يحكم منذ 18 شهرا فقط.. ماذا فعل آبي أحمد كي يحصد نوبل؟

محمد سراج الدين | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أحدث حصول رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، على جائزة نوبل للسلام لعام 2019، دوي كبير، وردود فعل واسعة، على الصعيدين الإقليمي داخل القارة الإفريقية، والدولي على مستوى العالم، وبات نموذج الشاب الإثيوبي الطموح، حلما يراود مختلف دول القارة الإفريقية، وخاصة تلك التي تتشابه ظروفها مع إثيوبيا التي كانت قبل 18 شهرا، مكانا للأزمات الداخلية والخارجية.

ورغم أن أيا من المصريين لم يكن على قائمة المرشحين لتلك الجائزة، إلا أن تعاطيهم مع حصول رئيس الوزراء الإثيوبي على الجائزة، كان له طابع خاص، تنوع بين متخوف من تأزم قضية سد النهضة، وبين متحسر على وضع بلاده على يد الحكم العسكري، من خلال المقارنات بين آبي أحمد وعبدالفتاح السيسي، وكيف استطاع الأول إعادة بلاده لمكانتها القارية والدولية، وتحقيق معدلات نمو غير متوقعة في فترة زمنية بسيطة، بينما لا يزال نظام الثاني يتغنى بسياسات الزعيم النازي هتلر، على الصعيد السياسي.

لماذا آبي أحمد؟

وفقا لما أعلنته رئيسة الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، فإن رئيس الوزراء الإثيوبي تم اختياره لجهوده في "تحقيق السلام والتعاون الدولي"، وهي العبارة التي حملت بين طياتها الكثير من الدلالات، حيث استطاع آبي أحمد الذي اختير رئيسا لوزراء إثيوبيا في مارس/آذار 2018، إنهاء العديد من النزاعات الداخلية والخارجية التي كانت بلاده طرفا فيها.

وحسب بيان جائزة نوبل، فإن الرجل الذي يبلغ من العمر 43 عاما، أفسح المجال للحريات السياسية داخل بلاده فور توليه مسؤولية الحكم، حيث أطلق سراح المعتقلين السياسيين، وألغى حالة الطوارئ، وأدان سياسة التعذيب التي جرت مع المعتقلين، وأطلق الحريات الصحفية، وقنن مشروعية الأحزاب المعارضة، بما فيها التي كانت تحمل السلاح ضد الحكومة، وفتح المجال للمجتمع المدني، وسمح بعودة المعارضين المقيمين في الخارج للعودة إلى بلادهم مرة أخرى.

كما قام بإصلاحات واسعة في قطاعات الأمن والمخابرات والقضاء، وتعهد بالقيام بإصلاحات تضمن تحقيق العدالة وسيادة القانون، ووضع نظام محاسبة للمخالفين، ومنح المرأة نصف المناصب في حكومته بما فيها تولي وزارة الدفاع.

وحسب بيان الجائزة، فإن مبادرة السلام التي أقرها آبي أحمد مع جارته إريتريا، بعد صدام مسلح استمر لما يقرب من عشرين عاما، كان سببا رئيسا في منحه جائزة هذا العام، إضافة للدور الذي قام به في الوساطة بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري بالسودان بعد إزاحة الرئيس السابق عمر البشير من الحكم.

آبي أحمد أنهى الخلاف مع جارته إريتريا بعد صدام مسلح دام لعشرات السنين

جائزة لإفريقيا

وفي تعليقه على الجائزة قال آبي أحمد، في اتصال هاتفي قصير مع مؤسسة "نوبل" بثته عبر موقعها بالإنترنت: "أشعر بالتواضع والسعادة ... شكرا جزيلا لكم"، إلا أنه استكمل قائلا: "إنها جائزة تُمنح لإفريقيا، تُمنح لإثيوبيا، أتصور أن كل القادة الأفارقة الآخرين سيفكرون أنه من الممكن العمل على إجراءات لبناء السلام في قارتنا".

ويري مراقبون، أن التعليق السابق لرئيس الوزراء الإثيوبي، يترجم السبب الأساسي لمنحه الجائزة، التي لم تعرفها القارة الإفريقية إلا من خلال 10 شخصيات من بين 100 شخصية حصلت على الجائزة من مختلف دول العالم، ومن أبرز الشخصيات الإفريقية التي حصلت عليها الزعيم الجنوب إفريقي الراحل نيلسون مانديلا، والرئيس المصري الراحل أنور السادات، والأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، ورئيسة ليبيريا السابقة آيلين سيرليف.

وبحسب المراقبين، فإن المجتمع الدولي لا ينظر إلى رئيس وزراء إثيوبيا باعتباره زعيما محليا، أعاد الهدوء لبلاده، ولكنه يمثل النموذج المطلوب داخل القارة الإفريقية، وإلا كان من باب أولى أن يتشارك معه في الجائزة الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي الذي وقع معه اتفاق السلام بين البلدين، أو أن يتم منح الجائزة للرئيس الرواندي بول كاغامي، الذي أنهى الحرب العرقية في بلاده، واستطاع في سنوات قليلة أن يجعلها أحد النمور الاقتصادية القادمة في القارة الإفريقية.

آبي أحمد، يعد أبرز دعاة السلام الجدد في أفريقيا

ويدعم الرأي السابق دراسة وافية نشرها موقع "دراسات إفريقية" قبل شهرين، للباحث أحمد نزيه، انتهى فيها إلى أن آبي أحمد، يعد أبرز دعاة السلام الجدد في إفريقيا، حيث سعى الرجل منذ توليه رئاسة الحكومة في أبريل/ نيسان 2018، نحو السلام، وتسوية نزاعات بلاده مع أشقائها وجيرانها، كما أنه تخطى مسألة تسوية النزاعات لبلاده فقط، وأصبح يبحث عن إيجاد حل للقضايا الشائكة المتعلقة بالمحيط الإفريقي لدولة إثيوبيا.

وبحسب الدراسة، فإن الدور الذي قام به آبي أحمد في حل الأزمة السياسية في السودان بعد رحيل البشير، وقبلها اتفاق السلام مع إريتريا، وتوقيع اتفاق سلام في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، مع متمردي "الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين"، والتي سبق للحكومة الإثيوبية اعتبارها "جماعة إرهابية"، كل هذه التصرفات رسخت خطوات الشاب الإثيوبي ليكون نموذجا لقادة المستقبل في القارة السمراء.

العالم يريده

ويشير تحليل لموقع "رأي اليوم"، أعده الخبير في معهد الدراسات المستقبلية ببيروت، محمد عبد الكريم أحمد، إلى أن نجاح آبي أحمد في حل العديد من الخلافات الإقليمية، سواء مع جارته السودان، أو الأخرى إريتريا، جعل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس يطالبه قبل أيام من حصوله على الجائزة، بتكرار جهوده والعمل على الوصول لتسوية للأزمة السياسية في جنوب السودان؛ وهو ما يعني تسليما أُمميا لافتا بقدرة إثيوبيا على الانخراط القوي والفعّال في تسوية الأزمات الإقليمية في القرن الإفريقي وحوض النيل، وإن لم يحقق نفس القدر من النجاح في الوساطة بين الصومال وكينيا بخصوص النزاع البحري بينهما، غير أنه نجح في تجميد التصعيد بينهما.

وانطلاقا من التحليل السابق، فإن الجائزة ستمثل قيمة مضافة للدور الإقليمي الإثيوبي في المنطقة في المرحلة المقبلة، وتُضيف زخما لهذا الدور ذي السمة الكلاسيكية بالارتباط بسياسات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مضافا لها الصلة الوطيدة (اقتصاديا بالأساس) بدول عربية وإقليمية ذات نفوذ متنام في دول جوار إثيوبيا، والصلة المتميزة مع الصين الشريك التجاري الأول لإثيوبيا.

ويري الباحث، أن إثيوبيا سيكون لها دور فاعل أيضا في تأمين الملاحة بالبحر الأحمر؛ بعد أن قادت إثيوبيا في أبريل/ نيسان الماضي، جهودا إقليمية لتكوين قوة مهام إفريقية بحرية في البحر الأحمر وخليج عدن تتكون من دول "إيجاد"، بهدف تعزيز السلام والأمن في المنطقة.

نوبل وسد النهضة

ورغم أن الجائزة لم تتطرق من قريب أو بعيد لأهم أزمة تشهدها إفريقيا في الوقت الراهن، وهي قضية سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، إلا أن البعض يري أن الجائزة سوف تدفع آبي أحمد لإيجاد حل لأزمة السد مع مصر، وهو ما كان واضحا في الاتصال الهاتفي الذي جرى بين السيسي وآبي أحمد، حيث أكد الأخير حرص بلاده على عدم الإضرار بمصر فيما يتعلق بسد النهضة.

وقد تزامن مع تصريحات آبي أحمد بعد اتصال السيسي به لتهنئته بالجائزة، إعلان الأمم المتحدة عن استعدادها للوساطة بين مصر وإثيوبيا لحل مشكلة السد، وبحسب التحليل السابق الذي قدمه الباحث محمد عبد الكريم أحمد، فإن هناك احتمالان لتعامل إثيوبيا مع ملف السد، وفقا للمعطيات الجديدة، أولها أن يقدم آبي أحمد مبادرة تحمل حلا وسطا، حتى يظهر الرجل بشيء من المرونة، ولو مرحليا، لتجاوز توتر العلاقات مع القاهرة، وما قد يقود إليه من اضطراب في علاقة ظلت مثالية إلى حد ما.

أما الاحتمال الآخر، فربما يدفع التقدير الدولي لآبي أحمد والاعتراف بقدراته وارتقائه إلى مصاف أهم قادة إفريقيا إلى الاستمرار في سياساته المتعلقة بسد النهضة وهي التسويف واعتبار إدارته وتشغيله شأن داخلي بحت لن يؤثر سلبا على دولتي المصب. لكن يظل الاحتمال الأول، وفي ضوء شخصية آبي أحمد واعتبارات مصالح بلاده على المدى البعيد، هو الأقرب والأكثر واقعية.

السيسي على الخط

وبعيدا عن موقف إثيوبيا من سد النهضة، فإن حصول رئيس وزرائها على جائزة نوبل، أعاد الشجون للمصريين، الذين استقبلوا خبر الجائزة، بسخرية كبيرة نالت من السيسي، وأجرى كثير من المصريين على وسائل التواصل الاجتماعي مقارنات بين الدولة التي تعاني الفقر وضعف الإمكانيات، ولكنها تحولت في أقل من عام ونصف على يد رئيس وزرائها الشاب، إلى إحدى الدول المؤثرة في القارة، على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وبين مصر التي تشهد حربا شرسة ضد الحريات السياسية والإعلامية، وتحولت على يد النظام العسكري لدولة عسكرية فقدت قيمتها الإفريقية والدولية.

السيسي هنأ آبي أحمد بمناسبة حصوله على جائزة نوبل للسلام

وفي تعليقه على الجائزة، كتب رئيس تحرير صحيفة "المصريون" جمال سلطان عبر حسابه في "تويتر" قائلا: "فاز بجائزة نوبل للسلام حاكم إفريقي لم تلوث يده بدماء شعبه، ولا ارتكب مذابح ضد معارضيه، ولا قاد انقلابا عسكريا ليغتصب السلطة، فرغ السجون بإطلاق سراح آلاف السياسيين، ألغى كل صور الرقابة الإعلامية وقاد مصالحة وطنية داخل بلده ومصالحة إقليمية مع إرتيريا ورعى مصالحة سودانية".

وعلقت حساب باسم "أسرار محمد علي" على "تويتر"، بأن: "حصول رئيس الوزراء الإثيوبي على جائزة نوبل للسلام، وقوة موقفه في ملف سد النهضة، وتهنئة الأزعة المعلقة (السيسي) بتاعنا له .. حسينا كلنا بالحسرة والقهر على حالنا".