بعد 74 عاما من الغيبوبة.. هل تستيقظ الجامعة العربية على "نبع السلام"؟

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد 8 سنوات من الحرب في سوريا، ووجود قوات روسية وإيرانية تقاتل مع بشار الأسد، وأمريكية تدعم الأكراد في الشمال، فجأة ودون سابق إنذار تذكرت جامعة الدول العربية أن سوريا دولة عربية مزقتها الحرب وتحولت إلى أرض مستباحة من الجميع.

فقط الآن وبعد أن أعلنت تركيا عن عمليتها "نبع السلام" لتطهير الشمال السوري من إرهابيي "بي كا كا/ ب ي د - ي ب ك"، أعلنت جامعة الدول العربية عقد اجتماع استثنائي طارئ اليوم السبت 12 أكتوبر/تشرين الأول، لبحث الهجوم التركي على القوات الكردية في شمال سوريا.

الدعوة للاجتماع أتت بناء على طلب مصر، بالإضافة إلى السعودية والإمارات والبحرين، وصرح الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي إنه تقرر عقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية العرب، وذلك لبحث ما أسماه "العدوان التركي على الأراضي السورية، الذي يمثل اعتداء غير مقبول على سيادة دولة عربية عضو بالجامعة، استغلالا للظروف التي تمر بها والتطورات الجارية، وبما يتنافى مع قواعد القانون الدولي". 

الأربعاء 9 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري أعلنت تركيا بدء هجوم واسع على مناطق سيطرة الأكراد شمال شرقي سوريا، وصرح الرئيس رجب طيب أردوغان أن الهدف من العملية هو إفشال مخطط إقامة دولة إرهابية كردية على الحدود مع بلاده.

أردوغان: قررنا شن حملة عسكرية لإفشال مخطط إقامة دولة إرهابية كردية على الحدود التركية السورية

فقدان البوصلة

رغم فقدان جامعة الدول العربية لبوصلتها، وحالة الضياع والتيه التي تعيشها، إلا أنها دعت إلى اجتماع طارئ وعاجل للتباحث حول انتهاك سيادة دولة عربية، وتحدثت كما لو أنها قادرة على الفعل والتأثير.

تأتي تلك الدعوات في وقت كانت الشعوب العربية أحوج ما تكون لكيان عربي مؤثر وقادر على الفعل واتخاذ قرار ضامن للاستقرار في المنطقة.

لم يكن للجامعة العربية دور يذكر رغم مضي نحو 74 عاما على تأسيسها، وعلى العكس من ذلك كان لها دور سلبي، حيث شرعنت بصمتها التدخلات في المنطقة العربية، وكشفت عن هوة واسعة بين الجامعة وإرادة الشعوب العربية، وطموحها وتطلعاتها إلى الأمن والاستقرار.

دعت الجامعة العربية لعقد اجتماع طارئ للتباحث حول التحركات التركية المسلحة في شمال سوريا

دار المسنين

في تقرير لمجلة الإيكونومست البريطانية يتناول دور الجامعة العربية قائلا: "مع اشتعال الأوضاع في سوريا وليبيا وتحدي إيران للخليج للتمكن من المنطقة،  وتراجع أمريكا عن دورها بوصفها الضامن النهائي للاستقرار، كان يجب أن يكون كل هذا فرصة لجامعة الدول العربية لإثبات ذاتها، وبدلا من ذلك، يبدو أن هذا الكيان ينجرف بشكل أعمق، وأكثر من أي وقت مضى، إلى حالة من الضياع وفقدان الأهمية والمعنى، ومفهومها للتجديد أن يُستبدل أمينها العام الثمانيني بعجوز سبعيني، في تغيير فارغ بلا قيمة".

تسرد المجلة بعض الدلائل لإثبات موت الجامعة وفكرتها القومية، وذكرت مثالا على ذلك حينما دعت القوى المناهضة للاستعمار القوى الأوروبية لترتيب الفوضى في البلاد العربية وفي ليبيا على وجه التحديد.

علت الأصوات التي تطالب القوى الغربية بإرسال طائرات حربية، كما رفض المغرب استضافة قمة ميتة في مارس/آذار 2016، ولعل الاستخدام الحقيقي الوحيد الذي تصلح له جامعة الدول العربية في هذه الأيام أن تتحول إلى دار للسياسيين المتقاعدين في مصر، حسب المجلة.

الجولان السورية

إنكار الدول العربية للتدخل الأجنبي في أراض عربية سورية يدفع للتساؤل عن غياب هذه الدول ذاتها عند إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باعتراف الولايات المتحدة الكامل بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية.

وكان ترامب  قد قرر الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، في تطور هو الأخطر منذ احتلال إسرائيل للجولان عام 1967، وكتب ترامب في تغريدة على تويتر: "بعد 52 عاما، حان الوقت لاعتراف الولايات المتحدة الكامل بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان التي لها أهمية إستراتيجية وأمنية حيوية لدولة إسرائيل والاستقرار الإقليمي".

غير أن هذه الدول، التي تجتمع اليوم رافضة للتدخل الخارجي في الأراضي السورية، لم تتخذ موقفا تجاه ذلك الاعتراف المعلن بالاحتلال الإسرائيلي، رغم كونه التصعيد الأخطر منذ احتلال تل أبيب لمرتفعات الجولان عام 1967.

ترامب اعترف بسيادة الكيان الإسرائيلي على هضبة الجولان السورية

مصر السيسي

كانت مصر هي الدولة الأولى التي دعت لانعقاد جلسة طارئة للجامعة العربية لإنكار التدخلات التركية في شمال سوريا، غير أن مصر السيسي كانت قد أبدت تأييدها الصريح للتدخل الروسي في سوريا.

وزير الخارجية المصري سامح شكري أكد دعم بلاده للتدخل الروسي في سوريا، قائلا: "القضاء على الإرهاب في سوريا يعد خطوة مهمة لتشجيع الانخراط الإيجابي في العملية السياسية".

وأيد شكري الغارات الجوية التي تشنها الطائرات الروسية في سوريا قائلا إنها: "ستسهم بمحاصرة الإرهاب والقضاء عليه"، وهو الأمر الذي دفع بثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية لرئيس النظام السوري بشار الأسد لشكر رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي لتأييد مصر القدوم الروسي إلى سوريا، مؤكدة أنه: "مهم جدا" بالنسبة لبلادها.   

وكان الموقف المصري قد شهد تحولا ملحوظا منذ انقلاب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على نظام الرئيس محمد مرسي، حيث أعرب السيسي عن دعمه لنظام الأسد وللعمليات الروسية في سوريا، بعد أن كان مرسي قد اتخذ موقفا رافضا لنظام الأسد. 

أعلن الرئيس السيسي دعمه للتدخلات العسكرية الروسية في سوريا

وإلى جانب تأييده للتدخل الروسي في سوريا، دعم السيسي العقيد المتقاعد خليفة حفتر، قائد قوات شرق ليبيا الذي يحاول انتزاع السيطرة على طرابلس من قوات متحالفة مع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا ووقف في صفه ضد حكومة الوفاق، حسب رويترز، وقام في نفس الوقت بمعية أبوظبي بإنشاء قاعدة جوية في ليبيا، بالإضافة إلى دعمه حفتر بالسلاح.

السيسي دعا أعضاء الوفود المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة، إلى تضافر الجهود لمنع الفصائل المسلحة من السيطرة على ليبيا، ومنع الأطراف الخارجية من التدخل في الصراع الدائر هناك، متجاهلا دعمه للمتمردين الانقلابيين في شرق ليبيا. 

تدخلات كارثية

وفي الوقت الذي أنكرت الإمارات والسعودية تدخل تركيا في الأراضي السورية، تمارس الدولتان منذ أكثر من 4 سنوات تدخلا سياسيا وعسكريا في اليمن، تسبب بأزمة سياسية وإنسانية هي الأكبر والأشد تعقيدا في تاريخ اليمن.

عملت الإمارات منذ تدخلها في يوليو/تموز 2015 على إنشاء تشكيلات مسلحة موازية للمؤسسة العسكرية في جنوب اليمن، ودعمت ماليا وعسكريا انقلابا مسلحا ضد الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، في وقت تقول الأخيرة أنها لم تدع الإمارات للتدخل في اليمن، وأنها أتت بطلب من السعودية، لتنفيذ مشاريع خاصة بها.

أما الرياض فقادت هي الأخرى عملية عسكرية في اليمن ابتعدت فيها عن أهدافها في القضاء على انقلاب جماعة الحوثي وإعادة الشرعية، وذهبت لتنفيذ مشاريع إستراتيجية تقاسمتها مع الإمارات، وعلى الضد من الأهداف المعلنة عملت على إضعاف الشرعية وقضت على ما تبقى لها من ثقل سياسي محلي ودولي، في مقابل تقوية شوكة الانقلابيين الحوثيين.

تسببت التدخلات العسكرية السعودية والإماراتية بأكبر كارثة إنسانية وسياسية في اليمن

المثير للغرابة أن حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي الشرعية، التي لم تعد تحظى بأي ثقل سياسي وعاجزة عن حل مشاكلها وأزماتها السياسية والاقتصادية، أصدرت بيانا دانت فيه العمليات العسكرية التركية شمال شرقي سوريا، واعتبرتها انتهاكا لسيادة واستقلال الأراضي السورية.

إدانة اليمن تم قراءته كشكل من أشكال السطو السعودي على الإرادة اليمنية، التي يفترض أن تكون لها إرادة نابعة من قناعاتها كدولة يجب أن تكون لها السيادة الكاملة على مواقفها السياسية، لكن ذلك الموقف يتم فهمه فور معرفة أن الحكومة الشرعية تقيم في الرياض منذ نحو 5 أعوام.