الأمر بات وراء ظهرها الآن، ومع ذلك رأى الكاتب: أنه في حالة حدوث هذا التسلسل، يجب أن نرى كتلة معادية للصين.

وهذا يعني أن الكتلة الأورو آسوية ليست مكملة للطريق الواحد One Way، على العكس هي نقطة قد تتسبب بمواجهة، ومستقبل تركيا يكمن هنا بالمناسبة، الصين لن تقف مكتوفة الأيدي، حظها لن يتوقف هنا، ولن تستسلم على الرغم من الهجمات التي تشن ضدها وما تزال. 


المصادر