نفوذ وثروات.. ماذا يفعل الدب الروسي داخل القارة السمراء؟

محمد سراج الدين | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

قفزة قوية للأمام تشهدها العلاقات الروسية الإفريقية، والتي كان من نتائجها القمة الأولى المرتقبة بين روسيا ودول القارة في مدينة سوتشي الروسية يومي 23 و24 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.

وحسب تصريحات المسؤولين الروس، فإن القمة تأتي بعد جهود كبيرة بذلتها الحكومة الروسية داخل القارة خلال الأعوام الماضية، على الصعيد التجاري والاقتصادي والعسكري، حيث بات السلاح الروسي هو المفضل لكثير من دول القارة.

ولأهمية القمة أصدر البنك المركزي الروسي 5 آلاف قطعة فضية تذكارية بهذه المناسبة بقيمة إسمية قدرها 3 روبلات. ويتضمن الوجه الأمامي للعملة شعار الدولة الروسية، أما على الوجه الخلفي فشعار القمة الروسية الإفريقية بألوان مختلفة. وينقسم وجه العملة الخلفي لقسمين، في الأعلى رسم حدود روسيا أما في الجزء السفلي فرسم للقارة الإفريقية. 

وهذا الأمر أثار العديد من التساؤلات عن الاهتمام الروسي بالقارة السمراء، ولماذا يسعى الرئيس فلاديمير بوتين، لعقد مثل هذه القمة التي تعد الأولى من نوعها، رغم مشاركته أكثر من مرة في قمم أخرى مع القارة الإفريقية مثل الإيجاد وغيرها؟

التساؤلات لم تقف عند حد التطلعات الروسية في القارة الناهضة، وإنما دارت أيضا حول منافسة الدب الروسي، للتنين الصيني، الذي عقد قبل ثلاثة أشهر قمة مماثلة مع دول القارة الإفريقية في بكين. وأمام هذا التنافس الصيني والروسي الشرس، هل يمكن أن تستفيد القارة السمراء، عملا بالقول الشائع "تنافسهم رحمة"؟

بوتين ورئيس موزمبيق فيليپي نيوسي في الكرملين

استعادة المكانة

تشير العديد من التحليلات الراصدة للعلاقات الروسية الإفريقية، أن القمة الأولى التي تستضيفها "سوتشي"، تترجم رغبة الرئيس الروسي في غزو العالم بهدوء، ومن خلال سياسة المصالح المشتركة، حيث تعد القارة الإفريقية، منجما بِكرا للمعادن الخام، كما أن الدول الإفريقية التي تخطو خطوات جادة نحو التنمية والاستقرار، تمثل سوقا مفتوحة وكبيرة كذلك لكل الدول العظمي، وهو ما دفع بوتين للاتجاه نحو جنوب العالم من أجل تقوية نفوذه واستعادة العرش السوفييتي.

وحسب تحليل موسع للكاتبين الروسيين دنيس فيموسكو، وريستل ثوناند، ترجمته مجلة "دراسات إفريقية"، فإن روسيا تستخدم إستراتيجية جديدة من أجل استعادة مكانتها في القارة الإفريقية، وهو ما كان واضحا في الكلمات التي تحدث بها رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، في اجتماعات البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير، الذي نظمته موسكو قبل ثلاثة أشهر بمشاركة 1500 شخص من 81 دولة حول العالم.

وأعلن ميدفيديف عن طموح بلاده في أن تصبح شريكا اقتصاديا رئيسيا للقارة بالاعتماد على بنك "أفريكزمبنك" الذي أصبحت الحكومة الروسية أحد المساهمين فيه منذ ديسمبر/كانون الأول 2017، ومن خلاله يريد الكرملين رسم خريطة تأثيره التجاري على القارة.

ويرى الكاتبان أن الانسحاب الروسي من إفريقيا كان خطأ فادحا، حيث تمتلك موسكو ودول القارة الإفريقية أكثر من 50% من الموارد الطبيعية الموجودة على سطح الأرض، ولذلك يعتبر الكاتبان أن زيارة بوتين للمغرب عام 2006، كانت حجر الزاوية في وضع الأقدام الروسية مرة أخرى داخل القارة السمراء، ليس من خلال التعاون الأمني سواء العلني أو السري، وإنما من خلال إستراتيجية متكاملة، لجعل روسيا الرقم الأول داخل القارة.

ويشير نفس التحليل إلى أن روسيا تريد أن تعيد تقديم نفسها مرة أخرى لدول القارة الإفريقية من خلال قمة سوتشي المرتقبة، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار القفزة الهائلة التي حققتها الصادرات الروسية لدول القارة، والتي تحولت من 4 مليارات دولار عام 2010، إلى 20 مليار دولار بنهاية 2018، وهو الرقم الذي تريد موسكو أن يتجاوز 50 مليار دولار بحلول عام 2024.

اختراق القارة

وحسب كتاب أعده 3 خبراء روس بعنوان "السياسة الروسية في إفريقيا: انسحاب أم تعاون؟"، فإن الحكومة الروسية تعمل حاليا وبشكل ملموس على تنفيذ عشرات المشاريع في إفريقيا، لا سيما في مجالات الجيولوجيا والتعدين والطاقة، والصناعة والزراعة، ومصايد الأسماك، والاتصالات السلكية واللاسلكية.

ووفق الكتاب فإن المشروعات الروسية في القارة امتدت من شمالها لجنوبها، ومن غربها لشرقها، ومنها:

  • المنطقة الصناعية بقناة السويس في مصر بتكلفة 7 مليارات دولار.
  • بناء خط أنابيب لتصدير النفط الأوغندي، حتي يصل إلى تنزانيا.
  • إنشاء مشروع صناعي ضخم في زيمبابوي، بعد اكتشاف الروس مؤخرا كميات كبيرة من البلاتين.
  • الدعم الذي تقدمه مجموعة Uralchem التي تعد إحدى أكبر الشركات الروسية العاملة في القارة في مجال الزراعة، وتشارك المجموعة بشكل كبير في الجنوب الإفريقي، خاصة في زامبيا وزيمبابوي؛ حيث توريد العديد من المنتجات لهاتين الدولتين، وخاصة الأسمدة، والمشاركة في قطاع التوزيع المحلي.
  • المشاركة في مشروعات زراعية وصناعية في أنجولا ونيجيريا ووسط إفريقيا.
  • تعمل روسيا على إنشاء مركز للتسوق التجاري الدولي بميناء عصب في إريتريا.
  • يتفاوض الروس حاليا مع سيراليون من أجل تنفيذ خطة التصنيع لهذا البلد الواقع في غرب إفريقيا، وشاركت الدولة في اجتماعات الجمعية العامة العادية لـ Afreximbank هناك، بوفد ضخم برئاسة رئيس الوزراء ديفيد فرانسيس.

وتعتمد روسيا في تنفيذ إستراتيجيتها الرأسية في إفريقيا على مركز التصدير (REC) المساهم في أفريكزمبنك منذ ديسمبر 2017، من خلال الشراكة مع البنك الإفريقي الذي ظهر في السنوات الأخيرة باعتباره الذراع المالي للشركات الإفريقية.

تنافس دولي

وحسب دراسات عديدة، فإن التوجه الروسي نحو القارة الإفريقية، كان بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على موسكو، بعد ضم شبه جزيرة القرم والصراع المكتوم مع أوكرانيا، وهو ما دفع روسيا لتقوية علاقاتها مع الدول الإفريقية الذي يصل عددها بالأمم المتحدة لـ 54 دولة تمثل ثلث الأصوات في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وبالتالي فهذه الدول تشكل كتلة تصويتية مفيدة لروسيا، وهو ما كان واضحا عام 2014 عندما امتنعت 58 دولة عن التصويت على القرار الذي يدين ضم شبه جزيرة القرم، وكان من بينها مصر، الجزائر، جنوب إفريقيا، مالي، رواندا، السنغال، والجابون.

ووفق التقرير السنوي لمعهد "ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (SIPRI)" فإن روسيا تعد أكبر موردي الأسلحة إلى إفريقيا بنسبة (35٪)، تليها الصين (17٪)، ثم الولايات المتحدة (9.6٪)، وأخيرا فرنسا (6.9٪)، حيث أبرمت روسيا حوالي 20 اتفاقية تعاون عسكري مع دول القارة خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

ووقعت موسكو في 2017 اتفاقيات تعاون مع غينيا، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وفي عام 2018 كان الدور على مصر، وبوركينا فاسو، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي 2019 دخلت على خط السودان، ومالي، وجمهورية الكونغو.

كما وقعت روسيا مذكرة تفاهم مع الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي (16 دولة)، بما يسمح بوجود المستشارين العسكريين الروس في غينيا بيساو، بينما تحصل إفريقيا الوسطى على الدعم العسكري الروسي مقابل استغلال موسكو معادن الماس، والذهب، واليورانيوم الموجودة بكثرة في هذا البلد الفقير.

وفي سبتمبر/ أيلول 2018، أنشأت موسكو قاعدة لوجستية عسكرية في إريتريا، ليصبح لها منفذ مهم على البحر الأحمر، كما دعمت روسيا سياسيا وعسكريا اللواء الليبي المنشق خليفة حفتر، بالإضافة للتعاون الأمني والعسكري الواضح مع النظام المصري.

ماذا تريد؟

السؤال السابق طرحه "راديو صوت أمريكا"، أثناء متابعته للتجهيزات الروسية الكبيرة لقمة سوتشي المقبلة، وحسب خبراء تحدثوا للراديو، فإن روسيا قررت إلغاء أكثر من 20 مليار دولار ديون مستحقة على دول إفريقية، لمساعدة القارة في التغلب على الفقر، وأرجعوا ذلك إلى أن موسكو تنظر لإفريقيا كشريك تجاري محتمل، ترغب من خلاله بخلق عالم متعدد الأقطاب.

وفي تحليل آخر نشرته شبكة الجزيرة الإخبارية، ذهب المختص في الشأن الروسي هشام ناسيف، إلى أن موسكو تتحرك باتجاه توسيع نفوذها بإفريقيا من خلال استهداف أنظمة لا تحظى بعلاقات جيدة مع الغرب أو غير راضية عنه، مثل زيمبابوي والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى.

ويستند التحليل السابق لما نشره موقع "ستراتفور الأميركي" المتخصص في تحليل السياسات الدولية، بأن اهتمام روسيا بالقارة السمراء يرتكز على أسس عامة، منها رفض الإطاحة بالأنظمة الديكتاتورية، وهو ما ظهر جليا في الدعم الروسي المطلق عسكريا وسياسيا لنظام بشار الأسد، والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.

ومن المنطلق ذاته، قدمت روسيا دعما ملموسا لرئيس جمهورية إفريقيا الوسطى، فوستان أرشانج تواديرا، وللرئيس السوداني المعزول عمر البشير، ومن بعده للمجلس العسكري الانتقالي السوداني، كما دعمت نظام الرئيس روبرت موغابي في زيمبابوي، ونظام عبد الفتاح السيسي في مصر، واللواء الليبي خليفة حفتر.

وحسب الموقع الأمريكي، فإن روسيا ليست حريصة على استقرار القارة الإفريقية، بقدر حرصها على ضمان علاقات بديلة وتكاملية مع دول القارة وباقي أقطار العالم في ظل خلافها المتصاعد مع الغرب، أما السبب الأخير فهو مرتبط بانخراط روسيا في اتصالات اقتصادية مباشرة مع الدول الإفريقية لا يمكن التقليل من أهميتها.

هل تستفيد القارة؟

وفق دراسة موسعة عن العلاقات الاقتصادية بين روسيا ودول القارة السمراء، أصدرتها مجلة "دراسات إفريقية"، فإنه يمكن لموسكو أن تكون مصدرا للسلع الاستثمارية التي تحتاجها إفريقيا لتطوير بنيتها التحتية، ويمكنها نقل التكنولوجيات الضرورية، واستخراج المواد الخام ومعالجتها، كما يمكن أن تكون روسيا أيضا مصدرا للاستثمارات غير المولدة للديون في مجالات رئيسة مثل السكك الحديدية، والطيران والرعاية الصحية والبتروكيماويات.

وحسب تصريحات بنديكت أوراما، رئيس المجموعة الروسية المعنية بالاستثمار في القارة الإفريقية، فإن روسيا تريد تنويع مصادر التجارة، وتصنيع تجارة القارة؛ لجعلها مستقلة عن مواردها الطبيعية، وهو ما يمكن أن يحد من القيود التاريخية التي كانت تعيق نمو وتطور الاقتصادات الإفريقية في الماضي.

إلا أن آراء أخرى ترى أن تزايد النفوذ الروسي والصيني داخل القارة، لن يحول الدول الإفريقية لنمور اقتصادية يمكن أن تغزو العالم، وإنما يساعدها لتكون قبلة استهلاك للمنتجات والصناعات الروسية والصينية والتركية والإسرائيلية وغيرها، مقابل الاستفادة من مواردها التي تمثل كنزا إستراتيجيا حقيقيا لدول العالم، في ظل حالة الجذب التي أصابت الموارد الطبيعية في الغرب على وجه التحديد.

ويدعم تحليل موسع لموقع قناة العالم الإيرانية الطرح السابق، حيث أكد مختصون تحدثوا للقناة في سلسلة حلقات خاصة عن القارة الإفريقية، بأن إفريقيا التي مثلت لوقت طويل "الحديقة الخلفية" للقوى التقليدية، أصبحت الآن مسرحا للتنافس الدولي.

سباق الدب والتنين

وبالحديث عن التحركات الصينية والروسية، فإن التنافس بين الدب والتنين، يمكن أن تستفيد منه دول القارة على المدى القريب، ولكنها ستعاني منه على المدى البعيد، حيث لم يكن أمامها الكثير من البدائل الأخرى، للهروب من المحتلين الجدد للقارة السمراء وفق صحيفة (إنفوباي) الإسبانية.

وفيما يتعلق بالتحرك الصيني ذهبت الصحيفة الإسبانية إلى أن سياسة التنين تعتمد على منح قروض بمبالغ هائلة للأفارقة والاستثمار في بلادهم، حيث مولت بكين 3 آلاف مشروع للبنية التحتية على مستويات عالية، ومنحت قروضا وصلت قيمتها إلى 86 مليار دولار لحكومات القارة السمراء، كما تتبع دبلوماسية اقتصادية أيضا مع شركات القطاع الخاص؛ إذ توجد 10 آلاف شركة صينية في إفريقيا.

وفي المقابل، شهد حجم التبادل التجاري بين روسيا ودول إفريقيا، تزايدا كبيرا خلال 7 أعوام في الفترة من 2010 وحتى 2017؛ ولكنه لم يقترب إطلاقا من الوجود الصيني، الذي لم يقتصر على الاقتصاد، وإنما امتد للتعاون الثقافي والفني والأدبي، وهو ما واجهته روسيا بتعزيز التعاون مع الدول الإفريقية في مجال الإعلام؛ فعلى سبيل المثال أطلق وزير الخارجية برنامجا لتدريب المحررين الأفارقة؛ ودعا عشرات الصحافيين الأفارقة إلى زيارة مقرات وسائل إعلام روسية والحصول على فرصة التدريب بها.

وفيما يتعلق بالتعاون العسكري فإن الميزان يميل لصالح روسيا التي وقعت في 4 سنوات 19 معاهدة تعاون عسكري مع دول جنوب الصحراء فقط.

ووصفت الصحيفة الإسبانية سياسية الصين وروسيا مع دول القارة، بأنها مثل قطع الحلوى المغرية، التي تقدمها البلدين لطفل جائع محروم، سوف ينبهر بها في البداية ولكنه سيكتشف في النهاية أنه تعرض لخديعة، بعد أن تحاصره الديون والقروض من كل اتجاه.