"قصص الذعر".. هكذا اختفى أمراء سعوديون عارضوا الأسرة الحاكمة

5 years ago

12

طباعة

مشاركة

"الرغبة في التفاوض"، هي كلمة السر لدى السعودية؛ لاختطاف وإخفاء الأمراء المعارضين للأسرة الحاكمة في الخارج، فالمملكة التي لا تأبه بما ينشر عن فضائح أمرائها سواء الجنسية أو تعاطيهم للمخدرات، تثور وتثأر وتتحرك سريعا إذا انتقد أمير من بيتها الداخلي النظام الحاكم، أو دعا للإصلاح والتغيير، هنا تنتفض السلطة ولا تعبأ بمكانة ذلك الأمير، وتتجاوز الغضب إلى طحن الأجساد في معتقلات قاسية.

اختطفت السلطات السعودية معظم أمراء الخارج المنتقدين لسياستها، ولم يبق سوى الأمير خالد بن فرحان المقيم بألمانيا، الذي يدفع بحسب قوله، ثمن بقائه حتى الآن بعيدا عن يدي السلطات الحاكمة في بلاده من حريته؛ حيث يضطر لأن يكون حذِرا أكثر من اللازم، خوفا من اختطافه.

سلطان بن تركي

ولعل أول الأمراء المختطفين، الذي جرى اختطافه مرتين، هو الأمير "سلطان بن تركي".

والأمير "سلطان" المقيم في جنيف للعلاج منذ 2002، اختطف للمرة الأولى في 12 يونيو/ حزيران 2003، حيث دعاه الأمير عبد العزيز بن فهد إلى قصر والده، وتحدث معه عن العودة إلى المملكة لحل مشكلته مع النظام هناك، إلا أن ابن تركي رفض العرض، حينئذ غادر عبد العزيز الغرفة لإجراء مكالمة هاتفية، وكذلك غادر وزير الشؤون الإسلامية في المملكة صالح آل الشيخ الذي كان حاضرا العرض؛ ليفاجأ الأمير السعودي بمجموعة من الرجال الملثمين يدخلون عليه ويقيدونه ويحقنونه في عنقه، ليفيق الأمير ويجد نفسه في الرياض، بعد اصطحابه إلى العاصمة السعودية عبر طائرة طبيّة مجهزة.

وفي يناير/ كانون ثاني 2004، عاود الأمير الظهور على قناة الجزيرة الفضائية، معلنا أنه قيد الإقامة الجبرية، محملا مضيفاه في قصر جنيف مسؤولية نقله إلى الرياض.

وفي 2010 سمحت السلطات السعودية لـ"سلطان بن تركي" بالسفر إلى الولايات المتحدة للعلاج، ما استغله الأمير السعودي لرفع دعوى قضائية حول واقعة اختطافه عام 2003، لدى المحاكم السويسرية؛ الأمر الذي سبّب حرجا للسلطات السعودية.

وفي يناير/كانون ثاني 2016، أراد سلطان بن تركي المقيم وقتها في باريس، زيارة والده في القاهرة، فعرضت عليه السفارة السعودية طائرة خاصة لتقله إلى القاهرة، ورغم ما تعرض له الأمير سابقا إلا أنه وافق على عرض السفارة؛ ليتكرر السيناريو مرة أخرى ويجد الأمير نفسه في الرياض.

واستغاث الأمير "سلطان" بالفريق الأجنبي المرافق له والمكوّن من 8 أشخاص، أن يتصلوا بالسفارة الأمريكية، ولم يظهر الأمير السعودي بعد ذلك.

أما الفريق الأجنبي المرافق له فقد تم إيداعهم في فندق لمدة 3 أيام، وسحبت منهم جوازات سفرهم وهواتفهم النقالة وأجهزتهم الإلكترونية التي تم محو أي تسجيلات عن واقعة الاختطاف منها قبل أن تتم إعادتها إليهم، ثم اعتذر لهم مسؤول سعودي عما حدث لهم، وسمح لهم بالسفر إلى أي وجهة يريدونها.

 تركي بن بندر

"تركي بن بندر آل سعود" المسؤول الرفيع في جهاز الأمن السعودي، والمكلّف بفرض النظام بين أفراد الأسرة المالكة نفسها، قاده خلاف على الإرث إلى غياهب السجون، قبل أن يخرج ويسافر إلى باريس، ويبدأ في 2012 ببث مقاطع فيديو عبر "يوتيوب" ينتقد فيها الأسرة الحاكمة، ويعلن امتلاكه مستندات وأوراق توثّق الفساد الموجود بالأسرة الحاكمة.

حاولت السلطات السعودية استمالة الأمير السعودي أو استدراجه إلى المملكة كما فعلت مع سابقيه، إلا أنه أيضا رفض العودة، كما أنه قام بتسجيل المكالمة مع وكيل وزارة الداخلية وقتها أحمد السالم ونشرها عبر "يوتيوب"، ما تسبب في إحراج النظام السعودي، حيث كشف الأمير تركي في التسجيل عن تعرضه لتهديدات من رجال الأمن بمواجهة مصير سلطان بن تركي.

وقال المدوّن وائل الخلف، الذي كان صديقا لتركي في تصريحات لـ"بي. بي. سي"، إن الأمير السعودي تلقّى الكثير من التهديدات المباشرة وغير المباشرة.

واختفى الأمير السعودي في منتصف 2015، بعد سفره إلى المغرب؛ لمباشرة مشروع له هناك، بحسب الأمير السعودي المقيم بألمانيا، خالد بن فرحان، حيث سلّمته سلطات المغرب إلى الرياض كون اسمه على قوائم الإنتربول، مشيرا إلى أن تسليمه جرى من المطار ولم يدخل حتى إلى المغرب.

وهو ما أكده الخلف أن أحد الضباط الكبار بالمملكة أخبره بأن تركي بن بندر في السعودية.

ولم تعلن الرباط رسميا تسليم الأمير السعودي، إلا بعد اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، حيث أصدرت وزارة العدل المغربية في أكتوبر/تشرين أول الماضي، أي بعد 3 أعوام من تسليم تركي، بيانا أعلنت فيه أن المسؤول السعودي "المطلوب من الإنتربول" تم ترحيله إلى السعودية في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

 الخلف قال إن" الأمير تركي أعطاه كتابا له وكتب فيه تنبيها، ألا ينشر ما في الكتاب إلا بعد اختفائه أو اغتياله؛ لأنه يعلم حق اليقين أنهم سيخطفونه أو يقتلونه"، متوقعا الخلف "تصفية تركي".

سعود بن سيف النصر

أما الأمير سعود بن سيف النصر أو كما يعرف بـ"عاشق الخمور والفنادق الأوروبية الفخمة"، فهو حفيد الملك سعود بن عبد العزيز ملك السعودية الأسبق، والوريث الأول لعرش الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، ويعد من مناصري تولي "أحمد بن عبد العزيز" لقيادة البلاد.

خاض ابن سيف النصر غمار السياسة في 2014 عندما انتقد عمل هيئة البيعة بعد تعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز وليا لولي العهد حينها سلمان بن عبد العزيز، مشيرا إلى أن الهيئة أصبحت أداة في يد البعض لتحقيق مصالحهم الشخصية، مستنكرا انسياق متعب نجل الملك الراحل عبد الله، وكان وزيرا سابقا للحرس الوطني، خلْف مخططات خالد التويجري، الذي كان رئيس الديوان الملكي حينها.

كما دعا إلى مقاضاة المسؤولين السعوديين؛ الذين أيدوا الانقلاب العسكري على الرئيس المصري محمد مرسي.

في العام 2015 وبعد تعيين محمد بن سلمان وليا لولي العهد محمد بن نايف، جدّد بن سيف النصر دعوته لتولي أحمد بن عبد العزيز الحكم، منتقدا تبذير الأميرين السعوديين ابني نايف وسلمان في وقت تقبل المملكة فيه على أزمة اقتصادية.


 

 

وفي أغسطس/آب 2015، كشف الأمير السعودي عن تلقيه تهديدات ممن أسماهم "حاشية محمد بن سلمان"، بالاعتقال من أجل التخلي عن بيعته للأمير أحمد بن عبد العزيز.

وأعلن ابن سيف النصر، في سبتمبر/آيلول 2015، تأييده لخطاب "نذير عاجل لكل آل سعود" والذي كتبه أحد أحفاد الملك المؤسس ونشره المغرد الشهير مجتهد، وحذّر فيه من انهيار الدولة، ودعا الأسرة المالكة للتحرك لوقف الفساد، حتى لو استدعى الأمر تغير الملك وولي العهد، ويرقى تأييده لهذا الخطاب لدى الأسرة المالكة لدرجة "الخيانة".


ولم يكتف ابن سيف النصر، بالتأييد بل طالب في تغريدته الأخيرة كافة الشعب لتحويل محتوى الخطاب لضغط شعبي؛ عسى أن يكون ذلك وسيلة تدفع المترددين من أبناء العم للعمل بما جاء فيه.

واختفى سعود بن سيف النصر من على "تويتر" تماما بعد تغريدته هذه، ولا يُعلم مصيره حتى الآن، إلا أن الأمير السعودي خالد بن فرحان،  صرح خلال فيلم "بي. بي. سي" عن الأمراء المخطوفين، أن ابن سيف النصر جرى استدراجه بواسطة المخابرات السعودية، للسفر إلى روما لمناقشة عقد شراكة مع شركة روسية إيطالية، وأقنعته الشركة أن يسافر إليها في طائرة خاصة، إلا أن الطائرة لم تهبط في روما ولكن في الرياض.

عبد العزيز بن فهد

اختفاء الأمير السعودي عبد العزيز بن فهد، الذي كان شاهدا على اختطاف الأمير سلطان بن تركي، جاء بعد سلسلة تغريدات أساء فيها لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد؛ حيث اتهمه بالخيانة وقتل المسلمين، مطالبا ابن زايد بالجلوس في بيته وألا يحارب الله.

 

 


وفي 6 سبتمبر/آيلول 2017، قال الأمير السعودي في تغريدة له: "الحمد لله الذي تفضل علينا بالحج، بروح بودع عمي سلمان وأسافر إن شاء الله.. إن ما سافرت فاعلموا أني قتلت"، الأمر الذي اعتبر محاولة لحماية نفسه من مصير ربما قد هدد به.

ولكنه سرعان ما ادعى أن حسابه كان قد تم اختراقه وتمكن هو مؤخرا من استعادته.

وبعد تغريدته التي سرعان ما حذفها، فهم منها أن حرس محمد بن سلمان، قد قدموا لاعتقاله، التي أكد المغرد السعودي الشهير "مجتهد" ما جاء فيها، اختفى عبد العزيز بن فهد، وسط أنباء عن وضعه قيد الإقامة الجبرية.

وتداولت أنباء متضاربة عن إطلاق سراحه، فيما نفى مجتهد الأمر مؤكدا، أنه "مازال قيد الإقامة الجبرية، إلا أنه قد فتح باب الزيارة أمام ذويه وأقاربه على مصراعيه".

ولكن مؤخرا، يبدو أن الأمير السعودي قد وعي الدرس جيدا، وقرر أن يعيش في كنف الأسرة الحاكمة، فتداولت حسابات عدة صورا ومقاطع فيديو الشهر الجاري، للأمير السعودي مع ابن عمه ولي العهد محمد بن سلمان، والملك سلمان، انتقدها ناشطون ووصفوها بالتملق، خاصة بعد ما تم تداوله عن سجنه وتعذيبه.

خالد بن فرحان آل سعود

الأمير السعودي صرح مؤخرا، أنه كاد أن يتعرض لمحاولة اختطاف أو تصفية تزامنا مع ما حدث للصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي تم اغتياله داخل القنصلية السعودية بإسطنبول في أكتوبر/تشرين أول الماضي.

وقال ابن فرحان في تصريح لصحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية، أن "مسؤولين سعوديين حاولوا استدراجه للسفارة السعودية بالقاهرة، بدعوى إعطائه شيك كمساعدة من الأسرة الحاكمة للأمير الذي يعاني مشاكل مالية، وذلك قبيل اختفاء خاشقجي بعشرة أيام".

وكان ابن فرحان، قد صرح في وثائقي "بي. بي. سي" عن الأمراء المختطفين، إن المملكة تقوم بتجميد حسابات الأمراء المعارضين للتضييق عليهم.

وذكر الأمير السعودي المعارض في تصريحاته للصحيفة البريطانية، أنه متيقن من أنه كان سيختفي تماما مثل خاشقجي؛ إذا قبل العرض واستجاب لدعوتهم.

ولفت ابن فرحان إلى أن سلطات بلاده طلبت منه أكثر من 30 مرة الاجتماع بهم في السفارة، إلا أنه كان دائم الرفض لعلمه بما يمكن أن يحدث له.

المحاولة السعودية جاءت عقب مطالبتها العام الماضي السلطات الألمانية بتسليم الأمير السعودي، الذي منحته ألمانيا حق اللجوء لديها، ولم تتلق المملكة ردا من ألمانيا، فما كان منها إلا محاولة اختطاف الأمير المعارض الأخير لها في الخارج.

كما صرح الأمير السعودي للصحيفة ذاتها، أن ثمة خمسة أمراء سعوديون (لم يسمهم) ذهبوا للملك سلمان ليعبّروا عن اعتراضهم على ما حدث لخاشقجي، ويوضحوا خوفهم على مستقبل أسرة آل سعود، إلا أنهم جميعا لم يخرجوا وأودعوا السجن.

تأكيد وجودهم بالرياض

 ومؤخرا وتحديدا في 2017، أكد رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق تركي الفيصل، وجود الأمراء الثلاثة داخل المملكة، مشيرا إلى أن بلاده لا تحب الجهر بمثل هذه الأمور باعتبارها شؤونا داخلية، حسبما صرح لوكالة سبوتنيك الروسية في 2017.

وقال إنهم مثل أي مجرمين لديهم حقوق وواجبات، مشيرا إلى أن عائلاتهم تزورهم.