دعوات لإقالة الحكومة.. إلى أين تصل احتجاجات العراق المتصاعدة؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

على وقع المظاهرات الواسعة التي تشهدها مدن ومحافظات عراقية، طالبت جهات سياسية عدة بإقالة الحكومة الحالية برئاسة عادل عبدالمهدي وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة للخروج من الأزمة المتفاقمة، وإنهاء حالة الغضب الشعبي الناقمة على العملية السياسية.

تثير تلك المطالبات وسط الاحتجاجات المتصاعدة تساؤلات ملحة، عن إمكانية توافق الكتل السياسية على إقالة الحكومة، وهل تنتهي المظاهرات الحالية بإجراء إصلاحات وتعديلات وزارية، أم بتنحي عبدالمهدي وحل البرلمان؟ وماذا عن الدعوات التي ينادي بها المحتجون لإسقاط النظام السياسي القائم وتشكيل "حكومة إنقاذ وطني"؟

انتخابات مبكرة

اللافت أن دعوات إقالة الحكومة جاءت من الحليف الأبرز لرئيس الوزراء عبدالمهدي، إذ طالب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر كتلة "سائرون" البرلمانية، بـ"حقن الدم العراقي الشريف باستقالة الحكومة (شلع قلع) وإجراء انتخابات مبكرة بإشراف أممي".

وشدد زعيم أكبر كتلة في البرلمان العراقي والتي تصدرت الانتخابات البرلمانية في مايو/أيار 2018 بعد فوزها بـ 54 مقعدا، على أن "ما يحدث من استهتار بالدم العراقي لا يمكن السكوت عليه".

الصدر والعبادي أبرز المطالبين بإقالة حكومة عبدالمهدي

وبعد ساعات من بيان الصدر، وجه رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، رسالة مفتوحة إلى الشعب والقوى السياسية، قال فيها إنه: "لضمان عدم انسداد الأفق أمام الإصلاحات التي يطالب بها الشعب، تتم الدعوة لانتخابات مبكرة لتشكيل حكومة دستورية شرعية قادرة على القيام بمهامها الوطنية بسقف زمني لا يتجاوز 2020".

العبادي الذي يتزعم ائتلاف "النصر" (يمتلك 42 مقعدا في البرلمان) قال أيضا: في تغريدة على "تويتر" إن "الحكومة الحالية فقدت الأهلية في إدارة الحكم، وأطالب قيادات البلد بتحديد تاريخ أولي لانتخابات مبكرة".

وأضاف أن: "ضمان انتخابات حرة ونزيهة بمشاركة جماهيرية واسعة هو مصداق لجدية القوى السياسية للاستجابة لدعوات الاصلاح التي يطالب بها الشعب".

ومثل ذلك، دعا أسامة النجيفي، زعيم تحالف "القرار العراقي"، حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، إلى الاستقالة وإجراء انتخابات مبكرة بإشراف دولي.

كما دعا زعيم "القرار العراقي" (11 مقعدا في البرلمان من أصل 329 مقعدا)، إلى تجميد عمل البرلمان، وذلك على خلفية الاحتجاجات الشعبية الدامية التي تشهدها البلاد منذ الثلاثاء الماضي.

وقال النجيفي في بيان إن: "إدارة الحكومة لأزمة الاحتجاجات فاشلة، ونزيف الدم مستمر للشعب ولقوات الأمن، وقد تجاوزت الحكومة الخط الأحمر والسياقات المعمول بها في الحكومات السابقة".

أمام خيارين

وتفسيرا لمطالبات إقالة الحكومة، يرى السياسي العراقي بهاء الأعرجي، أن: "الصدر أكبر الخاسرين من إعادة الانتخابات البرلمانية على اعتبار أن لديه كتلة كبيرة من 54 مقعدا، وإذا حصلت انتخابات يمكن أن لا يحصل على مثلها".

وبحسب الأعرجي الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء في حكومة حيدر العبادي، قال إن: "العراق أمام حلين لا ثالث لهما، إما أن يجري عبدالمهدي تعديلا وزاريا كبيرا على أن تتعهد الكتل بعدم التدخل في تعيين الوزراء في المرحلة المقبلة، وأن يعطي لحكومته بعد التعديل سقف زمني ليكن مائة يوم لحل ما يمكن حله وفق برنامج حكومي مثلما دعا له الصدر. والخيار الثاني، أن يقوم البرلمان بحل نفسه والدعوة لانتخابات مبكرة".

ولفت إلى أن أحد الأسباب الرئيسة للمظاهرات، هي عدم الثقة في العملية السياسية خلال المرحلة الحالية، بسبب امتناع الخروج في الانتخابات السابقة، وأن جل المتظاهرين لم ينتخبوا، مبينا أن: "الكل يعرف أن نسبة المشاركة في الانتخابات كانت 20 بالمئة، فهؤلاء النواب وهذه الحكومة لم تكن خيار الشعب".

ورأى الأعرجي، أن: "التظاهر اليوم هو استفتاء للحالة السياسية في البلد، وأن سقوف المتظاهرين بدأت ترتفع، ولا بد من أحد الخيارين للخروج من الأزمة الراهنة، وإلا خرجت الأمور عن السيطرة.

تماهيا مع تلك الدعوات، أعرب الرئيس العراقي، برهم صالح، الاثنين الماضي، عن دعمه لإجراء تعديل وزاري، منتقدا قمع التظاهرات، التي دخلت أسبوعها الثاني.

وفي كلمة متلفزة، أعلن "صالح" فتح تحقيق في أحداث الأيام الماضي، التي شهدت مقتل وإصابة المئات. وأكد أن: "لا شرعية لأي عملية سياسية لا تعمل على تحقيق مطالب شبابنا"، موضحا أن "الفساد الإداري والمالي عرقل فرص التقدم".

ووصف الرئيس العراقي ما يجري بالبلاد بأنه "فتنة"، وشدد على أن مطلقي النار على المتظاهرين "خارجون عن القانون"، إلا أنه نفى أن تكون السلطات الأمنية أعطت أوامر رسمية بذلك.

لكن المحلل السياسي والإستراتيجي رعد هاشم، كشف أن: "المعلومات الواردة من خلف الكواليس تشير إلى أن عبدالمهدي بادر مرتين على الأقل بتقديم استقالته، لكن تحالف الفتح المقرب من إيران حال دون ذلك، بتوجيهات إيرانية كي لا ينفلت عقال هيكلة المنظومة الحكومية التي أسسها أبو جهاد الهاشمي (مدير مكتب عبدالمهدي)، الذي يعمل بتوجيهات إيرانية بحتة".

وبحسب معلومات هاشم، فإن: "عبدالمهدي حاول أكثر من مرة تقديم استقالته لكنها قوبلت بالرفض، والسبب أنه خير من نفذ تعليمات إيران وعمل على إنقاذها من العقوبات التي فرضت عليها من المجتمع الدولي والتي أنهكت النظام الإيراني".

وأوضح أن: "الاستقالة أصبحت ضرورة ملحة حتى وإن كابرت الجهات السياسية وأصرت على بقاء عبدالمهدي، بل حتى وإن كابر الأخير نفسه للبقاء في السلطة، لأنه أصبح مطلبا جماهيريا. كما يجب أن تشمل الاستقالة كل الحكومة، وقد ذهب البعض إلى إلغاء العملية السياسية ككل وإلغاء الدستور".

حكومة إنقاذ

لم يقف المتظاهرون عند المطالبة بإصلاح الأوضاع الاقتصادية، وإحداث تغيير جذري في واقع البلاد المتردي، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، فقد طالبوا بإسقاط الحكومة، عبر شعارات "الشعب يريد إسقاط النظام"، والدعوة لتشكيل "حكومة إنقاذ وطني".

وتداول المحتجون مقطعا مصورا على مواقع التواصل الاجتماعي، لأحد الناشطين ويُدعى أحمد الحلو، أعلن فيه تشكيل "حكومة إنقاذ وطني"، يترأسها الفريق الركن عبدالوهاب الساعدي، والفريق الركن عبدالغني الأسدي.

والساعدي قائد قوات مكافحة الإرهاب، يتمتع بشعبية واسعة، نقله رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي إلى وزارة الدفاع قبل أيام، ما تسبب بموجة غضب "عارمة" في الشارع العراقي.

من جهته، رأى الكاتب العراقي سامي الموسوي أن الحل للوضع العراقي هو باستقالة حكومة عبد المهدي "الفاشلة" فورا وحل البرلمان وتشكيل "حكومة إنقاذ وطني" لفترة ٦ شهور توضع خلالها أسس جديدة لنظام سياسي وطني تستبعد منه كافة الأحزاب الحالية المشاركة بالحكم وتحت رعاية الأمم المتحدة.

وبحسب الكاتب، فإن: "حكومة الإنقاذ الوطني" عليها إلغاء مجالس المحافظات واستبدال المحافظين بحكومات إنقاذ وطني محلية.

وتابع: "تطلب حكومة الإنقاذ الحماية الدولية من الأمم المتحدة والتي ترتبط معها بمعاهدات أمنية في حال تدخلت الدول الإقليمية والمجاورة في شؤونها الداخلية والقيام باستبدال البعثات الدبلوماسية في الخارج بأشخاص أكفاء مع طرد سفراء الدول التي تتدخل بالشأن العراقي".

واقترح الموسوي، وضع نظام سياسي رئاسي وليس برلماني لأن الأخير أثبت فشله، وأن تتعهد الحكومات أو الرئيس الجديد بالعمل على إعادة بناء البلد ومرتكزاته العلمية والاقتصادية واستقدام الشركات ورؤوس الأموال والقضاء على البطالة وإعادة الخدمات.

وأوضح الكاتب العراقي: أن النظام السياسي الحالي لم ولن يعطي حقوق للشعب لأنه هو الذي سلبها ولن يقوم بتغيير نفسه بنفسه، وما حلوله إلا ترقيعية لذر الرماد في العيون.

وخلص الموسوي في مقاله إلى أن: "الحل يكمن في التغيير الجذري لهذا النظام الظالم الفاشل الكسيح المنافق الذي يركب أعضاءه اليوم موجة ثورة الشعب ابتدءا من الحلبوسي (رئيس البرلمان) وأعضائه إلى باقي الرؤساء ورؤساء الأحزاب والكتل".

وبدأت الاحتجاجات، في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، من بغداد للمطالبة بتحسين الخدمات العامة وتوفير فرص العمل ومحاربة الفساد، قبل أن تمتد إلى محافظات في الجنوب ذات أكثرية شيعية، مخلفة أكثر من مئة قتيل من المتظاهرين ونحو 6 آلاف جريح، إثر لجوء قوات الأمن للعنف لاحتواء المظاهرات.

ويتهم المتظاهرون قوات الأمن بإطلاق النار عليهم، فيما تنفي الجهات الحكومية ذلك وتقول: إن "قناصة مجهولين" أطلقوا الرصاص على المحتجين وأفراد الأمن على حد سواء لخلق فتنة.

ومنذ سنوات طويلة يخرج العراقيون، بين الحين والآخر بمظاهرات واسعة احتجاجا على سوء الخدمات العامة وتفشي البطالة والفساد، في بلد يعد من بين أكثر دول العالم فسادا، بموجب مؤشر منظمة الشفافية الدولية على مدى السنوات الماضية.