مركز دراسات: هذه خيارات البشير للتعامل مع الاحتجاجات بالسودان

12

طباعة

مشاركة

نشر "مركز أفريقيا للدراسات الإستراترجية"، تقريرا سلّط فيه الضوء على أسباب التظاهرات الشعبية الجارية في السودان، وخيارات الرئيس السوداني عمر البشير تجاهها.

وقال التقرير الذي ترجمته "الاستقلال" أن "الرئيس السوداني عمر البشير يواجه ضغوطا غير مسبوقة من مجموعة متنوعة من المتظاهرين والأحزاب السياسية، وأنّ المطلوب وساطة لتفادي تصعيد عنيف".

ويُذكر أن الاحتجاجات الشعبية انتشرت في أكثر من 28 مدينة بالسودان في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، فكانت بداية الشرارة الأولى لتلك الاحتجاجات مع زيادة أسعار الخبز وارتفاع معدل التضخم بنسبة 65 بالمئة، وما زال الارتفاع مستمرا. وتمثّل التظاهرات التحدي الأكبر والأكثر انتشارا؛ الذي يواجه الرئيس البشير منذ توليه السلطة قبل 30 عاما.

ونقل "مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية" عن لوكا كوال، الوزير السابق لشؤون مجلس الوزراء للسودان، قوله: إنّ "الانتفاضة الشعبية الحالية تختلف عن سابقاتها، من حيث الأسباب والقوى الدافعة لها، ومن حيث الأعداد والرواج والشعبية، ومن حيث المدة الزمنية والاتساع وأعداد القتلى".

وأضاف: "رغم أن سبب اندلاع التظاهرات الحالية يرجع إلى قرار الحكومة رفع الدعم عن السلع الأساسية (خاصة الخبز)، إلا أنها تعتبر تمثيلا واضحا لضعف الهيكل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للسودان".

وخلافا للانتفاضات السابقة، يرى كوال أنّ "هذه المظاهرات صممت بواسطة قوى جديدة من بين الشباب والمهنيين من الطبقة الوسطى، وهي الطبقة التي على علم ببواطن الأمور، والطبقة المتصلة والمجهّزة بالنظم التكنولوجية وشبكات التواصل الاجتماعي. وفي المقابل فإن النظام غير مؤهل لاحتوائها".

عوامل أدت لاندلاع الاحتجاجات

ولفت التقرير إلى عوامل عدة قال إنها أدت لاندلاع الاحتجاجات، ومنها: الانقلاب في عام 1989 (قاده عمر البشير) الذي لم يؤدِ فقط إلى انفصال جنوب السودان؛ لكنه تسـبب أيضا في معاناة بشرية هائلة ساهمت في الانتفاضة الحالية، وأدت أيضا إلى هبوط السودان إلى مستوى يمكن وصفه بأنه واحدٌ من أكثر دول العالم هشاشة.

ورأى أن الانتفاضة الحالية تبنّت مجموعة من الهتافات السلمية، كالتي شهدناها خلال احتجاجات الربيع العربي والاحتجاجات المماثلة في أماكن أخرى بالمنطقة: "الشعب يريد إسقاط النظام" ويطالبون البشير بالاستقالة. ويبدو أنه كلما استخدمت الحكومة العنف لقمع الاحتجاجات، زادت الانتفاضة من قوتها ونشـاطها، كما أنها "أضعفت سلطة البشير والإسلام السياسي بالسودان".

هل يواصل المتظاهرون حراكهم؟

توقّع "المركز الأفريقي" أن تستمر الانتفاضة الحالية بلا هوادة، ولكن هناك عناصر من الحكومة مصممة على الاستمرار في قمع الاحتجاجات؛ حتى تجهد الحركة وتستنزف. وواقع الأمر أن السودان يقف على مفترق الطُرق.

وبحسب التقرير، فإن بعض المراقبين يرون أن "البشير ليس لديه أي خيار سوى التصدي مهما كان الثمن، حتى لو كان المتظاهرون مصممون على تغيير النظام، وإذا ما استمرت المواجهة في التصاعد وبنفس الوتيرة، وبالرغم من الكياسة التي أظهرها المتظاهرون، فإن السودان متجه إلى صراع دموي وفوضى؛ والذي قد يتدهور ليصل إلى سيناريو مماثل لما حدث في سوريا أو ليبيا".

ما الدعم الذي يفيد البشير؟

يعد انسحاب 22 حزبا سياسيا، بما في ذلك الأحزاب السياسية الإسلامية، من الحوار الوطني الذي بدأه الرئيس البشير، إضافة إلى دعوة الأحزاب في الأول من يناير/كانون الأول الماضي، للبشير بالاستقالة وتشكيل مجلس رقابي وحكومة انتقالية؛ كل ذلك يعدُّ بمثابة ضربة سياسية للرئيس السوداني.

يعتقد العديد من المراقبين أن "الجيش قد انتقل من الولاء المطلق للبشير إلى اتخاذ موقف محايد، وفي بعض الأحيان موقف منحاز للمتظاهرين. وأصبح الجهاز الوطني للاستخبارات والأمن، الذي كان مواليا جدا للبشير وكان جزءا لا يتجزأ من حزبه الحاكم، يبدأ بإلقاء اللوم على الحكومة وسوء إدارتها للأزمة الاقتصادية".

وأشار المراقبون، إلى أنه نتج عن هذا تزايد في ضعف سيطرة البشير على شؤون الحكومة، وحتى القوة العسكرية الخاصة والمعروفة باسم "قوة الدعم السريع" التي جرى تشكيلها لحماية البشير ونظامه، اتخذت موقفا محايدا تجاه الانتفاضة. وانتقد قادتها علنا إدارة الحكومة للأزمة الاقتصادية أيضا.

ومع تآكل القاعدة السياسية للبشير، وانقسامات حزب المؤتمر الوطني، لم يتبقَ للرئيس السوداني إلا عدد قليل من مؤيديه. هناك أيضا احتكاكات بين أنصار النظام. وفي ظاهرة غير مسبوقة، قامت رابطة "علماء الدين المسلمين السودانيين"، وهي هيئة محافظة ترعاها الدولة وتعتبر موالية للبشير، بالمطالبة بمساءلة الجهات والموظفين المسئولين، وفقا للتقرير.

خيارات البشير المحتملة

ويضع تقرير "المركز الأفريقي" خيارات مستقبلية عدة أمام البشير، أولها "الاستقالة طوعا وتسليم السلطة إلى الجيش الوطني، مع تشكيل حكومة تكنوقراطية؛ للإشراف على عملية الانتقال إلى حكم ديمقراطي دستوري. شريطة أن يكون بإمكانه العثور على بلد مضيف يكفل له السلامة والحماية من إلقاء القبض عليه من المحكمة الجنائية الدولية".

وذكر أن الرئيس البشير قد يقرر مغادرة البلاد. وحسب الحماية التي سيكتسبها، فإن البشير قد يقرر أيضا البقاء داخل البلاد، ومن المرجح أن تخمد مثل هذه الاحتجاجات وتتجنب البلاد خطر انتشار العنف. ومع ذلك، فإن هذا الخيار "غير متوقع"؛ وهذا لأن الجيش الوطني قد "أصبح مسيسا جدا"، وعلاوة على ذلك، فقد لا يقبل بعض المتظاهرين إفلات البشير من المساءلة.

أما الخيار الثاني للرئيس البشير، بحسب المركز، هو أن "يتعهد بعدم خوض الانتخابات الرئاسية العامة عام 2020، والسماح بتشكيل حكومة انتقالية شاملة للوحدة الوطنية للإشراف على عملية الانتقال إلى الحكم الديمقراطي الدستوري".

وضمن هذا الخيار، يعتذر البشير علنا للشعب السوداني عن الفظائع التي جرى ارتكابها خلال حكمه، ويتعهد بتقديم جميع مرتكبي جرائم قتل المتظاهرين إلى العدالة.. وكجزء من عملية الانتقال، سيتعهد بحوار وطني يساعد على خلق مناخ سياسي يفضي إلى تقاسم السلطة، وبالتالي ضمان مشاركة الأعضاء الإسلاميين المعتدلين، مثلما حدث في العملية الانتقالية التونسية.

ومن المحتمل، وفقا للتقرير، أن يلقى هذا الخيار استساغة من البشير، وقد يكون مقبولا من قبل المتظاهرين، شريطة أن يجرى تقديمه وتنفيذه بواسطة هيئة أو جهة موثوق بها. وعلى الرغم من ذلك، فقد يرفض بعض المتظاهرين أي خيار لا ينص على استقالة البشير.

وفي الخيار الثالث للبشير، فإن "أمامه تحدي الانتفاضة وإعلان حالة الطوارئ، ومحاولة قمع الاحتجاجات بوحشية. هذا الخيار سيؤدي إلى المزيد من إراقة الدماء، وقد يؤدي إلى رد فعل عنيف من قبل المتظاهرين، مع احتمال لجوء البعض منهم إلى خيار "النضال المسلح"، كسبيل وحيد لإجبار الرئيس البشير على الاستقالة.

ووفقا للتقرير، فإن السيناريو الأخير "يمكن أن يؤدي إلى صراع طويل الأمد، مماثل لما حدث في كل من سوريا وليبيا، وسيؤدي إلى تشريد الناس ومعاناة إنسانية هائلة. وفي غياب الوساطة الداخلية والخارجية؛ فإن غريزة الرئيس البشير وغروره قد يقودانه إلى السير في هذا الطريق".

"الوساطة وسيلة لإنهاء الأزمة"

وأعرب الوزير السابق لوكا كوال، عن اعتقاده بأنّ "العامل الرئيسي والحاسم هو دور الوساطة الجديرة بالثقة. مع الأخذ في الاعتبار موقف البشير من المحكمة الجنائية الدولية، التي تجعل حالته مختلفة عن حالة زين العابدين بن علي، الرئيس التونسي المخلوع".

فعلى البشير أن يأخذ في الاعتبار، بحسب كوال، مصير القادة الآخرين بالمنطقة، الذين حاولوا الخروج من الأزمة باستخدام العنف؛ ولذلك فهو ربما يكون مستعدا لدراسة الخيارات بعين الاعتبار. ولذا، فإن جهود الوساطة، سواء من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أو من الاتحاد الأفريقي قد تؤدي بفعالية دور الوسيط الأمين الذي تحتاجه البلاد.

وقد توفر هذه الوساطة أيضا "منبرا مستقرا" لحشد الدعم الدولي اللازم؛ لتحقيق الاستقرار في مواجهة الأزمة الاقتصادية الخطيرة التي يواجهها السودان، حتى ولو قرر البشير الاستقالة، على حد قوله.