صراعات طاحنة بين الساسة في لبنان.. إلى أين تصل بالبلد؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم الأزمات الاقتصادية والمعيشية المتلاحقة التي يعاني منها لبنان، إلا أن ثمة أزمات سياسية كان صوتها هو الأعلى، لم لا وقد شهدت الساحات الإعلامية على مدار الأسبوعين الماضيين معارك طاحنة بين كبار المسؤولين والسياسيين النافذين في الدولة.

على خط المواجهة وقف رئيس الجمهورية أمام رئيس الحكومة، فيما بدت مكونات الأخيرة كجزر منعزلة، خاضعة لتركيبة سياسية وطائفية قل مثيلها، حتى ظهرت الدولة وكأنها مجرد أطلال لا يفيد البكاء عليها.

وسط هذه المعادلة المتهالكة، ينفرد "حزب الله" بوضع لم يكن فيه طرفا في الصراع فحسب، بل ساعيا للعب دور الوسيط في بعض الأحيان، بينما يعلم الجميع أنه المستفيد الأول والأخير من استمرار هذه الأجواء.

عراك الكبار

"لا مشكلة بيني وبين ​الرئيس ميشال عون​ والإعلام يريد أن يصور أن هناك خلافا بيننا"، بهذه الكلمات أراد رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري وضع حد لمادة رئيسية على موائد وسائل الإعلام المحلية، تتحدث دوما عن خلافات حادة بين الرجلين.

في القصر الحكومي، وبعد إطلاق رؤية لبنان 2030 للتنمية المستدامة، في أكتوبر/تشرين الأول الجاري، نفى الحريري وجود أزمة ثقة بينه وبين عون، وقال: "أعرف علاقتي به جيدا وكم أننا نحترم بعضنا البعض".

وواجه الصحفيون رئيس الحكومة بوصف عون له بـ"الكسول" في تسريب سابق، ورغم عدم نفي الرئاسة لهذا التصريح، رد الحريري: "صدر نفي لهذا الموضوع، كما أني أعرف فخامة الرئيس، وأعرف علاقتي به جيدا وكم أننا نحترم بعضنا البعض. وأنا لا أظن أبدا أن الرئيس يفكر على هذا النحو".

وتابع: "ليست هناك مشكلة بيني وبينه، أنتم تريدون افتعال هذه المشكلة، فأنا ورئيس الجمهورية لسنا مختلفين. إن الإعلام يريد أن يصور أن هناك خلافا بيني وبين رئيس الجمهورية. وقد سرّب عن مجلس الوزراء أني تحدثت عن الصحفيين في موضوع حرية الصحافة، وقيل إن الحريري كان هجوميا".

الحديث المستمر عن الخلافات في المؤتمر الصحفي، دفع الحريري إلى الهجوم على وسائل الإعلام، والمطالبة بفرض غرامات مالية كعقوبات على من "يطلقون أخبارا كاذبة" على حد قوله.

وبحسب تقارير إعلامية، فإن التوتر الأخير بين الرجلين كان مختلفا عن التوترات التي شهدتها العلاقة بينهما سابقا، وأن الكلام الغاضب الذي قاله الرجلان في مجالسهما ولقاءاتهما بحق بعضهما البعض كان مرتفع النبرة.

الحريري لم يقبل تصريحات هجومية ساخرة من عون، كتسريبه الشهير في وصف حكومته بأنها "غائبة عن الوعي"، ما اضطره إلى اتخاذ مواقف مرتفعة السقف نسبيا، نُقلت عبر بعض الوسطاء السياسيين الذين عملوا على معالجة الأزمة.

بدأ الإشكال، وفق التقارير، بلقاء الرجلين كل على حدة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث طلب الحريري منه مساعدته لإقناع عون بوقف العراقيل والخلافات التي تؤدي إلى تعثر المشاريع، وعندما فاتح ماكرون الرئيس بالأمر، لجأ الأخير إلى شن هجوم عنيف على الحريري أمام الرئيس الفرنسي.

الهجوم انعكس على العلاقة بين الطرفين، وتفاقم الأمر في الحملة العنيفة التي شنها نواب "التيار الوطني الحرّ" ضد سعد الحريري ووالده رفيق الحريري، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة إلى إبلاغ عون أنه لم يعد يحتمل هذا النوع من الأساليب، وأن "هذه المرة لن تكون كما غيرها".

وبحسب التقارير أيضا، فإن الحريري اعتزم عدم السكوت على هذه الحملة المثارة ضده ولو اقتضى ذلك الرحيل عن رئاسة الحكومة، وانتشرت أحاديث عن نيته تكرار تجربة والده عام 1998 بالخروج من رئاسة الحكومة والذهاب إلى المعارضة.

هيبة الرئيس

وسائل الإعلام، شهدت جانبا من ردود الحريري أو هجومه المضاد على عون، حيث اعتبره كثيرون تهكميا ساخرا، رغم أنه جاء في سياق نفيه وجود خلافات بينهما.

خلال لقائه سالف الذكر بالصحفيين في السراي (القصر) الحكومي، قال الحريري ضاحكا: "الهجوم على رئيس الجمهورية بالقانون فيه عقوبات، خليهم عقوبات مالية وساعتها اللي بده يطلع يسب وعنده شوية مصاري، حتى خزينة الدولة بتزيد".

وعلى الرغم من منطقية حديث الحريري ومطالبته بفرض عقوبات مالية، إلا أن عدم الجدية التي بدت عليه، وضحكاته التي رآها كثيرون ساخرة تهكمية، أبرزت خلافه مع عون، كما وضعت هيبة منصب رئيس الجمهورية على المحك.

اللافت أن هذا المعنى أكده عون في إحدى جلسات مجلس الوزراء في 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، حين قال، بحضور الحريري: "أنا رئيس الدولة وأمثل كرامة اللبنانيين وهيبة الدولة، ونحن جميعا نمثل السلطة الإجرائية، وأي فشل لنا هو فشل لكل السلطة، ولذلك ممنوع أن نفشل ولن نفشل".

وأضاف عون: "حق التظاهر لا يعني حق الشتيمة، وحرية الإعلام لا تعني حرية إطلاق الشائعات المغرضة والمؤذية للوطن".

لكن الحقيقة أن الخلاف بين الرجلين ليس مرده إلى الأحداث الأخيرة، بل إن أحداث الجبل الدامية التي خلفها الاعتداء على موكب وزير شؤون النازحين صالح الغريب، في يونيو/حزيران الماضي، كانت شاهدة على جزء من هذا الخلاف.

فبينما شدد عون على المقاربة الأمنية واستعجال التوقيفات، دعا الحريري إلى: "ضرورة تبيان الحقيقة" كمقدمة لاتخاذ "الإجراءات المناسبة"، مؤكدا: "ضرورة المعالجة السياسية اللازمة وعدم إقحام الأجهزة العسكرية والأمنية بالخلافات السياسية".

الغريب هو حليف السياسي الدرزي طلال أرسلان المقرب من دمشق والذي يتمتع بدعم حزب الله، ويحمّل أرسلان الحزب التقدمي الاشتراكي وهو حزب الزعيم الدرزي وليد جنبلاط مسؤولية سفك الدماء.

ومع ضلوع أحزاب رئيسية بحكومة الوحدة الوطنية في الأمر، لم يتمكن الحريري، حينها، من عقد مجلس الوزراء ووصلت جهود الوساطة المبذولة للخروج من الأزمة إلى طريق مسدود بشأن المحكمة التي ينبغي أن تنظر في القضية.

عاصفة باسيل

اهتراء الجسد السياسي اللبناني لم يعبر عنه فقط التوتر بين هرمي السلطة فيه، بل امتد ليشمل خلافات أخرى عميقة داخل البيت الواحد، ففي الحكومة يتراشق رئيسها مع وزير الخارجية، على نحو غير مسبوق في أي نظام سياسي.

العاصفة فجرها وزير الخارجية جبران باسيل، السبت الماضي، خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة، حين علق على العملية العسكرية التركية في سوريا، قائلا: "ألم يحن الوقت بعد لعودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية؟ ألم يحن الوقت لعودة الابن المُبعد والمُصالحة العربية ـ العربية؟ أم علينا انتظار الأضواء الخضراء من كل حدب وصوب؟".

بعدها بيوم واحد غرد باسيل عبر حسابه في "تويتر" قائلا: "أنا أريد أن أذهب إلى سوريا لكي يعود الشعب السوري إلى سوريا كما عاد جيشها... ولأني أريد للبنان أن يتنفّس بسيادته وباقتصاده".

على الجهة المقابلة، جاء رد رئيس الحكومة سعد الحريري عبر بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية الاثنين، قائلا: "للتذكير فقط دم الرئيس رفيق الحريري أعاد الجيش السوري إلى سوريا. إذا أراد رئيس التيار الوطني الحر زيارة سوريا لمناقشة إعادة النازحين السوريين فهذا شأنه".

وأضاف: "المهم النتيجة، فلا يجعل النظام السوري من الزيارة سببا لعودته إلى لبنان، لأننا لا نثق بنوايا النظام من عودة النازحين... وإذا تحققت العودة فسنكون أول المرحبين". ورأى أن: "البلد لا تنقصه سجالات جديدة، والهم الأساسي عندي اليوم كيف نوقف الأزمة الاقتصادية. وإذا لم يحصل ذلك، ستنقلب الطاولة وحدها على رؤوس الجميع".

أثارت العاصفة ردود أفعال استنكرت دعوة باسيل ونواياه الحقيقية، لكنها استنكرت في الوقت ذاته وبنفس القدر حديث الحريري عن حرية باسيل في التوجه لسوريا من عدمه، رغم أن الأخير عضو في حكومة يرأسها الأول.

ريشار قيومجيان، وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني، علق قائلا: إن تصريحات باسيل "تعبر عن موقفه الشخصي كرئيس حزب وليس عن موقف الحكومة اللبنانية"، معتبرا أن الأخير "يقدم أوراق اعتماده إلى النظام السوري وحزب الله لضمان استحقاقات رئاسية مستقبلية".

الإعلامي طوني أبي نجم، تساءل مستنكرا: "إلى متى يمارس الرئيس #سعد_الحريري سياسة النعامة؟ كيف يعني إذا أراد وزير الخارجية #جبران_باسيل زيارة سوريا لمناقشة ملف النازحين فهذا شأنه؟ هل هو وزير خارجية لبنان أن خارجية "التيار"؟ هل يناقش باسمه أم باسم الحكومة؟ ملف النازحين هو شأن باسيل أم شأن الحكومة؟ وما هو موقف الحكومة؟".

تلك الأزمة كشفت إلى حد كبيرة طبيعة وعمق الخلافات السياسية بين المسؤولين في لبنان، والتي وصلت إلى درجة يخلي فيها رئيس الحكومة مسؤوليته عن قرار إستراتيجي باسم الدولة عزم وزير الخارجية الذي يعمل تحت إشرافه على اتخاذه.

الفشل في إدارة الحكومة وعدم السيطرة على مكوناتها تعد أهون ما يمكن أن يقوله أحد في تلك الحالة، إلا أن الأخطر هو ما بدت عليه حكومة الحريري من ضعف وتنافر وكأنها جزر منعزلة لا يربط بينها شيء.

الملمح الآخر، هو غياب أي موقف لرئيس الجمهورية، الذي يعبر بالأساس عن موقف الدولة الرسمي تجاه القضايا الخارجية حول الأزمة، الأمر مرده هذه المرة علاقة النسب التي تربطه بوزير الخارجية، وانتماء الاثنين للطائفة المسيحية.

الحديث عن تحكم الطائفية والمذهبية في لبنان ربما يطول كثيرا، إلا أن أزمة باسيل ومن بعدها الحرائق التي اجتاحت البلاد، يكشفان جانبا منها، ماريو عون النائب عن حزب باسيل "التيار الوطني الحرّ"، كان بطل قصة الطائفية في أزمة الحرائق.

النائب تساءل في مقطع مصور: "لماذا تطال الحرائق المناطق المسيحية بالتحديد فقط؟، لتشتعل مواقع التواصل الاجتماعي بالهجوم على النائب، الذي استغل الكارثة في الصراع السياسي والطائفي بالبلاد".