تسونامي كتالونيا.. هل يفجر استقرار القارة الأوروبية العجوز؟

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عادت ردود الأفعال الغاضبة والاحتجاجات العنيفة، مرة أخرى لإقليم كتالونيا الذي يسعى للانفصال عن إسبانيا، ورغم أن الاحتجاجات هذه المرة لم تكن بعد استفتاء للانفصال كما جرى عام 2017، إلا أنها انتهت بنفس السيناريو الذي سبق وأن وضع إسبانيا وأوروبا في مأزق سياسي خطير.

المظاهرات هذه المرة بدأت اعتراضا على الأحكام التي أصدرها القضاء الإسباني بحق القادة السياسيين الذين قادوا دعوات الانفصال بعد استفتاء 2017 الشهير، ثم ما لبثت أن تحولت إلى دعوات مطالبة بتحقيق الانفصال عن إسبانيا، لتعود الأزمة التي عرفتها أوروبا قبل عامين للمشهد من جديد.

الشرارة الأخيرة

هل يمكن أن تتطور الأحداث هذه المرة، لتتجاوز فشل عام 2017، وتشهد أوروبا أول حالة انفصال، داخل دولة كبرى ومؤثرة بالقارة العجوز؟، وهل يمكن أن يمتد التسونامي الكتالوني، لأقاليم أوروبية أخرى، لم تيأس من تحقيق حلم الانفصال، والعمل كدولة مستقلة ذات سيادة مثل أسكتلندا، التي تقف على النقيض من موقف بريطانيا الداعم للخروج من الاتحاد الأوروبي، أم أن الغرب سيتكتل مرة أخرى ويجهض حلم الكتالونيين الذي استمر لأكثر من قرن متصل من الزمان؟

لم يكن يخطر في بال الساسة الإسبان أن مدينة برشلونة الهادئة والجميلة، يمكن أن تشهد هذه الموجة المتسارعة من الأحداث العنيفة في أقل من أسبوع، بالتزامن مع الأحكام التي أصدرها القضاء الإسباني في حق 9 من قادة المظاهرات التي صاحبت استفتاء عام 2017 الداعي لاستقلال الاقليم، وصدرت ضدهم أحكاما بالسجن تترواح بين تسع و13 سنة.

وقد تنوعت الاحتجاجات بين التظاهرات، ثم الإضراب العام الذي شل الحركة في المدينة السياحية الهامة، ما أدى لإلغاء 55 رحلة سياحية من مطار برشلونة خلال 48 ساعة فقط، بالإضافة لنقل مباراة القمة المنتظرة بين برشلونة وريال مدريد، لمكان آخر بعيدا عن المدينة التي لم تنم منذ أكثر من أسبوع نتيجة الاحتجاجات.

وتوضح التقارير الصحفية أن آثار الإضراب بدت واضحة في برشلونة، سواء في حركة السير العادية بالشوارع أو في وسائل المواصلات العامة والخاصة، كما أعلنت الحكومة الإسبانية قطع الطريق الحدودي بين إسبانيا وفرنسا في الاتجاهين، عن طريق المحتجين الذين أغلقوا الطريق السريع "إي بي 7" بالقرب من جيرونا، وطريق "ناسيونال 2" بالقرب من الحدود الفرنسية الإسبانية.

بينما نقلت تقارير أخرى عن مسؤولين بالحكومة الإسبانية، بأن الإضراب، لم يحقق النجاح المرجو لحركة الانفصال، حيث قالت السلطات: إن أقل من نصف موظفي الحكومة قد استجابوا للدعوة لعدم العمل، بينما رفضت بعض النقابات العمالية الرئيسة الانضمام إلى الإضراب لأنه كان مدفوعا بأيديولوجية سياسية وليست شكاوى اقتصادية مبررة تتعلق بظروف العمل.

تسونامي ديمقراطي

ورصدت إذاعة BBC البريطانية، تطور حركة المظاهرات التي اجتاحت المدن الكتالونية الداعية للانفصال، والتي تحولت من التظاهر السلمي المطالب بالاستقلال، إلى اشتباكات عنيفة مع الشرطة التابعة للحكومة المركزية، وإشعال الحرائق وقطع الطرق، وتنفيذ الإضراب العام.

وقالت الإذاعة البريطانية: إن المحتجين يستخدمون تطبيقا هاتفيا باسم "تسونامي الديمقراطية" Tsunami Democratic، يساعد في توجيههم إلى أماكن التجمع للاحتجاج في مدن الإقليم، دون الحاجة لاستخدام وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي لمفاجأة قوات الشرطة، وهو ما كان سببا في تنوع المظاهرات وتجاوزها الأماكن العادية لتشمل مدن وطرق وقرى بطول الإقليم.

ووفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية: فإن السلطات الإسبانية تشتبه فى وجود جماعة سرية جديدة تسمى "تسونامي الديمقراطية" تستخدم رسائل مشفرة للتخطيط لمزيد من الهجمات فى كتالونيا، بما فيها إشعال النيران بالسيارات وإحراق الحواجز فى الشوارع.

وتشير الصحفية إلى أن: هذه الجماعة ظهرت بالفعل في الثاني من سبتمبر/ أيلول الماضي، وفى غضون ستة أسابيع فقط أصبح لديها 340 ألف متابع على قناتها الرئيسية على "تليجرام".

وبالعودة لتقرير آخر لـ BBC، فإن الاحتجاجات الأخيرة، تأتي بالتزامن مع مرور قرن من الزمان على أول مطالب لسكان الإقليم بالانفصال عن إسبانيا، نتيجة القمع والاضطهاد الذي يجري ضدهم على يد الأغلبية الإسبانية، حيث تمكنت كتالونيا في بداية القرن العشرين من تحقيق وحدتها الإدارية والوصول لدرجة معينة من الحكم الذاتي.

كما سعى رئيس الحكومة المحلية أريك برات دي لا ريبا إلى إقامة هيكل إداري للتنسيق بين المقاطعات الأربع التي يتشكل منها الإقليم وتمكن بالفعل من تحقيق ذلك عام 1914، لكن الحاكم الإسباني المستبد بريمو دي ريفيرا ألغى هذه الإدارة عام 1925 وتعرض القوميون الجمهوريون واللغة الكتلانية والحركة العمالية (الفوضويون والشيوعيون تحديدا) لقمع واسع خلال عهد ريفيرا.

وفي عام 1934 جرت انتخابات محلية وحقق الحزب الجمهوري اليساري الكتلاني والمعروف باسم (ESQUERRA REPUBLICANA DE CATALUNYA) فوزا كبيرا وأعلن زعيم الحزب فرانسيسك ماسيا عن إقامة جمهورية كتالونيا، لكن الجمهورية لم تعمر طويلا فقد وافق بعد ثلاثة أيام على الانضمام إلى الجمهورية الإسبانية الحديثة، مع احتفاظها بنوع من الحكم الذاتي.

استفتاء جديد

ونتيجة لتطور الأحداث ليلة الجمعة 18 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، فقد دعا رئيس إقليم كتالونيا "كيم تورا" الحكومة المركزية الإسبانية للدخول في محادثات غير مشروطة، بعد الاحتجاجات العنيفة التي شهدها الإقليم.

ووفق تورا الذي يؤيد انفصال الإقليم، فإن الأحداث الأخيرة لا تعكس الطبيعة السلمية لحركة استقلال كتالونيا، مؤكدا في تصريحات للصحفيين: أن العنف لم ولن يكون سبيل الحركة الداعية للانفصال، سواء في برشلونة أو تاراغونا أو ييدا وجيرونا، وهي المدن التي شملتها الاضطرابات في الأحداث الأخيرة.

وتعهد تورا، بإجراء استفتاء ثان، يقرر فيه الناخبون إذا كانوا يفضلون البقاء مع إسبانيا أو الانفصال عنها، وقال: إنه في حال التصويت بالانفصال فإنه سوف يصيغ دستورا جديدا من أجل "جمهورية كتالونية"، وهو ما دعا إليه أيضا الزعيم الانفصالي المقيم في بلجكيا كارلس بوغديمون، والذي دعا لمواصلة التعبئة في "تسونامي الديمقراطية".

وحسب تقييم صحيفة "نيويورك تايمز" فإن الاضطرابات الأخيرة فى كتالونيا تزيد التوترات السياسية بمدريد، وتلقي بظلالها على الحملة التي تسبق إعادة الانتخابات العامة المقررة فى 11 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، حيث يتفوق رئيس الحكومة بيدرو سانشيز وحزبه الاشتراكي في استطلاعات الرأي، إلا أن الاضطرابات الأخيرة يمكن أن تساعد الناخبين الذين لم يحسموا قرارهم بعد.

ويواجه سانشير ضغوطا متزايدة من المعارضة وأحزاب يمين الوسط لاستخدام سلطاته بموجب الطوارئ لاستعادة النظام فى كتالونيا، بل وإمكانية فرض فترة أخرى من الحكم المباشر من مدريد على كتالونيا كتلك التى حدثت فى أواخر 2017.

أين أوروبا؟

تشير التحليلات التي تعاطت مع الأحداث الأخيرة في كتالونيا، أن موقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وحلف الناتو، لن يختلف عن موقفهم من نفس الاحتجاجات التي شهدها الإقليم عام 2017، حيث تعتبر أوروبا أن الانفصال خط أحمر لن يتم تجاوزه، حتى لا يمتد لأقاليم أوروبية أخرى تطالب أيضا بالانفصال.

وبالعودة لمواقف الدول الأوروبية الكبرى في أحداث 2017، فإن كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، أعلنت منذ اللحظات الأولى لأحداث 2017، رفضها لنتيجة الانفصال، ودعمها الكامل للحكومة الإسبانية في مواجهة الحركة الإنفصالية.

ويرجع الموقف الأوروبي الداعم للحكومة الإسبانية لوجود أقاليم مشابهة للحالة الكتالونية، كانت تنتظر نجاح التجربة، لإمكانية تكرارها في بلادهم، من أبرزها إقليم الباسك، في إسبانيا نفسها، والذي يسعي لتكرار التجربة الكتالونية، رغم توقيع اتفاق السلام بين الحكومة وحركة "إيتا" المعارضة عام 2010.

ويسعى الإقليم منذ 40 عاما للانفصال عن الدولة الأمم، وقد خاض في سبيل ذلك نزاعا مسلحا قادته حركة "إيتا"، قبل أن تنخرط في العمل السياسي وتترك العمل المسلح.

ويتشابه إقليم الباسك مع كتالونيا، في العادات والتقاليد الخاصة بأهل الإقليم، بجانب اللغة الباسكية التي حاولت الحكومة الإسبانية دحضها على مر عقود، وعلى الرغم من ذلك فإن الإقليم الباسكي لا يتمتع بالقوة الاقتصادية التي يتمتع بها الإقليم الكتالوني، والتي قد تؤهله أن يكون دولة منفصلة عن المملكة الإسبانية.

مدن أوروبية أخرى

ينضم لقطار الداعين للانفصال إقليمي فينتو ولومباردي بإيطاليا، وهو ما يمثل خسارة اقتصادية كبيرة للاقتصاد الإيطالي؛ حيث يمثل الإقليمان أكثر المناطق مساهمة في الاقتصاد الإيطالي، خصوصا أن إقليم فينيتو تقع بداخله مدينة البندقية أو فينيسيا التي يفد إليها آلاف السياح يوميا.

وتتزعم حركة «ليجا نورد» دعوات الانفصال عن إيطاليا، انطلاقا من أن الإقليمين يساهمان بثلث الأموال التي تشكل ثروة الاقتصاد الإيطالي، وهو ما يدفعهم للمطالبة بدولة مستقلة، أو على أقل تقدير أن يتمتع الإقليم بالاستقلال الذاتي ويكون من حقه تشكيل حكومة مستقلة.

ولا يختلف الوضع في إقليم بافاريا الألماني، عن غيره من الأقاليم الداعية للانفصال، حيث كشفت عريضة إلكترونية عام 2017 أن واحدا من بين كل ثلاثة أشخاص يقطنون في بافاريا يفضل الانفصال عن ألمانيا، وتأسيس دولة يكون من حقها الانضمام للاتحاد الأوروبي، ويقود حزب "البديل من أجل ألمانيا" دعوات الانفصال.

ويمثل الإقليم الفلامنكي أزمة بالنسبة لبلجيكا التي تتكون من ثلاثة أقاليم لهم ثقافات ولغات مختلفة، وتعد فلاندرز أو الإقليم الفلامنكي الذي يقع في شمال بلجيكا ويتحدث أهله اللغة الهولندية، من أكثر الأقاليم الثلاثة المطالبة بالانفصال عن الدولة الأم.

ورغم أن حزب التحالف الفلامنكي الجديد الداعي للانفصال، يستحوذ على الأغلبية في البرلمان البلجيكي، إلا أنه لم يتخذ أية خطوة في هذا الاتجاه انتظارا لما تسفر عنه التجارب الأخرى في دول الاتحاد الأوروبي.

ولا يختلف الوضع في أسكتلندا عن كتالونيا، خاصة بعد إجراءات بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو ما ترفضه أسكتلندا التي تطالب بإجراء استفتاء جديد للانفصال عن المملكة المتحدة، خاصة وأن الاستفتاء الذي جرى في 2014، وجاءت نتيجته لصالح الاستمرار في المملكة المتحدة بنسبة 55% ارتبط بالوجود داخل الاتحاد الأوروبي، وهو ما يختلف عن الوضع الحالي الذي يشهد العديد من الإجراءات لخروج بريطانيا من الاتحاد.