"يني شفق": هذه أسباب خوف السعودية الدائم من تركيا

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "يني شفق" التركية مقالا للكاتب عمر لكاسيز، تحدث فيه عن أسباب خشية المملكة العربية السعودية من تركيا، ولا سيما بعد عملية "نبع السلام" التي قادتها أنقرة مع "الجيش الوطني السوري" ضد التنظيمات الكردية المسلحة في شمال سوريا.

وقال الكاتب في مقاله، إن من أبرز الأسباب: "نشوء المملكة في الأساس كان مشروطا بانهيار الدولة العثمانية التي تعد تركيا وريثة لها، إضافة إلى أن أنقرة بينت مزاعم الرياض في أنها تحمل راية الإسلام، ولكنها تحتفظ به كشعار من أجل حماية مصالح العائلة الحاكمة، وهي الآن مؤخرا باتت في طوع واشنطن توجهها كيفما تشاء".

باعوا أنفسهم للغرب

وذكر عمر لكاسيز تساؤلا طرحه على محامي بساوبالو البرازيلية، جاء فيه: لماذا تخرج الشركات الأمريكية في الواجهة حين ترغب في استيراد القهوة والسكر وغيرها من المواد الغذائية من البرازيل؟، متسائلا حول السبب، لتكون إجابة المحامي: "إننا وحتى نتمكن العيش قمنا ببيع أرواحنا".

الكاتب ينطلق هنا في مقاله قائلا: "أفترض لأنني عضو في إمبراطورية تعرضت لاحتلال واستغلال الغرب، أن كلام المحامي كان صحيحا إلى حد بعيد". وأضاف: "أنه في الحقيقة، كان زعماء القبائل الذين اشترت إنجلترا أرواحهم على وعد بالدولة القومية فعالين في انهيار الإمبراطورية العثمانية".

وأشار إلى أنه: "من المفترض أن الدول القومية الموجودة في الشرق الأوسط دخلت حيز الوجود من خلال خريطة مرسومة على طاولة في لندن وعند القول بذلك، يجب التأكيد أن الشعوب العربية بعيدة تماما عن هذه الأجواء وهذا التاريخ".

وأكد الكاتب، قائلا: هذا بالضبط ما حدث على الحدود التركية السورية، حيث فعاليات عملية "نبع السلام" التي هي آخر ما تستهدف الإخوة الكرد، فالعملية، موجهة بالدرجة الأولى لمن باعوا أرواحهم للغرب وكلهم بشكل أو بآخر تابعين لمنظمة حزب العمال الكردستاني "بي كاكا".

وأوضح: "نحن في صراع مع أولئك الذين يبيعون أرواحهم لإقامة دولة قومية. وبالتالي لذلك، عندما نقول الممالك العربية، فإننا نعني الأسر التي أنشأت ممالك عن طريق قمع القبائل العربية، وأبسط مثال على ذلك هي المملكة العربية السعودية".

ولفت إلى أن: "وعود السعوديين بتقسيم الأمة الإسلامية بالصراع الوهابي، كانت مقابل أن يصبح البعض ملوكا في الجزيرة العربية، وبصرف النظر عن كتب التاريخ وبصرف النظر عن القائد الإنجليزي لورنس، وإسرائيل، يكفي أن ننظر إلى مذكرات الأسماء التي لعبت دورا في مشاركتها في تشكيل الجغرافيا الإسلامية من جديد".

وتوماس إدوارد لورانس الملقب بـ"لورانس العرب" عمل جاسوسا لصالح جيش بريطانيا العظمى قبيل وأثناء الحرب العالمية الأولى، حيث ساعد في إشعال فتيل الثورة العربية ضد الإمبراطورية العثمانية.

وكان البريطانيون قد سعوا إلى إضعاف الإمبراطورية العثمانية، التي كانت متحالفة مع ألمانيا والإمبراطورية النمساوية المجرية، وذلك من خلال دعم الثورة ضد الحكم العثماني. في وقت كان العرب يأملون في تحقيق الاستقلال وإنشاء إمبراطورية متحدة تضم المنطقة الممتدة من حلب في سوريا إلى عدن في اليمن.

طعن الدولة العثمانية

ورأى الكاتب، أن: "هناك خوف أساسي من تركيا، وهو منطلق تعامل الرياض مع أنقرة، ألا هو، أن السعودية مملكة لأسرة تحاول البقاء على قيد الحياة من خلال تحويل الدين إلى وسيلة للاضطهاد. بمعنى آخر، المملكة العربية السعودية، تأسست مع انهيار الإمبراطورية العثمانية، ولكن تدمير العثمانيين لا يعني إغلاق الحساب؛ وعليه السعودية غير آمنة، ولا يهدأ لها بال على الرغم من الحماية الأمريكية التي تقدمها لها هي الأخرى لأسباب عديدة".

وتابع: "لقد نشأت المملكة السعودية عبر الطعن الدولة العثمانية من الخلف مستغلين ضعف القبائل العربية من جهة، وعبر ممارسة الضغط عليهم من جهة أخرى وإلى اليوم تمكنت هذه المملكة من البقاء والصمود بالقمع والاضطهاد وبقناع الدين والإسلامية".

وشدد الكاتب على أنه ومع ذلك، فقد فقدت السعودية ولا سيما في الفترة الأخيرة، بوصلتها، وبدت كأنها دولة أخرى مختلفة تماما. واستطرد: "بفضل ترامب، الذي نتهمه ونواصل اتهامه بقراراته وممارساته الخاصة بالشرق الأوسط، فإن السعودية، التي سقط ثوار الدول القومية بفضلها، أصبحت دولة أمريكية موجهة بإسرائيل، ولا تزال تعمل على حماية نفسها وشعارتها بذلك حماية الدين، عبر تنازلات شتى وممارسة مختلفة لأنواع عديدة من الاضطهاد".

وأردف: بهذا المعنى تحول العلماء الأفذاذ في السعودية لما أشبه بـ"كاتب العدل" الذي يملي عليه القاضي أو السيد ما يريد، وهو يكتب ويوثق وفقا له، وبالطبع هذه الإملاءات ليست حتى نابعة من الملك نفسه أو من قادة السعودية، بل ذات ارتباط وثيق بإسرائيل قرارا وتوجيها.

وأشار الكاتب إلى أن الدلائل على ذلك كثيرة ومنها: "سلسلة الفنادق الدولية في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة التي بنيت مؤخرا برأس مال يهودي".

وخلص إلى أنه: "بالتالي، الجلوس على طاولة واحدة للنقاش وتبادل وجهات النظر ما بين الأتراك والسعوديين والعرب معهم ليست مشكلة، لكن المشكلة، هي التبعية السعودية لقوى غير إسلامية والتي استمرت قرنا".

ولفت الكاتب إلى أن: "الكابوس الذي يجمع تاريخا من الاضطهاد بحسب ما تراه السعودية، ومن أجل عدم تكرار رؤية هذا الكابوس، ومن أجل إقامة مستقبل مشرق ومتين، ألقت السعودية نفسها في أحضان أمريكا وإسرائيل وبالتالي وصلت إلى طريق مسدود، وهي عاجزة اليوم عن حماية مصالحها سواء داخل أو حتى خارج المملكة".

أساس الخوف السعودي

وبيّن، أن أساس الخوف السعودي من الأتراك وتركيا، يتضمن مجالين: "الأول: الفترة العثمانية وما حدث وقتها، يبدو أنه دفتر لم يغلق ولن يغلق حتى فترة قريبة، ولا يزال هذا الدفتر بيد تركيا، وأن الأخيرة عاجلا أم آجلا ستصل لهذه المرحلة وستفتح الدفاتر القديمة كلها وتبحث في تلك الفترة وما آلت إليه الأمور آنذاك والدور السعودي الذي تسبب في انهيار الدولة العثمانية".

أما السبب الثاني: بحسب الكاتب، فإنه من الواضح أن حرية المسلمين الآن بات الكثير منها مرتبط بتركيا، حيث يمارس المسلمون اليوم الكثير من معتقداتهم ويعبرون عن آرائهم بحرية فقط لأنهم موجودون في تركيا وقريبون منها، حتى أن استخدام الدين أداة للحكم وتبريرا لممارسة الاضطهاد بات مكشوفا، وهذا الأمر مرعب بشكل كبير بالنسبة للسعودية، إضافة إلى دعم تركيا للثورات الشعبية، وهذا بحد ذاته نقطة مهمة، حيث نشوب عصيان ما أو تمرد من الداخل السعودي أي من داخل المملكة ذاتها أخشى ما تخشاه العائلة الحاكمة.

وختم الكاتب مقاله، بالقول: "بحقيقة أن الشعوب الإسلامية بدأت في التعبير عن الحاجة إلى إمبراطورية جديدة من خلال إدراك أن فكرة الدولة القومية التي تم إنشاؤها كانت على حساب الإمبراطورية العثمانية وتدميرها، وفي الأيام الأخيرة بات واضحا أن السعودية تستغل الدين لتحقيق أهدافها بشتى الوسائل، وبات الأمر مكشوفا ومفضوحا، وهذا خوف آخر يضاف إلى المخاوف الأخرى التي تحملها السعودية".