حملة إماراتية ضد سلطنة عمان.. الحياد الذي لا يقبله ابن زايد

أحمد علي حسن | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أكثر فأكثر، توسع دولة الإمارات، دائرة علاقاتها المتوترة مع دول المنطقة، والتي بدت واضحة بعد دورها الذي أدته في دعم الثورات المضادة والانقلاب على إرادة الشعوب العربية، في محاولة لتحقيق سطوة تحالفها مع السعودية والبحرين ومصر.

ففي عدد من الدول العربية التي شهدت وما زالت تعيش توترات منذ 2011، وضعت الإمارات يدها سواء بشكل واضح أو خفي، أما تلك التي رفضت هوى أبوظبي فحظيت بسخط إماراتي وظفته عبر كُتاب وإعلاميين وناشطين أو صفحات وهمية على مواقع التواصل.

سلطنة عُمان التي تنتهج سياسة الحياد والوقوف على مسافة متساوية من أطراف النزاعات، لم تسلم هي الأخرى من شرارة الهجوم الإماراتي، خاصة بعد الأزمة التي شقّت مجلس التعاون الخليجي منذ يونيو/حزيران 2017، ولا تزال مستمرة.

وبشكل مبهم يظهر مقياس الإمارات في وزن علاقاتها مع الدول، إذ أن من ليس مع توجهاتها فقد تضعه في صف الضد، فضلا عن حملات تشويه غير مباشرة ضد الدول غير الموالية لسياساتها.

المقياس هذا جاء على علاقة الإمارات بسلطنة عمان في أعقاب هجوم استهدف شركة "أرامكو" السعودية في 14 سبتمبر/أيلول 2019، إذ أن مسقط خرجت ببيان إدانة واستنكار، لكنه لم يرق لألسنة إماراتية.

كتاب وإعلاميون شنوا حملة ضد السلطنة، أردوا من خلالها توصيل رسالة بضرورة أن تتخذ مسقط موقفا معاديا من الجهة التي وقفت وراء هجوم "أرامكو"، لكنها لم تفعل ذلك بسبب سياسة اللا انحياز التي تحكم علاقاتها بالجميع.

حملة تشويه

الأذرع العاملة في وسائل إعلام ومراكز بحوث إماراتية، شنت هجوما شديدا على سلطنة عمان، واتهمتها بالتآمر مع إيران التي تدعم الحوثيين في اليمن، وقطر التي تعيش حصارا فرضه الرباعي العربي قبل أكثر من عامين.

الهجوم بدأ من الكاتب الإماراتي سالم حميد، مدير مركز "المزماة" للدراسات والبحوث الإماراتي، إذ ادعى أن مسقط "تتآمر ضد الأمة العربية بالتعاون مع النظام الإيراني وميليشياته"، وذهب إلى حد تهديدها بردع مواقفها.

الكاتب المحسوب على جهاز الأمن والمخابرات الإماراتي، بحسب وصف موقع "إمارات ليكس"، جرّح في سمعة مسقط، قائلا: إن "تلك الدولة التي لا تجيد من فنون السياسة الخارجية".

وكتب بالنص أنها تتبنى "موقفا يهدد أمن الخليج العربي، أو أنها كانت طيلة عقود حليفا وفيا لإيران، وجسر عبور لها"، وهو ما يمس في سمعة الدولة التي عرفت في الأقطار الدولية بسياسة الحياد.

وذهب للقول حميد إنه: "في ذروة انشغال دول الخليج العربي، بالتمدد الإيراني، عبر ميليشياته الإرهابية الحوثية، كانت عمان بوابة لهذا التسلل في عتم ليل، كالذي يُدخِل اللصوص ليلا إلى دار جاره، ليحظى ببعض المنافع الخاصة"، على حد ادعائه.

ذريعة "أرامكو"

وفي طريق حميد، سار كاتب إماراتي آخر يُدعى حسن بن ثالث، إذ هاجم بيان سلطنة عمان الذي في 14 سبتمبر/أيلول الماضي، حول الهجوم الذي تعرضت له شركة أرامكو، واصفا إياه بأنه "مخجل جدا جدا".

"ابن ثالث" سخر وتطاول على قيادة السلطنة بالقول: "الإيرانيون بأنفسهم سيخجلون لو كتبوا هكذا بيان، ما دخل المبعوث الأممي لليمن بالعمل الإرهابي على أرامكو؟؟"، حسب ما جاء في تغريدة نشرها يوم 19 من الشهر ذاته.

البيان العماني حول استهداف أرامكو مخجل جداً جداً .. الإيرانيين بأنفسهم سيخجلون لو كتبوا هكذا بيان!! ما دخل المبعوث الأممي لليمن بالعمل الإرهابي على أرامكو ؟؟ pic.twitter.com/F8z8cPnilg

— بن ثالث (@iBinThaleth) September 18, 2019

وفي تغريدة أخرى زعم، أن: "البيان العماني حول استهداف أرامكو يقول بطريقة غير مباشرة.. توقفوا عن استهداف الحوثيين وإلا تحملوا ما تجنيه أيديكم".

البيان العماني حول استهداف أرامكو يقول بطريقة غير مباشرة .. "توقفوا عن استهداف الحوثيين وإلا تحملوا ما تجنيه ايديكم"

— بن ثالث (@iBinThaleth) September 18, 2019

وكانت هجوم "أرامكو" الأخير الذي استهدف مصفاتي "بقيق وخريص" هو الثالث من نوعه، لكنه كان الأقوى من حيث الطائرات المستخدمة والخسائر، إذ تسبب الهجوم بخفض إمدادات النفط العالمية بنحو 5.7 ملايين برميل يوميا.

وأعربت سلطنة عمان عن أسفها العميق لقصف منشآت السعودية، معتبرة "ذلك تصعيدا لا طائل منه"، وطلبت أيضا من مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيتث دعوة أطراف الحرب هناك إلى طاولة المفاوضات للتوافق على إنهاء الصراع.

تعرب سلطنة عمان عن أسفها العميق لتعرض بعض منشآت الطاقة بالمملكة العربية السعودية في ابقيق والخريص لهجمات ، وتعتبر ذلك تصعيدا لا طائل منه ....يتبع

— وزارة الخارجية (@MofaOman) September 16, 2019

اتهامات متكررة

هذه الهجمات سبقها هجوم آخر وقف وراءه الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله، المستشار السابق لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، إذ انتقد زيارة وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي إلى إيران، ولقاءه نظيره الإيراني جواد ظريف.

عبدالخالق نشر على حسابه في "تويتر" صورة لابن علوي وظريف، في 21 مايو/أيار 2019، وعلّق بالقول: "اجتماع لا ينتج عنه أي خير لدول المنطقة (الخليج العربي)".

اجتماع لا ينتج عنه اي خير لدول المنطقة. pic.twitter.com/tgC0DLAP4l

— Abdulkhaleq Abdulla (@Abdulkhaleq_UAE) May 21, 2019

وفي هجوم آخر، وجهت الإمارات وأدواتها الإعلامية اتهامات لعُمان بالتنسيق للقاء بين وزراء في الحكومة الشرعية المعادية لأبوظبي، وبين الناطق الرسمي للحوثيين.

ونقلت وسائل إعلامية إماراتية، أن الوفد اليمني الذي ضم نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري، ووزير النقل صالح الجبواني، ونائب رئيس مجلس النواب عبدالعزيز جباري، الذين زاروا مسقط، معروفون بمواقفهم المعادية للإمارات.

وذكر موقع إماراتي، الشهر الماضي، أن عُمان تمهد لعقد لقاء سري بين المسؤولين اليمنيين، والناطق باسم الحوثيين ورئيس وفدهم التفاوضي محمد عبدالسلام الحوثي.

وفي شأن متصل بحصار قطر، قال الكاتب حميد: "صمتت عُمان على العدوان الحوثي، وقبله على التآمر القطري، وصمتت على التمدد الإيراني عبر مليشياتها في العالم العربي، وصمتت في كل قضية عربية، وفي كل مأساة".

حياد السلطنة

تلعب مسقط دور الوسيط في هذه المنطقة التي تجتاحها الأزمات والصراعات. كما أنها الدولة العربية الوحيدة التي حافظت على علاقاتها الدبولماسية مع إيران، فضلا عن دورها الوسيط إلى جانب الكويت في حل الأزمة الخليجية التي اندلعت في 2017.

موقف الحياد لخصه وزير الخارجية العماني في مقابلة مع قناة "سي إن إن" الأمريكية عام 2015، قائلا: "نحن لا ننحاز لهذا الجانب أو ذاك، بل نحاول أن ننقل لكلا الطرفين ما نعتقد أنه جيد بالنسبة لهما".

لم تقتصر الوساطة العمانية المتكتمة فقط على الأزمات الكبرى بل شملت الأزمات والصراعات الصغيرة، وتبين ذلك عندما رفضت المشاركة في التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات ضد الحوثيين في اليمن.

سلطنة عمان تتمتع بعلاقات جيدة مع إيران بحكم سياستها المحايدة
واستضافت مسقط لقاء جمع ممثلين عن الحوثيين، الذي يسيطرون على أجزاء كبيرة من اليمن، ومندوبين عن الولايات المتحدة، وهو ما علق عليه وزير خارجية عمان بالقول إن: "تحركات بلاده تنطلق من رغبة عمان في أن يعم السلام في المنطقة".

أزمة حصار قطر زادت من توتر العلاقات بين أبوظبي ومسقط؛ فبحسب ما نشرته صحيفة "الأخبار" اللبنانية من وثائق قالت إنها "سرية" في يوليو/تموز 2018، فإن "الإمارات ترى أن عمان تصطف عمليا إلى جانب الدوحة في الأزمة الخليجية، وإن كانت تحرص في العلن على البقاء في منطقة الحياد".

جذور العلاقة

قبل الولوج في تفاصيل الخلاف العماني الإماراتي، يشير الأكاديمي والمحل السياسي، الدكتور عبدالله الغيلاني، إلى أن الشعبين العُماني و الإماراتي يرتبطان بوشائج لا نظير لها في منظومة التعاون الخليجي.

وقال الغيلاني في حديثه لـ "الاستقلال": إن "المتأمل في حقيقة تلك الرابطة يخلص إلى أنهما شعب واحد من حيث التكوين القبلي والمشتركات القيمية والتداخل الاجتماعي، بل إن الشعبين ينتميان إلى ذات التاريخ و الجغرافيا".

وأضاف: "منذ أن نشأت دولة الإمارات في 1971، وشكلت بذلك كيانا سياسيا مستقلا، ظلت العلاقة بين الدولتين دافئة، وإن اعتراها أحيانا شيء من الكدر بسبب ملف النزاع الحدودي، وتوظيف العمانيين في الإمارات".

غير أن الغيلاني أشار إلى تحول جذري طرأ على السياسة الخارجية الإماراتية منذ اندلاع الثورات العربية في مطلع العشرية الثانية (2011)، "إذ جنحت منذئذ إلى الهيمنة الإقليمية، وتبنت مشروعا يرمي إلى شراء الولاءات، وتغيير هياكل السلطة في المنطقة والتمدد الإقليمي".

وبرأيه، فإن أول تمظهرات مشروعها ذاك، كان خلية التجسس التي كشفت عنها مسقط في 2011، والتي تعاملت معها الحكومة العمانية بقدر من اللين، أما على المستوى الشعبي فقد أثارت تلك الواقعة مزيجا من الغضب والسخط، وكانت هي الخميرة التي تولد عنها رفض شعبي ظل يتعاظم ويتسع.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، تناقل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أنباء عن كشف خلية إماراتية جديدة غير تلك التي قُبض عليها في يناير/كانون الثاني 2011.

وفي ذلك التاريخ، قالت وكالة الأنباء العمانية الرسمية: كُشف عن "شبكة تجسس تابعة لجهاز أمن الدولة بدولة الإمارات العربية المتحدة، كانت تستهدف نظام الحكم في سلطنة عُمان، وآلية العمل الحكومي والعسكري".

انعطافات حادة

يعرج الغيلاني على الوقت الذي جاءت فيه أحداث اليمن وحصار قطر ودعم الثورات المضادة، والتي شكلت انعطافات حادة في علاقة البلدين، إذ انغمست الإمارات في تلك الأحداث؛ بل تصدرت المشهد الإقليمي واضطلعت بأدوار مركزية في الإمساك بمفاصل الصراعات الإقليمية تلك، في حين ظلت عُمان بمواقف شبه حيادية.

ولعل الملفان اليمني والقطري، برأي المحلل السياسي، هما مصدر الخلاف الراهن بين السلطنة و الإمارات، فالحياد العُماني إزاء المعضلة اليمنية، ودور المحور العُماني-الكويتي في إسناد قطر والحيلولة دون إخراجها من مجلس التعاون الخليجي، كانا من عوامل إثارة غضب المحور السعودي-الإماراتي.

ويزيد الغيلاني في شرح أسباب مواقف أبوظبي الخلافية مع مسقط بالإشارة إلى التقارب العُماني -القطري في مجالات الشراكة التجارية والتفاهم الدبلوماسي إزاء بعض الملفات الإقليمية، كالعلاقة مع إيران وإدارة الأزمة اليمنية.

وبخصوص الحملة الإعلامية الهجومية التي وقف وراءها إماراتيون، يقول: إن ما يصدر عن بعض الكتاب والمؤسسات الخاصة من عدوان على الشعب العُماني، ومحاولات السطو على تاريخه وإرثه الثقافي، فلا يمكن النظر إليه بمعزل عن الإيعازات الرسمية.

وفي معرض إجابة حول إمكانية أن تتعرض عمان والكويت لما تعرضت له قطر؟ رأى الغيلاني، أن: "القرائن تشير إلى إمكانية حدوث ذلك، وإن كانت حظوظ هذا السيناريو قد تراجعت في هذه اللحظة بسبب الانكسارات التي أصابت المحور السعودي-الإمارات".

عُمان وقفت على الحياد في أزمة حصار قطر
وأردف: "على غير جبهة من جبهات الصراع، فهو -أي محور السعودية الإمارات- يعبر واحدة من أسوأ لحظاته، وقد استبدت به جملة من الهزائم سيما في اليمن و ليبيا، وأيضا على جبهة الصراع الإقليمي مع إيران".

وأكد الغيلاني، أنه على الرغم من الموقف العُماني الرسمي إزاء الإمارات وما تغلب عليه من محاسنة، لاعتبارات دبلوماسية محضة، فإن الموقف الشعبي يبدو أكثر صلابة وأشد تماسكا.ورأى أن: "هذا الوعي الشعبي يدفعني إلى القول بأن عمان بتماسكها الاجتماعي وعراقتها التاريخية وهويتها الثقافية الجامعة، عصية على الاختراق، وشعبها ما فتئ يتصدى لكل صنوف العدوان على تاريخه والسطو على مفرداته الثقافية، ويحبط كل محاولات العبث بالتاريخ والجغرافيا".