جرائم مروعة يوميا.. كيف تهدد مغامرات حفتر حياة الليبيين؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

جريمة قتل مروعة هزت مدينة طرابلس خلال الأيام القليلة الماضية، تداولها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي عبر مقطع فيديو من العاصمة الليبية، يوثق جريمة ارتكبت في حق شاب وإصابة أخيه بجروح بعد إطلاق النار عليه من قبل مسلحين.

وفي منطقة الهواري بمدينة بنغازي شرقي ليبيا، عثر على امرأة سودانية مقتولة وعلى جثتها آثار تعذيب وإطلاق رصاص في الرأس، حسبما ذكرت وسائل إعلام محلية.

يأتي ذلك عقب أيام فقط من العثور على جثة مواطنة سودانية أخرى تدعى عائشة يونس ملقاة قرب مصنع الأسمنت بمنطقة الهواري، حيث تعرضت للتعذيب بقطع يديها، وأودعت لاحقا في ثلاجة الموتى بمستشفى الجلاء بالمدينة.

على خلفية الانفلات الأمني والانقسام السياسي الذي تشهده ليبيا منذ سنوات حدث تصاعد كبير في معدلات الجريمة، ضاعف منه المعارك التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر والتي كان آخرها الهجوم على العاصمة الليبية طرابلس.

ليبقى التساؤل المطروح حول أولويات حكومة الوفاق المعترف بها دوليا بين صد الهجوم العسكري الذي تنفذه ميليشا حفتر بدعم أجنبي، أو تتفرغ الأجهزة الأمنية لمواجهة الجريمة والقضاء عليها في المناطق الخاضعة لسيطرتها. كما أن حفتر الذي يرفع شعار مكافحة الإرهاب والتمكين للدولة، لم يتمكن من ضبط الأمن في المناطق التي يسيطر عليها.

تقارير صادمة 

وثقت منظمة التضامن لحقوق الإنسان مقتل 424 مواطنا جراء حوادث العنف التي وقعت في المدن المختلفة أغلبهم مدنيون خلال النصف الأول من العام الحالي.

وقالت المنظمة في تقرير لها: إن بنغازي تصدرت قائمة المدن الأكثر عددا من حيث الضحايا، مشيرة إلى أن التقرير هو رصد لجرائم الخطف والقتل، ذات الطابع الجنائي والسياسي من خلال تقارير المؤسسات الرسمية والإعلامية.

كما كشف تقرير المنظمة الحقوقية، أن 90% من إجمالي الضحايا، كانوا ضحايا جرائم وقعت في 13 مدينة، بينما الـ 10 % الباقية توزعت على 19 مدينة وبلدة، أما فيما يخص المختفين قسرا فبلغ عددهم 134 ضحية، لينضموا إلى قائمة المئات من ضحايا الإخفاء القسري المغيبين في السنوات الماضية.

المنظمة أوضحت أن: التقرير هو رصد لجرائم الخطف والقتل، ذات الطابع الجنائي والسياسي من خلال تقارير المؤسسات الرسمية والإعلامية، مشيرة إلى أن التقرير يشمل فقط الحوادث التي تم التأكد منها من خلال المقارنة بين عدة مصادر، ولا تشمل الضحايا في مناطق المواجهات العسكرية.

وأكد التقرير: أن مدينة بنغازي الخاضعة لسيطرة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر تصدرت قائمة الأكثر عددا من حيث الضحايا، بعدد بلغ  60 ضحية، نصفهم كانوا ضحايا جرائم قتل، تليها مدينة سبها 55 ضحية ثلثيهم كانوا ضحايا جرائم الخطف، أما في الترتيب الثالث فجاءت مدينة صبراته 43 ضحية جلها ناتجة عن عمليات اعتقال بعد سيطرة قوات موالية لحفتر على المدينة.

ويذكر أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر أعلن السيطرة على كامل مدينة بنغازي الواقعة شرقي ليبيا ، في يونيو/ تموز عام 2017، بعد 3 سنوات على إطلاق ما سمي بعملية الكرامة  عام 2014 ، مدعومة من دولة الإمارات العربية المتحدة والنظام العسكري في مصر.

خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي، هزت مدينة بنغازي  جريمة قتل مروعة، بعد مقتل امرأة على يد زوجها وشقيقه بحسب مقطع مسجل لطفلتها التي تبلغ من العمر 4 سنوات انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وهي تسرد فيه القصة كاملة.

هذه الجريمة ليست الأولى في بنغازي فمنذ سيطرة ميليشيات حفتر على المدينة تعددت الجرائم، وحسبما ذكرت وسائل إعلام محلية تكرر حالات وجود جثث قتلى في القمامة أو على قارعة الطريق في ظل غياب أي قانون يردع الجناة.

ساعد الانفلات الأمني في بنغازي، مع إفلات المجرمين من العقاب على ارتفاع نسبة الجريمة في المدينة التي يقطنها نحو مليون نسمة، إضافة إلى عوامل اقتصادية ونفسية بسبب الحرب التي استمرت لسنوات وراح ضحيتها الآلاف مع تهجير أكثر من ربع السكان وحرق وتدمير منازلهم.

اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا أعربت عن قلقها البالغ واستنكارها الشديد حيال تصاعد مؤشرات الجرائم الجنائية والجريمة المنظمة في مناطق عديدة من مدينة بنغازي.

وقالت اللجنة في بيان نشرته يوم 13 أكتوبر /تشرين الأول الجاري عبر صفحتها على فيسبوك: "إن أحياء ومناطق بنغازي شهدت ارتفاعا في جرائم السطو المسلح والسرقات والاختطاف والقتل بدوافع إجرامية من قبل الخارجين عن القانون وعصابات الجريمة والجريمة المنظمة التي باتت تهدد بشكل كبير حياة وسلامة وأمن المواطنين والمقيمين الأجانب بالمدينة وممتلكاتهم".

رغم المعارك 

في المقابل يرى رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج أن نشاط الإرهاب وخلاياه ازداد بسبب الاعتداءات الأخيرة في عدة مناطق في ليبيا مستغلا للفراغ الأمني والصراع الدائر، محملا المسؤولية في ذلك لمن وصفه بـالمعتدي بشكل كامل.

في كلمته خلال احتفالية إحياء الذكرى 55 ليوم الشرطة الليبية الذي يصادف يوم 8 أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام، وجه السراج الشكر للقوات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق واصفا إياهم بـ"الشجعان في الجبهات"، معربا عن اعتزازه وتقديره لرجال الأمن والشرطة.

وأشاد رئيس المجلس الرئاسي بـ"الدور الوطني الهام والفعال للشرطة منذ توحيدها في مثل هذا اليوم عام 1964"، وتحدث عن الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد، مشيرا إلى أنه يتطلب إستراتيجية ومخططات استثنائية لكافة مؤسسات الدولة.

وقال السراج: "ما تتعرض له البلاد اليوم يهدد أمن واستقرار الوطن ويضرب وحدته الوطنية واستيعاب وزارة الداخلية لهذه المخاطر فكانت الشرطة وأجهزة الأمن كافة في مستوى المسؤولية في مواجهة تحديات وتداعيات العدوان".

ورغم ما تشهده ليبيا من تفشٍ للجرائم، أشار السراج إلى دور وزارة الداخلية في خفض معدلات الجريمة إضافة إلى مساهمتها الفعالة في مكافحة الإرهاب وضرب بؤره بالتنسيق مع الأجهزة المختصة، مؤكدا على استمرار الترتيبات الأمنية التي بدأتها وزارة الداخلية قبل ما وصفه بالعدوان رغم كل التحديات فأمن المواطن يمثل أولوية قصوى، على حد تعبيره.

وأضاف السراج: "البلاد تمر بفترة تاريخية حاسمة تستدعي التلاحم والتنسيق والعزم والحزم لنحبط معا محاولة إرجاعنا إلى الوراء والتي يمثلها هذا العدوان الغاشم، لقد ثار الشعب الليبي من أجل إنهاء الحكم الشمولي وبناء دولة مدنية ديمقراطية، فلا تراجع عن هذا الهدف، ولا يمكن لأي كان أن يهزم إرادة الشعب".

غياب الدولة 

أخذت أنواع الجرائم في ليبيا نسقا تصاعديا منذ العام 2011، وهي تعتبر ظاهرة جديدة ومسقطة على مجتمع مرتهن لمنظومة ثقافية عربية إسلامية تقدس الحق في الحياة وترفض صناعة الموت مهما كانت الخلفيات والأهداف.

الباحث في علم الاجتماع والخبير في الشأن الليبي بشير الجويني قال: "لا شك أن المساحة الكبيرة التي تحوزها ليبيا وحالة ضعف الأجهزة الأمنية وتشتت قوى ما تبقى منها بين محاربة الإرهاب ودحره والتصدي لتدفق المهاجرين القادمين من كل حدب وصوب ساهم في ضعف الأداء الأمني والمجاهرة بفرض سلطة القانون".

وأضاف الجويني لـ"الاستقلال": "غير أن الانقسام السياسي وتبعاته الإدارية هي الطامة التي قد تقضي على مقومات ما تبقى من الدولة الليبية، وهو أمر تشترك فيه كل الأطراف خاصة المعتدية، والتي رمت عرض الحائط كل المواثيق والمعاهدات والمصالحات الداخلية والخارجية".

الجويني قال: "أعني بهذا الطرف خليفة حفتر، الذي يرفع شعار محاربة الإرهاب، لكنه بوعي أو بغيره حليف موضوعي لهذا الإرهاب عن طريق تدميره للبنى التحتية وإزهاق الأرواح، وتدمير النسيج الاجتماعي الليبي الذي يعتبر من آخر قلاع مقاومة التطرف وتحدي أجهزة الدولة".

الجويني تابع: "مالاحظناه جليا حتى في بنغازي الذي يزعم حفتر السيطرة عليها، لكن الأنباء الواردة تفيد أن الاحتقان قد بلغ أشده وأن الفشل الذي لاحظناه في بنغازي أحد نتائج السياسات الفاشلة وبرهان آخر أن العزف على وتر الفتنة القبلية والمناطقية لن ينتج إلا شرا".