"حوار جدة".. هكذا نصبت الرياض الفخ للحكومة الشرعية في اليمن

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في سبتمبر/أيلول الماضي، رفضت الحكومة الشرعية في اليمن إجراء أي حوار مع المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، إلا بعد انسحابه من مؤسسات الدولة، وإنهاء مظاهر الانقلاب في عدن.

ساعتها صرح وزير الداخلية في الحكومة الشرعية أحمد الميسري بأنه: "إذا كان هناك من حوار فسيكون مع أبو ظبي مباشرة، لأن الانتقالي في الواقع مجرد أداة إماراتية، ولا يمثل حتى القضية الجنوبية".

بعدها مارست السعودية ضغوطا على الحكومة الشرعية وأجبرتها على الجلوس مع ممثلي المجلس الانتقالي على طاولة الحوار، بدون شروط، ووضعت بنودا للتسوية، وسعت للضغط على الحكومة الشرعية للقبول بها.

ومع تزايد التصعيد السياسي والدبلوماسي للحكومة الشرعية ضد الإمارات في المحافل الدولية، واتهامها رسميا بدعم وتمويل عملية انقلاب مسلح في عدن، ضد الحكومة المعترف بها دوليا، قامت السعودية بمحاولة رمي طوق نجاة للإمارات، وإخراجها من ورطتها، وذلك بتأسيس ورعاية حوار يجمع الحكومة الشرعية وعناصر من المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تولى عملية الانقلاب بعدن.

بنود الحوار

نصت بنود حوار جدة التي سربتها مصادر مطلعة لوسائل إعلام ونشرت على نطاق واسع، على إعادة تشكيل القوات العسكرية والأمنية في إطار وزارتي الدفاع والداخلية، وإعادة الانتشار للوحدات العسكرية خارج المدن، وإشراف التحالف (المملكة) على المواقع الحيوية مؤقتا.

كما تضمن الحوار الاعتراف بالمجلس الانتقالي الجنوبي شريكا في العملية السياسية الجارية، وتشكيل حكومة جديدة، وإيقاف الحملات الإعلامية المتبادلة، واستكمال تحرير بقية الأراضي الخاضعة لسيطرة الانقلابيين الحوثيين.

بنود الحوار نصت أيضا على إعادة إعمار المحافظات المحررة بدعم مالي من التحالف؛ لتكون نموذجا للأمن والاستقرار، على أن يكون التحالف ضامنا للاتفاق بجانب الأمم المتحدة.

وحسب مراقبين، فإن السعودية تسعى من خلال تلك البنود، لشرعنة الانقلاب وتحويل المجلس الانتقالي الذي قاد الانقلاب إلى شريك رسمي في الحكومة الشرعية والمؤسسة العسكرية، بعد أن صرحت في وقت سابق أنها لن تعترف إلا بالحكومة الشرعية ممثلا وحيدا لليمن، ما يؤكد استمرار السعودية في تحايلها والتفافها على الحكومة الشرعية.

يبدو أن السعودية بتثبيتها لدعائم الانقلاب، أرادت إخراج الإمارات من الورطة التي وقعت فيها، خصوصا بعد تصعيد القضية بشكل رسمي من قبل الحكومة المعترف بها دوليا، هو ما يأتي في إطار التخادم بين الرياض وأبوظبي، وتبادل الأدوار بين الجانبين، وفق خبراء.

مصادر أكدت سعي السعودية لإحراز مكسب، بأن يكون لها موطئ قدم في مدينة عدن، الخاضعة بشكل كلي للسيطرة الإماراتية، وهو الأمر الذي طالما أقلق الرياض من تنامي النفوذ الإماراتي في المناطق الجنوبية اليمنية.

وحسب ما تم تسريبه من بنود الحوار فإنها نصت على استيعاب الميلشيات المسلحة التي أنشأتها الإمارات ضمن قوام الجيش الوطني، وتسليمه، بشكل رسمي، مهام حماية المحافظات الجنوبية، الخاضعة سلفا لسيطرة الإماراتيين.

ونص البند الأخير على استمرار محاربة الحوثيين، وهو ما يدل، حسب متابعين، على أن التحالف مازال مستمرا باستخدام الحوثيين كذريعة للسيطرة على المدن اليمنية، وتنفيذ أجندته في اليمن.

تضغط الرياض من أجل القبول بحوار غير مشروط مع المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا

فخ جدة

الكاتب والصحفي اليمني محمد اللطيفي، قال لـ "الاستقلال": قدمت السعودية مسودة اتفاق شبيهة باتفاق "السلم والشراكة" الذي وقع بين الحكومة ومليشيا الحوثي بصنعاء، في 2014، قبل الانقلاب الحوثي، وهي ذات البنود التي مكنت الانقلابيين من السيطرة على المدن اليمنية، وقوضت الحكومة الشرعية.

مضيفا: "عندما نتأمل في بنود حوار جدة، نلاحظ أن الرياض تمارس التجارب نفسها، وهو ما يثبت أن الرياض متواطئة مع الإمارات في إضفاء الشرعية على مليشيا الانتقالي، تماما كما أضفت الشرعية على مليشيا  الحوثي، كما أن بعض بنود جدة تتشابه مع بنود اتفاق الحديدة، مثل بندي إعادة الانتشار وإنشاء قوة أمنية محايدة".

اللطيفي تابع: "فكرة القوة الأمنية المحايدة، والتي ستشرف القوات السعودية على تشكيلها، لاتدلل فقط على أن الرياض تخلت عن وعودها للحكومة باستعادة عدن، بل أيضا على أنها ترغب بإعادة تشكيل خارطة عدن والمناطق المحررة، وفق رؤية سعودية تجعل من الحكومة مجرد ديكور شكلي يضفي الشرعية على تقاسم نفوذ بين الإمارات والمملكة، كما أن قصة إعادة الانتشار تؤكد أن المناطق المحررة ستدخل نفق جديد من الفوضى".

الكاتب والصحفي اليمني خلص إلى أن: "ما يجري في حوار جدة هو فخ يراد إيقاع الحكومة به، إذ أن وضع الحكومة سيكون أسوأ من وضعها قبيل انقلاب عدن، في حال قبلت بهذا الاتفاق، وهذه التسوية إن تمت ستجعل اليمن كلها خارج نطاق المرجعيات المعلنة، وربما بعدها ستتدخل الأمم المتحدة لفرض تسوية جديدة، تجعل من الحكومة الجديدة غطاء شرعيا للمليشيات في الشمال والجنوب".

يظهر جليا من خلال تلك المبادرة، أن السعودية لا ترغب بإنهاء الانقلاب، وإن كانت قد صرحت، عقب الانقلاب، بأنها لا تعترف إلا بالحكومة الشرعية ممثلا وحيدا لليمن، وأنها مع وحدة اليمن ووحدة أراضيه، غير أنها عملت، عقب ذلك، من أجل إيجاد صيغة تبقي على الانقلاب، وتضفي عليه مشروعية قانونية، وفي نفس الوقت تعمل على إخراج أبو ظبي من ورطتها، في تصرف يشير إلى أن ما تقوم به هو تبادل أدوار مع أبوظبي، التي طالما حرصت على تحويل المجلس الانتقالي إلى شريك رئيسي للحكومة الشرعية، تمهيدا لجعله بديلا عن الحكومة الشرعية. 

تعمل أبوظبي من أجل استيعاب المجلس الانتقالي واعتباره شريكا رسميا في الحكومة الشرعية

بدء التنفيذ 

صحيفة الشرق الأوسط السعودية قالت: إن مسودة الاتفاق الذي من المقرر أن يطلق عليه (اتفاق جدة) تمكنت من استيعاب جميع الجوانب الخلافية بين "الشرعية" و"الانتقالي" على جميع الصعد السياسية والأمنية والعسكرية والإدارية، مع وجود ضمانات للتنفيذ تشرف عليها لجنة مشتركة تقودها السعودية، وأنه يتم التمهيد للتوقيع على المسودة النهائية التي ناقشها الطرفان.

وكانت القوات الإماراتية قد قامت بسحب عدد كبير من آلياتها ومدرعاتها العسكرية من قاعدة العند العسكرية بمحافظة لحج، شرقي عدن، وغادرت السفن الإماراتية ميناء الزيت في عدن، محملة بأسلحة ودبابات إماراتية.

في مقابل ذلك، وصلت قوات عسكرية سعودية وسودانية تعمل تحت قيادة التحالف، إلى عدن، وتم توزيعها على مطار عدن، ومعسكر قيادة التحالف في مديرية البريقة.

ومع أنه لم يتم التوقيع على اتفاق جدة،  ولم تعلن الحكومة الشرعية موافقتها على تلك البنود، حتى اللحظة، إلا أن تلك التحركات تأتي، فيما يبدو، وفقا لتفاهمات ثنائية (سعودية ـ إماراتية)، تجاهلت الحكومة الشرعية، في مسعى لحشرها في الزاوية الضيقة ووضعها أمام الأمر الواقع. 

انسحاب قوات إماراتية من عدن متزامنا مع حوار يسعى للاعتراف بالميلشيات المسلحة المدعومة إماراتيا

ليس مؤكدا ما إذا كانت ذلك الحوار، بتلك البنود، سيفضي إلى اتفاق من قبل الطرفين، غير أن المؤكد أن السعودية والإمارات تسعيان لفرض واقع معين، يخدم أجندة البلدين في اليمن، وذلك بإحلال ميلشيات وعناصر موالية للتحالف مكان الشرعية، بشكل تدريجي، والعمل على تقويض الحكومة الشرعية وإضعافها حتى إنهائها تماما.

وسبق أن صرح عضو مجلس النواب اليمني عبدالكريم الأسلمي لـ"الاستقلال" بأنه: "يجري حاليا عملية تصفية للحكومة الشرعية بشكل نهائي". وبالطبع لا يمكن تصفيتها إلا بعد الاعتراف بالميليشا المسلحة والعناصر الانقلابية، كشريك رسمي في الحكومة والأجهزة العسكرية والأمنية، ثم إحلالها مكان الحكومة الشرعية، لتضمن بعد ذلك إيجاد كيانات سياسية وعسكرية موالية لها، تستخدمها لتنفيذ أجندتها ومشاريعها في اليمن، حسب متابعين للشأن اليمني.

في المحصلة، ووفق مراقبين، يمكن إدراك أن حوار جدة أكبر فخ نصب للحكومة الشرعية، إذ يقتضي الاعتراف بشكل رسمي بالأذرع السياسية والعسكرية التي أنشأتها الإمارات، وتحويلها من ميلشيات وعناصر انقلابية إلى حكومة شرعية، وهو الأمر الذي تسعى إليه الإمارات، وتقاتل من أجل تثبيته.