Tuesday 19 March, 2024

صحيفة الاستقلال

حان الوقت ليفرض الجزائريون أجندتهم السياسية

منذ 2019/03/01 17:03:00 | ادريس ربوح | آراء
حجم الخط

في جولة جديدة من استكمال الاستقلال الوطني الحقيقي خرج الشعب الجزائري يوم الجمعة 22 فبراير/ شباط 2019 مدشناً حراكاً شعبياً؛ ليستعيد سيادته على أرضه وثروته ومؤسساته، ولتحقيق ديمقراطية حقيقية وغير منقوصة أو مشبوهة. هذا الاستقلال الذي تم التآمر عليه بعد خروج المستعمر الأجنبي في يوليو/ تموز 1962 من طرف فئة قليلة من أبناء جلدته اختاروا العنف والانقلاب وسيلة للوصول للسلطة والبقاء فيه.

هذا الحراك الشعبي، جاء ليكسر فكرة الجزائري غير المبالي بالقضايا السياسية لوطنه، الذي لا يخرج للشارع أو يحتج إلا لأجل قضايا اقتصادية واجتماعية. ليضع حداً للمساومة والابتزاز الذي مارسته الحكومات المتعاقبة تحت شعار "السلم الاجتماعي ليس له ثمن"، وذلك في مفهومه السلبي وبرشوة الفئات الشعبية المختلفة عند كل احتجاج أو مطالب فئوية.

لتتفاجأ هذه الحكومة المعطوبة الشرعية والنظام الذي يحركها بمطالب تكسر قواعد اللعبة التي فرضتها على الشعب الجزائري عن طريق الترهيب والترغيب.

لتبدأ وضع قواعد جديدة مبنية على انتزاع الحقوق السياسية أولاً، وعدم السماح بتقرير مصير الأمة بعيداً عن الإدارة الشعبية العريضة، ليكون مطلب التراجع عن الترشح لعهدة رئاسية خامسة لرئيس مريض مقعد لم يخاطب شعبه طيلة سبعة سنوات كاملة من عمر حكمه الذي وصل عشرين سنة.

 

إن بداية حراك شعبي ذي مطالب سياسية خالصة هو استئناف انتفاضة أكتوبر 1988 الشعبية، ولكن بزخم وطني أكبر وشامل في الزمان والمكان، حيث عمت المظاهرات السلمية كل أرجاء الوطن ومدنه، متجاوزة كل تصنيف يقلل من وطنيته ونبل من خرجوا فداءاً لوطن يستحق أكثر.

كما كان أكتوبر بداية مفرحة للشعب الجزائري للدخول في عهد الحريات الفردية والجماعية، وصدور دستور 23 فبراير 1989، المكرّس للتعددية السياسية، كان من الضروري، بعد ثلاثين سنة من الديمقراطية المنقوصة أن يخرج الشعب الجزائري في 22 فبراير 2019؛ ليعيد لروح أكتوبر وهجها، وللدستور علوه وسموه القانوني وواجب احترامه من طرف الجميع، وخاصة من طرف نظام بوتفليقة الذي عمل طوال سنوات حكمه على إفراغه من محتواه؛ وذلك بكثرة التعديلات وخاصة فتح العهدات الانتخابية للرئيس.

لقد كانت انتكاسة المسار الديمقراطي في 1991 ودخول البلاد في أزمة أمنية، كانت فرصة للنظام للانقضاض النهائي على مكتسبات انتفاضة أكتوبر 1988 الديمقراطية؛ ليستأنف النظام القمع السياسي ضد الجماهير خاصة وأنه يملك في سجله عدة بطولات، يشهد له بها العالم من ناحية الجودة والاتفاق؛ لتزداد هذه الانتكاسة بخبث وخداع كبيرين مورس في فترة حكم عبد العزيز بوتفليقة.

واستُدرجت الكثير من القوى السياسية المعارضة إلى فخ السلطة، وتم تدجينها لتدخل هذه القوى في لعبة التنازلات والتوافقات على حساب المبادئ التي أنشئت من أجلها أحزابها ومنظماتها؛ مما أوصل الساحة إلى حالة من التصحر السياسي، كما شهدت الأحزاب الموالية تحولا دراماتيكيا من أحزاب لها دور في صناعة القرار إلى أحزاب مصفقة ترضى بالفتات الذي يرمى لها.

لهذا اختار الحراك الشعبي النأي بنفسه عن كل لون سياسي أو إيديولوجي، رغم أن مطلبه الوحيد والواضح هو مطلب سياسي متمثلا في التراجع عن العهدة الخامسة لمترشح مريض ومقعد وغائب عن المشهد تماماً.

وباءت كل محاولات التحزيب والأدلجة بالفشل على مستوى الخطاب والواقع؛ لتزيد حالة الجبن وعدم القدرة على الانخراط العلني والمسؤول لما يسمى بالمعارضة، المتهمة أصلا بإبرام الصفقات المشبوهة مع نظام بوتفليقة وحاشيته على حساب الإدارة الشعبية.

وصاحب ذلك، مناورة تلو الأخرى والدخول في توافقات، للحصول على جزء من كعكة الريع البترولي على حساب المطالب السياسية الحقيقية في الذهاب إلى نظام ديمقراطي حقيقي يكون للشعب، ولوحده، السيادة وسلطة القرار.

لقد كشف الحراك الشعبي زيف كثير من المثقفين المأجورين كما كشف تواطؤ وسائل الإعلام التي استثمرت كثيراً في القضايا الهامشية للمواطن على حساب قضاياه الرئيسية؛ ليأتي الحراك ليعريها بصفة نهائية، ولتفشل في امتحان "المهنية" ليكتشف أن صحافة "الضمير" غائبة لتحل مكانها صحافة "الكاشير" (النقانق).

أمام طغيان النظام واحتقار بوتفليقة وزمرته للشعب، وخيانة أشباه المعارضين وتواطؤ المثقفين، اختار الشعب طريقة ليفرض على الجميع أجندته السياسية، بدءاً بتوقيف العهدة الخامسة، وانتهاءاً ببناء دولة ديمقراطية حقيقية؛ كما أرادها شهداء استقلال الجزائر.


تحميل

كلمات مفتاحية :

احتجاجات الجزائر الجزائر بوتفليقة حراك 1 مارس