في ظل حديث عن تقارب مع الرياض.. من استهدف الناقلة الإيرانية؟

شدوى الصلاح | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

حادث استهداف ناقلة نفط إيرانية في البحر الأحمر يعد الأول من نوعه، في وقت تشهد فيه المنطقة حالة توتر، فواشنطن وعواصم خليجية تتهم طهران ‏باستهداف سفن ومنشآت نفطية خليجية وتهديد الملاحة البحرية، وهو ما تنفيه إيران عارضة توقيع اتفاقية "عدم اعتداء" مع دول الخليج‎.‎

الغريب في الأمر، أنه في الوقت الذي طلبت فيه السعودية من وسطاء التدخل لتهدئة الأجواء مع إيران، وأبدت فيه طهران رغبتها في التفاوض تم استهداف ناقلة النفط الإيرانية في البحر الأحمر بالقرب من مدينة جدة غربي السعودية.

تساؤلات عديدة مطروحة في ظل تضارب الأنباء المعلنة عن الاستهداف وتجنب طهران توجيه اتهام مباشر للجهة الفاعلة، هل الحادث مفتعل وتقف وراءه أياد خفية؟ أم أن الرياض تقف وراء الاستهداف؟ هل هناك من يريد عرقلة التقارب الإيراني - السعودي وحلحلة الأزمة في المنطقة دبلوماسيا؟ ومن الجهة المستفيدة من زعزعة الأمن في الممرات المائية الدولية؟

هل الحادث مفتعل وتقف وراءه أياد خفية؟ أم أن الرياض تقف وراء الاستهداف؟

تصريحات متضاربة

تعمد إيران لاستخدام نهج تسريب المعلومات المتناقضة بشأن مصير ناقلتها، سواء كانت محتجزة أو مستهدفة، إذ تضاربت الأنباء بشأن حقيقة الانفجار الذي تعرضت له الناقلة "سابيتي" الجمعة 11 أكتوبر/تشرين أول الجاري، على بعد 60 ميلا من ميناء جدة السعودي، إذ أفاد الإعلام الإيراني أن الانفجار ناجم عن "استهداف صاروخي" من جانب السعودية.

إلا أن الشركة الوطنية لناقلات النفط نفت ما تناقله الإعلام الإيراني، بشأن توجيه الاتهام إلى السعودية، وقالت: إنه "يحتمل أن يكون السبب إصابة صاروخ دون أن تحدد الجهة المسؤولة عن الاستهداف"، مشيرة إلى تعرض الخزانين الرئيسيين بالسفينة إلى أضرار حيث تسرب النفط المخزون فيهما في البحر الأحمر.

بدوره، أكد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الأدميرال علي شمخاني، أن القرصنة والأعمال الشريرة في طرق الملاحة الدولية بهدف تقويض أمن النشاطات التجارية لن تبقى دون رد.

الأدميرال علي شمخاني

الرواية السعودية

السعودية من جانبها، التزمت الصمت في اليوم الأول للحادث، وأصدرت بيانا في اليوم التالي، قالت فيه إنها: "كانت مستعدة لمساعدة الناقلة"، موضحة أنها تلقت رسالة إلكترونية من ناقلة إيرانية تفيد بأن: "مقدمتها تعرضت لكسر نتج عنه تسرب نفطي، لكن السفينة واصلت سيرها وأغلقت نظام التتبع الآلي بها قبل أن يتسنى تقديم المساعدة لها".

ونقلت الوكالة عن حرس الحدود السعودي أن الناقلة الإيرانية لم ترد على اتصالات عديدة من السلطات السعودية، وأن المملكة تؤكد: "التزامها وحرصها على أمن وسلامة الملاحة البحرية والتزامها بالاتفاقات والأعراف الدولية المنظمة لذلك".

وكانت سفينة إيرانية أخرى قد تعطلت أواخر أبريل/نيسان الماضي قبالة سواحل جدة، وبقيت في المملكة لأيام من أجل إصلاحها.

جهات مستفيدة

في نفس يوم حادث انفجار الناقلة الإيرانية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استعداد واشنطن إرسال المزيد من القوات إلى السعودية. مؤكدا أن الأخيرة وافقت على الدفع مقابل كل ما تفعله بلاده، وهو ما يتوافق مع سياسة الرئيس الأمريكي لحصد المزيد من أموال دول الخليج بدعوى تقديم الحماية، وهو ما كرره في حديثه أمام الصحفيين قائلا إن: "إرسال أي جنود إلى الشرق الأوسط يجب أن يكون مرهونا بالحصول على مقابل مالي".

وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" كشفت على لسان المتحدث باسمها أنه: و"بناء على طلب القيادة المركزية الأمريكية، وافق وزير الدفاع مارك إسبر على نشر قوات أمريكية إضافية ومعدات في السعودية وتشمل: سربي طائرات مقاتلة، وبطاريتي صواريخ باتريوت الدفاعية، ووحدة نظام صواريخ ثاد الدفاعية".

ليس الاستفادة المادية وحدها هي التي قد تدفع أمريكا لتنفيذ حادث مثل هذا، فربما الرغبة في الانتقام ردا على إسقاط إيران للطائرة العسكرية الأمريكية "غلوبال هوك" في يونيو/حزيران الماضي أيضا هي من حركت ترامب، رغم أنه أعلن حينها تراجعه في اللحظة الأخيرة عن تنفيذ ضربات عسكرية ضد إيران.

بصمات إسرائيلية

إسرائيل أيضا قد تكون أحد أبرز المستفيدين من زعزعة الأمن في الممرات المائية، خاصة بعد إعلان ترامب رغبة بلاده في الانسحاب من المنطقة وإبداء تل أبيب رغبتها في الوجود واستعدادها حماية الملاحة في مياه الخليج.

إعلام إسرائيلي كشف عن قيام تل أبيب بدور نشط في تحالف حماية الملاحة البحرية بالخليج الذي تسعى واشنطن لتشكيله، الأمر الذي يدفع دول الخليج لمزيد من التطبيع مع إسرائيل.

عقب استهداف الناقلة الإيرانية في مياه البحر الأحمر، تساءل الموقع الإلكتروني الإخباري العبري "ديبكا" عن مدى إمكانية استهداف إسرائيل لها، وفي ذات الوقت لم يستبعد ذلك. 

وربط الموقع بين العملية وبين تصريحات بنيامين نتنياهو رئيس حكومة تسيير الأعمال الإسرائيلية، في اليوم السابق للحادث بأن الجيش الإسرائيلي مستعد لمواجهة أي تهديد إيراني، سواء من خلال الدفاع أو الهجوم، وبأنه توجد حالات تستوجب ضربة استباقية.

نتنياهو: الجيش الإسرائيلي مستعد لمواجهة أي تهديد إيراني

السعودية مستبعدة

الموقع أورد أيضا أن هناك احتمالا آخر بأن السعودية وراء هذا الهجوم بالفعل، للانتقام من استهداف منشآت نفطية سعودية تابعة لشركة النفط "أرامكو"، في 14 سبتمبر/ أيلول الماضي، إذ نشب حريقان في منشأتي "بقيق" و"خريص"، جراء استهدافهما بطائرات مسيرة، تبنته جماعة "الحوثي"، فيما اتهمت واشنطن والرياض، طهران بالمسؤولية عنه، لكن الأخيرة نفت ذلك.

الخطوات التي تتخذها الرياض لا توحي بأنها تسعى للثأر من طهران، فهي تتخذ خطوات دفاعية من خلال مطالبة واشنطن بمزيد من التعزيزات العسكرية، كما تتخذ منحى التهدئة مع إيران سيرا على نهج واشنطن.

في حواره الذي أجراه نهاية سبتمبر/أيلول الماضي مع برنامج "60 دقيقة" ‏على قناة "‏CBS‏" الإخبارية الأمريكية بدا ولي العهد السعودي رافعا الراية البيضاء أمام إيران.

"ابن سلمان" الذي كان يستبعد إجراء حوار مع طهران ظهر متراجعا عن كل تصريحاته وتهديداته بإحداث معارك داخل إيران، بالعكس خرج هذه المرة مناديا بنداء العاجز الراغب في المهادنة، متمنيا الحل السياسي وليس العسكري، فضلا عن استغاثته بالمجتمع الدولي لكف أذى إيران عن بلاده واتخاذ موقف حازم ضدها. 

ابن سلمان قال: "أتفق مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن هجوم أرامكو كان إعلان حرب من طرف إيران، آمل ألا يكون الرد على إيران عسكريا بل سياسيا، الرياض وواشنطن ترحبان بلقاء ترامب مع نظيره الإيراني حسن روحاني، لكن الإيرانيين هم من يرفضون ذلك".

ابن سلمان بدا رافعا الراية البيضاء أمام إيران في حواره على قناة

مبادرات للتهدئة

يبحث الطرفان الأمريكي والسعودية عن وساطات للقاء نظيرهم الإيراني، إذ كلفا رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بالوساطة مع إيران لخفض التوتر، الذي تغذيه صراعات في مقدمتها الصراع الجاري في اليمن مارس/أذار 2015.

رغم التعزيزات العسكرية التي ترسلها إلى المملكة تحرص واشنطن على التأكيد على أنها لا تسعى إلى الصراع مع إيران، حسب ما أكده المتحدث باسم البنتاغون خلال إعلانه نشر قواته في المملكة.

المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي أكد في نفس يوم وقوع الحادث أن رئيس الوزراء الباكستاني نقل إلى بلاده رسالة من ولي العهد السعودي يطلب فيها الحوار مع إيران.

زيارة "خان" إلى طهران جاءت بعد يومين من الحادث، وأعلن خلالها في مؤتمر صحفي مع الرئيس الإيراني حسن روحاني: "لا نريد حربا بين السعودية وإيران ونؤمن بأن الخلاف بينهما يمكن حله عبر الحوار".

"روحاني" رحب بجهود "خان" مؤكدا أن بلاده سترد على أي مقترح للحوار بإيجابية، وأن مفتاح حل المشاكل هو إنهاء حرب اليمن، ووقف العمليات القتالية في هذا البلد فورا، وتقديم المساعدات لليمنيين.

حسب متابعين، فإن اختيار قصف ناقلة نفط إيرانية قبالة شواطئ جدة في هذا التوقيت بالذات من تدبير مخابراتي هدفه توجيه الأنظار إلى السعودية، ومن المنطق القول بعدم تورط الرياض في العملية في وقت تتجه فيه للتهدئة مع إيران، إذا فمن الطرف المستفيد من تأجيج التوتر والتأزيم، خاصة أن الحدث تسبب في رفع أسعار النفط 2%.

فيما يرى آخرون أن ما حدث ربما يكون من فعل إيران لاتهام السعودية بالتفجير وتلويث مياه البحر الأحمر والإضرار بالحياة البحرية وتكبيد السعودية خسائر لإزالة النفط المتسرب وإشعال فتيل الحرب في المنطقة.

أمريكا والسعودية كلفا رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بالوساطة مع إيران لخفض التوتر

قراءات و احتمالات

الكاتب والمحلل السياسي ياسين التميمي، قال:  إن انفجار ناقلة نفط إيرانية على بعد 60 ميلا من مدينة جدة يثير الشكوك بشأن دوافع الانفجار، وهناك احتمالات عدة بعضها قوي وبعضها ضعيف.

وأوضح في حديثه لـ "الاستقلال": أن الاحتمال الأضعف أن تكون السعودية هي من خطط وتسبب في هذا الحادث وقد يكون دافعها المحتمل إثبات قدرتها على إلحاق الأذى بالمصالح الإيرانية، لكن احتمال كهذا يبقى ضعيفا لأنه سيضعف موقف السعودية عوضا عن أن يقويه.

وأضاف التميمي: أن الاحتمال الأقوى أن تكون إيران هي من رغب في وقوع هذا الحادث بهدف خلط الأوراق وإيجاد حادث يحمل نفس الأثر العدائي الذي تولد عن الهجمات التي استهدفت منشآت أرامكو السعودية.

ورأى أن الأمر قد يكون مرتبطا بقراءة إيران للتحركات الأمريكية الأخيرة والمتمثلة في إرسال قوات وأسلحة إلى المملكة على خلفية تلك الهجمات. أما الاحتمال الثالث حسب التميمي قد يكون مرتبطا بأجندة يحاول طرف ثالث فرضها بهدف إشعال الموقف المتأزم بين الرياض وطهران، والوصول به إلى مستويات خطيرة.

أوراق ابتزاز

الدكتور محمد الحساني الباحث في الفكر الإسلامي والدراسات السياسية أكد أن هذه الضربة لا ينبغي فصلها عن السياق العام الذي تدور فيه أحداث المنطقة، قاصدا بأن الهدف المركزي والإستراتيجي هو ألا تعرف هذه المنطقة استقرارا بأي شكل من الأشكال. وخلص إلى أن هذا الهجوم يحمل مزيدا من الابتزاز السياسي والمالي للسعودية خصوصا.

وربط في حديثه لـ "الاستقلال" بين تصريح ترامب عن إرسال 3 آلاف جندي إلى السعودية بطلب من ولي العهد، وبين الهجوم، قائلا: "الحادث جاء ليؤكد صوابية الاختيار السعودي أو جاء ليقول لابن سلمان إنه نظرا لهذا التوتر فطلبك كان في محله وعليك أن تدفع المزيد مرة أخرى إن أردت مزيدا من الدعم".

وأشار "الحساني" إلى أن تحديد الجهة لا يمكن الفصل فيه ولذلك فحتى على المستوى الإيراني الرسمي لم يتم الحسم في الجهة التي تقف وراء الحادث لأن تحديدها يتطلب ردا، خاصة وأن إيران متأهبة ومستعدة وتطور الأداء عندها بشكل كبير ولعل عملية أرامكو الأخيرة خير مثال ودليل على ذلك.

حرب ناقلات

الباحث السياسي الدكتور أسامة رشدي، حذر من أن تفجير ناقلة النفط الإيرانية سيكون له تداعيات خطيرة على الملاحة في الخليج العربي والبحر الأحمر وقد يفجر ما يمكن وصفه بحرب الناقلات في المنطقة ما سيؤثر على إمدادات النفط من الخليج وبالتالي ارتفاع أسعاره.

وأضاف في حديثه لـ "الاستقلال": أن أنظار إيران تتجه بالتأكيد الآن للسعودية واتهامها بالمسؤولية عن الهجوم بالنظر لموقع الهجوم، وذلك في الوقت الذي يقوم فيه رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بزيارة طهران ويعقبها بزيارة للرياض في إطار الوساطة التي كلفه بها ولي العهد السعودي، وقد تؤثر هذه العملية سلبا على هذه الجهود.

وأشار "رشدي" إلى أن ايران كانت أعلنت في السابق أنها إن لم تتمكن من تصدير نفطها فلن يتمكن أحد في المنطقة من ذلك، متوقعا ارتفاع حدة التوتر الذي قد يكون مقدمه لاندلاع حرب جديدة في الخليج.

بدوره، رأى محمود شعبان الباحث في العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول أيدن، أن استهداف الحاوية النفطية له علاقة بالمبادرة التي تقدم به عمران خان نيابة عن ابن سلمان، مؤكدا أن استهداف الحاوية له علاقة بالقوات الأمريكية في المنطقة بإيعاز من السعودية لإرغام إيران على القبول بعرض "ابن سلمان".

وأوضح في حديثه لـ"الاستقلال": أن منطق المفاوضات إذا أراد طرف إجراء مفاوضات مع طرف آخر فإنه يحاول جره إلى منطقته، مشيرا إلى أن الذي استهدف الحاوية الإيرانية أراد أن يجبر إيران على قبول التفاوض مع السعودية، وبالتالي الرسالة تقول لإيران إن حاوياتها ستكون مستهدفة في منطقة البحر الأحمر ومنطقة الشرق الأوسط إذا لم تقبل بمبادرة ابن سلمان.

وجزم بأن توقيت الاستهداف مهم جدا حيث جاء بعد حالة الاشتباك التي تمت في هرمز واستهداف إيران لحاويات بريطانية وخليجية وحديثها عن تهديد الأمن في هرمز ومحاولة استفزاز أطراف غربية لدعمها في مواجهة ترامب.

واعتبر ذهاب عمران خان برسالة إلى إيران تحمل رغبة السعودية لبدء المفاوضات مع إيران بشأن اليمن والاتفاق النووي، حديثا بلسان واشنطن وتبنيا لموقفها الراغب في بدء مفاوضات مع إيران.

وأضاف الباحث: أن تضارب روايات إيران بخصوص استهداف الناقلة وخروج روايتان الأولى تتحدث عن استهدافها بصاروخين والثانية عن تسريب نفطي، سلوك متعمد من جانب إيران لتمييع الاتهامات وعدم الجزم بمسؤولية طرف ما لاستيعاب ما تريد أن ترسله لها الجهة المستهدفة من الحادث.

وأكد أن إيران تريد أن تفوت الفرصة على احتمالية فشل مبادرة ابن سلمان خاصة أن الموقف في صالحها برمته والسعودية في موقف ضعف وكأنها تريد أن تقول دعونا نرى ماذا يريد ابن سلمان في النهاية فعدم جزمها بمسؤولية لإفساح المجال أكثر لمبادرة ابن سلمان.

واستبعد افتعال إيران للحادثة لأنها تمت في البحر الأحمر الذي يختلف عن هرمز في حمايته، ويشترك في حمايته قوات دولية كثيرة ومن الصعب افتعال مشكلة مثل هذه إلا إذا كان هناك طرف قوي يقف خلفها.