إندبندنت: ثورة مصر مستمرة وستمتد إلى أبعد من ميدان التحرير

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة إندبندنت البريطانية إن ثورة عارمة تختمر في مصر، وإن آثارها ستمتد إلى ما هو أبعد من ميدان التحرير، حيث احتج ملايين المصريين لإسقاط الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، في ثورة 25 يناير.

وقالت الكاتبة الصحفية اليسندرا بيجيك إن المصريين على وشك الانفجار في ثورة عارمة، إذا لم تستطع حكومة رئيس النظام عبد الفتاح السيسي معالجة أسباب الغضب المتنامي داخل صدور المصريين، وإيقاف الأساليب القمعية التي تتعامل بها مع الاحتجاجات التي تنشب بين الحين والآخر في مصر.

وذكرت الكاتبة أن الأمر كان بدء في يوم الجمعة 20 سبتمبر/أيلول الماضي، إذ احتج الآلاف من المصريين في شوارع وميادين مصر مطالبين بإسقاط السيسي.

وأضافت أنه "ربما يعتقد البعض أن حجم التظاهرات ليست كثيفة، مقارنة بعدد سكان مصر الذي تجاوز 100 مليون نسمة، إلا أن الحدث قد أصاب الكثير من السياسيين والمراقبين بالدهشة، والنظام بالصدمة، نظراً لحالة القمع التي يمارسها السيسي إلى الحد الذي لم تُقم فيه مظاهرة في مصر منذ عام 2016".

مظاهر القمع

وجرى منع التظاهرات في مصر منذ عام 2013، بعد أن أطاح السيسي بأول رئيس مدني ينتخبه المصريون إبان ثورة يناير 2011 في انقلاب عسكري قاده الجيش بقيادته.

وقد أدى القمع الممنهج الذي اتبعه النظام إلى العديد من حالات انتهاك حقوق الإنسان، تتمثل في سجن عشرات الآلاف من المعارضين، وتعرض الكثيرون إلى الاختفاء القسري، بالإضافة الى أحكام قضائية بالسجن والإعدام طالت العديد من المعارضين السياسيين، مما ينذر بانفجار سياسي ومجتمعي وشيك الحدوث في مصر يفوق بأضعاف كثيرة ما حدث في الثورة على مبارك، ما لم يعالج النظام المصري أسباب الغضب المكبوت في نفوس المصريين.

ومن مظاهر القمع أيضاً، حجب عشرات المواقع الإلكترونية وسيطرة كاملة من أركان النظام على وسائل الإعلام، إذ لا يعلو صوت فوق صوت الحكومة ومؤيديها، بالإضافة إلى سحق أي نوع من المعارضة من أي اتجاه سياسي، مما يدحض حجة النظام بتبعية المعارضين لفصائل الإسلام السياسي.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، نجحت قبضة السيسي القمعية في القضاء على حرية التعبير، وإبداء أي معارضة، مما مكنه من تثبيت قبضته القمعية والسيطرة على الجماهير الهادرة في حالة سكون تام خوفاً من التعرض للانتقام والقمع والتغييب خلف جدران السجون.

إلا أن المشهد قد تغير تماماً وبشكل مفاجئ أصاب المراقبين بالدهشة، في وقت أصيبت فيه حكومة السيسي بذعر وصدمة قاسية خلال الأسبوعين الماضيين، حيث اندلعت التظاهرات في عدد من المدن المصرية ودوى هتاف "ارحل يا سيسي " شوارع مصر في حركة شعبية مباغتة لا تدعمها قوى سياسية.

وتقول الصحيفة: "على الرغم من محدوديتها وتناثرها، تُظهر هذه الاحتجاجات أن المصريين قد استيقظوا بعد ثمانية أعوام من الربيع العربي عندما أسقطوا الديكتاتور مبارك منذ فترة طويلة، لقد عانوا طويلا عبر هذه السنوات من ضغوط اقتصادية طويلة وفترة طويلة من القمع السياسي، وقد وجدوا الآن فرصة جديدة للتنفيس عن غضبهم".

لكن لماذا؟ 

لقد تراكم الإحباط على مدار الأعوام الماضية، خاصةً مع التدابير التقشفية الصارمة التي فرضتها الحكومة المصرية بموجب اتفاق مع صندوق النقد الدولي، حصلت مصر بمقتضاه على قرض بقيمة 12 مليار دولار مقابل خطة تقشف اقتصادي أرهقت ميزانية الأسرة المصرية وأثرت سلباً على أحوالهم المعيشية.

كجزء من البرنامج، خفضت حكومة السيسي قيمة الجنيه المصري ورفعت أسعار السلع والخدمات الأساسية، في حين خفضت الدعم المقدم للوقود والكهرباء وبعض المواد الغذائية.

وتوضح الكاتبة: "في الوقت الذي سارع فيه المراقبون والخبراء الاقتصاديون لمدح أرقام النمو المتسارعة، وخفض التضخم وانخفاض معدلات العجز؛ إلا أن مؤشرات الاقتصاد الكلي المحسنة فشلت حتى الآن في ترجمتها إلى زيادة في الدخل وتحسين مستويات المعيشة، وقد أدى انخفاض قيمة العملة وخفض الدعم، إلى ارتفاع الأسعار، مما أدى إلى سقوط ثلث السكان تقريباً تحت خط الفقر".

تشير الإحصاءات الرسمية الصادرة في يوليو/تموز الماضي إلى أن 33 % من المصريين يعيشون تحت خط الفقر بعد سنوات من تدابير التقشف، مرتفعة من 28 في المائة في عام 2015، في حين يقدر البنك الدولي عدد الفقراء بنحو 60 %.

جدير بالذكر أن الاحتجاجات الأخيرة النادرة جاءت استجابة لدعوة الفنان والمقاول المصري محمد علي المقيم في منفاه الإختياري في إسبانيا، حيث دعا المصريين إلى الخروج للمطالبة بإسقاط السيسي عبر مقاطع فيديو جرى بثها على مواقع التواصل الاجتماعي، متهماً السيسي بالفساد وسرقة أموال المصريين الفقراء من خلال بناء قصور فارهة له ولأسرته.

شرارة غضب

ولاقت دعوة محمد علي استجابة فورية من المصريين الواقعين تحت ضغط القمع والعوز الاقتصادي، مما أثار جدلاً واسعاً حول الفساد في بلد يسيطر فيه الجيش ليس فقط على أمور السياسة والحكم ، بل أيضاً على النشاط الاقتصادي للبلاد.

ولم يكن محمد علي سوى شرارة، مكنت المصريين من كسر جدار الخوف، سواء أكانت مسيرات الشوارع ستستمر أم لا، فهي على استعداد للانفجار في أي وقت، على الرغم من حملة القمع المكثفة.

ومنذ اندلاع المظاهرات، شنت السلطات المصرية أكبر موجة من الاعتقالات الجماعية في ظل حكم السيسي، حيث احتجزت أكثر من 2000 شخص، من ضمنهم محامين وصحفيين وسياسيين والكثير ممن لم يشاركوا في الاحتجاجات، بالإضافة الى اعتقال سجناء سابقون.

كما تم منع الوصول إلى المواقع الإخبارية وتقييد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ، في الوقت الذي حاولت فيه منصات إعلامية مؤيدة للحكومة تشويه سمعة المتظاهرين من خلال وصفهم بأنهم "إسلاميون" أو "إرهابيون".

وأثبتت الاحتجاجات الأخيرة أن قبضة السيسي الأمنية ليست كافية للسيطرة على مقاليد الأمور، فالمصريون على استعداد تام للانتشار في احتجاجات تكتظ بها شوارع مصر.

وفي محاولة للتخفيف من حدة ذلك، قال السيسي لبعض المصريين الذين تم حشدهم لاستقباله في مطار القاهرة لحظة عودته من الولايات المتحدة قبل أيام: "لا تقلقوا بشأن أي شيء"، غير أنه بدا عليه القلق، ويحق له القلق، حيث تعتبر هذه الاحتجاجات الأوسع انتشار وتأثيراً ضد سياسات حكمه. 

واختتمت الكاتبة مقالها في صحيفة إندبندنت البريطانية بقولها إن "الادعاء بأن الاقتصاد يسير على ما يرام لن ينزع فتيل الغضب الشعبي، خاصة عندما يتم إنفاق مليارات الدولارات على بناء قصور جديدة ومشروعات ضخمة تعزز قوة الجيش، يجب أن يتعلم الرئيس السيسي أن الإحباط الذي دفع الناس إلى الخروج للشارع لن يهدأ إلا عند معالجة الصعوبات الاقتصادية التي يواجهونها".