مطاردة الإعلاميين والناشطين.. هل يحد من زخم المظاهرات بالعراق؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع اقتراب مظاهرات 25 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري في العراق، اشتدت خلال الأسبوعين الماضيين، حملات الاغتيالات والاعتقالات بشكل واسع ضد ناشطين وإعلاميين، فضلا عن التضييق والهجرة التي تتعرض لها وسائل إعلام محلية وعربية، ولا سيما في بغداد.

وعلى الرغم من النفي المستمر للسلطات العراقية بالوقوف وراء حملات الاعتقالات والتغييب القسري التي طالت ناشطين في مختلف المدن وتعهداتها بعدم مطاردتهم، إلا أن الجهات التي تعتقل الناشطين، تستقل عربات حكومية وتنسب نفسها للأجهزة الأمنية الرسمية.

"استهداف ممنهج"

هزت حادثتان متعاقبتان الشارع العراقي، الأولى كانت جريمة اغتيال طالت رسام الكاريكاتير التشكيلي حسين عادل وزوجته سارة، رميا بالرصاص داخل منزلهما في البصرة، بعد مشاهدتهما آخر مرة وهما يسعفان المصابين جراء الغازات المسيلة للدموع خلال مظاهرات الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.

ونقلت تقارير عن أقارب الزوجين المغدورين اللذين ظهرا خلال الاحتجاجات الأخيرة، أنهما تعرضا إلى ملاحقتهما من مسلحين ينتمون إلى مليشيات نافذة في البصرة، وجرى تهديدهما بالتصفية الجسدية.

أما الثانية، فكانت في محافظة السليمانية بإقليم كردستان، وقتل فيه إعلامي وزوجته مع طفليهما الوحيد، بوابل من الرصاص أثناء وجودهما في سيارتهما.

السلطات الأمنية في السليمانية أعلنت الثلاثاء الماضي، أن الصحفي الكردي آمانج باباني مقدم برنامج "بلا حدود" على قناة "إن آر تي" وزوجته مقدمة البرامج السابقة في قناة "كرد سات" مع طفليهما، كان حادث انتحار نفذه الأب "باباني"، لكن جهات برلمانية عراقية شككت في الرواية وربطتها بحملة ضد الصحفيين.

الصحفي آمانج باباني وزوجته لانا محمد وطفليهما

وعلى صعيد حملات الاختطاف والتغييب القسري، فإنها لا تزال مستمرة على قدم وساق، ولعل آخرها اعتقال الناشط شجاع الخفاجي المشرف على حساب "الخوة النضيفة" التي تعد من أكبر الصفحات العراقية في "فيسبوك" على يد "قوة ترتدي زي سوات (قوات خاصة)، اقتحمت منزله بأسلوب تعسفي، فجر الخميس الماضي، واقتادته إلى سجن مطار المثنى" في وسط بغداد.

الخفاجي، أفرج عنه بعد يوم واحد من اعتقاله، على إثر حملة تضامن شعبي كبيرة طالبت بإطلاق سراحه، وبتدخل مباشر من الرئيس العراقي برهم صالح، وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وقيل بعدها إنه كان مختطفا من جهات مجهولة، بحسب تقارير.

تلك الحملات والمطاردات، دفعت منظمة "العفو" الدولية إلى مطالبة السلطات العراقية بوضع حد فوري لها، وإنهاء الترهيب والاعتداء على الناشطين في بغداد، وأن تكشف عن أماكن وجود آخرين، ومن بينهم طبيب ومحام اختفوا قسرا منذ أسابيع.

وأوردت المنظمة الدولية روايات 11 ناشطا تلقوا تهديدات بسبب حديثهم ودعمهم المتواصل للاحتجاجات، إضافة إلى لقائها أقارب الناشطين المغيبين، فضلا عن صحفيين ومحامين من بغداد والديوانية والبصرة والعمارة ومن أبرزهم الطبيب ميثم الحلو والمحامي علي جاسب الحطاب.

وبحسب "العفو"، فإن إفاداتهم تظهر بأن قوات الأمن العراقية تستهدف بشكل ممنهج أي شخص يتحدث علنا عن سلوك قوات الأمن خلال الاحتجاجات. 

وقالت لين معلوف، مديرة البحوث للشرق الأوسط في المنظمة: "كل من يعبر عن المعارضة في العراق اليوم يواجه استجوابا تحت تهديد السلاح، والتهديد بالقتل والاختفاء القسري".

وشددت على ضرورة أن: "تكبح السلطات العراقية، جماح قوات الأمن فورا، وتبديد مناخ الخوف الذي خلقته عمدا لمنع العراقيين من ممارسة حقوقهم في حرية التعبير والتجمع".

وطالبت المنظمة الدولية، السلطات العراقية بـ"الكشف عن مكان وجود علي جاسب الحطاب، وميثم محمد رحيم الحلو، اللذين تعرضا للاختفاء القسري منذ الأسبوع الماضي. ينبغي السماح لهما فورا بالاتصال فورا بالمحامين وعائلاتهما. وينبغي إطلاق سراحهما، ما لم يتم توجيه تهم إليهما بارتكاب جريمة جنائية معترف بها".

وعلى نحو مماثل، كشف إعلاميون على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد أثر  الناشط المدني الأمين العام للاتحاد العراقي لنقابات العمال، صفوان عصام، بعد آخر حوار تلفزيوني انتقد فيه قمع المتظاهرين، واتهم بشكل مباشر مليشيات "عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي بالوقوف وراءها.

وكانت لين معلوف، قد أكدت: "أن نمط الانتهاكات التي نشهدها مثير للقلق البالغ. ويُعد الاختفاء القسري جريمة بموجب القانون الدولي، وذلك بوضع الضحايا خارج نطاق حماية القانون، ليتعرض الأفراد إلى انتهاكات جسيمة أخرى مثل التعذيب، والإعدام خارج نطاق القضاء".

وشددت على ضرورة ألا تتسامح السلطات مطلقا مع هذه الجرائم: "ويجب عليها اتخاذ إجراءات فورية لوضع حد لحالات الاختفاء القسري وغيره من الانتهاكات الخطيرة، وإجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة وفعالة، ومحاكمة الأشخاص في قوات الأمن، المشتبه في مسؤوليتهم، في المحاكمات العادلة".

"لائحة سوداء"

في 17 أكتوبر/ تشرين الأول، أبلغ ناشطان، من بغداد، منظمة "العفو" الدولية أن رجالا يرتدون ملابس مدنية، عرّفوا أنفسهم كأفراد في قوات جهاز المخابرات، قدموا إلى منازلهم واستجوبوهم بشأن أنشطتهم خلال الاحتجاجات. ولم يُقدّم للنشطاء في أي لحظة أمر اعتقال أو تفتيش.

وأكدت المنظمة الدولية، أنها لا تزال تتلقى تقارير عن نشطاء وصحفيين يتعرضون للتهديد من قوات الأمن، الذين حذروهم من أنه إذا استمروا في التحدث علنا ضد انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضد المحتجين، فسيتم إدراجهم في "قائمة سوداء أعدتها أجهزة المخابرات".

وفي السياق ذاته، كشف مصدر أمني في حديث لـ"الاستقلال" أن: "جهاز الأمن الوطني يراقب مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصا حسابات الناشطين والإعلاميين، ويرى من فيهم يتعاطف مع المظاهرات ويدعهما، وإما يعتقلهم أو يهددهم بالاعتقال إن لم يسكتوا".

وأوضح المصدر الذي طلب عدم كشف هويته، أن: "جميع الأجهزة الأمنية دخلت من بعد انتهاء أربعينية الحسين، في حالة إنذار قصوى إلى يوم 25 من الشهر الجاري، الذي من المتوقع أن تكون فيه المظاهرات أشد وأوسع من الأولى".

التهديدات التي تعرض لها ناشطون وإعلاميون أكدتها مقررة لجنة حقوق الإنسان في البرلمان وحدة الجميلي، بالقول: إنه "بالفترة الأخيرة حصل ما هو أخطر من قمع المتظاهرين، وهو اعتقال الناشطين أو تغييبهم قسريا، إضافة إلى قتلهم".

وأكدت النائبة العراقية، اعتقال مجموعة من "الصحفيين المهمين جدا" وتغييبهم، وهناك حالات من التهديد المباشر لبعضهم إضافة للناشطين الذين يحاولون تسليط الضوء على ما يجري كونهم سلطة رابعة.

خنق الإعلام

لم تسلم وسائل الإعلام التي اصطفت مع المظاهرات الشعبية من حالات التهديد، بل وصل الحد إلى اقتحام مكاتب قنوات محلية وعربية وتحطيم معداتها ومن ثم حرقها بالكامل.

إذ تعرضت منابر إعلامية وفضائيات عراقية، ومنها قناة الرشيد الفضائية إلى ضغوطات ووصل الأمر إلى تهديد إدارة القناة ومالكها وطالبتهم بعدم الذهاب باتجاه دعم التظاهرات الشعبية.

وبطريقة أشد، اقتحمت مجموعة مسلحة مكتب قناة "دجلة" العراقية في بغداد وأحرقته بالكامل، إضافة إلى اقتحام عناصر مسلحة قناة "إن آر تي" العراقية، وتحطيم محتوياتها والاعتداء على العاملين فيها.

وفي السياق ذاته، أعلنت قناة "العربية" المملوكة للسعودية، توقف عمل مكتبها في العاصمة بغداد، بعد اقتحامه من قبل مسلحين ملثمين وضرب الموظفين بداخله وتحطيم معدات تصوير وبث، وهواتف محمولة.

ولفتت "العربية" إلى أنها سبق وأن تلقت تهديدات، وتواصلت مع القوات الأمنية لحماية طاقمها ببغداد، لكن ضغط التظاهرات أجبر الفريق على الانسحاب والمغادرة، وفقا لبيان صدر عنها.

وبثت القناة السعودية شريطا التقطته كاميرات المراقبة داخل وخارج المكتب، يظهر مجموعة مسلحين، اقتحموا المكتب وعبثوا في محتوياته.

ونقلت وكالة "الأناضول" التركية عن مصدر أمني عراقي، لم تذكر اسمه، أنه: "يُعتقد أن مسلحين من حركة النجباء يقفون وراء هذه الهجمات، للحيلولة دون تغطية الاحتجاجات".

وحركة "النجباء" هي فصيل مسلح أسسته إيران في عام 2011 للقتال إلى جانب رئيس النظام السوري بشار الأسد ضد المعارضة، يتزعمه أكرم الكعبي، وتعد أحد فصائل "الحشد الشعبي".

وأضاف المصدر الأمني ذاته: أن تهديدات أخرى عبر الهاتف تلقاها العاملون في قناة "الحرة عراق" وراديو "سوا"، الممولين من الولايات المتحدة، إضافة إلى مكتب "التلفزيون العربي" (مقره لندن).

وأدت هذه الحملة ضد وسائل الإعلام إلى هجرة العديد من الإعلاميين ومكاتب القنوات الفضائية إلى إقليم كردستان العراق، خشية أن تطالهم تلك الحملة التي على ما يبدو أن السلطات الحكومية مستمرة فيها حتى يوم 25 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.

إدانات ومطالبات

على إثر ذلك أدانت منظمات صحفية، ومسؤولون وسياسيون عراقيون استهداف المؤسسات الإعلامية وحملة الاعتقالات والمطاردات للصحفيين، وتهديد مكاتب وسائل الإعلام في بغداد.

وانتقدت "مراسلون بلا حدود" القيود التي تفرضها قوات الأمن على الصحفيين باعتبارها "تقييدا غير متناسب وغير مبرر للحق في الإعلام".

وقالت رئيسة مكتب الشرق الأوسط للمنظمة صابرينا بنوي: إن على عاتق القوات الأمنية والسلطات المحلية واجب ضمان سلامة الصحافيين حتى يتمكنوا من إنجاز تقاريرهم بدلا من حظر جميع أنشطتهم.

يحتل العراق المرتبة 156 من بين 180 دولة على لائحة "مراسلون بلا حدود" لمؤشر حرية الصحافة في العالم للعام 2019.

من جهته، اعتبر رئيس مرصد الحريات الصحافية زياد العجيلي أن هذه هي المرة الأولى التي "نشهد فيها محاولات مماثلة لترهيب" وسائل الإعلام.

وقال العجيلي إن: "هذه العمليات منظمة لإسكات الإعلام، وقائمة على تخطيط مسبق، وهو العمل الأساسي لقمع المتظاهرين. وبالطبع منع الإنترنت هو جزء من ذلك". وحذر من أن هناك "تخوفا من اعتداءات أخرى".

وكان الرئيس العراقي برهم صالح، قد أعلن أن: "ما تعرضت له بعض القنوات ووسائل الإعلام من ترهيب، غير مقبول دستورا أو قانونا وهو يمثل ضربة لقيم العراق الدستورية".  

أما زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر فقال في تغريدة على "تويتر" إنه: "لا يجب أن تكمم أصوات الإعلام الحر، وأن أي اعتداء عليه من الدولة، هو قمع لحرية الصوت المعتدل، فحاسبوا المعتدين".

أضافت زخما

وعلى ضوء كل هذه التطورات، يبقى التساؤل الأبرز: إلى أي حد ممكن أن تؤثر كل هذه الانتهاكات وحالات القمع ضد الناشطين والإعلاميين في زخم المظاهرات المزمع انطلاقها في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري؟

وإجابة على ذلك، يقول المحلل السياسي علاء الخطيب في لقاء تلفزيوني: إن حالة القمع أعطت زخما قويا للمظاهرات، "وأعتقد أن المظاهرات المقبلة ستكون أكثر قوة وتنظيما من السابق، لأنه عادة هذا القمع والدماء التي سالت لن تذهب سدى".

الخطيب أكد أن الشارع بات معبئا للخروج في مظاهرات "25 أكتوبر" لأن هناك دم سقط في الاحتجاجات السابقة، وأن الدم لا ينسى بهذه السهولة، ولا يمكن للتعيينات التي أطلقتها الحكومة مؤخرا أن تؤثر في شيء.

وأفادت تقارير المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، بأن عدد المعتقلين جراء المظاهرات الأخيرة وما أعقبها، وصلت إلى 1205، أغلبهم أطلق سراحه، وبقي منهم 10 أشخاص الذين ألقي القبض عليهم بالجرم المشهود، أثناء محاولتهم قتل القوات الأمنية وإلقاء قنابل المولوتوف.

لكن هذه الرواية تفندها تصريحات لجنة حقوق الإنسان البرلمانية على لسان النائبة الجميلي، التي أكدت أنه بـ"الفترة الأخيرة جاءت اتصالات للمفوضية بوجوب أن تكون تقاريركم قريبة من تقارير الحكومة، وهذا توجه خطير جدا، حسب ما ورد على لسان أحد أعضاء المفوضية".