قصص حية.. هكذا تحاول إسرائيل تجنيد العملاء في غزة

عدنان أبو عامر | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يشهد قطاع غزة في الأشهر الأخيرة تكثيفا في العمل الأمني الإسرائيلي للحصول على المزيد من المعلومات الاستخبارية الخاصة بقدرات المقاومة الفلسطينية، مما يشير لأهمية هذه المعلومات، وخطورتها على الأمن الإسرائيلي.

وزارة الداخلية والأمن الوطني في غزة كشفت قبل أيام، عن استخدام المخابرات الإسرائيلية أساليب ووسائل جديدة في جمع المعلومات الأمنية، بطريقة التحايل والخداع. 

وأشارت الوزارة أن من بين هذه الوسائل الاتصالات الوهمية بالفلسطينيين، عبر انتحال صفة جمعيات وهيئات خيرية، ومساعدات طلابية وصحية، ومكاتب عقارات وغيرها، والحصول على معلومات شخصية عبرهم عن المقاومين المطلوبين. 

كما لجأت المخابرات الإسرائيلية لإنشاء عشرات الصفحات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، تحت عناوين مُخادعة: رياضية، واجتماعية، وترفيهية، وخدمات الاتصالات، والطهي، وإعلانات التوظيف، وأخرى ذات طابع سياسي، حيث تطرح تلك الصفحات موضوعات يتم من خلالها الحصول على معلومات، من خلال تفاعل المواطنين معها بالتعليق، والمناقشة، والمشاركة.

معلومات حساسة

إياد البزم، المتحدث باسم وزارة الداخلية في غزة، قال لـ"الاستقلال" إن: "المخابرات الإسرائيلية تسعى للحصول على معلومات مختلفة، سواء أمنية أو عسكرية، خاصة التعرف على مقدرات المقاومة التسليحية، وأخرى لها علاقة بما يعانيه قطاع غزة من إشكاليات داخلية، ويستخدمها الاحتلال في بناء رؤيته للتعامل مع الوضع القائم هناك".

وتابع: "يسعى ضباط المخابرات الإسرائيلية للتواصل مع مختلف الشرائح الفلسطينية، عبر أسماء وهمية بغرض جمع معلومات مختلفة متنوعة، كل في مجاله، ويستهدف منها ضرب صمود الشعب الفلسطيني".

وأضاف أن :"ثقتنا بوعي شعبنا الفلسطيني كبيرة، فقد توجه إلينا المئات من المواطنين وأبلغونا بتلقيهم عروض إسرائيلية عبر مكالمات صوتية ومواقع التواصل، ونسعى لتطوير أساليب أجهزة أمن المقاومة للتصدي لمحاولات إسقاط المواطنين في وحل التخابر مع الاحتلال، وقد واجهتنا حالات تعرض ابتزاز من صحفيين ورجال أعمال ومرضى".

بدأ العمل الاستخباري الإسرائيلي ضد قطاع غزة فور احتلاله عام 1967، حيث قررت أجهزته الأمنية تجنيد عملاء لها، وإنشاء شبكات للتجسس، لتكون عينه وأذنه على المقاومة الفلسطينية، التي انطلقت بتجنيد الأفراد والتسليح والتدريب والعمل الفدائي، مما دفع أجهزة المخابرات الإسرائيلية للسعي لملاحقة واعتقال أفرادها، بشتى الطرق والوسائل، من أخطرها وسيلة المخبرين، ويطلق عليهم الفلسطينيون أسماء "الجواسيس، العملاء، الخونة، الطابور الخامس".

الثروة البشرية

"الاستقلال" التقى عدة فلسطينيين تعرضوا لمحاولة استدراج من المخابرات الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة، ومن بينهم أحمد، (اسم مستعار لصحفي فلسطيني)، رفض الكشف عن نفسه لأسباب أمنية.

يقول أحمد إن: "مكالمة هاتفية وصلتني أواخر سبتمبر من رجل يتحدث العربية غير المحترفة، عرف عن نفسه باسم داني، يعمل في مجال حقوق الإنسان، ويقيم في القدس، ويريد البقاء على تواصل معي للحصول على آخر تطورات الوضع في غزة، ومعرفة توجهات الرأي العام الفلسطيني، وإبلاغه بأي تطورات ميدانية أمنية في غزة مقابل مكافأة مالية".

ميرفت، سكرتيرة لشركة مقاولات وعقارات، قالت لـ"الاستقلال": إن محادثة هاتفية وصلتها من سيدة تدعى هدى تريد الحصول على شقة سكنية عبر الشركة التي تعمل فيها، "لكنها سألتني أسئلة تفصيلية عن أصحاب الشقق في العمارة السكنية، وماذا يعملون، وهل العمارة فيها شقق مستأجرة أو تمليك؟".

تتابع: "أثارت هذه الأسئلة قلقي، وتوجهت لأجهزة الأمن في غزة، وأعطيتهم المكالمة المسجلة، واتضح لي أن هذا الصوت مكرر في محادثات أخرى مع مواطنين آخرين من شرائح مختلفة".

سبق الحملة التي كشفت عنها وزارة الداخلية بغزة إعلانا لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، أوائل 2019 عن رصد مكافأة مليون دولار لكل متعاون مع المخابرات الإسرائيلية، يقدم معلومات أمنية عن نشاط القوات الإسرائيلية الخاصة، مما يشي بالدور الخطير الذي يلعبه العملاء بتسهيل عملها، ويتطلب من الجهات الرسمية والشعبية الفلسطينية الحد من الظاهرة، وكبح جماحها، ومنع الاحتلال من الاستفادة من هذه "الثروة البشرية".

تشير الأجهزة الأمنية الفلسطينية في غزة أنها تمكنت من شل قدرة عملاء الاحتلال، وإضعافهم بشكل غير مسبوق، مما جعل أجهزة المخابرات الإسرائيلية تعيش حالة من العجز، ومحدودية القدرة على التحرك داخل القطاع، أو جمع المعلومات الاستخبارية.

إبراهيم حبيب، أستاذ الدراسات الأمنية في "كلية العودة" بغزة، قال إن: "المخابرات الإسرائيلية تعاني من فقر في المعلومات الأمنية وتراجع في بنك الأهداف داخل غزة، وقد اتضح ذلك من خلال العدوان الإسرائيلي المتكرر على القطاع".

كما تمكنت الأجهزة الأمنية في غزة من ضرب شبكات التجسس على الأرض، مما جعل المنظومة الأمنية الإسرائيلية تفقد الكثير من مواردها البشرية وعملائها، وجعلها تلجأ لطرق غير تقليدية في تجنيد العملاء، والحصول على المعلومات الأمنية، بحسب حبيب.

صراع الأدمغة

وأضاف لـ"الاستقلال" أن: "الواقع الأمني المعقد في غزة يجعل المخابرات الإسرائيلية وأمن المقاومة الفلسطينية يخوضان حرب استنزاف عقول وصراع أدمغة، لاسيما من خلال التكنولوجيا الحديثة وشبكات التواصل، التي تفيدها في تحديد توجهات الرأي العام الفلسطيني، ويتطلب من الفلسطينيين عدم التعاطي مع هذه الصفحات، لأن الحرب الاستخبارية بين الجانبين على أشدها". 

وأكد أن: "إسرائيل رغم قدراتها المالية الهائلة والتكنولوجية الضخمة لكنها تسجل إخفاقات أمنية، في حين أن أمن المقاومة رغم محدودية إمكانياته، إلا أنه حقق إنجازات استخبارية. نحن أمام صراع إرادات، والمطلوب هو تحصين الجبهة الداخلية لمواجهة الجهود الاستخبارية للعدو الإسرائيلي".

وبعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة في 2005، تراجع تأثير "إسرائيل" الاستخباري بسبب قلة التواصل المباشر بين العملاء ومشغليهم، وأدركت مخابراتها الحاجة الملحة لامتلاكها الإمكانات التكنولوجية لتعويض النقص في أعداد العملاء على الأرض، مما جعلها تركز معظم اهتماماتها على هذا الجانب، وترصد له مبالغ طائلة.

ويتحدث الفلسطينيون عن الدور الخطير الذي يقوم به "مكتب المُنسق الإسرائيلي" عبر استغلاله كغطاء للحصول على المعلومات، واستخدامه في عمليات إسقاط وتجنيد العملاء، بالتواصل المباشر مع شرائح مختلفة من الفلسطينيين: كالمرضى، والطلبة، والتجار، ورجال الأعمال، والصحفيين والمثقفين، عبر الاتصال الهاتفي، ويتم ابتزاز أصحاب الحاجات المُلحة، ومقايضتهم بالحصول على المعلومات، مقابل منحهم تصاريح السفر والعمل والدراسة والعلاج، كمُقدمة لاستدراجهم نحو مستنقع العمالة.

أحمد جمال الخبير الفلسطيني في شبكات التواصل الاجتماعي يرى أن هناك نوعين من المحاولات الاستخبارية الإسرائيلية على الصعيد التقني التكنولوجي، والساعية للحصول على المعلومات الأمنية، أحدها الهاكرز الخاصة باختراقات حسابات قيادات سياسية مرموقة في الساحة الفلسطينية، وأخذ معلومات من داخل حساباتهم الشخصية، والتعرف على المحيطين به، وأخرى تهدف للاغتيال المعنوي لهذه الشخصيات بتشويه صورتها عبر شبكات التواصل.

خطورة التكنولوجيا

وأضاف لـ"الاستقلال" أن: "المطلوب فلسطينيا هو التوعية المعلوماتية ورفض الابتزاز، لأننا أمام جهد إسرائيلي ضخم يشمل عشرات الصفحات التي تسعى جميعها لتجنيد العملاء على الأرض، وجمع المعلومات العسكرية والأمنية والسياسية".

يتابع: "صحيح أنه لا استغناء إسرائيلي بالمطلق عن العملاء، لكن شبكات التواصل اليوم تؤدي أدوارا خطيرة من خلال الخوارزميات والهندسة الاجتماعية التي تتقنها المخابرات الإسرائيلية، عبر ابتزاز الفلسطينيين رجالا ونساء، والضغط عليهم".

وتمارس أجهزة المخابرات الإسرائيلية الحرب النفسية ضد كوادر المقاومة وعناصر الأجهزة الأمنية، من خلال إشاعة أخبار مفبركة عنهم، وأكاذيب موجهة في مواقع التواصل الاجتماعي؛ في محاولة للنيل منهم، وكسر إرادتهم، لتحقيق الاغتيال المعنوي لهم.

ويجري الأمن الإسرائيلي لقاءات دورية مع عملائه "وجها لوجه"، أو اتصالات "هاتفية تقنية" متفاوتة، بغرض تبادل الآراء والمعلومات، وتوجيههم ونقل التعليمات إليهم على الأرض، خاصة في أوقات المواجهات العسكرية، وتوصيل المعلومات الهامة منهم لضباط المخابرات.

يمتاز الاتصال الأمني الإسرائيلي بعملائه بالسرية التامة خشية انكشافهم، مما دفع المخابرات الإسرائيلية لاستغلال سعة انتشار أجهزة الجوال، والإنترنت وشبكات التواصل، وسهولة استخدامها، وتوفيرها لكلفة أمنية ومالية رخيصة مقارنة بباقي الوسائل.

وتكون لغة التخاطب أثناء الاتصال بين العميل ومشغله الإسرائيلي "العربية والعبرية"، كما تستخدم "الشيفرة" في الكناية عن كلمات معينة، أرقام خاصة، وأسماء مموهة، فيرسل العملاء المعلومات الطارئة والعادية والسرية لمسؤوليهم، بطرق حديثة كالإنترنت بـ"الماسنجر والبريد الإلكتروني"، وشبكات التواصل، أو النقاط الميدانية الميتة.