نظام السيسي الهش.. كيف فشل في سيناريو الإصلاح المزعوم؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ صعود عبدالفتاح السيسي إلى رأس السلطة في مايو/أيار 2014، وإحكام سيطرته على مقدرات الحكم، فقدت مصر سقف الحريات الذي استردته عقب ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، ودفعت البلاد كلفة حكمه باهظة على المستويين السياسي والاقتصادي، ما دعا آلاف المصريين إلى الخروج في احتجاجات متصاعدة، والدعوة برحيل السيسي. 

جاء نشر مقاطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعية للمقاول محمد علي الذي كشف فساد السيسي وعائلته بعكس ما يروجه السيسي عن نفسه من حياة التقشف والزهد، ما دفع الناس إلى الخروج ضده أفرادا وجماعات مطالبين بإسقاط النظام. 

لردع هذا الحراك ومجابهته حشد النظام أنصاره ومؤيديه للظهور بحشد مضاد، وأطلق أذرعه الأمنية والإعلامية، تحسبا لانفلات قد يلوح في الأفق.

عاد الملف المصري للصعود على الساحة الأممية، وعبرت العديد من الدول والمنظمات عن قلقها بشأن اضطراب الأوضاع في مصر، مطالبين السيسي بوقف الانتهاكات بحق المواطنين، وإطلاق سراح المحتجزين. إلى أين سوف يصب نهر الغضب الشعبي في مصر؟ وإلى أي مدى يمكن للسيسي أن يستوعب صدمة الجماهير؟

توزيع "الكراتين"

في الوقت الذي سمح فيه النظام المصري بمظاهرات مؤيدة للسيسي بل وقام بالحشد لها، منع المظاهرات المناهضة له وطارد معارضيه وحبسهم.

شارك نشطاء بتداول فيديوهات تظهر حشد الدولة للمؤيدين في حافلات باتجاه موقع المظاهرات المؤيدة، بالإضافة إلى فيديوهات توزيع وجبات "كراتين" غذائية على المتظاهرين، لحثهم على البقاء والتفاعل مع الحدث، مستغلة فقر الناس وعوزهم.

صور وفيديوهات أظهرت سيارات نقل كبيرة، تحمل كراتين بها مواد غذائية يوزعها حزب "مستقبل وطن" الذي يشكل الأغلبية البرلمانية على المواطنين، مقابل المشاركة في المظاهرات أمام جامعة الأزهر، على بعد أمتار قليلة من المنصة.

عقب عودته من الولايات المتحدة الأمريكية، ألمح السيسي إلى إمكانية دعوة مناصريه للنزول إلى الشارع لمنحه تفويضا جديدا لمواجهة المتظاهرين الذين يطالبون برحيله.

وقال السيسي، عقب وصوله إلى مطار القاهرة، صباح الجمعة 27 سبتمبر/أيلول الماضي: "عندما أطلب من المصريين فسينزلون بالملايين للشارع كما حدث يوم التفويض عام 2013 وليس أقل من ذلك".

وتجمع آلاف من مؤيدي السيسي في مدينة نصر بالقاهرة يحملون أعلام مصر ولافتات أخرى مؤيدة للسيسي، وسط حماية من قوات الأمن، وحضر مؤيدو السيسي في حافلات حملتهم من محافظات مختلفة، ليتجمعوا في  منطقة المنصة، وشارع النصر بالقرب من ميدان رابعة العدوية، الذي شهد مذبحة في 14 أغسطس/آب 2013، لأنصار الرئيس الراحل محمد مرسي.

ووفق وكالة الأنباء المصرية الرسمية، "احتشد المواطنون، تأييدا للسيسي" مشيرة إلى خروج مؤيدين لرئيس النظام في محافظتي الإسكندرية وكفر الشيخ شمالي البلاد. وأظهرت الصور حشد طلاب الكلية الحربية للخروج في المظاهرات الداعمة للسيسي.

مصدر برلماني في حزب اﻷغلبية "مستقبل وطن"، قال: إن جهاز اﻷمن الوطني أصدر تعليمات لعدد من مديريات الصحة والتعليم والشباب والرياضة وشركات في قطاع البترول، في المحافظات، لحشد العاملين فيها للحضور في التظاهرات المؤيدة للنظام.

وتداول ناشطون صورا لحافلات الحشد من عدة مناطق بالقاهرة والمحافظات، لنقل مواطنين إلى المنصة، ووعود بوجبة غداء ومبلغ قدره 100 جنيه (6 دولارات تقريبا).

ورغم ذلك الحشد، والإغراءات التي قدمها النظام، لم يرق مشهد التأييد إلى ما كان ينتظره السيسي، بل خيم الحذر على الأجهزة الأمنية التي اتخذت إجراءات صارمة في مواجهة الحشود المضادة. 

إغلاق العاصمة

صباح الجمعة 27 سبتمبر/ أيلول الماضي، أغلقت قوات الشرطة الطرق المؤدية إلى ميدان التحرير وسط القاهرة، رمز ثورة 25 يناير، مخافة أن تتطور لتظاهرات ضد السيسي الذي اعتبر أن الدعوة الى التظاهر "لا تثير القلق".

وبدت شوارع القاهرة لا سيما ميدان التحرير وما حوله شبه خالية، بعد أن أُغلقت معظم الطرق أمام السيارات. كما أغلقت عشرات الطرق وبعض محطات المترو. إلى جانب إغلاق مواقف النقل الرئيسية بين القاهرة والمحافظات، في محاولة لمنع الاحتجاجات وتكرار سيناريو جمعة الغضب في 28 يناير/ كانون الثاني 2011، عندما هزمت الشرطة، وكان الممهد الرئيسي لسقوط نظام مبارك. 

وعقب صلاة الجمعة، انطلقت تظاهرات احتجاجية في عدة محافظات مصرية، تطالب بإسقاط النظام الحاكم، ورحيل السيسي، مرددين هتافات منها: "ارحل يا بلحة"، و"الشعب يريد إسقاط النظام"، و"عيش حرية.. عدالة اجتماعية"، و"سلمية.. سلمية"، "يسقط يسقط حكم العسكر".

مروان المعشر نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط، كتب مقالة تحت عنوان "هشاشة السلطوية في العالم العربي"، قال فيها: "شهد العالم العربي أمثلة عديدة على ذلك، فالمؤسسة العسكرية في مصر سيطرت على الدولة منذ العام 1952، وبأشكال متعددة ظاهرها مدني وحقيقتها أمنية، وحتى حين أدت الاحتجاجات في 2011 إلى الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، عاد العسكر إلى الحكم وبسلطوية أعلى مما كانت عليه قبل العام 2011".

وأردف المعشر قائلا: "هل تعني هذه المرونة قوة السلطوية في الوطن العربي؟ على العكس، فإن تطورات العقد الماضي قد أظهرت هشاشة السلطوية العربية، ففي حين أظهرت هذه السلطوية قدرة فائقة على القمع، فقد أظهرت أيضا، وبنفس المقدار فشلا ذريعا في تقديم الحلول الناجعة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه شعوبها. وبذلك، لم تعد حجة (نحن أو الفراغ) بذات درجة إقناعها السابق. وأصبح لسان حال المواطن العربي وللأسف يفضل الفراغ أحيانا على إعادة تدوير السلطوية بحلل جديدة تنتج نفس الإخفاقات القديمة".

السلطة المصرية لم تكتف بقوات الأمن، والإجراءات الوقائية، فمع اندلاع المظاهرات ضد السيسي في شتى بقاع مصر، ومحافظاتها المختلفة، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرا بعنوان "في مصر.. يتم إسكات المعارضة من قبل رجال ملثمين وشرطة مكافحة الشغب والطرق المغلقة". 

التقرير تحدث عن منهجية السلطات في قمع الاحتجاجات المناهضة للسيسي، المطالبة برحيله وإسقاط نظامه.

وقالت الصحيفة: إن "قوات الأمن المصرية، التي نشرت (عصابات) من رجال ملثمين مسلحين وشرطة مكافحة الشغب، قامت باتخاذ إجراءات صارمة وتضييقات في المناطق الوسطى من القاهرة يوم الجمعة، ما حال دون قيام المتظاهرين المناهضين للحكومة بتوجيه تحدٍ رئيسي ثان للنظام في غضون أسبوع واحد". 

وأكدت "واشنطن بوست" أن "قوات الأمن أغلقت أكثر من 10 طرق مؤدية إلى ميدان التحرير، مهد الربيع العربي في مصر ومركزه عام 2011، التي أطاحت بالحكم المستبد الطويل لحسني مبارك، وذكرت أنه "كانت الشوارع مهجورة، مع وجود قوات الأمن والملثمين، ما جعل المنطقة مثل القلعة التي لا يمكن اختراقها".

قوات الأمن أغلقت أكثر من 10 طرق مؤدية إلى ميدان التحرير

فزع الديكتاتور

وفي 30 سبتمبر/ أيلول الماضي، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، افتتاحيتها تحت عنوان "ديكتاتور ترامب المفضل يصاب بالفزع"، وقالت: إن "حاكم مصر عبد الفتاح السيسي، أصبح الديكتاتور (المفضل) لترامب". 

وأردفت: "لهذا فإنه يجب على الرئيس (ترامب)، والذين يشاركونه الرأي القلق من الأخبار الأخيرة التي جاءت من القاهرة، فقد خرج الشباب المصريون الذين سئموا من الركود في ظروفهم المعيشية، ونظام السيسي الفاسد، إلى الشوارع في جمعتين متتاليتين، وهتفوا بشعارات تطالب برحيل الرجل القوي".

وأضافت واشنطن بوست: "رغم أن القليل يتوقعون حدوث ثورة في المنظور القريب، فإن الاضطرابات وردة فعل السيسي هما تحذير واضح من أن مصر في ظل حاكمها الحالي ليست مستقرة". 

وأفادت الصحيفة بأنه: "في وقت سجل فيه الاقتصاد نموا متسارعا وكذلك معدلات الفقر، فإن السيسي ضيع مليارات الدولارات على مشاريع فرعونية، مثل تفريعة قناة السويس والعاصمة الجديدة".

وتنوه الافتتاحية إلى أنه: "في غضون ذلك انغمس فيه الجنرال السابق وشلته بفساد على مستويات قياسية، تم توثيق بعضها من المقاول المنفي محمد علي، الذي وضع عشرات من أفلام الفيديو على منصات التواصل الاجتماعي، ومن بين الأمور التي زعم علي أن السيسي فعلها، تبذير الأموال على بناء قصور رئاسية، بما فيها قصر بقيمة 15 مليون دولار في الإسكندرية".

واختتمت واشنطن بوست افتتاحيتها بالإشارة إلى "دعوة وزارة الخارجية الأمريكية السماح للمصريين بالتظاهر بسلام، وكذلك دعوة رئيسي لجنتي الشؤون الخارجية الديمقراطي في مجلس النواب ورئيس اللجنة الجمهوري في مجلس الشيوخ إلى الأمر ذاته".

ذاكرة أن "السيسي يأخذ توجيهاته من البيت الأبيض، وطالما بقي ديكتاتور ترامب المفضل فإننا سنتوقع حملة قمع لا ترحم تزعزع في النهاية الاستقرار".

امتصاص الصدمة

على وقع الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها البلاد، حاول السيسي امتصاص أجواء الغضب، وكسر حدة الأحداث، فقام بالتغريد عبر تويتر الأحد 29 سبتمبر/ أيلول الماضي، مؤكدا تفهمه للأثر السلبي لبعض "إجراءات تنقية البطاقات التموينية" على بعض المواطنين.

ثم وجه خلال اجتماعه برئيس حكومته مصطفى مدبولي، ووزير الدفاع محمد زكي، ووزير الداخلية محمود توفيق، ورئيس المخابرات العامة عباس كامل، ورئيس هيئة الرقابة الإدارية شريف سيف الدين، بتكثيف الرقابة التموينية على الأسواق لمحاربة الغلاء، والتعامل بحزم مع الممارسات الاحتكارية. 

وأكدت وزارة التموين في 1 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، إعادة مليون و800 ألف مواطن إلى بطاقات صرف السلع التموينية والخبز المقدم لحوالي 60 مليون مواطن من إجمالي 100 مليون نسمة.

وجدد رئيس البرلمان علي عبدالعال، تأكيده أن الفترة المقبلة "ستشهد تغييرات سياسية وحزبية وإعلامية"، قائلا إن: "هذا التوجه، الذى عبّر عنه فى الجلسة العامة للمجلس، صحيح وليس محاولة لإلهاء المواطنين"، مضيفا: "هذا ليس كلام ننيِّم الناس به".

وشبّه علي عبدالعال، السيسي بزعيم الحزب النازي الألماني أدولف هتلر. وقال عبد العال: "هتلر كانت له أخطاؤه، التي جعلته يتمدد شرقا وغربا، لكنه وضع بنية أساسية قوية للدولة الألمانية لا تزال حتى الآن هي القاطرة التي قادتها لتكون بين دول العالم الأول"، وهو تشبيه لاقى ردود فعل سلبية على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.

وأضاف عبدالعال في خطابه أمام البرلمان موجها حديثه إلى السيسي: "مجلس النواب يبارك خطواتكم الواعية على الساحات العربية والدولية والإقليمية، لفتح آفاق واعدة أمام الاقتصاد المصري، وخطواتكم الجريئة للإصلاح الاقتصادي، وجذب الاستثمارات التي تصب في شرايين الاقتصاد الوطني، بعد أن حاز ثقة المؤسسات الاقتصادية الدولية".

جاء ذلك في ظل ما تعيشه مصر من حالة حراك شعبي، منذ خروج المواطنين بأعداد كبيرة في تظاهرات مناوئة للسيسي في 20 سبتمبر/أيلول الماضي، والتي أعقبتها حملة اعتقالات واسعة طاولت أكثر من 2000 متظاهر، بالإضافة إلى توقيف قيادات حزبية وعمالية بارزة، والعديد من الأكاديميين والصحفيين والمحامين والحقوقيين.

قلق دولي

في 27 سبتمبر/ أيلول الماضي، قالت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشيليه إنها قلقة إزاء عمليات الاعتقال الواسعة على خلفية المظاهرات في مصر.

وأشارت إلى أن منظمات المجتمع المدني المصرية وثقت اعتقال أكثر من 2000 شخص، بينهم محامون وحقوقيون وناشطون سياسيون وأساتذة جامعيون وصحفيون.

فيما أكدت منظمة العفو الدولية في تغريدات على تويتر بشأن الاحتجاجات في مصر أن القاهرة قيد الإغلاق، حيث أقامت قوات الأمن نقاط تفتيش في جميع أنحاء المدينة، وأغلقت جميع الطرق المؤدية إلى ميدان التحرير وأغلقت 4 محطات مترو محاذية، ما منع الناس من ممارسة حقهم في حرية التنقل والتجمع السلمي.

ودعت المنظمة السلطات المصرية إلى الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم في حرية التعبير، والسماح للاحتجاجات بالمضي قدما.

وقالت: إن السلطات نفذت الأسبوع الماضي موجة مروعة من الاعتقالات الجماعية، حيث احتجز ما لا يقل عن 2000 شخص وفقا للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بينهم صحفيون ومتظاهرون وسياسيون.

وفي السياق نفسه، حذرت منظمة "إفدي" الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان السلطات المصرية من أن تتعامل مع المظاهرات السلمية بالقوة. وحثت السلطات على أن تعطي الدليل على احترامها حقوق الإنسان من خلال حرية التعبير والرأي والتظاهر السلمي.

وقالت المنظمة: إنها تراقب الوضع في مصر عن كثب، وترصد التطورات والتفاعل معها من خلال تواصلها المستمر مع عدد من المنظمات والمؤسسات الحقوقية الدولية.

أكد ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، دعم واشنطن حق المصريين في التظاهر، وقال إن: "واشنطن تدعم حق التعبير والتجمع والتظاهر السلمي في مصر".

وأضاف شينكر أن: "الولايات المتحدة تراقب الوضع على الأرض، وأن هناك 1900 معتقل في مظاهرات، ودعا السلطات إلى ضمان ممارسة المصريين حقوقهم في التعبير والتجمع والتظاهر سلميا".

وطالب السيناتور بيرني ساندرز في تغريدة له على "تويتر" السلطات بالتوقف عن استعمال العنف ضد المتظاهرين، مؤكدا أن من حق جميع الناس الاحتجاج من أجل مستقبل أفضل، وأن العالم يشاهد ذلك.

كذلك أعرب السيناتور بوب مينينديز عن أمله في أن تحترم السلطات حقوق مواطنيها، وطالب في تغريدة على تويتر بدعم المظاهرات السلمية في مصر.

وفي ألمانيا، أعربت وزارة الخارجية عن قلقها من تدهور أوضاع حقوق الإنسان والحريات السياسية وحرية التجمع والصحافة في مصر. وقالت إن: "الحكومة الألمانية رفعت موقفها بشأن الوضع في مصر إلى مجلس حقوق الإنسان وإلى المستوى الأوروبي".