المهاجرون الأفارقة في اليمن.. رحلة الهروب إلى الجحيم

منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"بعد أسبوعين من اعتقالي، أجبرني أحد الحراس على الذهاب معه، اقتادني إلى غرفة مجاورة، شاهدت حارسين آخرين يغتصبان اثنتين من صديقاتي، أمرني بخلع ملابسي، رفضت، فضربني على ظهري"، كان هذا جزءا من شهادة مهاجرة إثيوبية، اعتقلت في مركز أمني بمدينة عدن اليمنية، وأدلت به لمنظمة هيومان رايتس ووتش.

يواجه المهاجرون الأفارقة، خطر الموت في البحر أثناء الهجرة إلى اليمن، البلد المشتعل بالحرب والصراع، ويواجهون الموت مرة أخرى أثناء الترحيل، ومن نجا من الموت في البحر فإنه لا يسلم من تعذيب واغتصاب عناصر "الحزام الأمني"، التابع للإمارات في الجنوب، أو احتجاز وتجنيد ميليشيا الحوثي لهم في الشمال.

وسلّطت منظمة هيومان رايتس ووتش، الضوء على حالات انتهاك يتلقاها مهاجرون أفارقة غير نظاميين، في مراكز احتجاز في البريقة بمدينة عدن، الخاضعة لسيطرة الحزام الأمني المدعوم من الإمارات.

مكان احتجاز المهاجرين في عدن

"تعددت حالات الانتهاك وتراوحت بين الاعتقال والإعدام والتعذيب والاغتصاب لنساء وفتيات صغيرات"، بحسب التقرير الصادر في أبريل/ نيسان 2018، الذي قال إنّ "الحراس يحتجزون المهاجرين في ظروف سيئة ومعتقلات تفتقر لأدنى شروط الآدمية، ويقومون بضربهم بالقضبان الحديدية والعصي، كما يقومون بجلدهم، والاعتداء عليهم جنسيا، وأخذ أموالهم والوثائق التي بحوزتهم"، حسب ما أفاد المصدر ذاته.

بحسب التقرير، أيضا، فإن الاغتصاب طال شبانا وفتيانا، وقد تحدث أحد المحتجزين السابقين للمنظمة قائلاً: يجري أخذ الأولاد كل ليلة، ويتم اغتصابهم، وأضاف أعرف سبعة منهم تعرضوا للاعتداء الجنسي، وكان بوسع المعتقل سماع ما يحدث، أضاف أن الأولاد كانوا يعودون بحالة مزرية، غير قادرين على الجلوس، وكان بعضهم يقص على الآخرين ما حدث له.

وبحسب المسؤول عن شؤون اللاجئين في منظمة هيومان رايتس ووتش، بيل فريليك، فإن السلطات في عدن ترفض طلبهم للجوء وترفض أيضا منحهم الحماية، وتقوم بعد احتجازهم وتعذيبهم، بترحيل المئات منهم في قوارب مكتظة، وفي ظروف بحرية شديدة الخطورة.

مكان لاحتجاز المهاجرين الأفارقة في عدن

وكان مدير المركز الأمني المسؤول عن احتجاز المهاجرين غير النظاميين، العقيد خالد العلواني، قد أفاد في مقابلة له مع برنامج "أخبار الليلة" على قناة "إتش بي او" الأمريكية، أنه يقوم بإرغام المهربين المسؤولين عن جلب المهاجرين، على إعادتهم إلى جيبوتي عبر خليج عدن، وأضاف: ليس لدينا خيار، فالسلطات الحكومية غير قادرة على قبول طلب لجوئهم أو ترحيلهم بشكل آمن على نفقاتها.

وأضاف تقرير منظمة هيومان رايتس، وفقاً لمصادر لها، أن "العقيد العلواني يقوم بالتنسيق مع الحزام الأمني المدعوم من الإمارات ويتلقى الدعم من التحالف"، وأفاد المصدر أن "العلواني رفض التعامل مع مسؤول حكومي يمني، مؤكداً  أنه لا يتلقى أوامره إلا من سلطة التحالف، وطلب من المسؤول أخذ إذن من الحزام الأمني للوصول إلى مركز الاحتجاز".

من المسؤول؟

أقرت وزارة الداخلية اليمنية، في مراسلات لها مع المنظمة، أن الحزام الأمني هو المسؤول عن اعتقال واحتجاز المهاجرين غير النظاميين في عدن، وأفادت أنها لا تسيطر على الحزام الأمني، وأنه يتلقى أوامره من الإمارات العربية المتحدة، وأضاف التقرير أن الإمارات لم ترد على رسالة المنظمة عن الأسئلة المثارة حول دور الإمارات في احتجاز المهاجرين، بحسب التقرير.

وكان فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة قد رفع تقريراً في أغسطس/ آب 2018 ، أكد فيه تورط الحزام الأمني بارتكاب جرائم حرب محتملة، وانتهاكات جسيمة، وانتهاكات بحق القانون الدولي الإنساني، وأعمال عنف تراوحت بين اختطاف وتعذيب واغتصاب، نفذتها قوات الحزام الأمني التي ترعاها الإمارات العربية المتحدة، بحسب نص التقرير.

كما أن تقريراً بعنوان "من داخل السجون السرية: استطعنا سماع الصراخ"، لوكالة  "أسوشيتد برس"، كشف عن وجود 18 سجناً سريا تديرها قوات تابعة للإمارات في جنوب اليمن، تقوم بتعذيب سجناء بوسائل وحشية دون محاكمات.

على الجانب الآخر، يشير تقرير للأمم المتحدة أن الميلشيات في اليمن تقوم بتجنيد مهاجرين أفارقة بشكل إجباري، وكانت الحكومة اليمنية قد أكدت في وقت سابق أن الحوثيين يقومون بتجنيد مهاجرين أفارقة بشكل إجباري، وتزج بهم في الصفوف الأمامية، لسد النقص داخل صفوفهم.

وأكد ناشطون لصحيفة "الاستقلال"، مشاهدتهم لعدد من الأفارقة يقاتلون داخل مدينة الحديدة في صفوف الحوثيين، كما شوهدت عدد من جثثهم عقب المعارك والمواجهات الدائرة بين قوات الجيش الوطني وقوات الحوثيين في الساحل الغربي، وكان الإعلام الحربي التابع لميليشيا الحوثي، قد نشر صورة لمراهق صومالي يدعى عبدالفتاح محمد الشيخ علي، قتل في إحدى معارك الحوثيين على الحدود اليمنية السعودية.

يعزز هذه الفرضية التقرير السابق لمنظمة هيومان رايتس، إذ أكد أن الحوثيين يقومون باعتقال المهاجرين الأفارقة، بشكل تعسفي، ويحتجزونهم في ظروف سيئة، بمنشأة قريبة من ميناء الحديدة غرب اليمن، ويتعرض المعتقلون فيها للضرب والمعاملة القاسية، والحرمان من الرعاية الطبية.

يضيف التقرير أن المملكة العربية السعودية احتجزت مئات الأفارقة ورحّلتهم إلى اليمن بشكل قسري، على الرغم من المخاطر التي يواجهونها في اليمن، وكانت المملكة قد شنت حملة، تزامنت مع كتابة تقرير المنظمة، في أبريل/ نيسان 2018، اعتقلت فيها  12 ألفا و477 مهاجرا غير نظامي، 38% منهم مهاجرون إثيوبيون.

أما الحكومة اليمنية، فتحمّلها المنظمة جزءاً كبيراً من المسؤولية؛ إذ أنها اكتفت بالقول إنها في ظل الظروف الراهنة، لا تملك القدرة على الاستجابة بصورة كافية للمهاجرين، وكل ما تستطيع فعله هو دعوة المنظمات الدولية لإجلائهم بشكل طوعي إلى بلدانهم، عبر طرق آمنة.

المحطة الأخيرة

بحسب صحيفة "الجارديان"، فإنّ المهاجرين الأفارقة يعتبرون اليمن محطة عبور إلى السعودية وبعض دول الخليج، حيث يبحثون عن أعمال كمزارعين وسائقي سيارات، ومعظم هؤلاء المهاجرين من جماعة اورمو العرقية في إثيوبيا، إذ يهربون من القمع والتمييز، بينما يهاجر البعض الآخر لأسباب اقتصادية، مقللين من حجم المخاطر في اليمن، خصوصا في ظل تطمينات، يتلقونها من قبل المهربين، بالتهريب الآمن إلى اليمن ومن ثم إلى السعودية.

وفي حين يقلل هؤلاء من المخاطر في اليمن، فإن آخرين صرّحوا لمنظمة هيومان رايتس، أنهم لم يعرفوا أصلا بأن هناك حرباً في اليمن، ليقع مصيرهم بين فكي كماشة الحزام الأمني في الجنوب، والحوثيين في الشمال.

تحدّث تقرير منظمة هيومان رايتس، بأن السلطات في عدن تقوم عادة بترحيل المهاجرين في ظروف بحرية شديدة الخطورة، وفي إحدى المرات قامت السلطات في عدن بترحيل عدد من المهاجرين في قارب مكتظ، في ظروف خطيرة، ما تسبب بانقلاب القارب وموت ثلاثين مهاجراً.

عملية الإجلاء

وفي تقرير للمنظمة الدولية للهجرة، ذكر أن المهربين عادة ما يرغمون المهاجرين على القفز في البحر عند اقترابهم من ساحل محافظة شبوة اليمنية، كما وثقت المنظمة الدولية في إحدى المرات إرغام أكثر من 120 مهاجراً إفريقيا على القفز في البحر، أثناء مرور دورية روتينية لقوات خفر السواحل اليمنية، ما أسفر عن مصرع معظم المهاجرين، عثرت المنظمة على جثة 29 فرداً منهم.