فضيحة جديدة.. لماذا تدعم الإمارات اليمين المتطرف في أوروبا؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن دولة الإمارات ضربت موعدا متجددا في إبهار العالم، ليس بتقدم تكنولوجي أو اكتشاف علمي، ولكن بفضيحة جديدة تكشف جانبا من سياستها الخارجية التآمرية وممارساتها المقيتة، التي تخطت كل حديث عن السعي لبناء نفوذ أو لعب دور إقليمي أكبر من حجمها.

لا يتعلق الأمر هذه المرة بوأد ثورات الشعوب، أو التدخل في شؤون الدول، أو معاداة تيار الإسلام السياسي أو حتى تخويف الغرب من الإسلام تحت شعار الحرب على الإرهاب، بل بدعم الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا.

وربما يكون ما كُشف مؤخرا حول تمويل الإمارات لليمين الفرنسي المتطرف، ليس إلا غيضا من فيض وحلقة في سلسلة طويلة عابرة للحدود، فشل كثيرون في فك عقدها أو حتى مجرد تفسيرها.

"عملية إنقاذ"

موقع "ميديابارت" الفرنسي نشر تفاصيل جديدة حول ما أسماه "عملية إنقاذ" نفذتها دولة الإمارات لصالح حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف (الذي غير اسمه لاحقا للتجمع الوطني) الذي تتزعمه مارين لوبان، وذلك في نهاية يونيو/حزيران 2017.

القرض الذي قدمته أبوظبي وبلغت قيمته 8 ملايين يورو ساعد الحزب المتطرف على الخروج من أزمة مالية خانقة عقب رئاسيات 2017 كانت ستعرضه لتدابير قانونية صارمة.

الموقع كشف أن القرض قُدم من طرف رجل الأعمال الفرنسي المعروف في القارة الإفريقية "لوران فوشر" بناء على عقد وقع في بانغي بجمهورية إفريقيا الوسطى، لكن لم يتم توضيح مصدر المبلغ.

وبحسب الموقع، فقد ثبت أن المبلغ تم تحويله من طرف شركة التمويل الإماراتية "نور كابيتال" بأبوظبي بإشراف أحد مسؤوليها، وهو الفرنسي السويسري أوليفيي كوغيول، الذي ظهر اسمه في عدد من التحقيقات الجنائية.

فإلى جانب الاشتباه في تورطه في ملف ملاذ ضريبي، وفي تحقيق بتهمة الفساد في ملف منجم الذهب كودييران بمالي، ثبت أنه دبر في يناير/كانون الثاني الماضي، عملية بيع ثلاثة أطنان من الذهب الفنزويلي إلى شركة "نور كابيتال" الإماراتية، وقد اعترف بذلك مؤكدا أن عملية البيع قانونية، رغم الانتقادات الحادة التي وجهتها المعارضة.

وعلى موقعها الإلكتروني، تعرف نور كابيتال نفسها بأنها: "شركة مساهمة خاصة تعمل في مجال الاستثمارات المالية، مرخصة من مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي برأس مال قدره 360 مليون درهم".

بنك "الشركة العامة" الفرنسي استدعى فوشر، وحقق معه أربعة مسؤولين بالبنك بشأن أهدافه من تقديم هذا المبلغ لحزب لوبان، ليبادر بعدها إلى إغلاق جميع حسابات الحزب، وكذلك حسابات النائب جان لوك شافوسر، الذي سبق أن توسط لحزبه للحصول على قرض روسي بلغ 9 ملايين يورو عام 2014، وكان هو من بدأ مفاوضات الحصول على القرض الإماراتي.

هذا القرض دفع اللجنة الوطنية المكلفة بتتبع الحسابات المالية للحملات الانتخابية للأحزاب السياسية الفرنسية، في أغسطس/آب 2018 للطلب من الحزب المتطرف تقديم كل التفاصيل المرتبطة بالقروض التي حصل عليها.

وذكر الموقع أنه في حين أجاب فوشر بأن مبادرته لتقديم القرض نابعة من رغبته في مساعدة الحزب الذي أكد له أن القرض "قصة حياة أو موت" بالنسبة له، لكن فوشر لم يوضح مصدر المبلغ، فقد أشار إلى أنه جزء من أموال يملكها برفقة شريك له، في حين أوضح مستشاره الإعلامي لاحقا أن القرض قدمه فوشر من ماله الخاص.

ويقول الموقع الفرنسي: إن الحزب حاول مرة أخرى الاستعانة بفوشر للحصول على قرض جديد بسبب المصاعب المالية التي يعانيها، لكن من سوء حظه أن القانون الفرنسي كان قد تغير وشدد الخناق على القروض والتمويلات من طرف الأشخاص الماديين.

وبحسب الموقع فإن زبائن شركة "نور كابيتال" يضعون أموالهم في حسابات لم تفتح بأسمائهم، لذلك عندما تحول الشركة أموالا فمن الصعب معرفة صاحبها.

مراحل التقارب

اللافت عند تتبع مسار العلاقة بين الإمارات واليمين المتطرف في فرنسا تحديدا، أن القرض سالف الذكر ليس الأول من نوعه، بل سبقته قروض وتفاصيل علاقات أخرى مشبوهة، سبقت عملية الإنقاذ عقب انتخابات الرئاسة 2017.

وبحسب تقرير للموقع الفرنسي "ميديابارت" نُشر في أكتوبر/تشرين الأول 2016، فإنه في يوليو/تموز 2014 استقبلت رئيسة الجبهة الوطنية ممثل إماراتي عرض المساعدة المالية عليها، كما مولت أبوظبي في مايو/أيار 2015 رحلتها إلى مصر.

ورغم تعثر حصول لوبان على قرض إماراتي في فبراير/شباط 2014، إلا أنها دأبت على إطلاق تصريحات علنية داعمة للإمارات، حيث قالت في سبتمبر/أيلول 2014 على قناة "فرانس24": "على فرنسا قطع علاقاتها مع قطر والسعودية لدعمهما المتواصل للإسلام الأصولي حول العالم، علينا الاعتماد على الدول الإسلامية التي تحارب الأصولية مثل الإمارات ومصر".

وفي نقاش تلفزيوني آخر في مايو/أيار 2015 قالت: "علينا تطوير علاقاتنا مع الدول التي تحارب الإسلاميين مثل روسيا، والإمارات، ومصر وغيرهم من الدول".

ورأى موقع "ميديابارت" أن حزب اليمين الفرنسي المتطرف ومصر والإمارات لديهم عدو واحد مشترك وهو الحراك الإسلامي وبالأخص الإخوان المسلمين، حيث تعتبرهم رئيسة الجبهة "قالب التطرف الإسلامي السني" أو "جذع من شجرة متشعبة الغصون توصل للإرهاب".

موقع "إنتليجنس أونلاين"، كشف أن أولى مراحل تقارب لوبان مع الإمارات جاءت عبر اجتماع سري جمعها بعميل استخباراتي من أبوظبي في يوليو/تموز 2014، بمقر إقامة لوبان في "سان كلو" على جبل مونتريتوت.

وأورد الموقع بعض التسريبات من هذا الحوار فقال إن الممثل الإماراتي عبر عن استعداد بلاده دعم الجبهة الوطنية ضد قطر والإخوان المسلمين قائلا: "سنساند ترشحك لمنصب الرئاسة"، على شرط أن تقوم عندما تصل للسلطة بتجاهل قطر والعمل مع الإمارات على اعتبار أنها تمثل "المسلمون الطيبون" الذين يحاربون الإسلام الأصولي.

أما المرحلة الثانية فكانت في مايو/أيار 2015 عندما زارت لوبان الشرق الأوسط للمرة الأولى، واستقبلتها القاهرة استقبالا رسميا، والتقت رئيس الوزراء حينها إبراهيم محلب، وكلا من شيخ الأزهر والبابا تواضروس.

فحوى تلك الزيارة نشرها الحزب في تقرير مفصل على موقعه الرسمي، أورد فيه أن تلك الزيارة كانت تهدف إلى إظهار دعم الحزب اللامحدود لعبدالفتاح السيسي في حربه ضد الإسلاميين، ووصفت لوبان السيسي بأنه: "السور الذي يحمينا من الإخوان المسلمين".

موقع "إنتليجنس أونلاين" أورد أن لوبان اجتمعت بالسيسي بساعة ونصف، ثم التقت سرا برئيس جهاز المخابرات العامة المصري، حينها، خالد فوزي، نتيجة "ضغط ودي" مارسته الاستخبارات الإماراتية.

تجار الإسلاموفوبيا

في مارس/آذار الماضي، وعقب مذبحة نيوزيلندا الدامية التي راح ضحيتها عشرات المسلمين، قالت مجلة "فورين بوليسي": إن بعض الأنظمة العربية هي المسؤول الأول عن انتشار معاداة الإسلام أو ما يعرف بالإسلاموفوبيا، بسبب تعاونها مع بعض الأحزاب المتطرفة في دول أوروبية من أجل دعم أنظمتها المستبدة.

وأوضحت أن ثلاث دول عربية وهي: "الإمارات ومصر والسعودية" دعمت اليمين المتطرف في أوروبا خلال الأعوام الماضية من أجل تخويف الدول الغربية من جماعات الإسلام السياسي الذي تولى الحكم في بعض بلدان الربيع العربي عقب الثورات التي طالت المنطقة في 2011,

ورأت المجلة، أن الحكومات العربية والإسلامية مسؤولة عن تأجيج الكراهية المعادية للمسلمين كجزء من حملاتهم لمحاربة المعارضة في الداخل والخارج، ومن خلال محاولة تبرير القمع واسترضاء الجماهير الغربية، أقامت بعض هذه الأنظمة ومؤيدوها تحالفا غير رسمي مع الجماعات المحافظة واليمينية وشخصيات في الغرب مكرسة لدفع التعصب المناهض للإسلام.

وبحسب المجلة الأمريكية، فإن الأنظمة العربية تنفق ملايين الدولارات على مؤسسات الفكر والرأي والمؤسسات الأكاديمية ومجموعات الضغط لتشكيل التفكير في العواصم الغربية حول النشطاء السياسيين المحليين المعارضين لحكمهم، وكان مجال مكافحة التطرف هو الجبهة المثالية.

واستنادا إلى عشرات المحادثات التي أُجريت على مدار عدة سنوات، وجدت المجلة الأمريكية أن الأنظمة الاستبدادية في المنطقة يدعمون بعناية الدوائر المحافظة واليمينية المتطرفة في الغرب التي يعتقدون أنها تميل إلى أجنداتهم المعادية للإسلاميين.

ووفق فورين بوليسي، فإن الحملات التي تقوم بها الحكومات العربية تتجاوز مجرد محاولة شرح التهديدات الدقيقة التي يشكلها الإسلاميون، بل تنطوي في الغالب على تكتيكات تخويف لإبراز التهديد وخلق جو لا يمكن فيه تصور وجود بديل لهذه الأنظمة من وجهة نظر السياسة الغربية.

في أعقاب فضائح اغتيال الصحفي جمال خاشقجي وسجن الناشطات، أرسلت السعودية وفدا نسائيا للقاء الكتلة اليمينية المتطرفة في البرلمان الأوروبي، ووفقا لإلدار محمدوف، مستشار الاشتراكيين الديمقراطيين في البرلمان الأوروبي، أصبحت المملكة في ما بعد قضية خلافية في بروكسل، حيث ضغطت قوى يسار الوسط من أجل اتخاذ قرارات ضد المملكة بينما عارضتها القوى اليمينية.

أوروبا مذعورة

ورغم أن الإمارات تهرول حثيثة نحو دعم أحزاب اليمين المتطرف، إلا أن الإعلام التابع لها يعترف صراحة أن صعود اليمين المتطرف يثير الذعر في أوروبا ذاتها، بحسب التقرير الذي نشرته تقارير إعلامية عقب انتخابات البرلمان الأوروبي مايو/أيار الماضي.

أسفرت أكبر انتخابات عالمية شملت 28 دولة عن تراجع أحزاب الوسط التقليدية مقابل تقدم أحزاب الخضر والليبراليين، فيما شهدت الأحزاب اليمينية المتطرفة تقدما في بعض الدول مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبولندا، "مما أثار الذعر في أوروبا خشية على الاتحاد والتكتل الاقتصادي العالمي"، بحسب التقارير.

ففي بريطانيا، على سبيل المثال، حقق حزب بريكست بزعامة زعيم حزب الاستقلال السابق وأحد أقطاب حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي، نايجل فاراج، فوزا مثيرا وحصد 32.84 بالمئة من الأصوات، وهذه النسبة تعادل تقريبا ما حققه حزبا العمال والليبراليون الديمقراطيون مجتمعين.

وفي فرنسا، فاز حزب "الجبهة الوطنية" الذي تقوده ماري لوبان بنسبة 23.31 بالمئة من الأصوات، متراجعة بشكل طفيف عما كان عليه الأمر في الانتخابات السابقة، لكنها تظل أفضل من حزب "الجمهورية للأمام" بزعامة مانويل ماكرون، الذي حقق 22.41 بالمئة.

وفي إيطاليا، حصل حزب "ليجا" اليميني المشكك بالاتحاد الأوروبي بزعامة ماتيو سالفيني على 33.64 بالمئة من الأصوات، ويعتقد أنه سيتحالف مع كل من لوبان وزعيم "الحزب المجري القومي" اليميني في هنجاريا، الذي حصل بدوره على 52.14 بالمئة من الأصوات في بلاده.

"إمارات التسامح"

هذا الصعود الذي يعتبر نتيجة مباشرة لتدخلات الإمارات ودعمها اللامحدود لأحزاب اليمين المتطرف، يعيد إلى الأذهان إحصائية نشرتها ألمانيا في مارس/آذار 2018، حيث أعلنت السلطات توثيق 950 هجوما على الأقل على مسلمين ومنشآت إسلامية مثل المساجد في عام 2017.

أظهرت البيانات أن كل مرتكبي تلك الهجمات تقريبا من المتطرفين اليمينيين، بينما قال "أيمن مزيك" رئيس المجلس المركزي للمسلمين: إن "عدد الهجمات على الأرجح أعلى من ذلك بكثير؛ نظرا لعدم إبلاغ الضحايا في أحيان كثيرة عنها".

المثير، أن تلك الإحصائية جاءت بعد أشهر من تصريحات صحفية لوزير التسامح الإماراتي نهيان مبارك انتقد خلالها "إهمال الرقابة على المساجد في أوروبا؛ مما أدى إلى وقوع هجمات إرهابية"، مشددا على ضرورة إقرار تراخيص لأئمة المساجد فلا أحد "يذهب إلى كنيسة ويخطب فيها ببساطة".

وربط بين تطرف بعض المسلمين في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا بـ"عدم وجود رقابة كافية من السلطات على المساجد والمراكز الإسلامية"، متابعا: "الدول الأوروبية كانت حسنة النية عندما سمحت لهؤلاء الناس بإدارة مساجدهم ومراكزهم الخاصة".

قبل 4 أعوام قال نائب المستشارة الألمانية ووزير الاقتصاد زيجمار جابرييل – الذي شغل أيضا منصب وزير الخارجية – في تصريحات إن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد طلب منه "عدم التغافل عن الشباب المسلم في المساجد الألمانية"، ونصح بتشديد الرقابة عليهم.

ونقل عن ابن زايد قوله: "يتعين على المجتمع الألماني أن يكون متيقظا لمن يخطب في المساجد، وماذا يخطب؟، ولا يجوز أن يكون خطباء من باكستان أو أي دولة معينة في الأرض هم الخيار الوحيد أمام المسلمين في ألمانيا للاستماع إليهم".

التطبيق العملي السريع لنصائح ولي عهد أبوظبي، أسفرت عن ارتفاع موجة انتشار خطاب الكراهية ضد المسلمين في ألمانيا، متزامنة مع حملات أمنية غير مسبوقة، فأعلنت "هيئة حماية الدستور" في مايو/أيار 2016، أنها بدأت بمراقبة نحو 90 مسجدا في أنحاء البلاد، وأعرب رئيسها "هانز ماسن"، عن قلق بلاده "من وجود جمعيات إسلامية متشددة تتبعها مساجد معينة".