لا أحد آمن.. "نيوزويك" تروي وحشية أجهزة السيسي مع طبيب مصري

قسم الترجمة - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

قالت مجلة نيوزويك الأمريكية إن الجنون في مؤسسات الدولة المصرية أصبح النموذج والأسلوب الطبيعي للحكم، في بلد يعتقل الآلاف من الناشطين والمعارضين.

وتحدث الباحث في شؤون الشرق الأوسط عمر مجدي في مقال له بالمجلة، عن صديقه طبيب الأسنان محمد عبد اللطيف الذي ألقته السلطات المصرية في السجن.

يقول مجدي: "كان عبد اللطيف صديق طفولتي في المدرسة الثانوية ودرسنا في نفس الحرم الجامعي، حيث كان يدرس طب الأسنان وكنت أدرس الطب البشري، كنت أعتقد أنني أفضل منه، حيث كنت أشارك في الأنشطة المعارضة داخل الحرم الجامعي وهو لم يكن يشارك، ولكني أدركت الآن أنني لم أكن".

وأكد الكاتب في مقاله أن ذلك كان بين عامي 2002 و2007، عندما واجه الرئيس السابق حسني مبارك معارضة متزايدة لحكمه الاستبدادي الطويل الذي كان بداية سقوطه، عندما هزت ثورة يناير 2011 البلاد.

وتابع: "في ذلك الوقت، كنا أطباء جدد، كان شغف عبد اللطيف يدور حول حياته المهنية وكذلك السياسات الأوسع حول مهنته، بما في ذلك الظروف السيئة التي يعمل فيها الأطباء في مصر، والتي تدفع الآلاف منهم لمغادرة البلاد".

لكن عبد اللطيف تابع معركته داخل نقابة أطباء الأسنان الرئيسة في مصر، وحصل على مقعد بمجلس النقابة في عام 2012، متغلبا على مرشح جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات التي كانت نزيهة بفضل ثورة 2011. وفي عام 2014، تفوق عبد اللطيف مرة أخرى وأصبح مساعد الأمين العام للنقابة، إلا أنه استقال في 2016، لأسباب شخصية.

تفاصيل الاعتقال

ويضيف الكاتب أن عبد اللطيف الآن في السجن، إذ ألقت قوات الأمن القبض عليه في منزله في الأول من سبتمبر/أيلول الماضي، بسبب حملة "الأطباء المصريون غاضبون" على شبكة الإنترنت، حيث أيد مطالبته بسياسات حكومية أفضل لزملائه ومهنته.

يقول: "رأيت مشاركات عبد اللطيف على موقع فيسبوك وأعجبت بشجاعته (..)، انتقاد الحكومة في السنوات الأخيرة لحكم مبارك كان من شأنه أن يجلب لك عواقب قليلة أو ربما لا شيء، لكن في ظل حكم عبد الفتاح السيسي، يمكن أن يكلفك منشور واحد على الفيسبوك حريتك لشهور أو سنوات".

وعن تفاصيل اعتقال صديقه، ذكر الكاتب أن: "شجاعة عبد اللطيف قوبلت بالوحشية المتوقعة، حين اقتحم رجال مسلحون يرتدون ملابس مدنية ورجال شرطة يرتدون الزي العسكري منزل أسرته وصادروا جوازات سفر ونقود وأجهزة كمبيوتر محمولة، وبعدها اقتادوا عبد اللطيف إلى مكان مجهول لمدة تسعة أيام".

يتابع: "هكذا تتصرف أجهزة الأمن في عهد السيسي، حيث أمرت النيابة العامة في وقت لاحق، باحتجازه ووجهت إليه تهمة مساعدة جماعة إرهابية، وعندما أخبر والد عبد اللطيف أحد الضباط الذين داهموا منزلهم بأن حملة على الإنترنت حول ظروف الأطباء لم تبرر كل ذلك، قال الضابط: ابنك يحرض علينا".

ويؤكد الكاتب أن السيسي يميل إلى  تصوير الحملة التي لا هوادة فيها، والتي شنها ضد خصومه، باعتبارها حملة تستهدف "الإرهابيين" و"المتآمرين": "لكن بصفتي طبيب تحولت إلى ناشط، في مجال حقوق الإنسان، أعرف مدى تعسفية هذه الاتهامات الموجهة ضد المنشقين المسالمين، ويجسد احتجاز عبد اللطيف مثل هذا التعسف".

جنون أمني

لم يكن عبد اللطيف الشخص الوحيد الذي تم اعتقاله مؤخرا. يوم 20 سبتمبر/أيلول الماضي، حين اندلعت عشرات من الاحتجاجات المتفرقة في أنحاء البلاد في تحد علني نادر لقبضة السيسي الحديدية، حيث ألقى رجال أمن، على مدار الأسبوعين التاليين القبض على أكثر من 3300 شخص، وفقا لمنظمات حقوقية محلية.

وجرى اعتقال العديد من منازلهم أو تم اختطافهم من الشوارع كما توقف الشرطة بشكل تعسفي المارة للتأكد من مشاركاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي على هواتفهم، ويشمل هؤلاء أشخاصا يعانون من أمراض نفسية، وأكثر من 150 طفلا وعشرات النساء.

ويؤكد الكاتب أن الاعتقال لم يتوقف فقط على المتظاهرين، حيث اعتقلت قوات الأمن 6 صحفيين على الأقل أثناء تغطيتهم للاحتجاجات، حتى أن بعضهم معروف بدعمه للسيسي، كما جرى القبض على الكثير من الناس الذين تصادف وجودهم في أماكن الاحتجاجات، فضلا عن اعتقال عدة محامين كانوا يحاولون مساعدة المحتجزين.

ويربط الكاتب بين الهجمة الأمنية الأخيرة لقوات الأمن المصري، وبين فيلم سينمائي مصري، صدر في عام 1979 تحت عنوان "احنا بتوع الأتوبيس" والذي تدور فيه مشاجرة مع جامع التذاكر في "باص عام" مع رجلين كانا في المكان الخطأ في الوقت الخطأ أدت لاعتقالهم وتعذيبهم في السجن، لأسباب سياسية.

يقول الكاتب: "من بين المعتقلين منذ 20 سبتمبر/أيلول، على سبيل المثال، حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية الذي يحظى باحترام كبير في جامعة القاهرة، حيث تشبه كتبه، التي قرأت بعضها، النصوص التمهيدية الأساسية التي يجب على العديد من طلاب العلوم السياسية قراءتها، ويبدو للمتابعين أن اعتقاله ينبع من تغريداته ومشاركته في البرامج التلفزيونية لتقديم تحليله السياسي".

لم يتم اعتقال المتظاهرين والناشطين فحسب، بل قال بعضهم إنهم تعرضوا للإيذاء بمن فيهم ناشطون معروفون، مثل إسراء عبد الفتاح التي قالت إنها تعرضت للضرب المبرح والتهديد بالاعتداء الجنسي للكشف عن الرمز السري للهاتف المحمول الخاص بها بعد اختطافها.

لا أحد محصن

في مصر الآن، لا يحتاج المرء أن يكون ناشطا سياسيا أو صحفيا أو شخصية معارضة ليسجن، وأصبح أقارب المعارضين الذين يعيشون في الخارج أهدافا لقوات الأمن أيضا.

فعندما انتقد وائل غنيم الناشط المشهور من جيل ثورة 2011، والمقيم في كاليفورنيا، أجهزة المخابرات المصرية في فيديوهات على "فيسبوك"، داهم الأمن منزل أسرته بالقاهرة في 19 سبتمبر/أيلول واعتقل شقيقه حازم، وهو طبيب أسنان.

وعندما انتقد هيثم أبو خليل، مذيع تلفزيوني معارض في إسطنبول، الحكومة، اعتقلت قوات الأمن شقيقه الأكبر، عمرو (57 عاما)، وهو طبيب نفسي مشهور، وجرى نهب منزل والدته في الإسكندرية. هذان مثالان فقط.

الرسالة واضحة الآن وهي: لا أحد محصن، وإذا كنت تعيش في الخارج، فلا يزال بإمكان الأمن اعتقال أخيك أو أمك أو والدك.

ويؤكد الكاتب أنه منذ تولي السيسي السلطة في أواخر عام 2013، اعتقلت حكومته وحاكمت عشرات الآلاف من الأشخاص، ومع أنها لا تصدر مطلقا أي أرقام توضح حجم الاعتقالات، لكن اعتقال أكثر من 3000 شخص في الأيام القليلة الماضية يدل على قدرة الحكومة على ذلك.

عند الحديث عن الناشطين، أصبح من السهل الإجابة على السؤال "من ليس في السجن؟". كان عبد اللطيف مجرد طبيب أسنان يريد ظروفا أفضل للأطباء والمرضى. ولكن مثل غالبية المعتقلين ، فهو متهم بأنه "إرهابي".

ويختتم الباحث مقاله في مجلة نيوزويك بقوله: إن المصريين تغلبوا على طغيان مبارك وقد يفعلون ذلك بشكل جيد مع التكتيكات الوحشية للسيسي، في هذه الأثناء، يوجد عشرات الآلاف منهم في السجون أو يُجبرون على النفي.

يتابع: "كما وجدت نفسي فجأة في بلد غير آمن لقول ما أقول، إذا جعل حلفاء السيسي في واشنطن وعواصم أخرى دعمهم مشروطا بتحسين أوضاع حقوق الإنسان، وإطلاق سراح النشطاء المسالمين، فربما يمكن تخفيف الألم الذي يقاسيه المصريون تحت حكم مؤسسات السيسي التي أصبح من المؤكد أن الجنون أصبح المعيار الرسمي لها في هذه الفترة".