حرب ناعمة.. السعودية والإمارات في مواجهة سلطنة عمان

منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

كان لابد للخلافات أن تطفو على السطح، بعد أن ظلّت حبيسة أروقة الدبلوماسية الخليجية لسنوات. فقد كشفت تصريحات عمانية مؤخراً عن صراع خفيّ وحربٍ ناعمة تدور رحاها بين الدول الخليجية والسلطنة؛ لتحسم التكهنات بشأن طبيعة التحركات السعودية والإماراتية في المجال الحيوي لعمان.

"الإمارات لها تطلعات وطموح في المنطقة، وهذه التطلعات يجب أن تكون محكومة"، هذا ما قاله وزير الخارجية العماني، يوسف بن علوي، في مقابلة له مع قناة "روسيا اليوم"، في فبراير/شباط المنقضي، في سابقة للدبلوماسية العمانية؛ ليكشف بذلك وبشكل رسمي، عن وجود خلافات بين عمان والإمارات حول الطموح الخليجي في المنطقة.

كانت العبارة صارمة، وإن كان وزير الخارجية قد قالها بلغة ناعمة، كما هي طبيعة الصراع الناعم الذي تعيشه دول مجلس التعاون الخليجي، لتنبئ عن تحول في طريقة تعاطي عمان مع التحركات الإماراتية السعودية، في المنطقة عموماً، وفي اليمن بشكل خاص.

وفي الوقت الذي يجري فيه الحديث عن الاتفاق على التنسيق وتوزيع الأدوار الخليجية في القضايا بالمنطقة، صرح وزير الخارجية العماني في مقابلته عن خلافات بين عمان والإمارات بشأن الحرب في اليمن، في تطور لافت يكشف أن صراعاً خفياً عاشته المنطقة بدأ يظهر للعلن.

تهديد للأمن القومي

تعتبر سلطنة عمان السيطرة الإماراتية على جزيرة سقطرى، التي تتوسط مضيقي "هرمز" و"باب المندب"، وتقع في محاذاة السواحل العمانية، تهديداً لمجالها الحيوي وأمنها القومي، وتتحدث صحيفة "واشنطن بوست" عن مخاوف عمان من التحركات الإماراتية في جنوب اليمن لا سيما بعد سيطرتها على جزيرة سقطرى، بالإضافة لسيطرتها على جزيرة "ميون" الواقعة في قلب مضيق باب المندب، وتحويلها لمستعمرة إماراتية، وسيطرتها على منطقة "ذو باب" المطلة على مضيق باب المندب والمناطق المشرفة على الممر الدولي.

إلى جانب التحركات الإماراتية، تحكم السعودية سيطرتها على محافظة المهرة، وتتخذ من المطار والموانئ البحرية والبرية ثكنات عسكرية تتموضع فيها، وتتحكم بالمشهد السياسي والعسكري في المحافظة، وتدعم الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، الذي كان قد أَعلن في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2017 عن تأسيس وإنشاء مجلس انتقالي في المهرة.

وأصدر حينها محافظ المهرة لشؤون الشباب، بدر كلشات، تصريحاً حذر فيه من تحركات المجلس الانتقالي في المهرة، ومساعيه في تكوين قوات أحزمة أمنية ونخبة مهرية، تعمل خارج مؤسسة الشرعية، على غرار الكيانات والتشكيلات المسلحة التي أنشأتها الإمارات في عدن والمكلا وشبوة.

وفي مقابلة حديثة له، في 20 فبراير/ شباط 2019، لصحيفة "الخليج أون لاين"، قال الأكاديمي والسياسي العماني عبدالله الغيلاني، إن محافظة المهرة تمثّل أحد مفاصل الأمن القومي العُماني، ومن ثم فإن الدفاع عن هذا الثغر ينبغي أن يحتل موقعاً استثنائياً في الرؤية القائدة لإدارة المصالح العمانية العليا".

وأضاف الغيلاني أن الإمارات تحاول السيطرة على المهرة عبر مليشيات محلية تقوم بدعمها، تحت مسمى "النخبة المهرية"، على غرار الأجهزة الأمنية (غير الحكومية) التي أنشأتها جنوب اليمن، موضحاً أنه "لا مناص من منازلة النفوذ الإماراتي في محافظة المهرة، فإن المهرة ستتحول إلى مصدر استنزاف للأمن القومي العُماني"، حسب قوله.

خروج عن الإجماع

في سياستها الخارجية تنتهج سلطنة عمان نهجاً مختلفاً عن سياسات دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تبنت عمان مواقف جوهرية خالفت فيها ما يمكن أن يسمى "شبه إجماع خليجي" في عدد من القضايا الجوهرية في المنطقة، كان من أهمها العلاقات الإيرانية السعودية. ففي حين تشهد السعودية وإيران توتراً و صراعاً وسباقا على النفوذ، تحظى مسقط بعلاقة متميزة مع طهران.  

وعندما أعلنت كل من السعودية والإمارات والبحرين في يونيو/ حزيران 2017 قطعها للعلاقات مع قطر وفرض الحصار عليها بدعوى أنها "تدعم الإرهاب"، حافظت عمان على علاقتها بالدوحة، ولم تتخذ موقفا معلناً تجاه الأزمة القطرية، أو بالأصح ساعدت الدوحة على مواجهة الحصار، وحققت فوائد اقتصادية عديدة من تلك الأزمة، بحسب مجلة "ايكونومست" البريطانية.

لم تشارك مسقط أيضا في العملية العسكرية "عاصفة الحزم"، التي شنتها دول التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات وعضوية دول مجلس التعاون،  وكان وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي، قد صرح في جلسة سابقة في الأمم المتحدة، أن بلاده لم تكن جزءاً من "عاصفة الحزم"، وبالتالي فإنها تتقدم باقتراح مبادرة سياسية للحل في اليمن.

خريطة تحالفات جديدة

وفقا لمجلة "ايكونومست"، تعمل مسقط على تشكيل خريطة تحالفات جديدة، بعيدة عن القوى المهيمنة على مجلس التعاون الخليجي، وتضيف المجلة أن سلطنة عمان تعمل منذ سنوات عديدة، على الحيلولة دون سيطرة السعودية على قرارات مجلس التعاون.

ودللت المجلة على ذلك بتعطيل السلطان قابوس، خططا عديدة للرياض لفرض الهيمنة على دول الخليج، من بينها محاولاتها لتأسيس عملة موحدة، كما أن مسقط تخشى تعاظم الطموح السعودي ومحاولته التحكم والسيطرة بقرارها السيادي، كما هو الحال في تلك المحاولات التي نشبت على إثرها الأزمة القطرية.

وكانت السلطنة قد واجهت ضغوطاً هائلة، بحسب "واشنطن بوست"، لجعل قراراتها تنسجم مع قرارات السعودية والإمارات إلا أنها لم ترضخ لتلك الضغوط، وعدّت ذلك محاولة للتحكم بقرارها السيادي.

ميناء الدقم

تقوم عمان بإنشاء وبناء ميناء الدقم، وهو مشروع تجاري واقتصادي يعد الأكبر في الشرق الأوسط، بحسب مدير المشروع، ومن خلال الميزات التي يملكها الميناء، أهمها عدم احتياج السفن لعبور مضيق هرمز.

وتخشى الإمارات، بحسب صحيفة "لوبلوغ" الأمريكية، من أن يكون منافساً لميناء جبل علي، ويسحب البساط من تحت أقدامها، خصوصا في ظل قلق دولي من إقدام إيران مستقبلا على السيطرة الكلية على مضيق هرمز وإغلاقه أو التحكم بالحركة الملاحية فيه.

ويفسر العمانيون، بحسب "واشنطن بوست"، المساعي الإماراتية في السيطرة على جنوب اليمن بالسعي لإضعاف الاستثمارات التي تمولها الصين في ميناء الدقم، وتطويق السلطنة استراتيجيا بشكل عام، كما هو الحال مع ميناء عدن اليمني.

اتهامات بتهريب الأسلحة

أحد مبررات سيطرة السعودية على محافظة المهرة هو الحد من تهريب الأسلحة، حيث تتهم المملكة عمان بتسهيل مرور أسلحة للحوثيين عبر ميناء نشطون البحري ومينائي شحن وصرفيت البريين اللذين يربطان اليمن بعمان.

وكانت صحيفة "اليوم السعودية" الرسمية، قد نشرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، تقريراً بعنوان "الأبواق الإعلامية لـ"إيران" و"قطر" تثير الفتنة في المهرة"، اعتبرت فيه أن "محافظة المهرة محطة رئيسية لتهريب الأسلحة والمخدرات القادمة من إيران وعمان للحوثيين".

وفي هذا الصدد رفع الفريق المراقب التابع للأمم المتحدة تقريراً، أفاد من خلاله، أن صواريخ إيرانية يتم تهريبها إلى اليمن، على الأرجح، عبر الممرات البرية من سلطنة عمان أو الغيضة أو ميناء نشطون في محافظة المهرة اليمنية.

وبالإضافة إلى ذلك أصدرت وكالة "رويترز" تقريراً قالت فيه إن مسؤولين أمريكيين صرحوا للوكالة بأن جانباً كبيراً من عمليات التهريب تم عن طريق سلطنة عمان المتاخمة لليمن، وأضافت أن مسؤولين يمنيين في المنطقة أفادوا أن العمانيين ليس لهم دور نشط في عمليات نقل السلاح، لكنهم يغضون الطرف عنها، ولا يبذلون جهدا كبيرا لوقفها.

الأمر الذي دفع مسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة الأمريكية، بحسب رويترز، إلى إبلاغ عمان بما لديها من مخاوف حول تهريب السلاح الإيراني للحوثيين عن طريق عمان؛ ما دفع وزارة الخارجية العمانية لإصدار بيان نفت فيه تلك المزاعم التي تحدثت عن تهريب أسلحة عبر الأراضي العمانية، وأكدت أن ذلك الخبر ليس له أساس من الصحة .

دعم عماني لقبائل المهرة

بعد احتدام النزاع في محافظة المهرة، بين الكيانات المسلحة التابعة للسعودية والإمارات، والتشكيلات القبلية من أبناء المحافظة، كان يمكن للمهرة أن تسقط بشكل كلي بيد الإمارات، كما هو الحال في بقية المحافظات الجنوبية التي أنشأت فيها الإمارات كيانات مسلحة ونخباً عسكرية، إلا أن عمان، وفي سبيل رفض الوجود الإماراتي السعودي، تقوم بدعم قبائل المهرة ومدها بالمساعدات والمؤن التي تكفل استمرار حراكها المجتمعي الرافض للوجود الإماراتي السعودي.

كما قامت عمان في وقت سابق بمنح الجنسية لعدد من أبناء المهرة، في مسعى منها لمنح مجالها الحيوي وامتدادها الجغرافي استقراراً ينعكس على السلطنة، ويحافظ على التوازن الطائفي والوضع الأمني الذي يشهد محيطا ملتهبا، بحسب صحيفة "المونيتور" الأمريكية.

نوايا وتبريرات

تأتي مبررات السعودية للتدخل في المهرة، في ظل حديث مصادر محلية عن أطماع للرياض في المحافظة، فوكيل المحافظة المقال، علي الحريزي، تحدث أن لديه معلومات مؤكدة تثبت أن لدى السعودية أطماع توسعية وأطماع للنفوذ، وأنها تسعى للحصول على منفذ بحري إلى بحر العرب ومد أنبوب نفطي من منطقة الخرخير في السعودية إلى ميناء نشطون في المهرة.

تفسر تلك النوايا التحركات السعودية والإماراتية والانتشار الأمني الواسع في المحافظة، ويبدو أن الدولتين تسعيان من خلال تلك التحركات لتفادي التهديدات المستقبلية الإيرانية على مضيق هرمز، وتعمدان إلى خلق بدائل وتوسيع خيارات استراتيجية، لتجاوز مضيق هرمز كخيار مستقبلي.

وكانت الخارجية الإماراتية قد أصدرت بيانا في 6 مايو/ أيار 2018 ردت على تصريحات مناهضة لتواجدها العسكري في جزيرة سقطرى، أطلقها رئيس الوزراء اليمني السابق أحمد بن دغر، قالت فيه إن الوجود العسكري الإماراتي في كافة المحافظات اليمنية المحررة، بما فيها سقطرى، يأتي ضمن مساعي التحالف العربي لدعم الشرعية في هذه المرحلة الحرجة في تاريخ اليمن.

ليس الصراع الذي تعيشه الممالك الخليجية حديثاً، بل سبق ثورات الربيع العربي، وليس أدلّ على ذلك من إعلان التلفزيون العماني في يناير/ كانون الثاني 2011 عن تفكيك شبكة تجسس "إماراتية" تابعة لجهاز أمن الدولة بدولة الإمارات العربية المتحدة، تستهدف "نظام الحكم" و"آلية العمل الحكومي والعسكري" في السلطنة.


المصادر