تعديل وزاري محدود بالمغرب.. هل ينقذ العثماني من مصير بنكيران؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 9 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري استقبل العاهل المغربي الملك محمد السادس، بالقصر الملكي بالعاصمة الرباط، رئيس الوزراء سعد الدين العثماني وأعضاء الحكومة المغربية الجديدة بعد التعديلات التي أدخلت عليها.

هذا التعديل الحكومي الذي عاشه المغرب يفتح عددا من التساؤلات عن النتائج المحتملة منه، ومدى قدرته على إيجاد حلول للمشاكل المطروحة، وعن صناعة القرار داخلها؟.

البعض يرى أن هناك مساع حثيثة لعرقلة الحكومة الجديدة في أداء مهامها لتلحق بسابقتها في سيناريو مشابه لما حدث مع رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران عام 2016، وأدى ذلك لإعفائه من منصبه.

خطاب الملك

في 29 يوليو/ تموز 2019 أثناء خطابه بمناسبة مرور 20 عاما على توليه الحكم، قال العاهل المغربي محمد السادس: إن الحكومة مقبلة على تعديل في تشكيلتها قبل 2 أكتوبر/تشرين الأول 2019، موعد افتتاح السنة التشريعية في البرلمان المغربي.

رئيس الحكومة سعد الدين العثماني لم يتقيد بهذه الآجال ولم ينجح في إعادة تركيب فريقه الوزاري، ما دفع بالملك إلى دعوته خلال لقاء بينهما في 21 سبتمبر/ أيلول الماضي إلى الإسراع في إجراء التعديل الوزاري.

وحسب وكالة الأنباء المغربية الرسمية، أجرى العاهل المغربي، تعديلا وزاريا واسعا بحكومة سعد الدين العثماني، التي أصبحت تضم 23 وزيرا بالإضافة إلى رئيس الحكومة، بينهم 6 جدد و4 تركوا حقائبهم وتولوا أخرى غيرها، كما تم إلغاء 15 منصبا وزاريا، فيما ضمت في تشكيلتها السابقة 39 وزيرا، وأدى الوزراء الجدد، وبينهم 4 نساء، القسم أمام الملك.

وتتشكل الحكومة الجديدة من 5 أحزاب، بعدما غادرها حزب "التقدم والاشتراكية"، وهي، حزب رئيس الحكومة "العدالة والتنمية" (6 وزراء بالإضافة إلى رئيس الحكومة)، "التجمع الوطني للأحرار" (4 وزراء)، و"الحركة الشعبية" (وزيران)، و"الاتحاد الاشتراكي" (وزير واحد)، و"الاتحاد الدستوري" (وزير واحد)، بالإضافة إلى 9 وزراء تكنوقراط.

واعتبر الصحفي محمد لغروس أن: "تقليص عدد الوزراء يأتي في سياق محاولة استرجاع الثقة المتآكلة للأداء الحكومي والسياسي عموما وحالة العزوف العام عن الشأن السياسي".

وأضاف مدير موقع العمق المغربي في حديث لـ "الاستقلال": "تقليص عدد الوزراء هو مطلب قديم للأحزاب ومطلب النخب والسياسيين والمفكرين، 40 وزير في حكومة يعتبر عدد كبير وضخم جدا مقارنة بعدد المواطنين والقطاعات التي يسيرونها".

واعتبر لغروس أن: "ما يعيب هو عدم الحديث عن المضمون السياسي لهذا التعديل، وأي رؤية سياسية تم الاعتماد عليها لتقليص عدد الوزراء، إذ ينتظر أن يخرج رئيس الحكومة خلال الأيام القادمة للحديث عن ذلك".

وجاء هذا التعديل بعد انتقادات شملت الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي لم تعد تقتصر على النقابات أو الأحزاب المعارضة أو الجمعيات فقط، بل انخرطت فيها مؤسسات حكومية، حيث كشف المجلس الأعلى للحسابات، في تقرير صدر خلال سبتمبر/ أيلول الماضي، عن جملة من الاختلالات والمشاكل في وزارات ومؤسسات وبلديات.

نفس الصعوبات

إثر فشل أو إفشال رئييس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران من تشكيل حكومته بعد فوز حزبه العدالة والتنمية بانتخابات العام 2016، تشكلت حكومة سعد الدين العثماني وضمت أحزاب "العدالة والتنمية" الذي فاز بـ 125 نائبا بمجلس النواب من أصل 395، والتجمع الوطني للأحرار 37 نائبا، والحركة الشعبية 27 نائبا، والاتحاد الاشتراكي 20 نائبا، والاتحاد الدستوري 23 نائبا، والتقدم والاشتراكي 12 نائبا.‎

بنكيران، الذي شغل منصب أول رئيس حكومة في المغرب منذ التعديلات الدستورية التي تلت احتجاجات حركة 20 فبراير/شباط  عام 2011، وأعقبها إجراء انتخابات تشريعية مبكرة وتشكيل حكومة ائتلافية، أجرى ساعتها مشاورات مع مختلف الأحزاب الممثلة في مجلس النواب، باستثناء غريمه حزب الأصالة والمعاصرة. إلا أن تلك المشاورات لم تفض إلى أي نتيجة.

وواجه بنكيران صعوبات في مفاوضاته مع حزب التجمع الوطني للأحرار، بقيادة عزيز أخنوش المقرب من دوائر القرار، واشترط أخنوش على بنكيران إقصاء حزب الاستقلال من الحكومة من جهة وضم 3 أحزاب أخرى صغيرة متحالفة معه هي حزب الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي.

مع رفض بنكيران تقديم تنازلات، واتهامه هذه الأطراف بالابتزاز والرغبة في المساس بموقعه وصلاحياته كرئيس للحكومة، وصلت الأمور إلى طريق مسدود، انتهت بتعليق المفاوضات وقرار الملك إعفاء بنكيران من رئاسة الحكومة.

التقدم والاشتراكية

يبدو أنّ نفس الصعوبات التي كانت تواجه بنكيران رئيس الحكومة الأسبق عادت من جديد لتظهر على السطح مع حكومة العثماني، وهي ما أجلت الإعلان عن التشكيلة الجديدة للحكومة، كان آخرها انسحاب حزب التقدم والاشتراكية من الحكومة.

في خطوة مفاجأة، أعلن المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية اليساري مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، في بيان رسمي نيته مغادرة الحكومة، وسحب ثقته منها في التعديل الحكومي الجديد المنتظر.

وسجل البيان الصادر عن الحزب انتقادات لأداء حكومة العثماني اعتبر فيه أن: "الأغلبية الحكومية الحالية، ومنذ تأسيسها إلى اليوم، وضعت نفسها رهينة منطق تدبير حكومي مفتقد لأي نَفَس سياسي حقيقي يمكن من قيادة المرحلة، والتعاطي الفعال مع الملفات والقضايا المطروحة".

مضيفا: "وخيم على العلاقات بين مكوناتها الصراع والتجاذب والسلبي وممارسات سياسية مرفوضة، حيث تم إعطاء الأولوية للتسابق الانتخابي في أفق سنة 2021، وهدر الزمن السياسي الراهن مع ما ينتج عن ذلك من تذمر وإحباط لدى فئات واسعة من جماهير شعبنا".

وأضاف الحزب في بيانه أنه: "عوض أن يتم أخذ كل ما سبق بعين الاعتبار، ظلت المشاورات المتصلة بالتعديل الحكومي حبيسة منطق المناصب الوزارية، وعددها، والمحاصصة في توزيعها، وغير ذلك من الاعتبارات الأخرى، دون النفاذ إلى جوهر الموضوع، حيث لا إصلاح دون المدخل السياسي الواضح، والبرنامج الحكومي الطموح المرتكز على الأولويات الأساسية، والإرادة القوية في حمل مشروع الإصلاح ورفع تحدياته وربح رهاناته".

ولا يترتب على خروج "التقدم الاشتراكي" أي تأثير على بنية الائتلاف الحكومي، نظرا لأن عدد مقاعد بقية الأحزاب دون "التقدم"، يتجاوز نصف عدد مقاعد مجلس النواب.

انتخابات 2021

ويعتبر الصحفي محمد لغروس أن انسحاب حزب التقدم والاشتراكية مبرر ومنطقي، حيث وقع تراجع في حجم تمثيلهم في الحكومة، قائلا: "حزب التقدم والاشتراكية تراجع حضوره في الحكومة من 4 وزراء إلى 3 ثم 2 والآن عرضت عليهم حقيبة وزارية واحدة، فاختاروا المغادرة".

وأضاف: "الحكومة الآن باتت متخففة بعد أن كانت مثقلة سياسيا وعدديا، لكن طبعا مادام هذا الحزب خرج للمعارضة فهو معروف بمواقفه القوية ويمكن أن يسبب تعبا للحكومة رغم أنه يمتلك 12 نائبا فقط في البرلمان".

يأتي التعديل الحكومي الجديد، وعين الأحزاب منصبة على الانتخابات البرلمانية المقبلة، في العام 2021، الحزب المنافس الرئيسي للعدالة والتنمية حزب الأصالة والمعاصرة يعيش أزمات داخلية قد تعصف بآماله في المنافسة.

وبرز حزب التجمع الوطني للأحرار المشارك حاليا في الائتلاف الحكومي، في المشهد السياسي بالمملكة، وضاعف من تحركاته في مدن المغرب، وأصدر قادته تصريحات تفيد بقدرتهم على تصدر انتخابات 2021، وقيادة الحكومة المقبلة.

وتوقع محمد أوجار، وزير العدل السابق القيادي بالحزب، تصدر حزبه لانتخابات 2021، وقال في لقاء حزبي: "تحالف التجمع الوطني للأحرار مع حزب العدالة والتنمية في الحكومة الحالية مرحلي، وما يجمع الحزبين هو البرنامج الحكومي فقط".

ومنذ مدة، يعمل حزب التجمع الوطني للأحرار على استقطاب رجال أعمال وأعيان، ويستثمر في الإعلام بشكل كبير، استعدادا للانتخابات المقبلة، وفق تقارير إعلامية محلية.

وذهبت تقارير إعلامية إلى صعوبة حصول "العدالة والتنمية" على المرتبة الأولى في انتخابات 2021، بينما يرى مراقبون أن الإسلاميين سيتصدرون الانتخابات، في ظل عدم وجود أحزاب سياسية بديلة قوية.