تنامي نفوذ عائلة السيسي.. هل يدفع الجيش للخروج عن صمته؟

محمد سراج الدين | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يكن يخطر ببال أكثر المتشائمين من عودة الجيش للحكم في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، أن ملف التوريث سيعود للواجهة المصرية مرة أخرى، إلا أن الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي أدار الانقلاب ضد الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي، كان له رأي آخر، وتحركات مغايرة، واستطاع في أقل من 6 سنوات، القيام بما فشل فيه سلفه حسني مبارك في 30 عام.

فيديوهات المقاول والممثل المصري محمد علي، عن فساد السيسي وأسرته، دفعت غيره لتسريب تقارير ومعلومات عن أسرة الجنرال التي لم تتوار منذ اللحظة الأولي عن الأنظار، وباتت مشاهد حضور زوجته "انتصار" في الاحتفالات والمناسبات العامة والخاصة، وكأنها محاولة لإعادة إنتاج نموذج سيدة مصر الأولى الذي بدأته جيهان السادات، وتفوقت فيه سوزان مبارك.

إلا أن المعلومات التي تم تسريبها عن نفوذ أسرة السيسي، كشفت عن جانب آخر امتاز فيه السيسي عن سلفه مبارك، حيث حرص الأول على توسيع دائرة نفوذ جميع عائلته وليس أسرته فقط، ووسع من صلاحيات شقيقه وعينه رئيسا لمجلس أمناء وحدة مكافحة تمويل الإرهاب بمجلس الوزراء، ثم زرع نجل شقيقه في المكتب الفني للنائب العام لنيابة أمن الدولة، وهي الأمور التي كان يرفضها مبارك الذي اعتمد على توسيع صلاحيات أسرته الصغيرة، فقط على حساب باقي أفراد عائلته بل وعلى حساب كل الشعب المصري.

ويبدو السؤال الأول في كل ما جرى، عن موقف المؤسسة العسكرية، وليس قيادات المجلس العسكري، من تكرار تجربة التوريث، وعودة نفوذ أسرة الرئيس مرة أخرى، أما السؤال الثاني الذي لا يقل أهمية عن سابقه، فهو موقف السيسي نفسه، وهل يبدو أنه تسرع عندما فتح المجال لأسرته قبل أن يرسخ أقدام حكمه؟، وهل إجراءاته في استبعاد القيادات العسكرية المقلقة له داخل الجيش، وسيطرته على جهاز المخابرات العامة، لم توفر له حدود الأمان بعد فضيحة فيديوهات محمد علي.

خطى الأبناء

في تقرير مطول لها طرحت صحيفة "التايمز" البريطانية تساؤلات عن مشروع التوريث الجديد الذي تشهده مصر على يد نجل السيسي العميد محمود، نائب رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، وهو نفسه الذي أدار ملف التعديلات الدستورية التي مهدت لاستمرار السيسي بالحكم حتى عام 2030.

وحسب الصحيفة فإن السيسي زرع أبناءه في مناصب مرموقة على الصعيدين العسكري والمدني، حيث يتولى نجله الأكبر "مصطفى" وهو ضابط بالجيش أيضا، منصبا مرموقا في هيئة الرقابة الإدارية التي أصبحت عينا وأداة للسيسي على كل القطاعات الحكومية سواء كانت مدنية أو عسكرية، كما أنها وضعت كل مؤسسات الدولة في قبضة النظام العسكري.

ويلي مصطفى، شقيقه محمود الذي تم ترقيته من رتبة رائد في المخابرات الحربية، لرتبة عميد، ليتم إلحاقه بالمخابرات العامة، ويصبح الرجل الحديدي بعد رئيس الجهاز ويد السيسي اليمنى عباس كامل، أما الابن الأصغر حسن، والذي كان يعمل في قطاع البترول، فتشير الصحيفة إلى أنه تم إلحاقه بجهاز المخابرات العامة، ليعاون شقيقه الأوسط.

وبعيدا عما جاء في تقرير "التايمز"، فإن النائب العام المستشار حمادة الصاوي، الذي عينه السيسي قبل أسبوعين، أصدر قرارا بتعيين عبد الرحمن، نجل شقيق السيسي الأكبر المستشار أحمد سعيد السيسي، في المكتب الفني للنائب العام لنيابة أمن الدولة. ويعمل المستشار أحمد نائبا لرئيس محكمة النقض، ورئيسا لمجلس أمناء وحدة مكافحة تمويل الإرهاب بمجلس الوزراء منذ عام 2016.

صناعة النفوذ

وحسب مقال كتبه الصحفي المصري أحمد عابدين بموقع "الدرج"، فإن السبب وراء إقالة اللواء خالد فوزي من رئاسة جهاز المخابرات العامة، كان تقريرا كتبه نجل السيسي، بعد تحريات مشتركة أجراها مع جهاز الأمن الوطني، وأقنع فيها والده أن فوزي الذي لعب دورا كبيرا في خطة الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، لديه طموح في الوصول لمقعد رئيس الجمهورية.

وبالعودة لتقرير التايمز البريطانية فإن محمود السيسي يتولى مسئولية الاتصال والأمن الداخلي بجهاز المخابرات العامة، وهو ما جعله ملما بكل الخيوط الموجودة داخل الجهاز، واستندت الصحيفة لتقرير حمل عنوان "سري للغاية" أصدره "مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة" أكد فيه أن نجل السيسي أصبح يطلق عليه "الرجل القوي" أو "الرجل الحديدي" داخل الجهاز، وأصبحت مشاركته في الاجتماعات الرسمية التي يعقدها والده، مع أوثق مقربيه الذين يسيطرون على المخابرات العامة، أمرا طبيعيا.

وتقارن الصحيفة بين الصعود الكبير لمحمود السيسي، بصعود جمال مبارك في آخر عشر سنوات من حكم والده، ورغم مشاركتهما في هدف واحد وهو السيطرة على مقاليد الحكم، إلا أنهما يختلفان في طريقة التنفيذ، حيث يراها نجل السيسي أمنية، بينما كان يفضل نجل مبارك أن تكون سياسية واقتصادية.

عندما ظهرت السيدة انتصار عامر زوجة السيسي للمرة الأولى في حفل تنصيب زوجها رئيسا للجمهورية في ولايته الأولى، خرجت التقارير الصادرة عن الصحف المصرية، لتشيد بالسيدة التي فضلت أن تتوارى في الظل، وحسب تقرير مفصل لصحيفة "المصري اليوم" في مايو/أيار 2014، فإن انتصار السيسي لن تكون مثل زوجات الرؤساء السابقين السادات ومبارك، فيما يتعلق بنشاطهما العام والخيري.

ونقلت الصحيفة عن مصادر مقربة من أسرة السيسي (الشؤون المعنوية) أن انتصار، لن تكون مثل جيهان أو سوزان، حيث تفضل الاهتمام بشؤون أسرتها عن التدخل في أمور الدولة، على اعتبار أن مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، ومظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013، لن تقبل بتكرار تجربة السيدة الأولى المتنفذة مرة أخرى.

ورغم الظهور المتكرر الساخر في بعض الأوقات لزوجة السيسي، إلا أنها بقيت في الظل حتى كشف المقاول والفنان محمد علي، دورها في فساد أسرة السيسي، سواء فيما يتعلق بفيلا المعمورة بالإسكندرية، أو القصور التي يتم بناءها وتشييدها بناء على رغبة السيسي وزوجته.

ووفق تقرير مطول لموقع "الجزيرة نت"، فإن الفيديوهات التي بثها محمد علي، تشير إلى أن مصير انتصار، ربما لن يختلف عن مصير سوزان، التي كانت سببا رئيسيا في ثورة الشعب المصري ضد نظام مبارك، بل وكان اسمها حاضرا بقوة في هتافات المتظاهرين في ميدان التحرير طوال 18 يوما أطاحت بزمن مبارك، ولكنها لم تطيح بكل نظامه.

موقف الجيش

تشير تقارير إلى أن الجيش المصري غاضب من فساد السيسي، إلا أن هذا الغضب لم يصل للقيادات الأولى حتى الآن، باعتبارهم مشاركين للسيسي في كثير من عمليات الفساد التي ورَّط فيها الجيش بقصد أو بدون قصد.

وحسب ضيوف عدة شاركوا في برامج هذه القنوات، بالإضافة لما أعلنه "محمد علي" أكثر من مرة، وما نشرته صفحة النادي المصري العربي للمحاربين القدماء في أوروبا على فيسبوك، فإن الكثير من القيادات العسكرية، غير راضية عن استمرار السيسي، وأن الغضب المتزايد من توريط الجيش في الشأن السياسي والاقتصادي، ما أفقده مكانته لدى المصريين، قد يكون سببا في الإطاحة بالسيسي.

وتشير المعلومات التي راجت عن قيادات عسكرية تحدثت لوسائل إعلامية معارضة، إلى أن زملاءهم يشعرون بالإهانة من عدم التحرك ضد السيسي، بعد الفساد الذي كشفته فيديوهات محمد علي، طوال الأسابيع الماضية، وهي الرسالة التي شعر بها السيسي مؤخرا.

ونقلت صحيفة "العربي الجديد" عن مصادر قالت إنها "رفيعة المستوي": أن هناك قيادات سابقة وأخرى حالية في أجهزة ومؤسسات سيادية تدعم موجة الغضب الشعبي عن فساد السيسي، بل وتغذيها بتسريبات ومعلومات حقيقية بشأن مظاهر الفشل في إدارة الدولة، وتوريط مؤسساتها في صدام مقبل مع الشعب من جانب رأس السلطة، وأن هناك تيار مؤثر بعدد من المؤسسات المهمة في الدولة بات رافضا لوجود السيسي، إلا أن هذا التيار في انتظار مَن يستطيع أن يجيد توجيهه وتوظيفه.

وأشارت المصادر لوجود سبب آخر وراء هذا الغضب بين القيادات العسكرية ضد السيسي، وهو تشكيل قوة أمنية مسلحة منفصلة لا تتبع وزارة الدفاع، لحماية وتأمين السيسي بعيدا حتى عن الحرس الجمهوري، كانت تتبع في قيادتها مكتب رئيس الجمهورية قبل أن تنتقل إلى رئيس جهاز المخابرات اللواء عباس كامل، ثم نجل السيسي.

وحسب المصادر، فإن هناك تجمّعا وتحالفا تنامى على مدار السنوات الثلاث السابقة، بعض أطرافه كانوا رافضين لإجراءات اتُخذت ضد قيادات عسكرية بارزة مثل ما جرى مع رئيس أركان القوات المسلحة السابق الفريق سامي عنان وإهانته وسجنه، وكذلك ما حدث مع الفريق أحمد شفيق الذي شغل في وقت سابق قائد القوات الجوية، إذ كان هناك تعمد لإهانتهما وليس مجرد رفض تحركاتهما بشأن الترشح للانتخابات الرئاسية الماضية.

متى يتحرك؟

إلا أن السؤال الذي يبدو منطقيا في ظل ما سبق، لماذا لم يتحرك الجيش إذن للتخلص من السيسي، خاصة وأن الأجواء يوم 20 سبتمبر/ أيلول الماضي، وما بعدها كانت مهيئة لتكرار تجربة 3 يوليو/ تموز 2013، ولكنها هذه المرة لم تكن مصطنعة مثل تلك التي فعلها السيسي والمخرج الشهير خالد يوسف، في مظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013، ضد الرئيس محمد مرسي.

والإجابة على التساؤل السابق قدمها تحقيق استقصائي موسع للباحث الأمريكي، "جايسون براونلي" في كتابه (إجهاض الديمقراطية) الصادر عام 2014، وانتهى فيه إلى الفلسفة التي يسير عليها الجيش المصري فيما يتعلق بالتعاطي مع مشروعات الديمقراطية والتوريث.

وحسب الكاتب الأمريكي، فإن الجيش المصري يكره الديمقراطية وأي طريق يؤدي إليها، لأنها في النهاية لن تكون لصالحه على الإطلاق، وضرب مثالا بموقف الجيش من تزوير نظام مبارك للانتخابات التشريعية بمجلسيه الشعب والشورى، وانتخابات المحليات، واتحادات الطلاب والنقابات المهنية، وهي أمور لم تكن تزعج الجيش، بما فيها مشروع التوريث الذي كان مبارك يعتزم إنهائه لصالح نجله الأصغر جمال.

ويرى الكاتب أن مبارك كان يعرف مفتاح إسكات الجيش جيدا، وهو جعله سلطة فوق المساءلة، مع تسليحه المستمر، بصرف النظر عن جودة السلاح أو نوعية التسليح، ولكن المهم أن هذا السلاح سيرتبط بعمولات ومشروعات قتالية وتدريبات عسكرية ودورات دولية، وكلها أمور توفر للمشاركين فيها بدلات مالية مريحة.

وانطلاقا من الفلسفة التي وضعها الباحث والكاتب الأمريكي، فإن الجيش كان يرى في الرئيس محمد مرسي خطرا يهدد مكاسبه، بعد وضع موازنة الجيش أمام البرلمان، ومنح الجهات الرقابية المدنية حق المراقبة على موازنة الجيش، وهي نفس الفلسفة التي اتبعها السيسي وطورها مع الجيش، بتحويله من مجرد مؤسسة حامية له تتمتع بالاستقلالية والنفوذ، إلى مؤسسة شريكة في كل مشروعاته، وبالتالي فإن أي تهديد للسيسي هو تهديد لمصالح تلك المؤسسة.