محور الشر ونبع السلام

نزار كريكش  | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

سألني أحد الباحثين في مركز متخصص بالدراسات الإيرانية عن الفرق بين السياسة التركية والإيرانية في سوريا، فقلت: إن تركيا تقدم المجتمع على الدولة، وشبكة العلاقات الإنسانية قبل الرؤى الإستراتيجية، أما إيران فإنها تقدم النظام على المجتمع، والدولة قبل آلام الناس ومعاناتهم بل كانت سببا في ذلك. هذا ما يجعل سلوك تركيا مقبول لدى كثير من السوريين المهجرين والنازحين، وبغض النظر عن الرأي في ما تقوم به تركيا، بين مؤيد ومعارض إلا أن السؤال الأكبر لمنطقتنا العربية من هو "نبع السلام" ومن هو أصل الشرور والنزاعات والحروب أو الآثام؟

عادة ما نتناسى البدايات والسياقات السردية التي تعيشها المنطقة ظاهرة، فمنذ أن بدأ "الربيع العربي" وخرج الناس ينادون بالحرية والكرامة بدأت النظم العربية تسعى لإفشال ذلك التغيير، وبطبيعة الحال، وكما يخبرنا التاريخ فإن الثورات ستكون بداية لتغيرات إقليمية وعالمية.

التحالف المقدس الذي قادته الممالك في أوروبا كان يهدف إلى منع تغيير النظم السياسية في أوروبا بعد الثورة الفرنسية، لكن التاريخ كان قد قال كلمته، وبدلا من نجاح التحالف المقدس تغير العالم والنظم السياسية في أوروبا والعالم أجمع. قامت النظم العربية بما يشبه التحالف المقدس بين دول السعودية والإمارات، ومن ثم انضمت إليهم مصر بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي.

حاولت السعودية أن تستغل قدراتها المادية لجمع أكبر تحالف يمكن أن يجعلها دولة مركزية حاكمة في المنطقة، الإمارات من جانبها حاولت أن تكون شبكة مصالح تمتد من اليمن إلى الصومال إلى مصر وليبيا وتونس؛ هذه الشبكة لم تكن تسعى لتكوين علاقات إنسانية قادرة على تجاوز الأطر الرسمية كما فعلت تركيا، بل كانت شبكات تسعى للسيطرة على مجموع النظم الهشة التي تشكلت بعد الربيع العربي.

في سبيل ذلك قامت السعودية والإمارات بكل الشرور، رشاوى واغتيالات، كذب وإشاعات، تدمير وتهجيز، نزوح وعذابات؛ لم يرف لهم جفن ولم يراعوا في الشعوب ذمة.

في ليبيا بلدي، كانت الطائرات الإماراتية تقصف بلا رحمة في بنغازي ودرنة، وفي طرابلس قبل أيام قصفت منزلا وسط العاصمة طرابلس دمرت أحلام عائلة آمنة وقتلت منهم ثلاثة أطفال؛ ما عليك سوى أن تذهب إلى شوارع درنة وبنغازي حتى تجد الأطلال، الأسواق القديمة التي شهدت الحرب العالمية الأولى والثانية لم يمسسها سوء صارت أثرا بعد عين بسبب الطائرات المصرية والإماراتية؛ الشيخ محمود بوشعالة صاحب التسعين عاما عده هؤلاء من الإرهابيين، أخرجوه من بيته وقتلوه حسرة.

قصص كثيرة عن النزوح والهجرة في اليمن وليبيا وعن سوء التغذية والدمار الذي صار علامة مسجلة لهذه الدول حين تتدخل في أي من أزمات المنطقة.

لم تعد الإمارات نموذجا للحكومة الإلكترونية والاستثمارات العالمية بل لنفق من الصراع الأيديولوجي السخيف، والحروب التي لا معنى لها سوى الدمار والخراب.

في المقابل سنجد أن تركيا بالفعل كانت نقطة مضيئة فيما يحدث في المنطقة، تركيا تستقبل ثلاثة ملايين من المهاجرين السوريين، بينما لا تستقبل الدول العربية إلا القليل، تركيا لم تتدخل في أي صراع سواء في اليمن أو ليبيا، ولم يقتل لها جندي واحد في هذه البلدان، ولم تكتب التقارير الدولية عن أي توريد للسلاح المحظور دوليا (إلا بعض  التقارير التي عادة ما يذكر بعدها لا يزال الأمر تحت التحقيق لكن إلى الآن ليس هناك ما يدل أنها وراء الدمار الذي نشهده).

بالطبع سيكون هناك من يرفض التدخل التركي الأخير، لكن السياق واضح، تركيا لها سلوك معقول وإستراتيجية واضحة يمكن محاسبتها عليها -حتى إن رفضها البعض- لكن دولنا التي تجتمع تحت قبة الجامعة العربية في تيه وتخبط كلف الناس الكثير، وجعل المنطقة في حروب سخيفة كما وصفها الرئيس دونالد ترامب.

لقد تحولت تركيا إلى نموذج يرقبه كثير من العابرين والمسافرين والمقيمين، بل العرب في كل بلداننا حتى أولئلك الذين يعلنوها وهم يأكلون من خيرها.

إن ما يحدث في المنطقة يؤكد ضرورة وجود نظام إقليمي فاعل، نظام إقليمي يعطي لكثير من الدول قيمتها الإستراتيجية كالعراق والمغرب، وأن نقف فورا عن بدعة الشقيقة الكبرى، حين تمارس مصر دور الوصاية على ليبيا، أو الجزائر على تونس أو السعودية على العالم الإسلامي.

النظام الإقليمي لن ينجح إلا بتغير مقاربات السلطة في منطقتنا، من مقاربة السلطة إلى مقاربات أكثر نضجا تضمن صناعة قرار فاعل يحقق التوازن بين دول الإقليم، أما هذه التبيعة لبعض الدول، والعجز المزمن لدول كالسعودية والإمارات عن إدراك أنها دول وليست شركات خاصة؛ هو الذي سيكون مصدرا لكل الآثام والشرور، الجهل والتهور هو أصل الآثام، أما من يصدر قراره عن وعي، حتى ولو كان مجتهدا، فإنه إن أخطأ فله أجر وإن أصاب فإن له أجران.