لماذا استثنت الرياض العرب من تأشيرات السياحة إلى المملكة؟

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لأول مرة في تاريخها، تعلن المملكة العربية السعودية أنها شرعت في إصدار تأشيرات سياحية لمواطني 49 دولة حول العالم، أغلبها دول أوروبية وآسيوية بجانب الولايات المتحدة الأمريكية، وليس من بينهم دولة عربية واحدة.

حملت التأشيرة الإلكترونية مزايا متعددة، فسعرها لا يتجاوز  440 ريالا سعوديا (117 دولارا) ومدة صلاحيتها تستمر لعام كامل، كما أنها تصلح للدخول المتعدد، على ألا تزيد الإقامة في كل مرة عن 90 يوما، ولا تزيد عن 180 يوما خلال العام الواحد.

وتتيح التأشيرة الإلكترونية، التي بدأ إصدارها منذ 28 سبتمبر/أيلول 2019، للسائح أداء العمرة، كما لا تشترط أن يكون لدى المرأة مرافق.

الغريب غير أن التأشيرة الإلكترونية، الذي يستغرق الحصول عليها 7 دقائق، استبعدت كل الدول العربية، ولم يكن أي دولة عربية من بين تلك الدول الذي شملها القرار.

وفتحت المملكة أبوابها لمواطني دول أجنبية من آسيا وأوروبا هي: النمسا، بلجيكا، التشيك، الدنمارك، إستونيا، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، اليونان، المجر، أيسلندا، إيطاليا، لاتفيا، ليختنشتاين، ليتوانيا، لوكسمبورغ، مالطا، هولندا، النرويج، بولندا، البرتغال، سلوفاكيا، سلوفينيا، إسبانيا، السويد، سويسرا، أيرلندا، موناكو، أندورا، روسيا، مونتيرو، سان مارينو، أوكرانيا، إنجلترا، بلغاريا، رومانيا، كرواتيا، قبرص، سلطنة بروناى، اليابان، سنغافورة، ماليزيا، كوريا الجنوبية، كازاخستان، الصين، الولايات المتحدة، كندا، أستراليا ونيوزلندا.

السعودية تصدر تأشيرات سياحية لمواطني 49 دولة

لبس المايوه

حسب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فإن رؤية 2030 تسعى لتقليل الاعتماد على النفط، وتنشيط عدة قطاعات لتنويع مصادر دخل المملكة وزيادة إيراداتها.

رئيس الهيئة العامة للسياحة السعودي أحمد الخطيب، صرح بأن الرياض تسعى  لجذب 100 مليون سائح سنويا، بحلول عام 2030، وأشار إلى أن هيئة السياحة تستهدف الولايات المتحدة وأوروبا والصين واليابان.

ذلك الطموح دفع كثيرين للتساؤل ما إذا كان بمقدور السعودية جذب ذلك العدد من سائحي أوروبا والولايات المتحدة، مع استمرار حظرها للخمور وتقييدها لحرية اللبس على الشواطئ والمنتجعات، أم أنها قررت بخطوات جريئة، أن تكون وجهة سياحية على غرار ما هو عليه الحال في دبي.

الخطيب أفاد بأن العباءة لن تكون إلزامية للسائحات القادمات إلى السعودية، وأن القيود ستكون مستمرة على مكة والمدينة فقط، ما يطرح تساؤلا هل التخلي عن لبس العباءة مجرد بداية لعهد جديد يسمح فيه بلبس المايوه على الشواطئ، وشرب الخمور في مقاهي جدة والرياض وبقية المدن السعودية باستثناء مكة والمدينة؟.

كانت السعودية قد أعلنت تدشين مشروع "نيوم" وهو منطقة اقتصادية وسياحية، بتكلفة 500 مليار دولار شمال غربي المملكة، ويمتد بين 3 دول هي السعودية ومصر والأردن، ووصفت المنطقة بأنها ستكون مدينة المستقبل والأحلام، بحيث تقدم معايير عالمية لنمط العيش من حيث الجوانب الثقافية والفنون والتعليم، ويوفر بيئة معيشية رفيعة المستوى، قبل أن يجري الحديث عن توقف المشروع لأسباب اقتصادية.

فهل تستطيع السعودية الترويج لهذه المشاريع السياحية من دون أن تقوم بتغيير جذري لنمط العيش في السعودية، وتسمح بحرية الأكل والشرب واللبس، والسماح للسياح بممارسة حياتهم بالشكل الذي يلبي احتياجاتهم، ويشكل دافعا لهم ليعتبروا المملكة وجهة سياحية منافسة للوجهات السياحية الأخرى في أنحاء العالم؟

المواطنة السعودية مشاعل الجالود تتجول بدون عباءة في أحد مولات الرياض

انفتاح انتقائي

في مقابل التسهيلات التي قدمتها السعودية لمواطني 49 دولة، قامت بتضييق الخناق على مواطني الدول العربية فهم لا يستطيعون الحصول بسهولة على تأشيرة زيارة للمملكة أو تأشيرات العمرة، بالإضافة لكون هذه التأشيرات موسمية تخضع لشروط معقدة في عدد من البلدان العربية، كما أن تكلفتها تبلغ أضعاف التأشيرة السياحية.

بالإضافة إلى ذلك تقوم السعودية بتضييق الخناق على اليمنيين، وتغلق كل المنافذ البرية في وجوههم، منذ شنت عليهم الحرب في مارس/آذار 2015، وفرضت عليهم الحصار الجوي والبحري وأخرجت معظم المطارات المدنية من الخدمة، بما في ذلك مطار صنعاء الدولي، لهذا فإن اليمنيين لا يستطيعون السفر إلى دولة أخرى عبر الأراضي السعودية، بل يلجؤون للسفر إلى عُمان، التي تمنح تأشيرة لليمنيين لمدة أسبوع فقط، للانتقال من اليمن إلى دولة أخرى.

المحلل السياسي ياسين التميمي قال لـ"الاستقلال": "قرار السعودية إصدار تأشيرات سياحية لعدد محدد من الدول ليس من بينها أية دولة عربية، يشير إلى طبيعة الانفتاح الانتقائي الذي تمضي فيه السعودية في ظل قيادتها الحالية، في محاولة لتسويق السعودية الجديدة التي كسرت الكوابح المفروضة منذ عقود، بسبب الطبيعة الاستثنائية لجزء مهم من هذا البلد وهو الحجاز، باعتباره مهبط للوحي وحاضنة لأقدس البقاع الدينية على وجه الأرض، مكة المكرمة والمدينة المنورة".

مضيفا: "لكن أيضا ثمة محرك اقتصادي وراء قرار كهذا، يخفي رغبة سعودية في الحصول على المزيد من الأموال من خلال تسويق منتج سياحي متنوع ومتحرر أكثر من أي وقت مضى من القيود والسلوك المحافظ الذي هيمن على المجتمع السعودي طيلة العقود الماضية".

التميمي تابع: "من الواضح أن السعودية تريد مواصلة فرض القيود والكوابح على الزوار من البلدان العربية ومعظم البلدان الإسلامية، رغم وجود نسبة لا بأس بها من سكان هذه البلدان ميسورة الحال وتريد زيارة المملكة لدوافع مختلفة بينها الدافع السياحي".

السبب يعود، حسب التميمي إلى أن: "المملكة ضمنت توافد ملايين العرب والمسلمين ضمن عمليات التفويج السنوية لأداء الحج والعمرة، التي يتم السيطرة عليها عبر سلسلة من الإجراءات وقيود الإذعان التي تحصر زيارات كهذه بأداء المشاعر والانصراف، أو التعرض لإجراءات مهينة تشمل الحبس والترحيل التعسفي، فيما تحصل السعودية على مبالغ طائلة كرسوم يدفعها الحجاج والمعتمرون إلى الحد الذي باتت معه هذه الأموال سببا في عجز الكثيرين عن أداء الركن الخامس من شعائر الإسلام".

تفرض السعودية حصارا على اليمنيين الفارين من الحرب ( منفذ الوديعة البري)

السمعة السيئة

نشرت صحيفة لاكروا الفرنسية تقريرا تزامن مع إعلان السعودية إصدار تأشيرات سياحة لمواطني 49 دولة، تحدثت أن ولي العهد السعودي يهدف، من خلال إجراءات الانفتاح السياحي التي يقوم بها، إلى تجميل السمعة السيئة التي لحقت بالسعودية خلال فترة حكمه القصيرة، بعد أن تورط في حرب اليمن بالإضافة لقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وكذلك اعتقال ناشطات سعوديات.

وقالت الصحيفة: إنه رغم الجهود التي يبذلها محمد بن سلمان لتحويل الانتباه عن قضية مقتل خاشقجي، إلا أنه لا يزال في وضع لا يحسد عليه داخليا وخارجيا، وتساءلت الصحيفة: هل يساعد الانفتاح السياحي على قلب هذه المعادلة؟.

وأبرزت الصحيفة في مستهل تقريرها الحملة التي شنتها السعودية للتعريف بمناطقها التاريخية والسياحية، متسائلة عما إذا كان ذلك سيجعل من هذه المملكة الوجهة السياحية العصرية الجديدة، ويؤسس لثورة سياحية جديدة في المملكة.

وذكرت الصحيفة في هذا الإطار أن الرياض عمدت لبضعة أسابيع إلى بث مقاطع فيديو على نطاق واسع على الإنترنت عرضت فيها بعض مناطقها السياحية التي أرادت أن تظهر أنها لا تقل جمالا عن البتراء في الأردن والمناطق السياحية بإيطاليا وأستراليا وغيرها.

لكن ما هي إلا ساعات بعد ذلك الإعلان حتى انتشرت صور ومقاطع فيديو لمحطة القطار الجديدة بجدة وهي تشتعل لينكشف معها المزيد من عيوب المملكة التي لا تنتهي وعلى جميع الأصعدة، حسب الصحيفة.

ونقلت الصحيفة عن المؤرخ المغربي نبيل مُلين قوله: "الكثير من الناس التبس عليهم عن حسن نية، أن يكون المرء شابا وأن يكون مستعدا للالتزام بالإصلاح". في إشارة لولي العهد السعودي.

ويضيف ملين أن: "ابن سلمان تمكن في غضون عامين من تدمير كل ما وجد أمامه، مرجعا ذلك إلى تفضيل هذا الأمير الطريقة القوية العنيفة على الأسلوب البطيء والتوافقي الذي كان حتى تولي ابن سلمان السلطة السمة المميزة للمملكة، وهو ما أدى إلى جعله عالقا اليوم في الفخ الذي نصبه لنفسه، لينكشف بذلك نظام الحكم في السعودية في أوضح صوره: نظام قائم على الاستبداد والقمع"، على حد تعبير المؤرخ المغربي.